️خطبة بعنوان: "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ"
1 ربيع الثاني 1446هـ - 4 أكتوبر 2024م
️عناصرُ الخطبةِ
=========
️أولًا: النصرُ مِن عندِ اللهِ.
️ثانيًا: عواملُ النصرِ في الإسلامِ.
️ثالثًا: أثرُ الروحِ المعنويةِ للجنودِ في نصرِ أكتوبرِ المجيدِ.
️المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
️أولًا: النصرُ مِن عندِ اللهِ.
إنَّ مَن ينظرُ إلى الغزواتِ والمعاركِ الإسلاميةِ على مرِّ العصورِ والقرونِ يجدُ أنَّ النصرَ والتأييدَ فيهَا مِن عندِ اللهِ تعالى، ومِن أبرزِ هذه الغزواتِ غزوةُ بدرٍ الكُبرَى، والتي قالَ اللهُ تعالَى في شأنِهَا: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}. [آل عمران:126]، وقالَ تعالَى:{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ( الأنفال: 17)، يقولُ الدكتور/ مُحمد سيِّد طنطاوِي رحمَهُ اللهُ: " الآيةُ الكريمةُ المقصودُ منهَا غرسُ الاعتمادِ على اللهِ في قلوبِ المؤمنينَ وتفويضُ أمورهِم إليهِ، وبيانُ أنَّ النصرَ إنّمَا هو مِن اللهِ وحدَهُ، وليسَ مِن الملائكةِ أو مِن غيرِهِم؛ لأنَّ الملائكةَ أو غيرَهُم أسبابٌ عاديةٌ بمعزلٍ عن التأثيرِ، إلَّا إذا أرادَ اللهُ ذلكَ، فهو الخالقُ للأسبابِ والمسبباتِ.
ولقد حرصَ القرآنُ في كثيرٍ مِن آياتِهِ على تثبيتِ هذا المعنَى في قلوبِ المؤمنينَ حتّى لا يعتمدُوا على الأسبابِ والوسائلِ التي بينَ أيديهِم، ويغترُّوا بهَا، دونَ أنْ يلتفتُوا إلى قدرةِ خالقِ الأسبابِ والوسائلِ، فإنّهُم إذا اغترُّوا بالأسبابِ والوسائلِ ونسُوا خالقَهَا أتاهُم الفشلُ مِن حيثُ لم يحتسبُوا وكان أمرُهُم فرطًا، والعاقلُ مِن الناسِ هو الذي يباشرُ الأسبابَ التي شرعَهَا اللهُ- تعالى- بتدبرٍ واعتبارٍ بحيثُ، يوقنُ أنَّ مِن ورائِهَا خالقًا لهَا، يجبُ أنْ يستجيبَ لهُ في كلِّ ما أمرَ أو نهَى، وأنْ يعتمدَ عليهِ في كلِّ شئونِهِ وأحوالِهِ." (التفسير الوسيط).
فالنصرُ والتأييدُ لهُ علاقةٌ وثيقةٌ بالأخذِ بالأسبابِ، وهذا ما سلكَهُ الرسولُ ﷺ في غزواتِهِ ومعاركِهِ كلِّهَا.
لقد حثّنَا الشارعُ الحكيمُ على مبدأِ الأخذِ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ تعالَى، وقد طبقَهُ ﷺ في جميعِ حياتِهِ العمليةِ، فعندمَا تحركَ إلى موقعِ ماءِ بدرٍ، نزلَ بالجيشِ عندَ أدنَى بئرٍ مِن آبارِ بدرٍ، وهنا قامَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وأشارَ على النبيِّ بموقعٍ آخرٍ أفضلَ مِن هذا الموقعِ قائًلا: يَا رَسُولَ اللّهِ ! أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: ” بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ” .. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [ أي ندفن ] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ..فَقَالَ ﷺ – مشجعًا – :” لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ”. (سيرة ابن هشام).
