دروس وخواطر الإمام لشهر ربيع الثاني
درس الثلاثاء
8/10/2024م الموافق5 من شهر ربيع الثاني 1446ه
تحت عنوان
مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية
العناصر
التيسيرسمة من سمات الاسلام
التيسير في التوبة
تخفيف التكاليف ورفع الحرج
التيسير في الطهارة
التيسير في الصيام
التيسير سمة من سمات الاسلام
التيسير سِمَةٌ بارزة من سمات الشريعة الإسلامية ومنحةٌ إلهيةٌ رفَعَ اللهُ بها شأنَ هذه الرسالة الخالدة؛
إذْ إنَّ المُتتبِّع لأحكام الشريعة يُلاحظ التيسير نمطًا سائدًا، وهدفًا واضحًا؛
قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].
• وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا))؛ (أخرجه البخاري).
• وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ))؛ (أخرجه مسلم).
• وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ))؛ (أخرجه ابن حِبَّان، وصحَّحَه الألباني).
• وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلا تُنَفِّرُوا))؛ (أخرجه البخاري ومسلم).
.
من مظاهر ومعالم التيسير في الشريعة الإسلامية.
فتح باب التوبة من أعظم التيسير:
أيها الأحِبَّة الكِرام، أولى مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية فتح باب التوبة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وقال عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25].
• فقد كان للتوبة في شرع من قبلنا شرط خُفِّف عنا، فلما عَبَدَ قوم موسى العِجْل وسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا، وأرادوا التوبة، فجعل الله لهم امتحانًا شديدًا لقبول توبتهم؛ وذلك بأن يقتلوا أنفسهم فيُغِير بعضهم على بعض، ويتقاتلوا بينهم، فكان قتل النفس شرطًا لقبول توبتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 54].
قال الزهري: لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر، وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم [يعني كثر القتلى منهم]، قالوا: يا نبي الله، ادع الله لنا، وأخذوا بعضديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: ما يحزنك؟ أما من قتل منكم فحَيٌّ عندي يُرزَق، وأمَّا مَن بقي فقد قُبِلت توبتُه؛ فَسُرَّ بذلك موسى، وبنو إسرائيل؛ (رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه"، انتهى من "تفسير ابن كثير").
أمَّا في الشريعة الإسلامية؛ فيتجلَّى فضل الله وتيسيره على هذه الأُمَّة من خلال قبول توبة العاصي بمجرد الإنابة إلى الله والتوبة النصوح، فمن تاب وأقلع عن الذنب، وعزم على عدم العودة إليه، وردَّ المظالم إلى أصحابها، تاب الله عليه، وقَبِلَ منه، ولا أدلُّ من ذلك من قوله سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، وقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8].
وفي سنن الترمذي أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ: يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)).
• وكان من قبلنا إذا أذنب أحدهم ذنبًا يُكتَب ذنبه على باب داره، وتُكتَب معه كفَّارته، أمَّا نحن الأُمَّة المحمديَّة فقد جعل الله كفَّارة ذنوبنا قولًا نقوله بألسنتنا، فتوبتنا أسهلُ تناولًا، وأسرع قبولًا،
وقد ورد في تفسير ابن المنذر رحمه الله: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجتمعين عند ابن مسعود رضي الله عنه، فتذاكروا بني إسرائيل وما أعطاهم الله من فضائل، فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل من بنــي إسرائيل إذا أذنب ذنبًا كُتِبَ ذنبه علـــى بـــاب داره، وكُتِبَ معه كفــَّـارة ذلك؛ ليغفر ذلك الذنب، أما أنتم فجعل الله مغفرة ذنوبكم قولًا تقولونه بألسنتكم، ثم تلا قول الحق: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: والله ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية
تخفيف التكاليف ورفع الحرج:
ومن مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية تخفيف التكاليف ورفع الحرج، ونجد لهذا نماذج كثيرة في العبادات؛ ففي الصلاة - على سبيل المثال- التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين نجد أن الله عز وجل تخفيفًا عنَّا شرع لنا خمس صلوات في اليوم والليلة، وأباح لنا الصلاة في أي مكان، وكانت لا تحل في الأُمَم الماضية لهم ولا تجوز، أو لا تقبل منهم إلا في بقاع من الأرض معلومة لديهم، وإن بعدت؛ وهي البيع والكنائس والمحاريب، وهذه الأُمَّة جعلت الأرض كلها مسجدًا وطهورًا؛ ويشير إلى هذا المعنى الحديث: ((وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ))؛ رواه البخاري؛ وفي لفظ مسلم في صحيحه، وغيره: ((جعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء)).
