الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 23 أغسطس 2024م الموافق 19صفر 1446ه‍ بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. ل

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2797
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 23 أغسطس 2024م  الموافق 19صفر 1446ه‍  بعنوان   : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. ل Empty خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 23 أغسطس 2024م الموافق 19صفر 1446ه‍ بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. ل

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأربعاء أغسطس 21, 2024 1:18 am

    خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 23 أغسطس 2024م  الموافق 19صفر 1446ه‍  بعنوان
     : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. ل

    العناصر
    أولا : المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف 
    ثانياً : من عوامل قوة المسلم     
    ثالثاً : من اسباب حصول القوة للمسلم 
    الخطبة الأولي
    الحمد لله؛ خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضَّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرَّم، أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعزُّ الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدِّين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين 
    أما بعد 
    فإننا في الجمعة الماضية تكلمنا عن كيف يحبك الله واليوم بحول الله وقوته نبين سبباً آخر لمحبة الله ألا وهي قوة المؤمن إذا أردت أن يحبك الله فكن قويا وعليك بالتحلي بالقوة والعزيمة لمجابهة الأزمات وتحديات العصر وإنما تتحقق القوة في اتباع الحق والشجاعة في لزوم الثبات عليه، ولو جانبه سائر الخلق، فالمسلم لايقبل الذلة في دينه، ولا المداهنة في عقيدته، ولا المساومة على أخلاقه وقيمه، وعرضه وأرضه ، بل يلازم الحق في كل حال، ويحارب الباطل وأهل الضلال، ويرد الباطل على ما جاء به من الناس كائنًا من كان.
    أولا : المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف 
    إن العظمة الإنسانية، والقوة الإيمانية لا تُعرف في الرخاء قدرَ ما تعرف في الشدة، وان النفوس الكبار هي التي تملك أمرها عند بروز التحدي وان الله يحب المؤمن القوي كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» مسلم .
    إن المؤمن القوي في إيمانه، والقوي في بدنه وعمله حتى عمله الدنيوي إذا عمل عملاً أتقنه، وفي صبره وجلده، وكذلك أيضاً في دينه خيرٌ واحب الي الله من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله، لأن المؤمن القوي ينتج ويعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية، وبقوته العلمية ينتفعون من ذلك نفعًا عظيمًا في الجهاد في سبيل الله، وفي تحقيق مصالح المسلمين، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين.. 
    • القوة في مواقف المصطفي صلى الله عليه وسلم..
    وخير من تحلي بالقوة في احلك الازمات هو القدوة والاسوة الحسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد ضرب لنا نبينا صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في كل خلق فضيل، تحلي بالقوة اذا عصفت الازمات فهو الثابت حين زلزل الناس في احد والخندق وفي العسرة وهو القوي حين ضعف الناس
    وحري بالمسلم أن يقتدي به، فهو أشجع الناس في الحرب، وأثبتهم عند اللقاء، كان الصحابة - كما يقول علي - إذا حمي الوطيس واشتد الأمر يحتمون خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة حنين عندما فاجأ المشركون المسلمين في كمين مباغت، فر المسلون وانجفلوا، لم يبق إلا النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته وعمه العباس وابن عمه أبو سفيان ابن الحارث
    شجاعة الحبيب وقوته يوم حنين .....
     روي البخاري عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ مَا وَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ، فَلَقِيَهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ»
     وهو القدوة في الشجاعة والقوة والاقدام ففي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الخَبَرَ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا» ثُمَّ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا» أَوْ قَالَ: «إِنَّهُ لَبَحْرٌ» (والبحر الواسع الجري)- قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ)) مسلم
    القوة عند عمر رضي الله عنه....
    وهذا عمر بن الخطاب القوي في جسمه، القوي في ايمانه  روي البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إيهًا يا ابْنَ الخَطَّابِ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ ما لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ، إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ.
    وروي ابْن الْأَثِير فِي (النِّهَايَة) أن عَائِشَة رضي الله عنها نظرت إِلَى رجل كَاد يَمُوت تخافتا فَقَالَ: مَا لهَذَا، فَقيل: إِنَّه من الْقُرَّاء، فَقَالَ: كَانَ عمر سيد الْقُرَّاء، وَكَانَ إِذا مَشَى أسْرع، وَإِذا قَالَ أسمع، وَإِذا ضرب أوجع.
