خطبة الجمعة القادمة بتاريخ ١٢ من صفر ١٤٤٦هـ – الموافق ١٦ اغسطس ٢٠٢٤م
تحت عنوان : ( مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ ) قضاء حوائج الناس
اولا : حث الاسلام علي التكافل وقضاء حوائج الناس
ثانيا – فضل وجزاء قضاء حوائج الناس قليلة كانت او كثيرة
ثالثا : التحذير من عاقبة عدم قضاء حوائج الناس مع القدرة عليه
الخطبة الأولي
الحَمْدُ للهِ الذي أسْكَنَ عِبادَه هذه الدَّار، وجعلها لهم سَفَرًا من الأسْفَار، وجعل الدَّار الآخِرَة هي دَار القَرار، وجَعَلَ بين الدُّنيا والآخِرَة بَرْزَخاً يَدُلُّ على فَناء الدنيا باعْتِبَار، وهو في الحقيقة إما رَوْضَةٌ مِن رِيَاض الجَنَّة أو حُفْرَةٌ مِن حُفَر النَّار، فَسُبْحَان مَن يَخْلُق ما يَشاء ويَخْتَار وكل شىء عنده بمقدار، ويَرْفِق بِعِبَاده في جميعِ الأقطار، وسَبَقَت رَحْمَتُه غَضَبَه وهو الرَّحيم الغَفَّار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وَحْدَه لا شَرِيكَ له الواحِدُ القَهَّار أحْمَدُه على نِعَمِه حَمْدًا يَليق بِجَلاله وعَظيم سُلْطانه ما تعاقب الليل والنهار سبحانك ربي سبحت بحمدك الأطيار بالأسحار بتغريدها على أفنان الأشجار
وأشهد أن مُحَمَّدًا عَبْدُه ورَسُولُه النَّبي المُخْتَار، والرَّسُولُ المَبْعوثُ بالتَّبشيرِ والإنْذَار وعلى آله وصَحْبِه الطيبين الاخيار.
أما بعد
فان الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وفي الناس من زرَع الله في أفئدتهم محبة الضعفاء والمساكين، وإعانة ذوي الحاجات والمعوزين، ومسح دموع اليتامى والمساكين، وجبرَ خواطر الأرامل والثكالى والمكلومين. كتب الله لهم الأجر والمثوبة، وتقبَّل منهم ما قدّمت أيديهم، ورفع مكانتهم، وأعلى قدرهم ومنزلتهم وأمنهم من عذابه يوم القيامة.
فقد روي الطبراني في المعجم الكبير عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ خَلْقًا خَلَقَهُمْ لِحَوَائِجِ النَّاسِ يَفْزَعُ النَّاسُ إِلَيْهِمْ فِي حَوَائِجِهِمْ أُولَئِكَ هُمُ الْآمِنُونَ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» حلية الاولياء
اولا : حث الاسلام علي التكافل وقضاء حوائج الناس.
عباد الله : لقد حث الاسلام علي التكافل وقضاء حوائج الناس وتفريج الكروب او علي الاقل تخفيفها قَالَ الله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وروي البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ» قَالَ سُفْيَانُ: " وَالعَانِي: الأَسِيرُ "
فقد قال أهل العلم: إن تفريج الكروب أعظم من تنفيسها
إذ التفريج إزالة الكربة كليا فمن فرج كربة أخيه فرج الله كربته، للحديث الذي رواه الامام مسلم عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» متفق عليه.
أما التنفيس فهو تخفيفها، والجزاء من جنس العمل، والتنفيس جزاؤه تنفيس مثله للحديث الذي رواه الامام مسلم عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنهُ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: "مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبة منْ كُرب الدُّنْيا، نفَّس اللَّه عنْه كُرْبة منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْه في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومنْ سَتَر مُسْلِماً سَترهُ اللَّه فِي الدنْيا وَالآخِرَةِ " رواه مسلم
معاشر المسلمين : إن خصال الخير وصنائع المعروف التي حث الإسلام على فعلها متعددة الطرق واسعة الأبواب، فالمجتمع الإسلامي تتهيأ فيه الفرص لأعمال الخير والإحسان وبذل المعروف للناس وان التكافل الاجتماعي هو ضرورة الوقت في ظل غلاء الاسعار وحاجة الناس ففي الحديث الذي رواه الامام الطبراني عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا حَتَّى يُشْبِعَهُ مِنْ سَغَبٍ أَدْخَلَهُ اللهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، لَا يُدْخِلُهُ إِلَّا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ») رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى- : « الناس في باب التعاون والتلاحم أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين.