ويعتبرُ الإبداعُ والابتكارُ ميزةً رائدةً تمتازُ بهَا العسكريةُ الإسلاميةُ في المعاركِ، ومِن أشهرِ الخططِ العسكريةِ المُبدعةِ في التاريخِ العسكرِي للمسلمينَ خُطّةُ سلمانَ الفارسِي في غزوةِ الأحزابِ ( الخندق )؛ وذلك بحفرِ الخندقِ حولَ المدينةِ وهذا ابتكارٌ جديدٌ لم تعرفْ بهِ العربُ قبل!
وكانت «الخدعةُ» إحدَى وسائلِ النبيِّ ﷺ في حربِهِ مع أعدائِهِ فقالَ: «الحربُ خدعةٌ» «متفق عليه» .
فالأخذُ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ تعالَى عاملٌ رئيسٌ مِن عواملِ النصرِ والمددِ مِن اللهِ تعالَى، ولقد كانتْ حربُ أكتوبر المجيدةُ نموذجًا حيًّا ومعاصرًا في الأخذِ بالأسبابِ والنصرِ والتأييدِ مِن اللهِ تعالَى على الطغاةِ المعتدين.
️ثانيًا: عواملُ النصرِ في الإسلامِ.
تعالَوا بنَا لنقفَ مع حضراتِكُم مع عواملِ النصرِ في الإسلامِ والتي تتلخصُ فيمَا يلِي:
العاملُ الأولُ: الدعاءُ: فالدعاءُ أقوى عواملِ النصرِ لدَى المسلمينَ عبرَ العصورِ والقرونِ، وهذا واضحٌ مِن خلالِ المواقفِ العديدةِ للرسولِ ﷺ، فعَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [ الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ؛ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ”.(مسلم).
وحين رأىَ رسولُ اللهِ ﷺ جندَ قريشٍ قالَ: ”اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك، اللّهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي ، اللّهُمَّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ.” (سيرة ابن هشام). فكانَ النصرُ حليفَ المسلمين. ومِمَّا يدلُّ على أنَّ النصرَ يُستنزلُ بالدعاءِ ما قالَهُ أسدُ بنُ عبداللهِ القسرِي أميرُ خراسانَ في قتالِهِ للفرسِ: ” إنَّه بلغنِي أنَّ العبدَ أقربُ ما يكونُ إلى اللهِ إذا وضعَ جبهتَهُ للهِ، وإنِّي نازلٌ وواضعٌ جبهتِي، فادعُوا اللهَ واسجدُوا لربِّكُم، وأخلصُوا لهُ الدعاءَ، ففعلُوا، ثمَّ رفعُوا رؤوسَهُم، وهم لا يشكُّونَ في الفتحِ”.
لهذا كان الدعاءُ في الغزوِ مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع المجاهدينَ في أرضِ المعركةِ، وقد بوَّبَ الإمامُ الترمذيُّ في جامعهِ (بابٌ في الدعاءِ إذا غزَا) وأوردَ تحتَهُ ما رواهُ أنسُ بنُ مالكٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا غزَا قالَ:” اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي؛ وَأَنْتَ نَصِيرِي، وَبِكَ أُقَاتِلُ ” . ( الترمذي).
العاملُ الثاني: ملازمةُ العبادةِ: فالعبادةُ سببُ النصرِ والغلبةِ والتمكينِ في الأرضِ للمسلمين، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}. (النور: 55). ولقد أخبرنَا النبيُّ ﷺ أنَّ كلَّ شيءٍ يقاتلُ معنَا حتى الحجرِ والشجرِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ؛ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ . ” (البخاري ومسلم واللفظ له). فالعبادةُ والإيمانُ العميقُ، أهمُّ وسائلِ النصرِ والأمنِ والاستقرارِ والتمكينِ في الأرضِ.
العاملُ الثالثُ: تحقيقُ التقوَى: ولا سيَّمَا مع الصيامِ؛ لأنَّ الغايةَ مِن الصيامِ هي التقوى، كما قالَ سبحانَهُ وتعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] .
