الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    ✍ ️خطبةٌ بعنوان: وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ 10 ربيع الأول 1446هـ -13 سبتمبر 2024م

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2797
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    ✍ ️خطبةٌ بعنوان: وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ  10 ربيع الأول 1446هـ -13 سبتمبر 2024م Empty ✍ ️خطبةٌ بعنوان: وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ 10 ربيع الأول 1446هـ -13 سبتمبر 2024م

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد السبت سبتمبر 07, 2024 3:18 pm

    ✍ ️خطبةٌ بعنوان: وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
    10 ربيع الأول 1446هـ -13 سبتمبر 2024م

    ✍ ️عناصرُ الخطبةِ
    =========

    ✍ ️أولًا: ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وبركةٍ.

    ✍ ️ثانيًا: وإنَّك لعلى خُلُقٍ عظيمٍ.

    ✍ ️ثالثًا: بحسنِ خُلقكَ تكونُ رفيقَ النبيِّ ﷺ في الجنةِ.

    ✍ ️المـــوضــــــــــوع
    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    ✍ ️أولًا: ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وبركةٍ.
    لقد كان ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وخيرٍ وبركةٍ، وهذا النورُ لم يكنْ معنويًّا فحسب، بل كان نورًا حسِّيًّا رآهُ كلُّ الناسِ على السواءِ، ففي ليلةِ مولدِهِ ﷺ رأتْ أُمُّهُ نورًا خرجَ منهَا أضاءَ لهَا قصورَ الشامِ، وقد سُئِلَ ﷺ عن نفسِهِ فقالَ:” أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ”.(سيرة ابن هشام).
    يقولُ ابنُ رجبٍ:” وخروجُ هذا النورِ عندَ وضعِهِ إشارةٌ إلى ما يجيءُ بهِ مِن النورٍ الذي اهتدَى بهِ أهلُ الأرضِ وأزالَ بهِ ظلمَةَ الشركِ، قالَ تعالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}(المائدة: 15)، وقالَ تعالَى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف:157) “. (لطائف المعارف).
    ولقد شاهدَتْ اليهودُ هذا النورَ الذي عمَّ الكونَ كلَّهُ، فعَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كلّما رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ. قَالُوا: ويلك مالك؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ.” ( دلائل النبوة للبيهقي ).
    وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: قَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ: ” قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ، أَوْ هُوَ خَارِجٌ، قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ، فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ ” .( السيرة النبوية لابن كثير ).
    لقد كانتْ مكةَ في شهرِ ربيعٍ الأولِ مِن عامِ الفيلِ على موعدٍ مع أمرٍ عظيمٍ، إنَّه ميلادُ النبيِّ محمدٍ ﷺ خليلِ الرحمنِ، وصفوةِ الأنامِ، هو أعظمُ الناسِ أخلاقًا، وأصدقُهُم حديثًا، وأحسنُهُم وأكثرُهّم عفوًا، خيرُ مَن وطئَ الثرَى، سيِّدُ ولدِ آدمَ، ﷺ، يقولُ أميرُ الشعراءِ أحمدُ شوقِي :
    وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضياءُ …….. وفمُ الزمانِ تَبَسُّمٌ وثناءُ
    الروحُ، والملأُ، الملائِكُ حولَهُ …….. للدينِ والدنيا بهِ بُشَراءُ
    بكَ بشَّرَ اللهُ السماءَ فزينتْ ……. وتضوعتْ مسكًا بكَ الغبراءُ
    لقد امتنَّ اللهُ تعالَى على عبادِهِ ببعثةِ الرّسولِ ﷺ وميلادِ أمتِهِ فقالَ سبحانَهُ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران: 164). وهكذا كانَ ميلادُهُ ﷺ ميلادَ رحمةٍ وبركةٍ وخيرٍ ونورٍ للأمةِ كلِّهَا.