عباد الله : إن الوحدة الشعورية بين أفراد المجتمع المسلم أن يحزن المسلم لحزن أخيه ويفرح لفرحه ويشارك إخوانه المسلمين شعورهم يتألم لألمهم ويؤمل لأملهم فهذا الشعور والتجانس ترجمة عملية لذلك الوصف النبوي البليغ ففي الحديث عَن أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ) أخرجه الشيخان
وروي أن جبريل عليه السلام قال: يا محمد لو كانت عبادتنا لله تعالى على وجه الأرض لعملنا ثلاث خصال:
سقي الماء للمسلمين، وإعانة أصحاب العيال، وستر الذنوب على المسلمين إذا أذنبوا. ربيع الأبرار ونصوص الأخيار
اسمع الي الحبيب وهو يقول فيما روي الامام الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا - وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ» المعجم الكبير
ولذلك فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا فُلَانُ أَرَاكَ كَئِيبًا حَزِينًا، قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ، لَا وَحُرْمَةِ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَلَا أُكَلِّمُهُ فِيكَ، قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ: فَانْتَقلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَنَسِيتُ مَا كُنْتَ فِيهِ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَهْدُ بِهِ قَرِيبٌ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: " مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْرًا مِنِ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلَاثَ خَنَادِقَ أَبَعْدَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ " شعب الايمان
واعلموا ان ربنا يحب منا ان يعين بعضنا بعضا ( واللَّه فِي عوْنِ العبْد مَا كانَ العبْدُ في عوْن أَخيهِ " رواه مسلم
فمن فعل ذلك وجده عند الله في صحف اعماله يوم القيامة يقول الله عز وجل فى الحديث القدسي الجليل المتفق عليه من حديث أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى ».متفق عليه
ثانيا – جزاء وفضل قضاء حوائج الناس قليلا كان او كثيرا
عباد الله : ما أعظم الأجر الذي يناله من يسعى في قضاء حاجة إخوانه، ويفرج كُرَب أقاربه وخِلاَّنه، إذ ينالُ ذلك الثواب في موقف هو أحوج فيه للحسنات، يوم يقف بين يدي رب الأرباب، يوم العرض والحساب، حيث يشمل كل عمل قام به نحو المحتاجين ومن ضاقت عليهم أحوالهم سواء يَسَّرَ عليه في قضاء دينه، أو سدده عنه، أو فَكَّ ضائقته، أو شفع له عند من يعينه، أو سهل له مهمته
قال تعالي (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) الانسان
أَيْ: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ فِي حَالِ مَحَبَّتِهِمْ وَشَهْوَتِهِمْ لَهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمُقَاتِلٌ ثم تلا قوله تعالي {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أَيْ: رجاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَرِضَاهُ
فأعانوا المحتاج الفقير العاجز عن الكسب واليتيم الحزين الذي فقد أباه وعائله والأسير المقيد المحبوس أو المملوك سواء من أهل الإيمان أو من المشركين. وخص الطعام بالذكر لكونه إنقاذا للحياة وإصلاحا للإنسان وإحسانا لا ينسى {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} أَيْ: لَا نَطْلُبُ مِنْكُمْ مُجَازَاةً تُكَافِئُونَا بِهَا وَلَا أَنْ تَشْكُرُونَا عِنْدَ النَّاسِ.
فهم يطعمون الطعام ونيتهم مخلصين فيها خائفين من حساب ربهم ان قصروا في قضاء حوائج المحتاجين (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10 الانسان) قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَمَا وَاللَّهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ كل رَاغِبٌ.
فما جزائهم يا ربي قال الله تعالي (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) الانسان
لقد علمنا النبي صلى الله عليه فضل قضاء حوائج الناس وثوابه ففي الحديث الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ َعَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ ( وَسلم أَيّمَا مُؤمن أطْعم مُؤمنا على جوع أطْعمهُ الله يَوْم الْقِيَامَة من ثمار الْجنَّة وَأَيّمَا مُؤمن سقى مُؤمنا على ظمإ سقَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة من الرَّحِيق الْمَخْتُوم وَأَيّمَا مُؤمن كسا مُؤمنا على عري كَسَاه الله يَوْم الْقِيَامَة من حلل الْجنَّة * رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
إن مساعدة الآخرين وعونهم التي دعا الإسلام إليها لا تتوقف عند حد، ولا تختص بقريب أو صديق، ولا بوقت دون آخر، بل كلَّما سنحت الفرصةُ للعون والمساعدة وكان المسلم قادرًا على فعلها وقضائها، فحريٌ به أن يسارع إلى تقديمها، فإن ذلك مما يؤلف القلوب، ويقرب النفوس، ويضفي على العلاقات رباطًا قويًا من المودة والمحبة والأنس كما قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهم…فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
من كان للخير منَّاعًا فليس له…على الحقيقة إخوانٌ وخِلاّن
أحسِن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ…فلن يدوم على الإنسان إمكانُ