    وكان مشيه- رضي الله عنه- إلى السرعة خلقة لا تكلفاً. والخير في الوسط.
    كان يمشي كأنه راكب على فرس، وقوي في إرادته، وفي مشيته.
    فالمسلم قوي في كل حاله أما أن تري أناس يتماوتون في مشيتهم، ينكسون رءوسهم ويكسرون أجنحتهم في السكة، يظنون أن هذه تدخلهم في العشرة المبشرين بالجنة فلا 
    كان قوياً في أحلك الظروف لإيمانه بربه عزيز بدينه ذليل علي المؤمنين تواضعا روي الحاكم في المستدرك عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَخَلَعَ خُفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ بِهَا الْمَخَاضَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا، تَخْلَعُ خُفَّيْكَ وَتَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِكَ، وَتَأْخُذُ بِزِمَامِ نَاقَتِكَ، وَتَخُوضُ بِهَا الْمَخَاضَةَ؟ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوكَ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَوَّهْ لَمْ يَقُلْ ذَا غَيْرُكَ أَبَا عُبَيْدَةَ جَعَلْتُهُ نَكَالًا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ» 
     عباد الله : لا يتطلب للمسلم القوي قوة في جسده وحسب بل قوة إيمانه وقلبه
    روي الإمام أحمد إنَّ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ انْكَشَفَتْ ساقُه، وكانت دقيقةً هزيلةً، فضَحِكَ منها بعضُ الحاضِرِينَ. فقال النبيُّ : أَتَضْحَكُونَ من دِقَّةِ ساقَيْهِ ! و الذي نفسي بيدِه لَهُمَا أَثْقَلُ في الميزانِ من جَبَلِ أُحُدٍ
     كذلك اخوتنا أصحاب القدرات الخاصة أصحاب قوة فهذا عبد الله بن أم مكتوم أسلم وكان اشهر أعمي لكنه كان صاحب قلب مبصر ولما أتى داعي الهداية، والكفاح، والجهاد، وارتفعت راية الإسلام بيد عمر رضي الله عنه وأرضاه، ونادى بالنفير إلى القادسية، إلى معركة فاصلة مع آل كسرى وآل رستم؛ كان من المجاهدين عبد الله بن أم مكتوم، قال له الصحابة: أنت أعمى، قال: لا والله، يقول الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41] فلما حضر المعركة، سلموه الراية، فوقف مكانه حتى قتل، فكان قبره تحت قدميه.
    سلام على ذاك الصديق المخلص، وسلام على ذاك المنيب القوي الذي عرف الله فعرفه
    لقد كانت عظمة هؤلاء يوم اتصلوا بالواحد الأحد، وعرفوا الله عزّ وجلّ، فَعَرَّفهم الله عز وجل على منازل الصديقين.
    ومما زادني فخرًا وتيهاً ……وكدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا
    دخولي تحت قولك "يا عبادي" ……وأن صيَّرت أحمد لي نبيِّا
    رضي الله عنكم أيها السلف الصالح، يوم عرفتم أن الحياة بسنينها وأعوامها، ينبغي أن تصرف في مرضاة الله سبحانه وتعالى.
    أولئك آبائي فجئني بمثلهم…إذا جَمَعتْنَا يا جريرُ المجامعُ
    أولئك الذين كان كل منهم قرآنًا يمشي على الأرض, يتعاملون بتعاليم القرآن, وينامون على تلاوة القرآن, ويستيقظون على صوت القرآن.
    أولئك الذين نظر الله إلى قلوبهم, فرضي عنهم ورضوا عنه؛ يكلم شهداءهم كفاحًا, ويرضى عن مواقفهم, ويثني عليهم وهم في الحياة الدنيا.
    يجتمعون تحت شجرة, فينزل جبريل بقرآن يتلي ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18].
    روي الإمام أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات. قال: «لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ؛ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ» مسند احمد
    قصة.....
    قوة عبد الله بن حُذافة رضي الله عنه.......
