دروس وخواطر الإمام لشهر ذو القعده
درس الخميس
16/5/2024م 8 ذو القعده 1445ه
تحت عنوان
النصيحة في الله وآدابها
العناصر
1/النصيحة بين المتآخين في الله:
2/ وجوب النصيحة
3/اداب النصيحة
1/النصيحة بين المتآخين في الله:
كان للمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين الأثر الكبير في التناصح بين المسلمين. عن أبي جحيفة عن أبيه قال: (آخَى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذِّلة (قبل نزول الحجاب) فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له: كُل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَم، فلما كان من آخر الليل قال: سلمان قُمِ الآن، فصلَّيا، فقال له سَلْمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان) رواه البخاري.
2/ وجوب النصيحة
جعل الإسلام النّصيحة حقًا من حقوق المسلم على أخيه، وخصّها بمكانةٍ عاليةٍ؛ فرتّب الشّرع عليها الأجر والثواب، وقد دلّت النّصوص الشرعية من الكتاب والسنّة على وجوب التناصح بين المسلمين والتعاون بينهم؛ فحثّت على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)،[. سورة المائدة، آية:2
3/آداب النصيحة في الإسلام
وإنّ للنّصيحة ضوابط وآدابٌ ينبغي مراعاتها، كما أنّ لها آثارًا إيجابيَّةً تعود على كلا النّاصح والمنصوح، بل وعلى المجتمع بأكمله بالخير والنفع
أولًا: تجنّب النصيحة أمام النّاس وذلك حتى تكون أكثر قبولً؛ إذ إنّ النصيحة أمام الناس تكون كنوعٍ من التوبيخ، وإحراج المنصوح، وهذا أمرٌ غير
ثانيًا: مراعاة النّصح برفقٍ ولين فلا بدّ من أن تكون النّصيحة بأسلوبٍ تظهر فيه المودَّة والرأفة؛ ما يجعل المنصوح أكثر قبولًا لها، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)،[ سورة آل عمران، آية:159
فالنصيحة بفظاظة وغلظة تنفّر المنصوح، وقد يدفعه ذلك للمعاندة، وتجلّى أسلوب الرفق في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وكان أسلوب اللين واللطف الذي استخدمه النبي -عليه الصلاة والسلام- معه سببًا لتفهّم الأعرابي وقبوله النصيحة.
ثالثًا: أن يكون القصد بالنصيحة الخير والصلاح فليس المقصود من النصيحة مجرد الكلام والنقد أو إحراج المنصوح، أو التعييب عليه بأخطائه، فالنصيحة حتى تكون مقبولة لا بدّ لها من أن تكون خالصةً لوجه الله تعالى، دون النّظر لثناء الخلق ودون قصد الكِبر والترفع عليه، مع ضرورة تجنّب غشّ المنصوح والاحتيال عليه في النصيحة
رابعًا: تحلي الناصح بالصّبر فينبغي للناصح أن يكون متخلِّقًا بالأخلاق الحسنة؛ فيكون صبورًا في تحمّل عواقب نصيحته، فقد يتعرض للشتيمة أو التوبيخ أو ما شابه، فعليه الصبر وألّا يردّ الإساءة بمثلها.
خامسًا: جهل الناصح بما ينصح قد يؤدي للوقوع في مشاكل ومفاسد كثيرةٍ، كما أنّ على الناصح أن يكون عاملًا بنصيحته؛ فقد ذمّ الله تعالى من يأمرون بالمعروف ولا يأتونه؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
سادسًا: اختيار الوقت والمكان المناسبين للنصيحة وذلك حتى تكون أكثر قبولًا واستجابةً من قبل المنصوح؛
سابعًا: عدم الإطاله وتكرار في النّصيحة فخير الكلام ما قلّ ودلّ، وإنّ إطالة الكلام في النّصيحة وكثرة تكرارها قد يؤدي إلى ملل المنصوح وضجره منها، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كانَ عبدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ في كُلِّ خَمِيسٍ فقالَ له رَجُلٌ: يا أبا عبدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنا كُلَّ يَومٍ؟ قالَ: أما إنَّه يَمْنَعُنِي مِن ذلكَ أنِّي أكْرَهُ أنْ أُمِلَّكُمْ، وإنِّي أتَخَوَّلُكُمْ بالمَوْعِظَةِ، كما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَخَوَّلُنا بها، مَخافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنا".