ان ايثار المحتاجين له فضل عظيم فَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رجلَانِ سلكا مفازة عَابِد وَالْآخر بِهِ رهق فعطش العابد حَتَّى سقط فَجعل صَاحبه ينظر إِلَيْهِ وَهُوَ صريع فَقَالَ وَالله إِن مَاتَ هَذَا العَبْد الصَّالح عطشا وَمَعِي مَاء لَا أُصِيب من الله خيرا أبدا وَلَئِن سقيته مائي لأموتن فتوكل على الله وعزم فرش عَلَيْهِ من مَائه وسقاه فَضله فَقَامَ فَقطع الْمَفَازَة فَيُوقف الَّذِي بِهِ رهق لِلْحسابِ فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار فتسوقه الْمَلَائِكَة فَيرى العابد فَيَقُول يَا فلَان أما تعرفنِي فَيَقُول وَمن أَنْت فَيَقُول أَنا فلَان الَّذِي آثرتك على نَفسِي يَوْم الْمَفَازَة فَيَقُول بلَى أعرفك فَيَقُول للْمَلَائكَة قفوا فيقفون فَيَجِيء حَتَّى يقف فيدعو ربه عز وَجل فَيَقُول يَا رب قد عرفت يَده عِنْدِي وَكَيف آثرني على نَفسه يَا رب هبه لي فَيَقُول هُوَ لَك فَيَجِيء فَيَأْخُذ بيد أَخِيه فيدخله ـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أطْعم أَخَاهُ حَتَّى يشبعه وسقاه من المَاء حَتَّى يرويهِ باعده الله من النَّار سبع خنادق مَا بَين كل خندقين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام ـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
إن على كل قادر على بذل المعروف وقضاء حاجة أخيه المسلم أو المساعدة في ذلك والمشاركة فيه أن يسهم على قدر جهده وطاقته ومكانته، وأن يحتسب أجرَ ذلك عند الله تعالى لان أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
والتيسير على المعسر في الدنيا جزاؤه التيسير من عسر يوم القيامة، وحسبك في يومٍ قال فيه ربُّ العزة ( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) [المدثر:9]. وفي صحيح مسلم: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)
وعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ حُذَيْفَةَ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ " رواه البخاري ومسلم.
ثم إن ما تبذله من جاه أو عون أو مساعدة قد تحتاجه في قابل الأيام، فقد تصير في موقف أنت في أمس الحاجة فيه إلى من يعينك، وينقذك فيه من مَأْزِقٍ صعب وقعت فيه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» المعجم الكبير
ذكر الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في كتابه: (وحي القلم) قصة عن الإمام أحمد بن مسكين من علماء القرن الثالث الهجري في البصرة، يقول عن نفسه: "إني امتحِنت بالفقر سنة تسع عشرة ومائتين، وانحسَمت مادتي وقحط منزلي، فلم يكن عندنا شيء، ولي امرأة وطفلها، وقد طوينا على جوع يخسف بالجوف خسفا، فجمعت نيتي على بيع الدار والتحوّل عنها، فخرجت أتسبب لبيعها فلقيني أبو نصر، فأخبرته بنيتي لبيع الدار فدفع إلى رقاقتين من الخبز بينهما حلوى، وقال أطعمها أهلك. ومضيت إلى داري فلما كنت في الطريق لقيتني امرأة معها صبي، فنظَرَت إلى الرقاقتين وقالت: يا سيدي، هذا طفل يتيم جائع، ولا صبر له على الجوع، فأطعمه شيئًا يرحمك الله، ونظر إليّ الطفل نظرة لا أنساها، وخيّل إليّ حينئذ أن الجنة نزلت إلى الأرض تعرض نفسها على من يشبِع هذا الطفل وأمه، فدفعت ما في يدي للمرأة، وقلت لها: خذي وأطعمي ابنك. والله ما أملك بيضاء ولا صفراء، وإن في داري لمن هو أحوج إلى هذا الطعام، فدمعت عيناها، وأشرق وجه الصبي، ومشيت وأنا مهموم، وجلست إلى حائط أفكر في بيع الدار وإذ أنا كذلك إذ مرّ أبو نصر وكأنه مستطار فرحًا، فقال: يا أبا محمد، ما يجلسك ها هنا وفي دارك الخير والغنى؟! قلت: سبحان الله! ومن أين يا أبا نصر؟! قال: جاء رجل من خراسان يسأل الناس عن أبيك أو أحد من أهله، ومعه أثقال وأحمال من الخير والأموال، فقلت: ما خبره؟ قال: إنه تاجر من البصرة، وقد كان أبوك أودَعه مالاً من ثلاثين سنة، فأفلس وانكسر المال، ثم ترك البصرة إلى خراسان، فصلح أمره على التجارة هناك، وأيسَر بعد المحنة، وأقبل بالثراء والغنى، فعاد إلى البصرة وأراد أن يتحلّل، فجاءك بالمال وعليه ما كان يربحه في ثلاثين سنة، قال أحمد بن مسكين: حمدت الله وشكرته، وبحثت عن المرأة المحتاجة وابنها، فكفيتهما وأجرَيت عليهما رزقا، ثم اتجرت في المال، وجعلت أربه بالمعروف والصنيعة والإحسان وهو مقبل يزداد ولا ينقص، وكأني قد أعجبني نفسي وسرني أني قد ملأت سجلات الملائكة بحسناتي، ورجوت أن أكون قد كتبت عند الله في الصالحين، فنمت ليلة فرأيتُني في يوم القيامة، والخلق يموج بعضهم في بعض، ورأيت الناس وقد وسعت أبدانهم، فهم يحملون أوزارهم على ظهورهم مخلوقة مجسمة، حتى لكأن الفاسق على ظهره مدينة كلها مخزيات، ثم وضعت الموازين، جيء بي لوزن أعمالي، فجعلت سيئاتي في كفة وألقيت سجلات حسناتي في الأخرى، فطاشت السجلات، ورجحت السيئات، كأنما وزنوا الجبل العظيم بلفافة من القطن، ثم جعلوا يلقون الحسنة بعد الحسنة مما كنت أصنعه، فإذا تحت كل حسنه شهوة خفية من شهوات النفس، كالرياء والغرور وحب المحمدة عند الناس، فلم يسلم لي شيء، وهلكت عن حجتي وسمعت صوتًا: ألم يبق له شيء؟ فقيل: بقي هذا، وأنظر لأرى ما هذا الذي بقي، فإذا الرقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وابنها، فأيقنت أني هالك، فلقد كنت أحسن بمائة دينار ضربة واحدة فما أغنَت عني، فانخذلت انخذالاً شديدًا فوضِعَت الرقاقتان في الميزان، فإذا بكفة الحسنات تنزل قليلاً ورجحت بعضَ الرجحان، ثم وضعت دموع المرأة المسكينة، حيث بكت من أثر المعروف في نفسها، ومن إيثاري إياها وابنها على أهلي، وإذا بالكفة ترجح، ولا تزال ترجح حتى سمعت صوتًا يقول: قد نجا، فلا تحقرنّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
