الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 17 شوال 1445 هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م.

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2692
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 17 شوال 1445 هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م.   Empty خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 17 شوال 1445 هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م.

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد السبت أبريل 20, 2024 12:30 am

    خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 17 شوال 1445 هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م.  
    تحت عنوان { الأخلاق بين التجمل والتطبيق } 
    اقرأ في هذه الخطبة 
    أولا :  حسن الخُلُق وثقله الميزان يوم القيامة
    ثانياً :  مكارم الاخلاق بين السمات  والتطبيق
    ثالثاً : دعوة النبي جاءت بمكارم الاخلاق
    رابعاً : مواقف اخلاقية لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم
    الخطبة الأولي 
    الحمد لله الذي فاوت بين خلقه في الآداب والأخلاق والصفات وفاضل بين عباده في العقول والهمم والإرادات، ورفع بعضهم فوق بعض بالإيمان والعلم والأرزاق درجات. 
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الذات، ولا سمي له في الأسماء ولا مثيل له في الصفات وفق من شاء من عباده لمكارم الأخلاق وهداهم لما فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا ويوم التلاق والحسرات
    وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف البريات، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم في كل الحالات.
    أما بعد:
    فمن الأصول الجامعة في بيان محاسن الأخلاق في الإسلام أنها بذل المعروف وكفّ الأذى قولاً كان ذلك أو فعلاً.
     وبالجملة فقاعدتُها العامة في الإسلام التخلُّق بأخلاق الشريعة والتأدُّب بآداب الله التي أدّب بها عباده وكف الأذى، وطلاقة الوجه، وتحمل الأذى 
    أولا : حسن الخُلُق أثقل الميزان يوم القيامة:
     لقد بلغ من منزلة حسن الخُلُق يوم القيامة أن يكون صاحبه من أثقل النَّاس وزناً، كما قال النَّبي ﷺ: ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق [رواه أبو داود
     وهو أكثر ما يدخل النَّاس الجنَّة، كما قال ﷺ عندما سُئِل عن ذلك: تقوى الله وحسن الخلق [رواه الترمذي
    وميزان الكمال عند المؤمنين بكمال أخلاقهم:  إنَّ من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً [رواه أبو داود والترمذي وأحمد 
    وهذا الأمر هو الذي يدرك به الإنسان درجات العبَّاد الكبار، كما قال ﷺ: إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصَّائم القائم [رواه أبو داود وأبشر يا صاحب حسن الخلق ببيتٍ في أعلى الجنَّة، فإنَّه ﷺ قال: أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنَّة لمن ترك المراء وإن كان محقَّاً، وبيتٍ في وسط الجنَّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسن خلقه [رواه أبو داود
     فالبيت العُلوي جزاءٌ لأعلى المقامات الثَّلاثة وهي حسن الخلق.
    وصاحب الخلق الحسن أقرب النَّاس مجلساً من النَّبيِّ ﷺ يوم القيامة، كما قال النَّبي ﷺ:إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً [ رواه الترمذي
    فهذا الخلق الحسن أثقل شيءٍ في ميزان العبد؛ لأنَّ الأعمال تُوزن يوم القيامة وزناً حقيقياً ترجح الكفَّة بها، فما هو أثقل شيءٍ في الميزان كما قال ﷺ؟ أثقل شيءٍ في الميزان الخلق الحسن، وهي وصيته ﷺ للمؤمن في معاملة النَّاس حين قال: وخالق الناس بخلق حسن [رواه الترمذي
     وكذلك فإنَّ حسن الخلق يدرك به صاحبه -كما قلنا- درجة القائم بالليل الظَّامئ بالهواجر وهو النَّهار الحار، والله تعالى يحبُّ مكارم الأخلاق ويكره سفسافها، وسفسافها: هو حقيرها ورديئها.
    ولله در القائل الشاعر أحمد شوقي:
    إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت …………فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
    وقال: وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم………. فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا.
