الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 11 من رجب 1441هـ الموافق 6 مارس 2020م تحت عنوان تأملات مع سورة الحجرات

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2639
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة  بتاريخ 11 من رجب 1441هـ الموافق 6 مارس 2020م تحت عنوان  تأملات مع سورة الحجرات Empty خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 11 من رجب 1441هـ الموافق 6 مارس 2020م تحت عنوان تأملات مع سورة الحجرات

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأحد مارس 01, 2020 1:15 am

    خطبة الجمعة القادمة
    بتاريخ 11 من رجب 1441هـ الموافق 6 مارس 2020م تحت عنوان

    تأملات مع سورة الحجرات

    العناصر
    1- المقدمة .
    2- يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
    3- لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ.
    4- ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.
    5- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ
    6- إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.
    7- وَلا تَجَسَّسُوا.
    المقدمة
    الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
    واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
    وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
    بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
    يا سيدي يا رسول الله :
    أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
    ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
    ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
    وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين

    أما بعد

    عباد الله

    تعالوا بنا اليوم لنطوف حول سورة من سور القرآن آياتها قليلة لكن احكامها كثيره -- فيها الغيبة -- وفيها النميمة -- فيها أمر الله وأمر رسوله - فيها لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - فيها ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا – فيها لا يسخر قوم من قوم – فيها ولا تجسسوا – فيها إن بعض الظن اثم ---- انها سورة الحجرات

    يقول تعالي
    ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

    عباد الله

    تبدأ السورة بنداء الكرامة وهو الإيمان هذا النداء المحبب للنفوس والمحرك للقلوب، يقول ابن عباس رضي الله عنهما إذا سمعت الله تعالى يقول يأيها الذين آمنوا: فأرعها سمعك فإنه خير يؤمر به أو شر ينهى عنه ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1
    ويقول عبد الله بن عباس : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) : أي : “لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة”

    فالمؤمن مطالب بعدم تقديم رأيه على أوامر الله ورسوله في الكتاب والسنة، فلا يقول ولا يقضي في الدين ،بخلاف ما تنص عليه الشريعة، و يكون رأيه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون محبته وولاؤه لله ورسوله أقوى وأشد من محبته وولائه لنفسه وأهوائه ومصالحه،
    وقد روى أبو داود وغيره (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ « كَيْفَ تَقْضِى إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ». قَالَ أَقْضِى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ». قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ « فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ». قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَدْرَهُ وَقَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِى رَسُولَ اللَّهِ ».

    وهؤلاء اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألهم عن اليوم الذي هم فيه، والمكان الذي هم فيه، وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم. خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله!
    جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل في حجة الوداع:
    "أي شهر هذا ? "..قلنا: الله ورسوله أعلم.فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.فقال: " أليس ذا الحجة ? " قلنا بلى! قال: " أي بلد هذا ? " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: " أليس البلدة الحرام ? " قلنا: بلى! قال: " فأي يوم هذا ? " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: أليس يوم النحر ? قلنا بلى!.. الخ.

    فهذه صورة من الأدب، ومن التحرج، ومن التقوى، التي انتهى إليها المسلمون بعد سماعهم ذلك النداء، وذلك التوجيه، وتلك الإشارة إلى التقوى، تقوى الله السميع العليم

    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
    ___________

    وكما يكون الأدب مع الله تعالى يكون مع نبيه صلى الله عليه وسلم ففي حياته يكون الأدب في الحديث والخطاب والتوقير في القلوب توقيراً ينعكس على نبراتهم وأصواتهم ويميز شخص الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم، والله عز وجل يدعوهم لذلك ويحذرهم من مخالفته ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2.
    ولقد تربى جيل الصحابة رضي الله عنهم على هذا الفهم الواعي فكانوا قمة في الأدب والتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما جاء من حديث أنس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ..﴾ [الحجرات: 2]
    كان ثابت بن قيس بن الشماس رضي الله عنه رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله أنا من أهل النار، حبط عملي وجلس في أهله حزيناً، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقدك رسول الله مالك؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق النبي واجهر له بالقول، حبط عملي أنا من أهل النار فاتوا النبي فاخبروه بما قال: فقال (لا بل هو من أهل الجنة)، قال أنس رضي الله عنه: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة ) رواه الإمام أحمد في مسنده.

    والتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته يكون في احترام شريعته وعدم تقديم العقل عليها والاعتزاز بها والعمل بموجبها والدعوة لها.
    ولقد وعى المسلمون هذا الأدب الرفيع وتجاوزوا به كل أستاذ وعالم جليل لا يزعجونه حتى يخرج إليهم ولا يقتحمون عليه حتى يدعوهم، يحكى أن أبا عبيد العالم الزاهد الرواية الثقة رحمه الله أنه قال: ما دققت باباً على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه.
    ويقول ابن القيم إذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف بتقديم آرائهم وأقوالهم علي رأي وقول النبي صلى الله عليه وسلم

    ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
    ________________

    ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6
    وخصص الفاسق – لأن المسلم لا يكذب ولا يجوز في حقه أن يكون مصدر معلوماته ومنطلقات حكمه الصحف والمجلات والفضائيات التي ثبت الفسوق والفجور والعصيان، حتى إن بعضها يقلب المفاهيم ويطمس الحقائق ويشوه الفضيلة ويزين الرزيلة ويهاجم الشريعة، وصدق الله العظيم بقوله ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، إنه ندم يصيب المؤمن في الدنيا إذا اكتشف الحقيقة
    وردت قصة نبأ الفاسق في الآيتين 6 -8 من سورة الحجرات بقوله تعالى
    يا أيها الذي آمنوا انْ جاءَكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تُصيبوا قوماً بجهالة فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين *
    .
    هذه الآيات الكريمات قد نزلت في الوليد بن عقبة رضي الله عنه وذلك بعد عام من انتصار النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق , وقد بني النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين السيدة - جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها ابنة زعيم وسيد بني المصطلق, وكان بني المصطلق قد أعلنوا اسلامهم عن بكرة أبيهم, ودخلوا في دين الله,ودخلوا تحت راية سيد المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه.
    فلما دار الحول دورته على تلك الغزوة, أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة رضي الله عنه ليأخذ صدقات أموالهم ويردُّها على فقراءهم , ووصاه النبي صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له.
    مضى الوليد بن عقبة رضي الله عنه في طريقه الى بني المصطلق على رأس نفر من المسلمين , وفي احدى الليالي , وبينما هو رضي الله عنه في خيمته لم ينم لأنه تذكر العداوة بينه وبين بني المصطلق فشعر ببعض الخوف في فقال لنفسه ان ذهبت اليهم قتلوني وثأروا مني,
    وقال في نفسه مالي ولهذه المهمة, الأولى بي أن أرجع من مكاني , وفي الصبح كرّ راجعا من حيث أتى دون أن يُكمل طريقه اليهم,

    ولما رجع الوليد بن عقبة رضي الله عنه الى المدينة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به أصحابه بانّ بني المصطلق قد ارتدوا عن الاسلام وكادوا أن يفتكوا به وبأصحابه, فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وأعطى أوامره وتوجيهاته بالاستعداد لغزو بني المصطلق نتيجة ارتدادهم عن دينهم كما ادّعى الوليد كذبا وزوراُ وبهتانا, وكادت أن تقع حربا ضروساً بين فئتين مؤمنتين لولا رحمة الله بعباده حين وصل نبأ هذا الفاسق لبني المصطلق وأنّ ما نقله زورا وبهتانا وافكا, فشكلوا على جناح السرعة وفدا من كبارهم واشرافهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أشدّ الغضب عليهم, فقالوا: يا رسول الله ! حنانيك ورضاك, فنحن على غير ما وصلك عنّا, لقد كنا قد سمعنا برسولك قادم الينا, فخرجنا بجموعنا اليه لنكرمه ونستقبله, ونُؤدي اليه ما عندنا من الصدقة, وما يتوجّب علينا من الزكاة, ولا ندري لماذا كرّ راجعاً, ثم بلغنا أنه قد زعم اليك أننا خرجنا اليه لنقتله ومن معه, وأنا قد ارتددنا عن الاسلام, وامتنعنا عن آداء الزكاة, فوالذي بعثك بالحق ما حدث شيء من ذلك أبداًو ما كفرنا بالله منذ ان آمنا, ولا انسلخنا عن الاسلام منذ دخلنا فيه.