ولله در الشافعي رحمه حيث قال
الناس للناس مادام الوفاء بهم
والعسر واليسر أوقات وساعات
وأكرم الناس ما بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات
لا تقطعن يد المعروف عن أحد
ما دمت تقدر والأيام تارات
واذكر فضيلة صنع الله إذ جُعِلتْ
إليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي رسوله الكريم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم الشأن قديم الإحسان، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولى من جزيل الفضل والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال في الحث على قضاء الحوائج وبذل المعروف: (نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغارم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تُعَجّلوه، ولا تكسبوا بالمطل ذمًّا، واعلموا أن حوائج الناس من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتكون نقمًا، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس من عفا عمن قدر عليه، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين).
ثالثا : التحذير من عاقبة عدم قضاء حوائج الناس مع القدرة عليه
ان من عباد الله من اغناهم الله واسبغ عليهم نعمه وأوجد فيهم خاصية مساعدة المسلمين وقضاء مصالحهم وتلمس احتياجاتهم ، ولذلك فإن هؤلاء يلجؤون إليهم بعد الله تعالى لعونهم ومساعدتهم فان لم يساعدوهم نزع الله النعيم منهم وحوله الي غيرهم عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع الناس يقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوا نزعها منهم فحولها إلى غيرهم ".
إخوة الإسلام: جاءت آيات كثيرة تدعونا إلى العمل الخيري و التطوعي و يحث الله تعالى فيها عليه المؤمنين و المؤمنات فقال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 114]
ففي هذه الآية دعوة كريمة إلى الصدقة وقول المعروف والإصلاح بين الناس وكلها من الأمور التطوعية التي دعا إليها رب البرية
يقول عليٌّ رضي الله عنه: يا سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في الخير!!! عجبت لرجلٍ يجيئه أخوه لحاجته فلا يرى نفسه للخير أهلاً!!! فلو كنا لا نرجو جنةً ولا نخاف ناراً ولا ننتظر ثواباً ولا نخشى عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق.. فإنها تدل على سُبُلِ النجاح؟؟ فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين: أسمعته من رسول الله ؟ قال: نعم، وما هو خيرٌ منه: لقد أتينا بسبايا طيٍّ.. كان في الناس جاريةٌ حسناء تقدمت إلى رسول الله وقالت: يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت ألا تخلي عنِّي فلا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنتُ سيدِ قومي، كان أبي يفك العاني، ويحمي الذِّمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردَّ طالب حاجة قط ، أنا بنت حاتم الطائي فقال النبي : ((يا جارية هذه صفة المؤمن. خلُّوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق)
ان عطاء الله اختبار وامتحان فاياك ونقمته والبخل بما تفضل عليك به روي البخاري ومسلم عن ابي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، - أَوْ قَالَ: البَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ، وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ -، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الغَنَمُ: فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ [ص:172] لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ "
قال أسلم (مولى عمر): إن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإذا قِدر على النار قد ملأتها ماءً، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أمة الله، لماذا بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالتْ: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماءً أُعللهم بها حتى يناموا، أُوهمهم أن فيها شيئًا من دقيق وسمن، فجلس عمر فبكى، ثم جاء إلى دار الصدقة، فأخذ غرارة - (أي كيسًا كبيرًا) - وجعل فيها شيئًا من دقيق وسمن وشحم، وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم، احمل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك! فقال لي: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله؛ لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة، قال: فحمله على عنقه، حتى أتى به منزل المرأة، قال: وأخذ القدر، فجعل فيها شيئًا من دقيق، وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده، وينفخ تحت القدر، قال أسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض - (جلس) - بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أُكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين، قال: رأيتهم يبكون، فكرِهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، ج44، ص 352).
هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى ودين الحق، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
تحت عنوان : ( مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ ) قضاء حوائج الناس
اولا : حث الاسلام علي التكافل وقضاء حوائج الناس
ثانيا – فضل وجزاء قضاء حوائج الناس قليلة كانت او كثيرة
ثالثا : التحذير من عاقبة عدم قضاء حوائج الناس مع القدرة عليه
الخطبة الأولي
الحَمْدُ للهِ الذي أسْكَنَ عِبادَه هذه الدَّار، وجعلها لهم سَفَرًا من الأسْفَار، وجعل الدَّار الآخِرَة هي دَار القَرار، وجَعَلَ بين الدُّنيا والآخِرَة بَرْزَخاً يَدُلُّ على فَناء الدنيا باعْتِبَار، وهو في الحقيقة إما رَوْضَةٌ مِن رِيَاض الجَنَّة أو حُفْرَةٌ مِن حُفَر النَّار، فَسُبْحَان مَن يَخْلُق ما يَشاء ويَخْتَار وكل شىء عنده بمقدار، ويَرْفِق بِعِبَاده في جميعِ الأقطار، وسَبَقَت رَحْمَتُه غَضَبَه وهو الرَّحيم الغَفَّار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وَحْدَه لا شَرِيكَ له الواحِدُ القَهَّار أحْمَدُه على نِعَمِه حَمْدًا يَليق بِجَلاله وعَظيم سُلْطانه ما تعاقب الليل والنهار سبحانك ربي سبحت بحمدك الأطيار بالأسحار بتغريدها على أفنان الأشجار
وأشهد أن مُحَمَّدًا عَبْدُه ورَسُولُه النَّبي المُخْتَار، والرَّسُولُ المَبْعوثُ بالتَّبشيرِ والإنْذَار وعلى آله وصَحْبِه الطيبين الاخيار.
أما بعد
فان الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وفي الناس من زرَع الله في أفئدتهم محبة الضعفاء والمساكين، وإعانة ذوي الحاجات والمعوزين، ومسح دموع اليتامى والمساكين، وجبرَ خواطر الأرامل والثكالى والمكلومين. كتب الله لهم الأجر والمثوبة، وتقبَّل منهم ما قدّمت أيديهم، ورفع مكانتهم، وأعلى قدرهم ومنزلتهم وأمنهم من عذابه يوم القيامة.
فقد روي الطبراني في المعجم الكبير عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ خَلْقًا خَلَقَهُمْ لِحَوَائِجِ النَّاسِ يَفْزَعُ النَّاسُ إِلَيْهِمْ فِي حَوَائِجِهِمْ أُولَئِكَ هُمُ الْآمِنُونَ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» حلية الاولياء
اولا : حث الاسلام علي التكافل وقضاء حوائج الناس.
عباد الله : لقد حث الاسلام علي التكافل وقضاء حوائج الناس وتفريج الكروب او علي الاقل تخفيفها قَالَ الله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وروي البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ» قَالَ سُفْيَانُ: " وَالعَانِي: الأَسِيرُ "
فقد قال أهل العلم: إن تفريج الكروب أعظم من تنفيسها
إذ التفريج إزالة الكربة كليا فمن فرج كربة أخيه فرج الله كربته، للحديث الذي رواه الامام مسلم عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» متفق عليه.
أما التنفيس فهو تخفيفها، والجزاء من جنس العمل، والتنفيس جزاؤه تنفيس مثله للحديث الذي رواه الامام مسلم عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنهُ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: "مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبة منْ كُرب الدُّنْيا، نفَّس اللَّه عنْه كُرْبة منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْه في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومنْ سَتَر مُسْلِماً سَترهُ اللَّه فِي الدنْيا وَالآخِرَةِ " رواه مسلم
معاشر المسلمين : إن خصال الخير وصنائع المعروف التي حث الإسلام على فعلها متعددة الطرق واسعة الأبواب، فالمجتمع الإسلامي تتهيأ فيه الفرص لأعمال الخير والإحسان وبذل المعروف للناس وان التكافل الاجتماعي هو ضرورة الوقت في ظل غلاء الاسعار وحاجة الناس ففي الحديث الذي رواه الامام الطبراني عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا حَتَّى يُشْبِعَهُ مِنْ سَغَبٍ أَدْخَلَهُ اللهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، لَا يُدْخِلُهُ إِلَّا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ») رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى- : « الناس في باب التعاون والتلاحم أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين.