    ✍ ️ثانيًا: وإنَّك لعلى خُلُقٍ عظيمٍ.
    لقد اشتهرَ الرسولُ ﷺ بحسنِ الخُلقِ في حياتهِ كلِّهَا قبلَ البعثةِ وبعدَهَا، فكان يلقبُ قبلَ البعثةِ بالصادقِ الأمينِ، وبعدَ البعثةِ المباركةِ كان تصديقُ الوحيِ لهُ مدعاةً لأنْ يطلقَ عليهِ أصحابُهُ «الصّادقُ المصدوقُ»، ونحن نعلمُ قولَ السيدةِ خديجةَ فيهِ لمَّا نزلَ عليهِ الوحيُ وجاءَ يرجفُ فؤادُهُ:” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. ( متفق عليه ).
    وعن حسنِ خلقهِ كان يتساءلُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» ( أحمد وابن حبان بسند صحيح). وفي روايةٍ أُخرى سُئلتْ أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي اللهُ عنها عن أخلاقهِ فقالتْ:” كان خُلقُهُ القرآنَ ” ( مسلم)، قال الإمامُ الشاطبيُّ: “وإنَّما كان خلقُهُ القرآنَ؛ لأنَّهُ حكَّمَ الوحيَ على نفسهِ، حتى صارَ في علمِهِ وعملِهِ على وِفْقِهِ، فكان الوحيُ حاكمًا وافقًا قائلًا، وكان هو عليهِ الصلاةُ والسلامُ مذعنًا ملبيًا نداءَهُ، واقفًا عندَ حكمهِ .” (الاعتصام). فكان ﷺ قرآنًا يمشِي على الأرضِ، أي كان حريصًا على تطبيقِ ما في القرآنِ. قال النوويُّ: ” وكونُ خلقهُ القرآنَ هو أنَّه كان متمسكًا بآدابهِ وأوامرهِ ونواهيهِ ومحاسنهِ، ويوضحُهُ: أنَّ جميعَ ما قصَّ اللهُ تعالى في كتابهِ مِن مكارمِ الأخلاقِ مِمّا قصَّهُ مِن نبيٍّ أو وليٍّ أو حثَّ عليهِ أو ندبَ إليهِ كان ﷺ متخلقًا بهِ، وكلُّ ما نهَى اللهُ تعالى عنهُ كان ﷺ لا يحومُ حولَهُ.”
    إنَّ الواحدَ منَّا إذا أرادَ وظيفةً في الجهازِ الإدارِي للدولةِ، فإنَّه يحتاجُ في مسوغاتِ التعيينِ إلى شهادةِ اثنينِ موظفينِ، يشهدانِ لهُ بحسنِ السيرِ والسلوكِ والخلقِ، أمَّا رسولُنَا ﷺ فقد شهدَ لهُ ربُّهُ في عُلاهُ بقولِهِ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم : 4)، رُوي أنَّ أعرابيًا قال لسيدِنَا عليٍّ رضي اللهُ عنه عدِّدْ لنَا أخلاقَ رسولِ اللهِ ﷺ!! فقالَ لهُ سيدُنَا عليٌّ رضي اللهُ عنه: هل تعرف العدَّ؟ قال الأعرابيُّ: نعم! فقالَ عليٌّ رضي اللهُ عنه: عدَّ لي متاعَ الدنيا! فقال الأعرابيُّ: متاعُ الدنيا لا يُعدُّ! فقالَ سيدُنَا عليٌّ رضي اللهُ عنه: عجزتَ عن عدِّ القليلِ! إذ يقولُ اللهُ تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} (النساء : 77). وطلبتَ منِّي عدَّ العظيمِ، حيثُ يقولُ تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. (القلم: 4)!!
    فاقَ النبيينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ.....ولم يدانُوهُ في عــــــــلمٍ ولا كــــــرمٍ
    جاءتْ لدعوتِهِ الأشجارُ ساجدةً....تمشِى إليهِ علي ساقٍ بلا قدمٍ
    هذا هو حبيبُنَا المصطفَى ( مُحمدٌ )…صلّوا عليهِ وسلِّمُوا تسليمًا، جاءَ ﷺ فاستلَّ العداواتِ، ومحَا السخائمَ، وألّفَ القلوبَ، وأعادَ اللُّحمةَ، ونشرَ الرحمةَ، وحلَّ السخاءُ، وعمَّ الرخاءُ، بل إنَّهُ ﷺ أخبرَنَا أنَّ الهدفَ مِن بعثتهِ غرسُ مكارمِ الأخلاقِ في أفرادِ المجتمعِ فقالَ:" إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" [أحمد والحاكم وصححه].
    وهناك صورٌ مشرقةٌ مِن أخلاقهِ ﷺ، مِن ذلك: حلمُهُ مع زيدِ بنِ سعنةَ حبرِ اليهودِ ، حيثُ جاءَ إلى النبيِّ ﷺ يختبرُ حلمَهُ وقد ابتاعَ منهُ تمرًا إلى أجلٍ، فطالبَهُ قبلَ حلولِ الأجلِ مغلظًا لهُ في القولِ وسطَ القومِ،" يقولُ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ وهزَّ الحبرُ اليهوديُّ رسولَ اللهِ ﷺ هزًّا عنيفًا وهو يقولُ لهُ: أَدِّ ما عليكَ مِن حقٍّ ومِن دَيْنٍ يا محمدٌ! فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلا مُطلًا في أداءِ الحقوقِ وسدادِ الديونِ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُمَاطَلَتِكُمْ عِلْمٌ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهٍ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أَسْمَعُ، وتفعلُ برسولِ اللهِ ﷺ ما أرًى؟!! فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا أنى أخشى فَوْتَهُ وغضبه لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ بِسَيْفِي هذا! يقولُ زيدُ بنُ سعنه: وأنا أنظرُ إلى النبيِّ ﷺ وهو يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، لقد كنتُ أَنَا وَهُوَ أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، يا عمرُ لقد كان مِن الواجبِ عليكَ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ الطلبِ، فبهتَ الحبرُ أمامَ هذه الأخلاقِ الساميةِ، وأمامَ هذه الروحِ الوضيئةِ العاليةِ مِن الحبيبِ المصطفَى ﷺ. فالتفتَ الحبيبُ إلى عمرَ رضى اللهُ عنه وقالSad(اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ، فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ جزاءِ ما روعتَهُ!! ». قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ أُزِيدَكَها جزاءَ ما روعتُكَ!! فالتفتَ الحبرُ اليهوديُّ إلى عمرَ وقالَ: ألا أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ، قَالَ عمرُ: حبرُ اليهودِ؟ قال: نعم. فالتفتَ إليهِ عمرُ وقَالَ: فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا فَعَلْتَ وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ فقال زيدٌ: واللهِ يا ابنَ الخطابِ ما مِن شيءٍ مِن عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ ولكننِي لم أختبرْ فيهِ خصلتين مِن خصالِ النبوةِ. فقالَ عمرُ: وما هما؟ قال حبرُ اليهودِ: الأولى: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، والثانيةُ: لَا تُزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا أمَـا وقد عرفتُها اليومَ في رسولِ اللهِ فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي: أشهد أنْ لا إلَه إلّا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ ﷺ. قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي - فَإِنِّي أَكْثَرُهُمْ مَالًا - صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: عُمَرُ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً".( ابن حبان بسند حسن).
    ومِن هذهِ الصورِ ما رُوي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ «أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ».( البخاري).
    ومنها ما رُوي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالَ لَهُ: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟» قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ، قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ، وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ".(ابن حبان والحاكم وصححه).