فالصيامُ مِن أكبرِ أسبابِ التقوَى، ففيهِ امتثالٌ لأمرِ اللهِ تعالِى واجتنابٌ لنهيهِ، فالصائمُ يتركُ ما أحلَّهُ اللهُ لهُ مِن الأكلِ والشربِ والجماعِ ونحوِهَا مِمّا تميلُ إليهِ نفسُهُ، متقربًا بذلكَ إلى اللهِ يرجُو بتركِهَا ثوابَهُ تعالَى.
إنَّ الصائمَ وقتَ صيامِهِ ترتفعُ عندَهُ درجةُ التقوَى والإيمانِ؛ لاجتماعِ أمهاتِ العباداتِ مِن صلاةٍ وصيامٍ وقراءةٍ للقرآنِ وإنفاقٍ وبرٍّ وإحسانٍ وغيرِهَا مِن الطاعاتِ، فترقَى عندَهُ الروحُ الإيمانيةُ والمعنويةُ، مِمّا يجعلُهُ يضحِّي بحياتِه وبكلِّ غالٍ ونفيسٍ مِن أجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ تعالَى، وهذا ما قامَ بهِ جنودُنَا البواسلُ في حربِ العاشرِ مِن شهرِ رمضانَ المباركِ.
العاملُ الرابعُ: الرفقُ والرحمةُ بالضعفاءِ: لأنّهُم كانُوا سببًا في النصرِ وسعةِ الرزقِ في جميعِ المعاركِ، وفي ذلك يقولُ النَّبِيُّ ﷺ: “هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟!”(البخاري). قال ابنُ بطالٍ:" وتأويلُ ذلكَ أنَّ عبادةَ الضعفاءِ ودعاءَهُم أشدُّ إخلاصًا وأكثرُ خشوعًا؛ لخلاءِ قلوبِهِم مِن التعلقِ بزخرفِ الدنيَا وزينتِهَا وصفاءِ ضمائرِهِم مِمَّا يقطعُهُم عن اللهِ، فجعلُوا همَّهُم واحدًا، فزكتْ أعمالُهُم، وأُجيبَ دعاؤُهُم." (شرح ابن بطال).
العاملُ الخامسُ: الاصطفافُ والاجتماعُ: حيثُ كانُوا جميعًا على قلبِ رجلٍ واحدٍ لحمايةِ أراضِينَا ومقدساتِنَا، بعيدينَ عن التفرقِ والاختلافِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :” الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ , وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ … “. ( أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه).
إنّها دعوةٌ لجميعِ أطيافِ المجتمعِ إلى الاجتماعِ والاعتصامِ والوحدةِ، فالاجتماعُ والاتفاقُ سبيلٌ إلى القوةِ والنصرِ، والتفرقُ والاختلافُ طريقٌ إلى الضعفِ والهزيمةِ، وما ارتفعتْ أمةٌ مِن الأممِ وعلتْ رايتُهَا إلّا بالوحدةِ والتلاحمِ بينَ أفرادِهَا، وتوحيدِ جهودِهَا، والتاريخُ أعظمُ شاهدٍ على ذلك.
️ثالثًا: أثرُ الروحِ المعنويةِ للجنودِ في نصرِ أكتوبرِ المجيدِ.
لقد كان للروحِ المعنويةِ والإيمانيةِ أثرٌ كبيرٌ في نصرِ حربِ أكتوبرِ المجيد، ومِن المسِلَّمِ بهِ أنَّ التعبئةَ الروحيةَ والإيمانيةَ للجنودِ لهَا دورٌ كبيرٌ في النصرِ على مرِّ العصورِ والقرونِ، ولنَا الأسوةُ الحسنةُ في نبيِّنَا ﷺ فقد حرصَ في قيادتِهِ لجندِهِ أنْ يرفعَ الروحَ المعنويةَ لديهِم وبقاءهَا كذلك، وفي جميعِ غزواتِهِ يبعثُ فيهِم الأملَ والتفاؤلَ والغدَ المشرقَ، ففي غزوةِ بدرٍ يبعثُ فيهِم روحَ النصرِ والأملِ بقولِهِ: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ»، وقولِهِ: ” سيرُوا وأبشرُوا، فإنَّ اللهَ تعالى قد وعدنِي إحدَى الطائفتينِ، واللهِ لكأنِّي الآنَ أنظرُ إلى مصارعِ القومِ، ثم قالَ: هذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ اللهُ – ووضعَ يدَهُ بالأرضِ – وهذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ اللهُ، وهذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ اللهُ، قالَ عمرُ: فو الذي بعثَهُ بالحقِّ ما أخطأُوا الحدودَ التي حدّهَا رسولُ اللهِ ﷺ.” ( سبل الهدى والرشاد).