    ذُهل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع منهم ما يقولون, فتوقف عليه الصلاة والسلام عن الفصل في الموضوع, لا يُصدّق ولا يُكذّبُ, لا الى الوليد وخبره يميل, ولا الى بني المصطلق يميلُ , حتى يتبيّنُ له الحق.... وينزل قول الحق تبارك وتعالى بقوله:
    يا أيها الذي آمنوا انْ جاءَكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تُصيبوا قوماً بجهالة فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين

    ومع نزول هذه الآية الكريمة وما بعدها جاء الحق وزهق الباطل, واستبشر وفد بني المصطلق بحكم الله تبارك وتعالى, وبآياته الكريمة تنزل فيهم, فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهم وأكرم وفادتهم, وافتضح أمر الوليد رضي الله عنه, فأبدى عذره وندمه ورجوعه الى الحق , وانابته الى الصراط المستقيم , فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعفا عنه
    والفساق والكذابون في كل زمان وأوان يملأون الأرض .
    فعلى المرء أن يتثبت ، ويتأنى . ولا يتعجل بالحكم على أحد ، وقد أمره الله بهذه الآية بالتثبت والتبين

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ
    _____________________

    وقد نزل قوله تعالى : لا يسخر قوم من قوم ، في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر أي ثقل في السمع وكان إذا دخل المسجد تفسحوا له حتى يقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع ما يقول ، فدخل المسجد يوماً والناس قد فرغوا من الصلاة وأخذوا أماكنهم في الجلوس فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول : تفسحوا تفسحوا ، حتى انتهى إلى رجل فقال له : أصبت مجلساً فاجلس ، فجلس ثابت بن قيس خلف ذلك الرجل مغضباً ، فلما انجلت الظلمة قال ثابت : من هذا ؟ قال الرجل : أنا فلان . فقال ثابت : ابن فلانة فنكس الرجل رأسه حياءً وخجلاً ، فنزلت هذه الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم " . فقال ثابت بن قيس لا أفخر على أحد في الحسب بعدها أبداً . .

    وقوله تعالى : " ولا نساء من نساء " ، نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم
    فعن عكرمة عن ابـن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن صفية بنت حيي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن النساء يعيرنني ويقلن : يا يهودية بنت يهوديين ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلاّ قلت إن أبي هرون ، وابن عمي موسى ، وأن زوجي محمد ، عليه الصلاة والسلام ، فنزلت هذه الآية في حقها وحق من عيّرها وطعنها في نسبها
    فالمجتمع الإسلامي وحدة متكاملة لا تتجزأ ، ولا يجوز لأحد أن يسخر من أحد ، حسب أمر الله عز وجل في هذه الآية الكريمة ، لا رجال من رجال ولا نساء من نساء ، فالسخرية بالناس حرام شرعاً ومنهي عنها بنص هذه الآية الكريمة.

    إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
    _______________

    لقد ابتلى بها كثير من الناس ، فظنوا بالآخرين سوءاً فوقعوا بالآثام ولو أنهم اهتدوا بهدي الله عز وجل لما ظنوا سوءاً ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا اغتابوا ، إذ للمؤمن عند الله حرمة ، وأي حرمة
    اسمعوا ما ورد في حرمة المسلم على لسان النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه :

    روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول : " ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك . ماله ودمه . وأن يظن به إلا خيراً " .
    هذا مقام المؤمن عند الله سبحانه ، ومنزلته الرفيعة عند الخالق الأعظم . فليس لأحد من الخلق أن يحطّ من قدر هذا المؤمن ، فيظن به شراً وسوءاً ، أو يتجسس عليه ويغتابه .