عباد الله : إن الوحدة الشعورية بين أفراد المجتمع المسلم أن يحزن المسلم لحزن أخيه ويفرح لفرحه ويشارك إخوانه المسلمين شعورهم يتألم لألمهم ويؤمل لأملهم فهذا الشعور والتجانس ترجمة عملية لذلك الوصف النبوي البليغ ففي الحديث عَن أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ) أخرجه الشيخان
وروي أن جبريل عليه السلام قال: يا محمد لو كانت عبادتنا لله تعالى على وجه الأرض لعملنا ثلاث خصال:
سقي الماء للمسلمين، وإعانة أصحاب العيال، وستر الذنوب على المسلمين إذا أذنبوا. ربيع الأبرار ونصوص الأخيار
اسمع الي الحبيب وهو يقول فيما روي الامام الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا - وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ» المعجم الكبير
ولذلك فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا فُلَانُ أَرَاكَ كَئِيبًا حَزِينًا، قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ، لَا وَحُرْمَةِ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَلَا أُكَلِّمُهُ فِيكَ، قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ: فَانْتَقلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَنَسِيتُ مَا كُنْتَ فِيهِ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَهْدُ بِهِ قَرِيبٌ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: " مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْرًا مِنِ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلَاثَ خَنَادِقَ أَبَعْدَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ " شعب الايمان
واعلموا ان ربنا يحب منا ان يعين بعضنا بعضا ( واللَّه فِي عوْنِ العبْد مَا كانَ العبْدُ في عوْن أَخيهِ " رواه مسلم
فمن فعل ذلك وجده عند الله في صحف اعماله يوم القيامة يقول الله عز وجل فى الحديث القدسي الجليل المتفق عليه من حديث أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى ».متفق عليه
ثانيا – جزاء وفضل قضاء حوائج الناس قليلا كان او كثيرا
عباد الله : ما أعظم الأجر الذي يناله من يسعى في قضاء حاجة إخوانه، ويفرج كُرَب أقاربه وخِلاَّنه، إذ ينالُ ذلك الثواب في موقف هو أحوج فيه للحسنات، يوم يقف بين يدي رب الأرباب، يوم العرض والحساب، حيث يشمل كل عمل قام به نحو المحتاجين ومن ضاقت عليهم أحوالهم سواء يَسَّرَ عليه في قضاء دينه، أو سدده عنه، أو فَكَّ ضائقته، أو شفع له عند من يعينه، أو سهل له مهمته
قال تعالي (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) الانسان
أَيْ: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ فِي حَالِ مَحَبَّتِهِمْ وَشَهْوَتِهِمْ لَهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمُقَاتِلٌ ثم تلا قوله تعالي {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أَيْ: رجاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَرِضَاهُ
فأعانوا المحتاج الفقير العاجز عن الكسب واليتيم الحزين الذي فقد أباه وعائله والأسير المقيد المحبوس أو المملوك سواء من أهل الإيمان أو من المشركين. وخص الطعام بالذكر لكونه إنقاذا للحياة وإصلاحا للإنسان وإحسانا لا ينسى {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} أَيْ: لَا نَطْلُبُ مِنْكُمْ مُجَازَاةً تُكَافِئُونَا بِهَا وَلَا أَنْ تَشْكُرُونَا عِنْدَ النَّاسِ.
فهم يطعمون الطعام ونيتهم مخلصين فيها خائفين من حساب ربهم ان قصروا في قضاء حوائج المحتاجين (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10 الانسان) قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَمَا وَاللَّهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ كل رَاغِبٌ.
فما جزائهم يا ربي قال الله تعالي (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) الانسان
لقد علمنا النبي صلى الله عليه فضل قضاء حوائج الناس وثوابه ففي الحديث الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ َعَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ ( وَسلم أَيّمَا مُؤمن أطْعم مُؤمنا على جوع أطْعمهُ الله يَوْم الْقِيَامَة من ثمار الْجنَّة وَأَيّمَا مُؤمن سقى مُؤمنا على ظمإ سقَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة من الرَّحِيق الْمَخْتُوم وَأَيّمَا مُؤمن كسا مُؤمنا على عري كَسَاه الله يَوْم الْقِيَامَة من حلل الْجنَّة * رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
إن مساعدة الآخرين وعونهم التي دعا الإسلام إليها لا تتوقف عند حد، ولا تختص بقريب أو صديق، ولا بوقت دون آخر، بل كلَّما سنحت الفرصةُ للعون والمساعدة وكان المسلم قادرًا على فعلها وقضائها، فحريٌ به أن يسارع إلى تقديمها، فإن ذلك مما يؤلف القلوب، ويقرب النفوس، ويضفي على العلاقات رباطًا قويًا من المودة والمحبة والأنس كما قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهم…فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
من كان للخير منَّاعًا فليس له…على الحقيقة إخوانٌ وخِلاّن
أحسِن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ…فلن يدوم على الإنسان إمكانُ
ان ايثار المحتاجين له فضل عظيم فَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رجلَانِ سلكا مفازة عَابِد وَالْآخر بِهِ رهق فعطش العابد حَتَّى سقط فَجعل صَاحبه ينظر إِلَيْهِ وَهُوَ صريع فَقَالَ وَالله إِن مَاتَ هَذَا العَبْد الصَّالح عطشا وَمَعِي مَاء لَا أُصِيب من الله خيرا أبدا وَلَئِن سقيته مائي لأموتن فتوكل على الله وعزم فرش عَلَيْهِ من مَائه وسقاه فَضله فَقَامَ فَقطع الْمَفَازَة فَيُوقف الَّذِي بِهِ رهق لِلْحسابِ فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار فتسوقه الْمَلَائِكَة فَيرى العابد فَيَقُول يَا فلَان أما تعرفنِي فَيَقُول وَمن أَنْت فَيَقُول أَنا فلَان الَّذِي آثرتك على نَفسِي يَوْم الْمَفَازَة فَيَقُول بلَى أعرفك فَيَقُول للْمَلَائكَة قفوا فيقفون فَيَجِيء حَتَّى يقف فيدعو ربه عز وَجل فَيَقُول يَا رب قد عرفت يَده عِنْدِي وَكَيف آثرني على نَفسه يَا رب هبه لي فَيَقُول هُوَ لَك فَيَجِيء فَيَأْخُذ بيد أَخِيه فيدخله ـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أطْعم أَخَاهُ حَتَّى يشبعه وسقاه من المَاء حَتَّى يرويهِ باعده الله من النَّار سبع خنادق مَا بَين كل خندقين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام ـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
إن على كل قادر على بذل المعروف وقضاء حاجة أخيه المسلم أو المساعدة في ذلك والمشاركة فيه أن يسهم على قدر جهده وطاقته ومكانته، وأن يحتسب أجرَ ذلك عند الله تعالى لان أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
والتيسير على المعسر في الدنيا جزاؤه التيسير من عسر يوم القيامة، وحسبك في يومٍ قال فيه ربُّ العزة ( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) [المدثر:9]. وفي صحيح مسلم: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)
وعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ حُذَيْفَةَ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ " رواه البخاري ومسلم.