وقد أثرتْ هذه التعبئةُ المعنويةُ في نفوسِ أصحابِهِ رضوانُ اللهِ عليهِم والذينَ جاءُوا مِن بعدِهِم بإحسانٍ.
وفي غزوةِ الأحزابِ اشتدتْ صخرةٌ في حفرِ الخندقِ لم يستطعْ الصحابةُ حفرَهَا، فيضربُهَا ﷺ ثلاثَ ضرباتٍ بمعولِهِ، ويخبرُ –متفائلًا– بفتحِ أعظمِ البلادِ، (فُتحَتْ فارسُ) (فُتحَتْ الرومُ) وقد تمَّ ذلكَ فعلًا ببشارةِ النبيِّ ﷺ.
هذه التعبئةُ الروحيةُ الإيمانيةُ مِن الرسولِ ﷺ لصحابتِهِ الكرامِ، جعلتْهُم يضحونَ بأنفسِهِم وأموالِهِم مِن أجلِ الدفاعِ عن دينِهِم ووطنِهِم، هي التي جعلتْ سيدَنَا حنظلةَ يخرجُ جُنبًا يومَ عرسِهِ لتغسلَهُ الملائكةُ، وهي التي جعلتْ سيدَنَا عمرو بنَ الجموحِ يطأُ بعرجتِهِ هذهِ في الجنةِ، وهي التي جعلتْ سيدَنَا عميرَ بنَ الحمامِ يرمِي بالتمراتِ حتى لا تحولَ بينَهُ وبينَ الجنةِ، وهي التي جعلتْ سيدَنَا أنسَ بنَ النضرِ يفِي بعهدِهِ فيدخلُ الجنةَ، وغيرهُم كثير.
فالروحُ المعنويةُ تلعبُ دورًا بارزًا في صَقْلِ شخصيةِ المُحاربِ؛ إذ الروحُ المعنويةُ المرتفعةُ تُمثّلُ مصدرًا مِن مصادرِ التفوقِ العسكرِي، والصمودِ أمامَ المشاقِّ التي تلاقِى المجاهدَ في ساحةِ الوغَى.
إنَّ الروحَ المعنويةَ بالإضافةِ للتسليحِ والتدريبِ الجيدِ أهمُّ عناصرِ النصرِ، وأوائلُ القادةِ العسكريينَ مثلَ فريدريك الكبير وجدَ أنَّ الهزيمةَ تحدثُ للجنودِ مِن مشاعرِ الإحباطِ وضعفِ المعنوياتِ أكثرَ مِن أنْ تأتيَ مِن الخسائرِ الماديةِ، ولنابليون مقولةٌ شهيرةٌ قالَ فيهَا: “إنَّ الروحَ المعنويةَ تتفوقُ على القوةِ الجسديةِ بثلاثةِ أضعافٍ”، وكان نابليون يُكافئُ جيوشَهُ لرفعِ روحهِم المعنويةِ بالجوائزِ والأوسمةِ أو الترقياتِ.
إنَّ الجنديَّ المصريَّ خيرُ أجنادِ الأرضِ، يستطيعُ بنجاحٍ مذهلٍ – مع قوتِهِ الإيمانيةِ وروحِهِ المعنويةِ – العملَ تحتَ أيِّ ضغوطٍ ومواجهةِ أيِّ تحدياتٍ، ليعطيَ للعالمِ درسًا في الولاءِ وقوةِ التحملِ في سبيلِ نصرةِ الوطنِ والحقِّ المبينِ!!