    ذكر ابن كثير وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث جيشًا لحرب الروم، وكان من ضمن هذا الجيش شاب من الصحابة هو عبد الله بن حُذافة رضي الله عنه، وطال القتال بين المسلمين والروم، وعجب قيصرُ ملكُ الروم من ثبات المسلمين وجرأتهم على الموت، فأمر أن يُحضَر إليه أسير من المسلمين، فجاؤوا بعبد الله بن حذافة يجرّونه، الأغلال في يديه، والقيود في قدميه، فأوقفوه أمام الملك، فتحدث قيصر معه فأُعجِب بذكائه وفطنته، فقال له: تنصَّرْ وأطلِقك من الأسر، فقال عبد الله: لا، فقال قيصر: تنصّرْ وأعطِك نصف ملكي، فقال: لا، فقال: تنصر وأعطك نصف ملكي وأشركك في الحكم معي، فقال عبد الله: والله لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وملك العرب والعجم على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت، فغضب قيصر وقال: إذًا أقتلك، قال: اقتلني، فأمر قيصر به فسُحِب وعُلِّق على خشبة، وجاء قيصر وأمر الرماة أن يرموا السهام حوله ولا يصيبوه، وهو في أثناء ذلك يعرض عليه النصرانية وهو يأبى وينتظر الموت، فلما رأى قيصر إصراره أمر أن يمضوا به إلى الحبس.
    ثم أُوقف عبد الله بن حذافة أمام قِدر، وأحضروا أحد الأسرى المسلمين موثّقًا بالقيود، حتى ألقوه في هذا الزيت وغاب جسده في الزيت ومات، وطفت عظامه تتقلّب فوق الزيت، وعبد الله ينظر إلى العظام، فالتفت قيصر إلى عبد الله وعرض عليه النصرانية فأبى، فاشتد غضب قيصر وأمر بطرحه في القِدر، فلما جروه إلى القدر وشعر بحرارة النار بكى ودمعت عيناه، ففرح قيصر وقال: تتنصر وأعطِك وأمنحك، قال: لا، قال: إذًا لماذا بكيت؟! فقال عبد الله: أبكي لأنه ليس لي إلا نفس واحدة تلقى في هذا القِدر فتموت، ولقد ودِدت والله أن لي مائة نفس كلّها تموت في سبيل الله مثل هذه الموتة، فقال له قيصر: قبِّل رأسي وأخَلِّي عنك، فقال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين عندك؟ قال: نعم، فقبَّل رأسه ثم أطلقه مع الأسرى وقدم بهم على عمر، فقام عمر فقبل رأسه.
    عجبًا! لله دره، أين نحن اليوم من مثل هذا الثبات وهذه القوة ؟! وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
    إن من المسلمين اليوم من يتنازل عن دينه لأجل دراهم معدودات أو تتبّع الشهوات أو الولوغ في الملذّات، ثم يختَم له بالسوء والعياذ بالله من ذلك.
    فَبِالثَّبَاتِ يَعِيشُ المُسْلِمُ، وَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ ثَابِتَ الأَرْكَانِ، عَظِيمَ القِيَمِ، مُحَقِّقًا أَسْمَى غَايَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. 
    قصة يوم الرجيع 
    ثبات أصحاب الرجيع...........
    عباد الله : أتدرون ما يوم الرجيع ؟ انها سرية مرثد بن أبي مرثد أو سرية الرجيع إحدى سرايا الرسول، أرسل فيها الصحابي مرثد بن أبي مرثد في عشرة من الصحابة؛ وقيل ستة، في صفر من السنة الرابعة للهجرة، وغُدر بهم عند بئر الرجيع
     أتعرفون عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ؟ إنه الرجل الذي لم ينزل علي ذمة كافر و حمته الدبر 
    واليكم قصة ثباته وثبات خبيب بن عدي يوم غزوة أو سرية الرجيع لتعرفوا ثبات الرجال 
    روي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ» وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، ( الموضع الذي فيه غِلظٌ وارتفاع ) وَجَاءَ القَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ العَهْدُ وَالمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا، أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي، فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ المُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ المَوْتِ لَزِدْتُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، ثُمَّ قَالَ:
    مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي،
    وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
    ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقبَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. البخاري  
    فانظر يا رعاك الله كيف ثبت هؤلاء الكبار حتى سخر الله لهم جنوده فهذا عاصم عصمه ربه بالدبر وهذا خبيب رزقه الله بالفاكهة في غير وقتها حتي أنه جاء في بعض الروايات أنهم أرادوا التمثيل به فبلعته الأرض ولذلك قيل عنه بليع الأرض
    وانظر كيف بلغ خبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلد ذكرهم رضي الله عنهم 
    إن الاعداء ينفقون أموالهم ليصدوا أهل الثبات عن دين الله وان يهدموا بلاد الإسلام  فهم لا يدخرون جهداً من أجل غايتهم الم يخبرنا الله ورسوله بذلك
    قال الله تعالى في سورة الانفال ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الانفال
    اين أهل الثبات حتي في غير الأزمات أهل الثبات على الطاعة "رأى وهب بن الورد قومًا يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبَّل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبَّل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين" (لطائف المعارف، ص: [209]
    ثانياً : من عوامل قوة المسلم...