    وقال
    فلم أجد الأخلاق إلّا تخلقا ولم أجد الأفضال إلّا تفضلا صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم النفس بالأخلاق تستقم والنفس من خيرها في خير عافية والنفس من شرها في مرتع وخم
    ثانياً :  مكارم الاخلاق بين التخلق والتطبيق 
    لقد رفع الإسلام من منزلة الأخلاق الفاضلة وأصحابها، وجعلها ميدان سَبْق ليتنافس فيه المتنافسون
    إن حسن الخلق منحة ربّانية ومِنّة إلهية، لا يعطيها الله عزّ وجلّ إلا لمن يصطفيه ويحبّه، ولله درّ الشاعر حينما قال:
    فالناس هذا حظُّهُ مالٌ وذا ـــ عِلْم وذاك مكارم الأخلاقِ
    فإذا رُزِقت خليقةً محمودة ـــ فقد اصطفاك مُقَسِّمُ الأرزاقِ
    فالمال نعمة تحتاج إلى علم حتى ينفقه صاحبه فيما شرع، والعلم بحاجة إلى الأخلاق حتى ينفع صاحبه الأمة، وكما قيل:
    فالْمالُ إنْ تدّخِرْهُ مُحَصّنًا ـــ بالعلم كان نهايةَ الإملاقِ
    والعلم إن لَم تكتنفه شَمائلٌ ـــ تُعْلِيهِ كان مَطِيّة الإخفاقِ
    لا تحسبنّ العلمَ ينفعُ وحدَهُ ـــ ما لَم يُتَوَّجْ ربُّهُ بخَلاقِ
    أخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق وأبو الشيخ الأصبهاني في ( التوبيخ والتنبيه ) عن السدي ، قال : خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فإذا هو بضوء نار ، ومعه عبد الله بن مسعود ، قال : فاتبع الضوء حتى دخل دارا ، فإذا سراج في بيت ، فدخل ، وذلك في جوف الليل ، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه ، فلم يشعر حتى هجم عليه ، فقال عمر : « ما رأيت كالليلة منكرا أقبح من شيخ ينتظر أجله » ، فرفع الشيخ رأسه إليه ، فقال : « بلى ، يا أمير المؤمنين ، ما صنعت أنت أقبح ، إنك قد تجسست ، وقد نهي عن التجسس ، ودخلت بغير إذن ، فقال عمر : » صدقت ، ثم خرج عاضا على يديه يبكي « ، قال : » ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه ، يجد هذا ، كان يستخفي هذا من أهله « ، فيقول : » الآن رأى عمر فيتتابع فيه « ، قال : » وهجر الشيخ مجالس عمر حينا ، فبينما عمر بعد ذلك بعيد جالس ، إذا هو به قد جاء شبه المستخفي ، حتى جلس في أخريات الناس ، فرآه عمر ، فقال : « علي بهذا الشيخ » ، فقيل له : أجب . فقام وهو يرى أن عمر سينبئه بما رأى ، فقال له عمر : « ادن مني » ، فما زال يدنيه حتى أجلسه بجانبه ، فقال : « أدن مني أذنك ، فالتقم أذنه » ، فقال : أما والذي بعث محمدا بالحق رسولا ، ما أخبرت أحدا من الناس بما رأيت منكرا ، ولا ابن مسعود ، فإنه كان معي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أدن مني أذنك ، فالتقم أذنه ، فقال : ولا أنا والذي بعث محمدا بالحق رسولا ، ما عدت إليه حتى جلست مجلسي ، فرفع عمر صوته فكبر ، ما يدري الناس من أي شيء يكبر .
    قال الذهبي – رحمه الله - : [ فَإن من طلب العلمَ للآخرة : كسرَه علمُه ، وخشع قلبُه ، واستكانَت نفسُه ، وكان على نَفسِه بالمرصَاد ] ( الكبائر (ص: 79 )
    قصة المزرعتين بين عبدالله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان
    كان لعبد الله بن الزبير مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان في دمشق.
    وفي ذات يوم دخل عمال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة؛ فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق وقد كان بينهما عداوة قائلاً في كتابه:
    من عبدالله ابن الزبير إلى معاوية ( ابن هند آكلة الأكباد ) أما بعد: فإن عمالك دخلوا إلى مزرعتي، فمرهم بالخروج منها، فو الذي لا إله إلا هو ليكونن لي معك شأن!
    فوصلت الرسالة لمعاوية، وقرأها، ثم قال لابنه يزيد: ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني ؟
    وكان اليزيد غشوما ظلوما فقال له : أرسل له جيشً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه.
    فقال معاوية: "بل خيرٌ من ذلك زكاةً وأقربَ رُحماً ".
    فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها: من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن الزبير ( ابن أسماء ذات النطاقين ) 
    أما بعد: فلو كانت الدنيا بيني وبينك لسلّمتها إليك، ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمّالي إلى عمّالك؛ فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض!