نسألُ اللهَ أنْ ينصرنَا على أعدائِنَا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
1 ربيع الثاني 1446هـ - 4 أكتوبر 2024م
️عناصرُ الخطبةِ
=========
️أولًا: النصرُ مِن عندِ اللهِ.
️ثانيًا: عواملُ النصرِ في الإسلامِ.
️ثالثًا: أثرُ الروحِ المعنويةِ للجنودِ في نصرِ أكتوبرِ المجيدِ.
️المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
️أولًا: النصرُ مِن عندِ اللهِ.
إنَّ مَن ينظرُ إلى الغزواتِ والمعاركِ الإسلاميةِ على مرِّ العصورِ والقرونِ يجدُ أنَّ النصرَ والتأييدَ فيهَا مِن عندِ اللهِ تعالى، ومِن أبرزِ هذه الغزواتِ غزوةُ بدرٍ الكُبرَى، والتي قالَ اللهُ تعالَى في شأنِهَا: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}. [آل عمران:126]، وقالَ تعالَى:{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ( الأنفال: 17)، يقولُ الدكتور/ مُحمد سيِّد طنطاوِي رحمَهُ اللهُ: " الآيةُ الكريمةُ المقصودُ منهَا غرسُ الاعتمادِ على اللهِ في قلوبِ المؤمنينَ وتفويضُ أمورهِم إليهِ، وبيانُ أنَّ النصرَ إنّمَا هو مِن اللهِ وحدَهُ، وليسَ مِن الملائكةِ أو مِن غيرِهِم؛ لأنَّ الملائكةَ أو غيرَهُم أسبابٌ عاديةٌ بمعزلٍ عن التأثيرِ، إلَّا إذا أرادَ اللهُ ذلكَ، فهو الخالقُ للأسبابِ والمسبباتِ.
ولقد حرصَ القرآنُ في كثيرٍ مِن آياتِهِ على تثبيتِ هذا المعنَى في قلوبِ المؤمنينَ حتّى لا يعتمدُوا على الأسبابِ والوسائلِ التي بينَ أيديهِم، ويغترُّوا بهَا، دونَ أنْ يلتفتُوا إلى قدرةِ خالقِ الأسبابِ والوسائلِ، فإنّهُم إذا اغترُّوا بالأسبابِ والوسائلِ ونسُوا خالقَهَا أتاهُم الفشلُ مِن حيثُ لم يحتسبُوا وكان أمرُهُم فرطًا، والعاقلُ مِن الناسِ هو الذي يباشرُ الأسبابَ التي شرعَهَا اللهُ- تعالى- بتدبرٍ واعتبارٍ بحيثُ، يوقنُ أنَّ مِن ورائِهَا خالقًا لهَا، يجبُ أنْ يستجيبَ لهُ في كلِّ ما أمرَ أو نهَى، وأنْ يعتمدَ عليهِ في كلِّ شئونِهِ وأحوالِهِ." (التفسير الوسيط).
فالنصرُ والتأييدُ لهُ علاقةٌ وثيقةٌ بالأخذِ بالأسبابِ، وهذا ما سلكَهُ الرسولُ ﷺ في غزواتِهِ ومعاركِهِ كلِّهَا.
لقد حثّنَا الشارعُ الحكيمُ على مبدأِ الأخذِ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ تعالَى، وقد طبقَهُ ﷺ في جميعِ حياتِهِ العمليةِ، فعندمَا تحركَ إلى موقعِ ماءِ بدرٍ، نزلَ بالجيشِ عندَ أدنَى بئرٍ مِن آبارِ بدرٍ، وهنا قامَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وأشارَ على النبيِّ بموقعٍ آخرٍ أفضلَ مِن هذا الموقعِ قائًلا: يَا رَسُولَ اللّهِ ! أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: ” بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ” .. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [ أي ندفن ] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ..فَقَالَ ﷺ – مشجعًا – :” لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ”. (سيرة ابن هشام).