    أيها المسلمون: إن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى زرع القوة في أفرادها دينًا وعلمًا وخلقًا فهي تحتاج إلى المؤمنين الأقوياء، والذين يحملون في قلوبهم قوة نفسية تحملهم على معالي الأمور، وتبعدهم عن سفسافها، قوة تجعل أحدهم كبيرًا في صغره، غنيًا في فقره، قويًا في ضعفه، قوة تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه، يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته ودينه وأمته.
    من عوامل قوة الامة الاسلامية 
    الاعداد الجيد للقوة قال تعالي (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
    " وَأَعِدُّوا لَهُمْ" أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِعْدَادِ الْقُوَّةِ لِلْأَعْدَاءِ بَعْدَ أَنْ أَكَّدَ تَقْدِمَةَ التَّقْوَى.  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْقُوَّةُ هَاهُنَا السِّلَاحُ وَالْقِسِيُّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ). تفسير القرطبي
    وان مِنْ أَهَمِّ هَذِهِ العوامل الإِيمَانُ الصَّادِقُ باللهِ تَعَالَى وَالاعْتِصَامُ بالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكُ بِهِمَا عِلْمًا وَعَمَلاً، فَإِنَّهُمَا النُّورُ وَالضِّيَاءُ اللَّذَينِ يُهْتَدَى بِهِمَا فِي الظُّلُمَاتِ، وَيُرْجَعُ إِلَيهِمَا عِنْدَ المُلمَّاتِ، وَيُعْتَصَمُ بِهِمَا وَقْتَ الفِتَنِ مِصْدَاق مَا كَانَ النَّبِيُّ يُذَكِّرُ أُمَّتَهُ بِهِ قَائِلاً: ((تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَينِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ)) رواه مالكٌ والحاكمُ بسندٍ حسنٍ.
    فَالاعْتِصَامُ بالقُرْآنِ وَقِرَاءَتُهُ وَحِفْظُهُ وَمُدَارَسَتُهُ وَالقِيَامُ بِهِ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ القوة والثَّبَاتِ عَلَى دِينِ اللهِ؛ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيهِ مِنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالوَعْدِ وَالوَعِيدِ وَزِيَادَةِ الإِيمَانِ؛ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، وَمُعَالَجَتِهِ لأَمْرَاضِ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ؛ ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا [الإسراء: 82] وَاشْتِمَالِهِ عَلَى القَصَصِ الحَقِّ الذِي يُسَلِّي المُؤْمِنِينَ وَيُبَشِّرُهُم بالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ وَيُبَيِّنُ عَاقِبَةَ المُجْرِمِينَ المُكَذِّبِينَ المُحَارِبِينَ للهِ وَرُسُلِهِ وَالمُؤْمِنِينَ عَبْرَ التَّأْرِيخِ؛ ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود:120].
    وتتوارث عوامل القوة في الاجيال الذين جاءوا من بعدهم تابعيين واجيالا اقوياء بالله فهذا هشام بن عبد الملك الخليفة، أخو سليمان، حج البيت الحرام، فلما كان في الطواف، رأى سالم بن عبد الله بن عمر، الزاهد العالم العارف، وهو يطوف، وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب، لا تساوي ثلاثة عشر درهمًا، فقال له هشام: يا سالم: أتريد حاجة أقضيها لك اليوم، قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليَّ الحوائج، وأنا في بيت من لا يُعْوِزُني إلى غيره، فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: هل تريد شيئًا؟ قال: أمِن حوائج الدنيا، أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا. إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا مِن الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك ؟!.