فضيلة الشيخ طاهر ابو المجد احمد
كبير أئمة شبرا الخيمة شرق القليوبية
جامعة الأزهر قسم العقيدة والفلسفة
درس الخميس
16/5/2024م 8 ذو القعده 1445ه
تحت عنوان
النصيحة في الله وآدابها
العناصر
1/النصيحة بين المتآخين في الله:
2/ وجوب النصيحة
3/اداب النصيحة
1/النصيحة بين المتآخين في الله:
كان للمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين الأثر الكبير في التناصح بين المسلمين. عن أبي جحيفة عن أبيه قال: (آخَى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذِّلة (قبل نزول الحجاب) فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له: كُل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَم، فلما كان من آخر الليل قال: سلمان قُمِ الآن، فصلَّيا، فقال له سَلْمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان) رواه البخاري.
2/ وجوب النصيحة
جعل الإسلام النّصيحة حقًا من حقوق المسلم على أخيه، وخصّها بمكانةٍ عاليةٍ؛ فرتّب الشّرع عليها الأجر والثواب، وقد دلّت النّصوص الشرعية من الكتاب والسنّة على وجوب التناصح بين المسلمين والتعاون بينهم؛ فحثّت على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)،[. سورة المائدة، آية:2
3/آداب النصيحة في الإسلام
وإنّ للنّصيحة ضوابط وآدابٌ ينبغي مراعاتها، كما أنّ لها آثارًا إيجابيَّةً تعود على كلا النّاصح والمنصوح، بل وعلى المجتمع بأكمله بالخير والنفع
أولًا: تجنّب النصيحة أمام النّاس وذلك حتى تكون أكثر قبولً؛ إذ إنّ النصيحة أمام الناس تكون كنوعٍ من التوبيخ، وإحراج المنصوح، وهذا أمرٌ غير
ثانيًا: مراعاة النّصح برفقٍ ولين فلا بدّ من أن تكون النّصيحة بأسلوبٍ تظهر فيه المودَّة والرأفة؛ ما يجعل المنصوح أكثر قبولًا لها، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)،[ سورة آل عمران، آية:159
فالنصيحة بفظاظة وغلظة تنفّر المنصوح، وقد يدفعه ذلك للمعاندة، وتجلّى أسلوب الرفق في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وكان أسلوب اللين واللطف الذي استخدمه النبي -عليه الصلاة والسلام- معه سببًا لتفهّم الأعرابي وقبوله النصيحة.
ثالثًا: أن يكون القصد بالنصيحة الخير والصلاح فليس المقصود من النصيحة مجرد الكلام والنقد أو إحراج المنصوح، أو التعييب عليه بأخطائه، فالنصيحة حتى تكون مقبولة لا بدّ لها من أن تكون خالصةً لوجه الله تعالى، دون النّظر لثناء الخلق ودون قصد الكِبر والترفع عليه، مع ضرورة تجنّب غشّ المنصوح والاحتيال عليه في النصيحة
رابعًا: تحلي الناصح بالصّبر فينبغي للناصح أن يكون متخلِّقًا بالأخلاق الحسنة؛ فيكون صبورًا في تحمّل عواقب نصيحته، فقد يتعرض للشتيمة أو التوبيخ أو ما شابه، فعليه الصبر وألّا يردّ الإساءة بمثلها.
خامسًا: جهل الناصح بما ينصح قد يؤدي للوقوع في مشاكل ومفاسد كثيرةٍ، كما أنّ على الناصح أن يكون عاملًا بنصيحته؛ فقد ذمّ الله تعالى من يأمرون بالمعروف ولا يأتونه؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
سادسًا: اختيار الوقت والمكان المناسبين للنصيحة وذلك حتى تكون أكثر قبولًا واستجابةً من قبل المنصوح؛
سابعًا: عدم الإطاله وتكرار في النّصيحة فخير الكلام ما قلّ ودلّ، وإنّ إطالة الكلام في النّصيحة وكثرة تكرارها قد يؤدي إلى ملل المنصوح وضجره منها، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كانَ عبدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ في كُلِّ خَمِيسٍ فقالَ له رَجُلٌ: يا أبا عبدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنا كُلَّ يَومٍ؟ قالَ: أما إنَّه يَمْنَعُنِي مِن ذلكَ أنِّي أكْرَهُ أنْ أُمِلَّكُمْ، وإنِّي أتَخَوَّلُكُمْ بالمَوْعِظَةِ، كما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَخَوَّلُنا بها، مَخافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنا".
فضيلة الشيخ طاهر ابو المجد احمد
كبير أئمة شبرا الخيمة شرق القليوبية
جامعة الأزهر قسم العقيدة والفلسفة