ويعتبرُ الإبداعُ والابتكارُ ميزةً رائدةً تمتازُ بهَا العسكريةُ الإسلاميةُ في المعاركِ، ومِن أشهرِ الخططِ العسكريةِ المُبدعةِ في التاريخِ العسكرِي للمسلمينَ خُطّةُ سلمانَ الفارسِي في غزوةِ الأحزابِ ( الخندق )؛ وذلك بحفرِ الخندقِ حولَ المدينةِ وهذا ابتكارٌ جديدٌ لم تعرفْ بهِ العربُ قبل!
وكانت «الخدعةُ» إحدَى وسائلِ النبيِّ ﷺ في حربِهِ مع أعدائِهِ فقالَ: «الحربُ خدعةٌ» «متفق عليه» .
فالأخذُ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ تعالَى عاملٌ رئيسٌ مِن عواملِ النصرِ والمددِ مِن اللهِ تعالَى، ولقد كانتْ حربُ أكتوبر المجيدةُ نموذجًا حيًّا ومعاصرًا في الأخذِ بالأسبابِ والنصرِ والتأييدِ مِن اللهِ تعالَى على الطغاةِ المعتدين.
️ثانيًا: عواملُ النصرِ في الإسلامِ.
تعالَوا بنَا لنقفَ مع حضراتِكُم مع عواملِ النصرِ في الإسلامِ والتي تتلخصُ فيمَا يلِي:
العاملُ الأولُ: الدعاءُ: فالدعاءُ أقوى عواملِ النصرِ لدَى المسلمينَ عبرَ العصورِ والقرونِ، وهذا واضحٌ مِن خلالِ المواقفِ العديدةِ للرسولِ ﷺ، فعَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [ الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ؛ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ”.(مسلم).
وحين رأىَ رسولُ اللهِ ﷺ جندَ قريشٍ قالَ: ”اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك، اللّهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي ، اللّهُمَّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ.” (سيرة ابن هشام). فكانَ النصرُ حليفَ المسلمين. ومِمَّا يدلُّ على أنَّ النصرَ يُستنزلُ بالدعاءِ ما قالَهُ أسدُ بنُ عبداللهِ القسرِي أميرُ خراسانَ في قتالِهِ للفرسِ: ” إنَّه بلغنِي أنَّ العبدَ أقربُ ما يكونُ إلى اللهِ إذا وضعَ جبهتَهُ للهِ، وإنِّي نازلٌ وواضعٌ جبهتِي، فادعُوا اللهَ واسجدُوا لربِّكُم، وأخلصُوا لهُ الدعاءَ، ففعلُوا، ثمَّ رفعُوا رؤوسَهُم، وهم لا يشكُّونَ في الفتحِ”.
لهذا كان الدعاءُ في الغزوِ مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع المجاهدينَ في أرضِ المعركةِ، وقد بوَّبَ الإمامُ الترمذيُّ في جامعهِ (بابٌ في الدعاءِ إذا غزَا) وأوردَ تحتَهُ ما رواهُ أنسُ بنُ مالكٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا غزَا قالَ:” اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي؛ وَأَنْتَ نَصِيرِي، وَبِكَ أُقَاتِلُ ” . ( الترمذي).
العاملُ الثاني: ملازمةُ العبادةِ: فالعبادةُ سببُ النصرِ والغلبةِ والتمكينِ في الأرضِ للمسلمين، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}. (النور: 55). ولقد أخبرنَا النبيُّ ﷺ أنَّ كلَّ شيءٍ يقاتلُ معنَا حتى الحجرِ والشجرِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ؛ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ . ” (البخاري ومسلم واللفظ له). فالعبادةُ والإيمانُ العميقُ، أهمُّ وسائلِ النصرِ والأمنِ والاستقرارِ والتمكينِ في الأرضِ.
العاملُ الثالثُ: تحقيقُ التقوَى: ولا سيَّمَا مع الصيامِ؛ لأنَّ الغايةَ مِن الصيامِ هي التقوى، كما قالَ سبحانَهُ وتعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] .