• وكذلك تجب في الحَضَر أربعًا، وفي السفر تُقْصَر إلى ثِنْتَين، والقيام فيها يسقط بعذر المرض، فيُصلِّيها المريض جالسًا، فإن لم يستطِعْ فعلى جنبه، ورفعت عن الحائض والنفساء، ولا تُقْضى بعد الطُّهْر، وهذا يُسْر ولُطْف على المرأة، حيث تعاني في فترة الحيض والنفاس آلامًا ودماء، يصعب معها الصلاة، وقد تطول هذه المدة فيشق القضاء، فجاءت الرحمة الربانية على المرأة بهذا التيسير، ولم يطلب منها قضاء تلك الصلوات الفائتة عنها بعد، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات.
التيسير في الطهارة
• وممَّا خفَّف الله به عن هذه الأُمَّة في باب الطهارة، نجد أن طهارة الثوب في شرع من قبلنا كانت بقَطْع ما نالتْه النجاسةُ من الثوب؛ فكان إذا أصاب النجسُ ثوبَ أحدهم لا يُطهره؛ بل يقطع الثوب؛ كما ورد في رواية الإمام أحمد والحاكم واللفظ له من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان بنو إسرائيل إذا أصاب ثوب أحدهم البول، قرضه بالمقراض))، أمَّا في شريعة الإسلام فمعلوم ما في ديننا من التيسير الكثير في شأن الطهارة ورفع الحرج، فيكفي أن نغسل مكان النجاسة مرةً واحدةً بماء طهور، ويتبين هذا الدين في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقام الناس ليقعوا به، ففي صحيح البخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ)).
ثم إنه رخَّص لمن لا يستطيع استخدام الماء أن يتيمَّم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: 6].
ومن مظاهر التيسير في الصيام:
إباحة الأكل والشرب ليلًا؛ أي: من بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ فقد رُوي عن ابن عباس، وأبي العالية، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنس، وعطاء الخراساني، أن صيام الأُمَم السابقة كان من الليلة إلى الليلة.
يقول ابن عاشور: حصل في صيام الإسلام ما يخالف صيام الأُمَم السابقة في قيود ماهية الصيام وكيفيتها، ولم يكن صيامنا مماثلًا لصيامهم تمام المماثلة، فقوله: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183] تشبيه في أصل فرض ماهية الصوم لا في الكيفيات، والتشبيه يُكتفَى فيه ببعض وجوه المشابهة، وهو وجه الشَّبَه المُراد في القصد.
وجاء عن ابن عمر، أنه قال: أنزلت ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183] كتب عليهم أن أحدهم إذا صلَّى على العتمة ونام، حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها.
واستمر الأمر على هذا عند المسلمين الأوائل؛ فقد كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجِماع، فحصلت المشقَّة لبعضهم، فخفَّف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجِماع، سواء نام أو لم يَنَمْ؛ لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به.
روى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا.
إباحة الفطر للمريض والمسافر والحامل والمرضع؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، ورخص للحبلى والمرضع))؛ [صحيح النسائي].
وكذلك التيسير على الصغير الذي لم يبلغ، فلا يجب الصيام عليه حتى يبلغ، وكذلك التيسير على الحائض والنفساء، فيحرم عليهما الصوم ولا يصح منهما؛ والتيسير على العاجز والهرم، فإذا كان عجزًا مستمرًّا لا يُرجى زواله؛ كالكبير والمريض مرضًا لا يُرجَى برؤه، فلا يجب عليه الصيام حتى يستطيعه، ويجب عليه أن يُطعِم عن كل يوم مسكينًاظاهر
عدم الفطر لمن أكل أو شرب ناسيًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل ناسيًا وهو صائمٌ، فليتمَّ صومَه؛ فإنما أطعمه اللهُ وسقاه))؛ [صحيح النسائي].
ومَن غَلَبه القيء فتقيَّأ فإنه لا يفسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ ذَرَعَه قيءٌ وهو صائمٌ، فليس عليه قضاءٌ، وإن استقاء فليقضِ))؛ [صحيح أبي داود].
وعدم فساد الصوم إذا أدركه الفجر وهو جُنُب؛ فعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر، وهو جُنُبٌ من أهله، ثم يغتسل، ويصوم)؛ [أخرجه البخاري].