    ✍ ️ثالثًا: بحسنِ خُلقكَ تكونُ رفيقَ النبيِّ ﷺ في الجنةِ.
    أي إذا كنتَ تريدُ أنْ تكونَ رفيقَ النبيِّ ﷺ في الجنةِ فعليكَ بحسنِ الخلقِ، حيثُ يقولُ ﷺ:" إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا". وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:" أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ " . [ أبو داود والترمذي وحسنه ]. فحسنُ الخلقِ طريقٌ إلى الجنةِ، فقد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ:" تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ". [الترمذي وصححه].
    وقد وقفتُ عندَ هذا الحديثِ متسائلًا: لماذا اقتصرَ النبيُّ ﷺ في هذا الحديثِ على هذينِ الأمرينِ؟! قال العلماءُ في ذلك: لأنَّ تقوى اللهِ تُصلحُ ما بينكَ وبين اللهِ، فتمتثلُ الأوامرَ وتنتهِي عن المحرماتِ!
    وحسنُ الخلقِ يصلحُ ما بينكَ وبينَ الناسِ، فلا تكذبْ على أحدٍ؛ ولا تخنْ أحدًا، ولا تحقدْ على أحدٍ،
    كما أنَّ حسنَ الخلقِ يثقلُ موازينَ العبدِ يومَ القيامةِ، فعَنْ أَبِي الدرداء -رضي اللهُ عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ: " مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ" ( أَبُو دَاوُدَ).
    وكذلك حسنُ الخلقِ يرفعُ العبدَ منزلةً عندَ اللهِ حتى يبلغَ درجةَ الصائمِ القائمِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:" إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ".
    لذلك اهتمَّ الصحابةُ بحسنِ الخلقِ وطلبِهِ مِن اللهِ، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ” (شعب الإيمان للبيهقي) .
    إنَّ احتفالَنَا واحتفاءَنَا بميلادِ الرسولِ ﷺ، هو أنْ نتخلقَ بأخلاقِهِ ونقتدِيَ بهِ ﷺ في كلِّ أقوالِهِ وأفعالِهِ.
    فعليكُم أنْ تحسنُوا أخلاقَكُم؛ لتكونَ طريقَكُم إلى الجنةِ برفقةِ حبيبِنَا المصطفَى ﷺ.
    نسألُ اللهَ أنْ يُحسِّنَ أخلاقَنَا كمَا حسّنَ خَلقَنَا، وأنْ يجعلَنَا رفقاءَ النبيِّ ﷺ في الجنةِ.
    الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد سبتمبر 22, 2024 12:35 am