فالصيامُ مِن أكبرِ أسبابِ التقوَى، ففيهِ امتثالٌ لأمرِ اللهِ تعالِى واجتنابٌ لنهيهِ، فالصائمُ يتركُ ما أحلَّهُ اللهُ لهُ مِن الأكلِ والشربِ والجماعِ ونحوِهَا مِمّا تميلُ إليهِ نفسُهُ، متقربًا بذلكَ إلى اللهِ يرجُو بتركِهَا ثوابَهُ تعالَى.
إنَّ الصائمَ وقتَ صيامِهِ ترتفعُ عندَهُ درجةُ التقوَى والإيمانِ؛ لاجتماعِ أمهاتِ العباداتِ مِن صلاةٍ وصيامٍ وقراءةٍ للقرآنِ وإنفاقٍ وبرٍّ وإحسانٍ وغيرِهَا مِن الطاعاتِ، فترقَى عندَهُ الروحُ الإيمانيةُ والمعنويةُ، مِمّا يجعلُهُ يضحِّي بحياتِه وبكلِّ غالٍ ونفيسٍ مِن أجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ تعالَى، وهذا ما قامَ بهِ جنودُنَا البواسلُ في حربِ العاشرِ مِن شهرِ رمضانَ المباركِ.
العاملُ الرابعُ: الرفقُ والرحمةُ بالضعفاءِ: لأنّهُم كانُوا سببًا في النصرِ وسعةِ الرزقِ في جميعِ المعاركِ، وفي ذلك يقولُ النَّبِيُّ ﷺ: “هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟!”(البخاري). قال ابنُ بطالٍ:" وتأويلُ ذلكَ أنَّ عبادةَ الضعفاءِ ودعاءَهُم أشدُّ إخلاصًا وأكثرُ خشوعًا؛ لخلاءِ قلوبِهِم مِن التعلقِ بزخرفِ الدنيَا وزينتِهَا وصفاءِ ضمائرِهِم مِمَّا يقطعُهُم عن اللهِ، فجعلُوا همَّهُم واحدًا، فزكتْ أعمالُهُم، وأُجيبَ دعاؤُهُم." (شرح ابن بطال).
العاملُ الخامسُ: الاصطفافُ والاجتماعُ: حيثُ كانُوا جميعًا على قلبِ رجلٍ واحدٍ لحمايةِ أراضِينَا ومقدساتِنَا، بعيدينَ عن التفرقِ والاختلافِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :” الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ , وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ … “. ( أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه).
إنّها دعوةٌ لجميعِ أطيافِ المجتمعِ إلى الاجتماعِ والاعتصامِ والوحدةِ، فالاجتماعُ والاتفاقُ سبيلٌ إلى القوةِ والنصرِ، والتفرقُ والاختلافُ طريقٌ إلى الضعفِ والهزيمةِ، وما ارتفعتْ أمةٌ مِن الأممِ وعلتْ رايتُهَا إلّا بالوحدةِ والتلاحمِ بينَ أفرادِهَا، وتوحيدِ جهودِهَا، والتاريخُ أعظمُ شاهدٍ على ذلك.
️ثالثًا: أثرُ الروحِ المعنويةِ للجنودِ في نصرِ أكتوبرِ المجيدِ.
لقد كان للروحِ المعنويةِ والإيمانيةِ أثرٌ كبيرٌ في نصرِ حربِ أكتوبرِ المجيد، ومِن المسِلَّمِ بهِ أنَّ التعبئةَ الروحيةَ والإيمانيةَ للجنودِ لهَا دورٌ كبيرٌ في النصرِ على مرِّ العصورِ والقرونِ، ولنَا الأسوةُ الحسنةُ في نبيِّنَا ﷺ فقد حرصَ في قيادتِهِ لجندِهِ أنْ يرفعَ الروحَ المعنويةَ لديهِم وبقاءهَا كذلك، وفي جميعِ غزواتِهِ يبعثُ فيهِم الأملَ والتفاؤلَ والغدَ المشرقَ، ففي غزوةِ بدرٍ يبعثُ فيهِم روحَ النصرِ والأملِ بقولِهِ: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ»، وقولِهِ: ” سيرُوا وأبشرُوا، فإنَّ اللهَ تعالى قد وعدنِي إحدَى الطائفتينِ، واللهِ لكأنِّي الآنَ أنظرُ إلى مصارعِ القومِ، ثم قالَ: هذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ اللهُ – ووضعَ يدَهُ بالأرضِ – وهذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ اللهُ، وهذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ اللهُ، قالَ عمرُ: فو الذي بعثَهُ بالحقِّ ما أخطأُوا الحدودَ التي حدّهَا رسولُ اللهِ ﷺ.” ( سبل الهدى والرشاد).