    ومن الذي باع الحياةَ رخيصةً …ورأى رضاك أعزَّ شيء فاشترى
    أم من رأى نار المجوس فاُطفئت…… وأبان وجه الصبحِ أبيضَ نيِّرا
    كما أن التثبُت في الأخبار والنقل وتركَ الشائعات وهجرَ الخوضَ فيما لا يعني مطلوبٌ في كلِّ وقت، وتعظُمُ الحاجةُ لحفظ اللسان وصيانةِ السمع والتثبُت في حالِ الفتنة، وكفى بالمرء إثمًا أن يحدِّثَ بكلِ ما سمع.
    عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا " الترمذي
    عبادَ الله: البر لا يبلي والذنب لا ينسي والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل به يكتال لك والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فتوبوا الي الله جميعا 
    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بأمره تنسف الجبال نسفاً، فتكون قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، الحمد لله الذي بأمره تنكدر النجوم، وتنفطر السماء وتنشق الأرض، وتسجر البحار وتتفجر نيراناً، الحمد لله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
    اما بعد
    فاتقوا الله عباد الله، وخذوا من هذا النهج القويم خير العدة وأفضل الزاد، وسلوا الله أن يثبت القلوب على الدين وأن يجنبها الزيغ، فاللهم مقلبَ القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
    ثالثاً : من اسباب حصول القوة للمسلم 
    إن من أسباب حصول القوة في الحق والهدى والدين والتقى الشعور بالفقر إلى تثبيت الله تعالى، وذلك أنه ليس بنا غنى عن تثبيته طرفة عين، فإن لم يثبتنا الله زالت سماء إيماننا وأرضُه عن مكانها، وقد قال سبحانه مخاطبًا خير خلقه وأكرمهم عليه: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً [الإسراء:74]، وقال تعالى: إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12 
    عباد الله : يمكن ان نلخص ذلك في عشرة نقاط مُعينة على القوة والثبات يمكن إيجازها وهي :
    1- اعمل قدر طاقتك (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة 2- ما تطيقه نفذه بعزيمة وقوة (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63))البقرة 
    3- اهتم بالحقيقة لا بآراء الناس (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) الانعام
    4- عليك اتخاذ الأسباب لا حصول النتائج (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) المائدة
    5- عليك بالممكن لا المستحيل (عِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) النساء
    6- اعرف واجبك ولا تنظر إلى نقص غيرك (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) النساء
    7- إن عرفت فالزم (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر
    8- لا تبن موقفا ولا حكما على الظن (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) النجم
    9- تحرك بمبدئك ولا تقتله بجمودك (يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف
    10- تواصل دائما مع هدفك (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) الكهف
    ألا فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على كل أسباب الثبات، وحذار من كل أسباب الزيغ، تكونوا من المفلحين.
    واذكروا في دعائِكم أن يحفظَ المسلمين في فلسطين من شرِّ الصهاينَة الظالمين، وأن يحفظَ أعراضَهم وأموالهم، وأن ييسِّر للمسلمين أرزاقَهم، وأن يؤمِّن روعاتِهم، وأن يستُر عوراتِهم في كلِّ مكان، وأن يخذلَ أعداءَ الإسلام، ويجعَل كيدَهم في نحورهم، ويخالفَ بين كلمتهم، ويكفَّ شرَّهم دائمًا، وتحرَّوا أوقاتَ الإجابة، فإنَّ الأمرَ كلَّه لله، فقد وصف النبيّ الفتنَ فقال فيما روي عنه: ((استقبِلوا بالدعاء أمواجَ البلاء))، وفي الحديث: ((الدعاء مخُّ العبادة)).
    عبادَ الله، جدِّدوا التوبةَ في كلِّ وقتٍ وحين، فذلك هو العدّة لكلِّ شدّة، وصلّوا على نبيّ الهدى ورسوله المصطفى، كما أمركم الله بذلك في قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلّى عليَّ صلاة واحدةً صلّى الله عليه بها عشرًا)).
    اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة...

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت سبتمبر 21, 2024 8:07 pm