ثم إن ما تبذله من جاه أو عون أو مساعدة قد تحتاجه في قابل الأيام، فقد تصير في موقف أنت في أمس الحاجة فيه إلى من يعينك، وينقذك فيه من مَأْزِقٍ صعب وقعت فيه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» المعجم الكبير
ذكر الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في كتابه: (وحي القلم) قصة عن الإمام أحمد بن مسكين من علماء القرن الثالث الهجري في البصرة، يقول عن نفسه: "إني امتحِنت بالفقر سنة تسع عشرة ومائتين، وانحسَمت مادتي وقحط منزلي، فلم يكن عندنا شيء، ولي امرأة وطفلها، وقد طوينا على جوع يخسف بالجوف خسفا، فجمعت نيتي على بيع الدار والتحوّل عنها، فخرجت أتسبب لبيعها فلقيني أبو نصر، فأخبرته بنيتي لبيع الدار فدفع إلى رقاقتين من الخبز بينهما حلوى، وقال أطعمها أهلك. ومضيت إلى داري فلما كنت في الطريق لقيتني امرأة معها صبي، فنظَرَت إلى الرقاقتين وقالت: يا سيدي، هذا طفل يتيم جائع، ولا صبر له على الجوع، فأطعمه شيئًا يرحمك الله، ونظر إليّ الطفل نظرة لا أنساها، وخيّل إليّ حينئذ أن الجنة نزلت إلى الأرض تعرض نفسها على من يشبِع هذا الطفل وأمه، فدفعت ما في يدي للمرأة، وقلت لها: خذي وأطعمي ابنك. والله ما أملك بيضاء ولا صفراء، وإن في داري لمن هو أحوج إلى هذا الطعام، فدمعت عيناها، وأشرق وجه الصبي، ومشيت وأنا مهموم، وجلست إلى حائط أفكر في بيع الدار وإذ أنا كذلك إذ مرّ أبو نصر وكأنه مستطار فرحًا، فقال: يا أبا محمد، ما يجلسك ها هنا وفي دارك الخير والغنى؟! قلت: سبحان الله! ومن أين يا أبا نصر؟! قال: جاء رجل من خراسان يسأل الناس عن أبيك أو أحد من أهله، ومعه أثقال وأحمال من الخير والأموال، فقلت: ما خبره؟ قال: إنه تاجر من البصرة، وقد كان أبوك أودَعه مالاً من ثلاثين سنة، فأفلس وانكسر المال، ثم ترك البصرة إلى خراسان، فصلح أمره على التجارة هناك، وأيسَر بعد المحنة، وأقبل بالثراء والغنى، فعاد إلى البصرة وأراد أن يتحلّل، فجاءك بالمال وعليه ما كان يربحه في ثلاثين سنة، قال أحمد بن مسكين: حمدت الله وشكرته، وبحثت عن المرأة المحتاجة وابنها، فكفيتهما وأجرَيت عليهما رزقا، ثم اتجرت في المال، وجعلت أربه بالمعروف والصنيعة والإحسان وهو مقبل يزداد ولا ينقص، وكأني قد أعجبني نفسي وسرني أني قد ملأت سجلات الملائكة بحسناتي، ورجوت أن أكون قد كتبت عند الله في الصالحين، فنمت ليلة فرأيتُني في يوم القيامة، والخلق يموج بعضهم في بعض، ورأيت الناس وقد وسعت أبدانهم، فهم يحملون أوزارهم على ظهورهم مخلوقة مجسمة، حتى لكأن الفاسق على ظهره مدينة كلها مخزيات، ثم وضعت الموازين، جيء بي لوزن أعمالي، فجعلت سيئاتي في كفة وألقيت سجلات حسناتي في الأخرى، فطاشت السجلات، ورجحت السيئات، كأنما وزنوا الجبل العظيم بلفافة من القطن، ثم جعلوا يلقون الحسنة بعد الحسنة مما كنت أصنعه، فإذا تحت كل حسنه شهوة خفية من شهوات النفس، كالرياء والغرور وحب المحمدة عند الناس، فلم يسلم لي شيء، وهلكت عن حجتي وسمعت صوتًا: ألم يبق له شيء؟ فقيل: بقي هذا، وأنظر لأرى ما هذا الذي بقي، فإذا الرقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وابنها، فأيقنت أني هالك، فلقد كنت أحسن بمائة دينار ضربة واحدة فما أغنَت عني، فانخذلت انخذالاً شديدًا فوضِعَت الرقاقتان في الميزان، فإذا بكفة الحسنات تنزل قليلاً ورجحت بعضَ الرجحان، ثم وضعت دموع المرأة المسكينة، حيث بكت من أثر المعروف في نفسها، ومن إيثاري إياها وابنها على أهلي، وإذا بالكفة ترجح، ولا تزال ترجح حتى سمعت صوتًا يقول: قد نجا، فلا تحقرنّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
ولله در الشافعي رحمه حيث قال
الناس للناس مادام الوفاء بهم
والعسر واليسر أوقات وساعات
وأكرم الناس ما بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات
لا تقطعن يد المعروف عن أحد
ما دمت تقدر والأيام تارات
واذكر فضيلة صنع الله إذ جُعِلتْ
إليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي رسوله الكريم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم الشأن قديم الإحسان، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولى من جزيل الفضل والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال في الحث على قضاء الحوائج وبذل المعروف: (نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغارم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تُعَجّلوه، ولا تكسبوا بالمطل ذمًّا، واعلموا أن حوائج الناس من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتكون نقمًا، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس من عفا عمن قدر عليه، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين).