    وظن السوء خدش للعرض وهتك للحرمة ، ونيل من الكرامة لذا نهى الله تعالى عنه بهذه الآية الكريمة ، وقد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أكذب الحديث ، فقال : " إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث " .

    وَلا تَجَسَّسُوا
    _______

    إن من حق المسلم على المسلم ، ستر عوراته ، ومن ستر على مسلم ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة .
    وفي الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ونادى بصوت رفيع حتى اسمع العواتق في خدورهن : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يصل الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يوشك أن يفضحه ولو في جوف رحله" .
    .
    وقوله تعالى : ولا تجسسوا أي على بعضكم بعضاً . والتجسس غالباً يطلق في الشر ، ومنه الجاسوس وهو الشرير . وأما التحسس فيكون غالباً في الخير كما قال عز وجل اخباراً عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه قال : " يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من رَوْح الله إنه لا ييأس من رَوْح الله إلا القوم الكافرون " .

    وقد يستعمل كل منهما في الشر كما ثبت في الصحيح أن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً . . " .

    وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه " .

    وقد نقل الشيخ محمد مصطفى المراغي في تفسيره لسورة الحجرات : أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يعس بالمدينة ويحرس الناس ويكشف أهل الريبة منهم ، فسمع صوت رجل في بيته يغني ، فتسور عليه ، ووجد عنده امرأة وخمراً فقال عمر : يا عدو الله ! أطننت أن الله يسترك وأنت على معصيته ، فقال الرجل : وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ ، إن كنت عصيت الله في واحدة ، فقد عصيته أنت في ثلاث : قال الله تعالى: " لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهليها " ، وقد دخلت بغير إذني فقال أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ! قال الرجل : نعم . والله يا أمير المؤمنين لئن عفوت لا أعود إلى مثلها أبداً ، فعفا عنه عمر وتركه .

    عباد الله

    ____
    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

    أما بعد
    وأخيرا

    ولا يغتب بعضكم بعضا
    _____________

    وتضمنت الآية الكريمة نهي الله عز وجل عن الغيبة ، وهي : أن يذكر الإنسان أخاه المسلم في غيبته بما يكره ، سواء كان الذكر صراحة أو كتابة أو إشارة أو رمزاً . وسواء كان ما اغتابه به متعلقاً بدينه أو بدنياه ، بخلقه أو خلقه ، وسواء أكان متصلاً به أو بمن له به رابطة أو صلة ، من ولد أو زوجة أو أب وأم .
    وقد نقل الإمام القرطبي رحمه الله تعالى إجماع المسلمين على أن الغيبة من الكبائر ، وبعد أن صورها الله سبحانه أبشع تصوير في آخر الآية ، فلا يصح أن تعد في الصغائر .

    ومن الغيبة ما هو هين بسيط ، كعيب الشخص في لباسه أو سيارته ، وما أشبه ذلك مما لا يتصل بالدين والخلق ، فإذا قيل أن أمثال هذه الغيبة من الصغائر كان مقبولاً ، أما ما يتعلق بالدين والخلق والعرض فلا .
    والغيبة محرّمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا في الجرح والتعديل والنصيحة ، كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه الرجل الفاجر : " ائذنوا له وبئس أخو العشيرة " .
    وكقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم : " أما معاوية فصعلوك ، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " ، وكذا ما جرى مجرى ذلك
    وقد فسّر الشارع الحكيم الغيبة تفسيراً واضحاً ، فقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ذكرك أخاك بما يكره " ، قيل : يا رسول الله أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " . والبهتان كذب وزور ، والغيبة إثم وفجور وكلاهما شر وثبور .

    وللغيبة أسباب
    _______

    أهمها : الغيظ ، و الغضب ، أو مجاملة الرفقاء والأصدقاء ، أو إرادة أن يرفع الإنسان بالغض من غيره ، أو الحسد وهو أهم الأسباب . ومنها أيضاً اللعب والهزل والمفاكهة وإضاعة الوقت
    ... وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: انهما ليُعذبان وما يعذبان في كبير, اما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول, وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.

    عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.
    هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 6:44 am