    فلمّا قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلّ لحيته بالدموع، وسافر إلى معاوية في دمشق وقبّل رأسه، وقال له: لا أعدمك الله حلمك، أحلّك في قريش هذا المحل.
    دائماً تستطيع إمتلاك القلوب بحسن تعاملك وحبك للغير..
    وتذكر اخي دوما بأن :
    • من ابتغى صديقاً بلا عيب، عاش وحيداً
    • من ابتغى زوجةً بلا نقص، عاش أعزباً
    رب• من ابتغى قريباً كاملاً، عاش قاطعاً لرحمه!
    فلنتحمل وخزات الآخرين حتى نعيد التوازن إلى حياتنا
    إذا أردت أن تعيش سعيدا: فلا تفسر كل شيء ولا تدقق بكل شيء ولاتحلل كل شيء . فإن الذين حللوا الألماس وجدوه ((فحمــا)).
    لا تحرص على إكتشاف الآخرين أكثر من اللازم ، الأفضل أن تكتفي بالخير الذي يظهرونه في وجهك دائماً ، و اترك الخفايا لرب العباد..
    (لو اطّلَعَ الناس على ما في قلوب بعضهم البعض لما تصافحوا إلا بالسيوف).
    ثالثاً : دعوة النبي جاءت بمكارم الاخلاق
    جعل الله تعالى مدار شريعة محمد على تزكية النفوس وتطهيرها وإصلاح الأخلاق وتنقيتها، ولهذا صح عنه قوله: ((إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق)) أخرجه البخاري في الأدب المفرد 
    فكأنّ النبي حَصَر بعثته على تقويم الأخلاق وإتمام مكارمها، ولذلك فإن المتأمل في أركان الإسلام يجد أنها جميعًا تدعو إلى تقويم الأخلاق وتهذيب الطِّباع واستقامة السلوك، فالصلاة تُبعِد المسلم عن الرذائل، وتطهّره من سوء القول والعمل وكانت دعوة النبي إلى إصلاح الأخلاق إلى جانب إصلاح العقائد، وحسبكم دليلاً على ذلك قول الحق تبارك وتعالى في معرض الثناء على نبيه الكريم: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4]. 
    أيها المسلمون: ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله أحسن الناس خلقاً))
    إن حسن الخلق منحة ربّانية ومِنّة إلهية، لا يعطيها الله عزّ وجلّ إلا لمن يصطفيه ويحبّه، ولله درّ الشاعر حينما قال:
    فالناس هذا حظُّهُ مالٌ وذا ـــ عِلْم وذاك مكارم الأخلاقِ
    فإذا رُزِقت خليقةً محمودة ـــ فقد اصطفاك مُقَسِّمُ الأرزاقِ
    عن عائشة رضي الله عنها أن سعد بن هشام سألها فقال: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خلق رسول الله ، قالت أليس تقرأ القرآن؟! قال: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله كان القرآن. رواه مسلم 
    وصف أمير الشعراء في هَمْزِيّته المشهورة النبي صلي الله عليه وسلم قائلاً:
    يا أيها الأُمّي حَسْبك رُتْبةً ـــ في العلم أنْ دَانَت بك العلماءُ
    يا مَن له الأخلاق ما تهوى العُلا ـــ منها وما يَتَعَشّقُ الكُبراءُ
    لو لم يقم دينٌ لقامت وحدَها ـــ دينًا تُضيء بنوره الآناءُ
    اعلموا عباد الله أن رسول الله كان أكمل الناس خلالا، وأفضلهم حالا، وأفصحهم مقالا، وقد امتن الله عز وجل علينا ببعثته فقال عز وجل: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة:128]. وزكاه الله عز وجل: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4].
    ثم أمرنا الله عز وجل بالاقتداء به ، والاهتداء بهديه، والتخلق بأخلاقه، فقال عز وجل: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب :21].
    وقال ابن القيم رحمه الله: وقد جمع الله له مكارم الأخلاق في قوله: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [الأعراف:199]. قال جعفر بن محمد: أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق، من تحقيق المسلم لمدلول شهادة أن محمداً رسول الله.