ثالثا : التحذير من عاقبة عدم قضاء حوائج الناس مع القدرة عليه
ان من عباد الله من اغناهم الله واسبغ عليهم نعمه وأوجد فيهم خاصية مساعدة المسلمين وقضاء مصالحهم وتلمس احتياجاتهم ، ولذلك فإن هؤلاء يلجؤون إليهم بعد الله تعالى لعونهم ومساعدتهم فان لم يساعدوهم نزع الله النعيم منهم وحوله الي غيرهم عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع الناس يقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوا نزعها منهم فحولها إلى غيرهم ".
إخوة الإسلام: جاءت آيات كثيرة تدعونا إلى العمل الخيري و التطوعي و يحث الله تعالى فيها عليه المؤمنين و المؤمنات فقال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 114]
ففي هذه الآية دعوة كريمة إلى الصدقة وقول المعروف والإصلاح بين الناس وكلها من الأمور التطوعية التي دعا إليها رب البرية
يقول عليٌّ رضي الله عنه: يا سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في الخير!!! عجبت لرجلٍ يجيئه أخوه لحاجته فلا يرى نفسه للخير أهلاً!!! فلو كنا لا نرجو جنةً ولا نخاف ناراً ولا ننتظر ثواباً ولا نخشى عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق.. فإنها تدل على سُبُلِ النجاح؟؟ فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين: أسمعته من رسول الله ؟ قال: نعم، وما هو خيرٌ منه: لقد أتينا بسبايا طيٍّ.. كان في الناس جاريةٌ حسناء تقدمت إلى رسول الله وقالت: يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت ألا تخلي عنِّي فلا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنتُ سيدِ قومي، كان أبي يفك العاني، ويحمي الذِّمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردَّ طالب حاجة قط ، أنا بنت حاتم الطائي فقال النبي : ((يا جارية هذه صفة المؤمن. خلُّوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق)
ان عطاء الله اختبار وامتحان فاياك ونقمته والبخل بما تفضل عليك به روي البخاري ومسلم عن ابي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، - أَوْ قَالَ: البَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ، وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ -، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الغَنَمُ: فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ [ص:172] لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ "
قال أسلم (مولى عمر): إن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإذا قِدر على النار قد ملأتها ماءً، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أمة الله، لماذا بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالتْ: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماءً أُعللهم بها حتى يناموا، أُوهمهم أن فيها شيئًا من دقيق وسمن، فجلس عمر فبكى، ثم جاء إلى دار الصدقة، فأخذ غرارة - (أي كيسًا كبيرًا) - وجعل فيها شيئًا من دقيق وسمن وشحم، وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم، احمل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك! فقال لي: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله؛ لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة، قال: فحمله على عنقه، حتى أتى به منزل المرأة، قال: وأخذ القدر، فجعل فيها شيئًا من دقيق، وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده، وينفخ تحت القدر، قال أسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض - (جلس) - بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أُكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين، قال: رأيتهم يبكون، فكرِهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، ج44، ص 352).
هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى ودين الحق، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.