رابط المنتدي ( كل ماتريده فى موقع واحد )
taher.forumegypt.net
صفحة خطب ودروس وقوافل دعوية وتس
https://chat.whatsapp.com/CK9ZWXu1di80oj102nQfB3
صفحة خطب ودروس وقوافل دعوية
فيسبوك
fb://profile/100064007506661
🧡
فضيلة الشيخ طاهر ابو المجد احمد
كبير أئمة شبرا الخيمة شرق القليوبية
جامعة الأزهر قسم العقيدة والفلسفة
درس الثلاثاء
8/10/2024م الموافق5 من شهر ربيع الثاني 1446ه
تحت عنوان
مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية
العناصر
التيسيرسمة من سمات الاسلام
التيسير في التوبة
تخفيف التكاليف ورفع الحرج
التيسير في الطهارة
التيسير في الصيام
التيسير سمة من سمات الاسلام
التيسير سِمَةٌ بارزة من سمات الشريعة الإسلامية ومنحةٌ إلهيةٌ رفَعَ اللهُ بها شأنَ هذه الرسالة الخالدة؛
إذْ إنَّ المُتتبِّع لأحكام الشريعة يُلاحظ التيسير نمطًا سائدًا، وهدفًا واضحًا؛
قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].
• وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا))؛ (أخرجه البخاري).
• وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ))؛ (أخرجه مسلم).
• وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ))؛ (أخرجه ابن حِبَّان، وصحَّحَه الألباني).
• وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلا تُنَفِّرُوا))؛ (أخرجه البخاري ومسلم).
.
من مظاهر ومعالم التيسير في الشريعة الإسلامية.
فتح باب التوبة من أعظم التيسير:
أيها الأحِبَّة الكِرام، أولى مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية فتح باب التوبة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وقال عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25].
• فقد كان للتوبة في شرع من قبلنا شرط خُفِّف عنا، فلما عَبَدَ قوم موسى العِجْل وسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا، وأرادوا التوبة، فجعل الله لهم امتحانًا شديدًا لقبول توبتهم؛ وذلك بأن يقتلوا أنفسهم فيُغِير بعضهم على بعض، ويتقاتلوا بينهم، فكان قتل النفس شرطًا لقبول توبتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 54].
قال الزهري: لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر، وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم [يعني كثر القتلى منهم]، قالوا: يا نبي الله، ادع الله لنا، وأخذوا بعضديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: ما يحزنك؟ أما من قتل منكم فحَيٌّ عندي يُرزَق، وأمَّا مَن بقي فقد قُبِلت توبتُه؛ فَسُرَّ بذلك موسى، وبنو إسرائيل؛ (رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه"، انتهى من "تفسير ابن كثير").
أمَّا في الشريعة الإسلامية؛ فيتجلَّى فضل الله وتيسيره على هذه الأُمَّة من خلال قبول توبة العاصي بمجرد الإنابة إلى الله والتوبة النصوح، فمن تاب وأقلع عن الذنب، وعزم على عدم العودة إليه، وردَّ المظالم إلى أصحابها، تاب الله عليه، وقَبِلَ منه، ولا أدلُّ من ذلك من قوله سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، وقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8].
وفي سنن الترمذي أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ: يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)).
• وكان من قبلنا إذا أذنب أحدهم ذنبًا يُكتَب ذنبه على باب داره، وتُكتَب معه كفَّارته، أمَّا نحن الأُمَّة المحمديَّة فقد جعل الله كفَّارة ذنوبنا قولًا نقوله بألسنتنا، فتوبتنا أسهلُ تناولًا، وأسرع قبولًا،
وقد ورد في تفسير ابن المنذر رحمه الله: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجتمعين عند ابن مسعود رضي الله عنه، فتذاكروا بني إسرائيل وما أعطاهم الله من فضائل، فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل من بنــي إسرائيل إذا أذنب ذنبًا كُتِبَ ذنبه علـــى بـــاب داره، وكُتِبَ معه كفــَّـارة ذلك؛ ليغفر ذلك الذنب، أما أنتم فجعل الله مغفرة ذنوبكم قولًا تقولونه بألسنتكم، ثم تلا قول الحق: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: والله ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية
تخفيف التكاليف ورفع الحرج:
ومن مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية تخفيف التكاليف ورفع الحرج، ونجد لهذا نماذج كثيرة في العبادات؛ ففي الصلاة - على سبيل المثال- التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين نجد أن الله عز وجل تخفيفًا عنَّا شرع لنا خمس صلوات في اليوم والليلة، وأباح لنا الصلاة في أي مكان، وكانت لا تحل في الأُمَم الماضية لهم ولا تجوز، أو لا تقبل منهم إلا في بقاع من الأرض معلومة لديهم، وإن بعدت؛ وهي البيع والكنائس والمحاريب، وهذه الأُمَّة جعلت الأرض كلها مسجدًا وطهورًا؛ ويشير إلى هذا المعنى الحديث: ((وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ))؛ رواه البخاري؛ وفي لفظ مسلم في صحيحه، وغيره: ((جعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء)).