وقد أثرتْ هذه التعبئةُ المعنويةُ في نفوسِ أصحابِهِ رضوانُ اللهِ عليهِم والذينَ جاءُوا مِن بعدِهِم بإحسانٍ.
وفي غزوةِ الأحزابِ اشتدتْ صخرةٌ في حفرِ الخندقِ لم يستطعْ الصحابةُ حفرَهَا، فيضربُهَا ﷺ ثلاثَ ضرباتٍ بمعولِهِ، ويخبرُ –متفائلًا– بفتحِ أعظمِ البلادِ، (فُتحَتْ فارسُ) (فُتحَتْ الرومُ) وقد تمَّ ذلكَ فعلًا ببشارةِ النبيِّ ﷺ.
هذه التعبئةُ الروحيةُ الإيمانيةُ مِن الرسولِ ﷺ لصحابتِهِ الكرامِ، جعلتْهُم يضحونَ بأنفسِهِم وأموالِهِم مِن أجلِ الدفاعِ عن دينِهِم ووطنِهِم، هي التي جعلتْ سيدَنَا حنظلةَ يخرجُ جُنبًا يومَ عرسِهِ لتغسلَهُ الملائكةُ، وهي التي جعلتْ سيدَنَا عمرو بنَ الجموحِ يطأُ بعرجتِهِ هذهِ في الجنةِ، وهي التي جعلتْ سيدَنَا عميرَ بنَ الحمامِ يرمِي بالتمراتِ حتى لا تحولَ بينَهُ وبينَ الجنةِ، وهي التي جعلتْ سيدَنَا أنسَ بنَ النضرِ يفِي بعهدِهِ فيدخلُ الجنةَ، وغيرهُم كثير.
فالروحُ المعنويةُ تلعبُ دورًا بارزًا في صَقْلِ شخصيةِ المُحاربِ؛ إذ الروحُ المعنويةُ المرتفعةُ تُمثّلُ مصدرًا مِن مصادرِ التفوقِ العسكرِي، والصمودِ أمامَ المشاقِّ التي تلاقِى المجاهدَ في ساحةِ الوغَى.
إنَّ الروحَ المعنويةَ بالإضافةِ للتسليحِ والتدريبِ الجيدِ أهمُّ عناصرِ النصرِ، وأوائلُ القادةِ العسكريينَ مثلَ فريدريك الكبير وجدَ أنَّ الهزيمةَ تحدثُ للجنودِ مِن مشاعرِ الإحباطِ وضعفِ المعنوياتِ أكثرَ مِن أنْ تأتيَ مِن الخسائرِ الماديةِ، ولنابليون مقولةٌ شهيرةٌ قالَ فيهَا: “إنَّ الروحَ المعنويةَ تتفوقُ على القوةِ الجسديةِ بثلاثةِ أضعافٍ”، وكان نابليون يُكافئُ جيوشَهُ لرفعِ روحهِم المعنويةِ بالجوائزِ والأوسمةِ أو الترقياتِ.
إنَّ الجنديَّ المصريَّ خيرُ أجنادِ الأرضِ، يستطيعُ بنجاحٍ مذهلٍ – مع قوتِهِ الإيمانيةِ وروحِهِ المعنويةِ – العملَ تحتَ أيِّ ضغوطٍ ومواجهةِ أيِّ تحدياتٍ، ليعطيَ للعالمِ درسًا في الولاءِ وقوةِ التحملِ في سبيلِ نصرةِ الوطنِ والحقِّ المبينِ!!
نسألُ اللهَ أنْ ينصرنَا على أعدائِنَا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،