• وكذلك تجب في الحَضَر أربعًا، وفي السفر تُقْصَر إلى ثِنْتَين، والقيام فيها يسقط بعذر المرض، فيُصلِّيها المريض جالسًا، فإن لم يستطِعْ فعلى جنبه، ورفعت عن الحائض والنفساء، ولا تُقْضى بعد الطُّهْر، وهذا يُسْر ولُطْف على المرأة، حيث تعاني في فترة الحيض والنفاس آلامًا ودماء، يصعب معها الصلاة، وقد تطول هذه المدة فيشق القضاء، فجاءت الرحمة الربانية على المرأة بهذا التيسير، ولم يطلب منها قضاء تلك الصلوات الفائتة عنها بعد، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات.
التيسير في الطهارة
• وممَّا خفَّف الله به عن هذه الأُمَّة في باب الطهارة، نجد أن طهارة الثوب في شرع من قبلنا كانت بقَطْع ما نالتْه النجاسةُ من الثوب؛ فكان إذا أصاب النجسُ ثوبَ أحدهم لا يُطهره؛ بل يقطع الثوب؛ كما ورد في رواية الإمام أحمد والحاكم واللفظ له من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان بنو إسرائيل إذا أصاب ثوب أحدهم البول، قرضه بالمقراض))، أمَّا في شريعة الإسلام فمعلوم ما في ديننا من التيسير الكثير في شأن الطهارة ورفع الحرج، فيكفي أن نغسل مكان النجاسة مرةً واحدةً بماء طهور، ويتبين هذا الدين في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقام الناس ليقعوا به، ففي صحيح البخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ)).
ثم إنه رخَّص لمن لا يستطيع استخدام الماء أن يتيمَّم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: 6].
ومن مظاهر التيسير في الصيام:
إباحة الأكل والشرب ليلًا؛ أي: من بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ فقد رُوي عن ابن عباس، وأبي العالية، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنس، وعطاء الخراساني، أن صيام الأُمَم السابقة كان من الليلة إلى الليلة.
يقول ابن عاشور: حصل في صيام الإسلام ما يخالف صيام الأُمَم السابقة في قيود ماهية الصيام وكيفيتها، ولم يكن صيامنا مماثلًا لصيامهم تمام المماثلة، فقوله: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183] تشبيه في أصل فرض ماهية الصوم لا في الكيفيات، والتشبيه يُكتفَى فيه ببعض وجوه المشابهة، وهو وجه الشَّبَه المُراد في القصد.
وجاء عن ابن عمر، أنه قال: أنزلت ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183] كتب عليهم أن أحدهم إذا صلَّى على العتمة ونام، حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها.
واستمر الأمر على هذا عند المسلمين الأوائل؛ فقد كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجِماع، فحصلت المشقَّة لبعضهم، فخفَّف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجِماع، سواء نام أو لم يَنَمْ؛ لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به.
روى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا.
إباحة الفطر للمريض والمسافر والحامل والمرضع؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، ورخص للحبلى والمرضع))؛ [صحيح النسائي].
وكذلك التيسير على الصغير الذي لم يبلغ، فلا يجب الصيام عليه حتى يبلغ، وكذلك التيسير على الحائض والنفساء، فيحرم عليهما الصوم ولا يصح منهما؛ والتيسير على العاجز والهرم، فإذا كان عجزًا مستمرًّا لا يُرجى زواله؛ كالكبير والمريض مرضًا لا يُرجَى برؤه، فلا يجب عليه الصيام حتى يستطيعه، ويجب عليه أن يُطعِم عن كل يوم مسكينًاظاهر
عدم الفطر لمن أكل أو شرب ناسيًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل ناسيًا وهو صائمٌ، فليتمَّ صومَه؛ فإنما أطعمه اللهُ وسقاه))؛ [صحيح النسائي].
ومَن غَلَبه القيء فتقيَّأ فإنه لا يفسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ ذَرَعَه قيءٌ وهو صائمٌ، فليس عليه قضاءٌ، وإن استقاء فليقضِ))؛ [صحيح أبي داود].
وعدم فساد الصوم إذا أدركه الفجر وهو جُنُب؛ فعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر، وهو جُنُبٌ من أهله، ثم يغتسل، ويصوم)؛ [أخرجه البخاري].
رابط المنتدي ( كل ماتريده فى موقع واحد )
taher.forumegypt.net
صفحة خطب ودروس وقوافل دعوية وتس
https://chat.whatsapp.com/CK9ZWXu1di80oj102nQfB3
صفحة خطب ودروس وقوافل دعوية
فيسبوك
fb://profile/100064007506661
🧡
فضيلة الشيخ طاهر ابو المجد احمد
كبير أئمة شبرا الخيمة شرق القليوبية
جامعة الأزهر قسم العقيدة والفلسفة