    وحقيقة حسن الخلق بذل المعروف، وكف الأذى، وطلاقة الوجه، وتحمل الأذى والأخلاق المحمودة على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك، فتنصف منها ولا تنتصف لها، وعلى التفصيل: العفو، والحلم، والجود، والصبر، وتحمل الأذى من الخلق، والرحمة بهم، والشفقة عليهم، وقضاء حوائجهم، ونحو ذلك. 
    وقال الماوردي رحمه الله: "الأخلاق غرائز كامنة تظهر بالاختيار، وتُقهر بالاضطرار" انتهى.
    فأركان حسن الخلق أربعة: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل. 
    وكان حبيبنا أعَفُّ الناس وأشرفهم، لم تمسّ قطّ يدُه امرأةً لا تحلّ له، كاملُ الوفاءِ مع أهل بيته وصحابتِه رضي الله عنهم، كان يذبَح الشاة ثم يقطِّعها أعضاءً، ثم يبعَثها إلى صواحِبِ خديجة بعد وفاتها وفاءً لها وصلّى على قتلَى أحُدٍ بعد ثماني سنين من الغزوةِ كالموَدِّع لهم
    وكان يُكرِم صحابتَه ولا يؤثِر لنفسه شيئًا دونهم، يقول عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله يواسينَا بالقليلِ والكثير وسِعَ الناسَ بخُلُقه، حليمٌ لا يجزى بالسيئة، ولكن يعفو ويصفَح، لا يغضَب لنفسه ولا ينتصِر لها، يجذبه الأعرابيّ يريد مالاً، فيلتفِتُ إليه مبتسِمًا ويعطيه سؤلَه، عفا عمّن سحره، ولم يثرِّب على من وضَع السمَّ في طعامه، وصفح عمّن قاتله، وقال لهم في فتح مكة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) تقول عائشة رضي الله عنها: ما نِيلَ منه شيء قطّ فينتقِمَ مِن صاحبه
    ليّنُ الجانِب دائم البِشر، يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ما رآني رسول الله إلا تبسَّم. رواه البخاري .
    يتفقّد أصحابَه، ويؤثِر أهلَ الفضل بأدبه، جميلُ المعاشرة، حسَن الصّحبة، يصِل ذوي رحمه ولا يجفو على أحد، عَفّ اللسان، لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، بل كان أشدَّ حياءً من العَذراء في خِدرها، خِلاله على سجيّته، لا يحِبّ تعظيمَ الألفاظ ولا تشدّقَها، جاء ناسٌ إليه فقالوا: يا رسول الله، يا خيرَنا وابنَ خيرنا، وسيّدَنا وابنَ سيّدِنا، فقال: ((يا أيّها الناس، قولوا بقولِكم، ولا يستهوينّكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحِبّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)) رواه النسائي
    فاتقوا الله عباد الله، وحسنوا أخلاقكم، وتنافسوا في طاعة ربكم، واتقوا شر ألسنتكم، تكونوا من خيار الناس، وأكملهم إيمانا، وتثقل موازينكم، وتحرم عليكم النار، وتدخلوا الجنة في أقرب منزلة من نبيكم ، في أعالي الجنات بشهادة نبيكم 
    رابعاً : مواقف اخلاقية لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم 
    عباد الله: ان سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم رفَع الله ذكرَه، وأعلى شأنه، معجزاتُه باهرة، ودلائلُه ظاهرة، منصورٌ بالرعب، مغفورُ الذنب، أوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّلُ الناس يشفَع يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياءِ تبَعًا، وأوّل من يقرَع بابَ الجنة، وأوّل من يعبر الصراطَ، كان عبدًا لله شكورًا، يقوم من الليلِ حتى تتفطّر قدماه، قرّةُ عينِهِ في الصلاة، يقوم لله مخلِصًا خاشعًا، روى الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن سلامٍ قال: مَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ .
    وقال عن نفسه: ((والله، إني لأتقاكُم لله)) متفق عليه 
    أشدُّ الناسِ تَواضعًا وأحسنُهم بشرًا، يجالِس الفقراءَ، ويُؤاكل المساكينَ، يخصِف نعلَه، ويخدم أهلَه ونفسَه، وشرَب من القِربة البالية، وحمل مع صحابتِه اللَّبِن في بناءِ المسجد، لا يعيبُ على الخدَم ولا يوبِّخُهم، قال أنس رضي الله عنه: خدمتُ رسولَ الله تسعَ سنين فمَا عابَ عليَّ شيئًا قط. رواه مسلم
    يوقِّر الكبارَ ويتواضَع للصغار، إن مرَّ على صبيانٍ سلَّم عليهم
    ورأى أبا عُميرٍ رضي الله عنه وكان صبيًّا فقال مداعِبًا له: ((أبَا عمير، ما فعل النّغير؟)) متفق عليه يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعيال من رسول الله. رواه مسلم
    وكان معظِّما لربّه، رفيق الأدَب مع خالقه، لا يدّعي لنفسِه شيئًا ممّا لا يملكه إلاّ الله، قال سبحانه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]. وجَاءَه رَجل فقال له: ما شاءَ الله وشِئتَ، فقال له: ((أَجَعلتني لله ندًّا؟! قل: ما شاءَ الله وحده)) رواه النسائي
    ولقد اجتمع الأخنس بن شريق، مع أبي جهل يوم بدر، وكلاهما مخالف له وعدو له، قد أجمع على قتله وقتاله، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا، فأخبرني عن محمد أصادق أم كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمد لصادق وما كذب محمد قط.
    فاعترف أعداؤه بمناقبه، ولا يقدرون على إنكار شيء من فضائله
    ومن أخلاقه الكريمة في الإنسانية والاخلاق في التعامل مع المخطئ: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَامَ أعرَابِيٌّ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: "دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"(البخاري). 
    وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا ﷺ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(مسلم).
    وقد تجلَّت مظاهر الإنسانية والاخلاق في تعامل رسول الله مع الأسرى؛ فعن علِيٍّ قال: لَمَّا أَتَى بِسَبَايَا طَيئ وَقَفَتْ جَارِيَةٌ حَمْرَاءُ لَعْسَاءُ ذَلْفَاءُ عَيْطَاءُ، شَمَّاءُ الأَنْفِ، مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ وَالْهَامَةِ، دَرْمَاءُ الْعَيْنِ، خَدِلَةُ السَّاقَيْنِ، لَفَّاءُ الْفَخِذَيْنِ، خَمِيصَةُ الْخَصْرَيْنِ، ضَامِرَةُ الْكَشْحَيْنِ، مَصْقُولَةُ الْمَتْنَيْنِ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا أُعْجِبْتُ بِهَا وَقُلْتُ: لأَطْلِبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  ﷺ يَجْعَلَهَا فِي فَيْئِي، فَلَمَّا تَكَلَّمَتْ أُنْسِيتُ جَمَالَهَا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ فَصَاحَتِهَا، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ عَنَّا وَلا تُشْمِتْ بِي أَحْيَاءَ الْعَرَبِ فَإِنِّي ابْنَةُ سَيِّدِ قَوْمِي، وَإِنَّ أَبِي كَانَ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَفُكُّ الْعَانِيَ، وَيُشْبِعُ الْجَائِعَ، وَيَكْسُو الْعَارِي، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُفْشِي السَّلامَ، وَلا يَرُدُّ طَالِبَ حَاجَةٍ قَطُّ، أَنَا ابْنَةُ حَاتِمِ طَيئ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا جَارِيَةُ، هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ"، فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ دِينَارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلا بِحُسْنِ الْخُلُقِ"(دلائل النبوة للبيهقي).
    لقد عاتَبَ سيد الانسانية جُندَه على قتل رجل مشرك رحمةً بامرأة تحبه، فقد روى الطبراني في الأوسط بسند حسن): أن رسول الله ﷺ بَعَثَ سريةً فغنموا، وأخذوا رجلا منهم، فقال: إني لستُ منهم، إني عشقتُ امرأةً فلحقتها، فدعوني أنظر إليها ثم اصنعوا ما بدا لكم، فلما رآها قال: أسلمي حُبَيْش قبل نفاد العيش. قالت: نَعَمْ فدَيْتُكَ. ثم قدموه وضربوا عنقه. فوقعت عليه وشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت حَزَنًا، فلما قَدِمُوا على رسول الله ﷺ أخبروه بما جرى فقال: "أما كان فيكم رجل رحيم؟!!".
    فقد تجاوزت إنسانيته واخلاقه ﷺ  ذلك كله إلى الحيوان والبهيمة؛ فيروي عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ دخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبيَّ ﷺ حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه -صلى الله عليه وسلم- فمسح ظفراه فسكت، فقال ﷺ: "مَن رَبُّ هذا الجَمَلِ؟ لمن هذا الجمل؟"، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: "أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؛ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ ‏‏وَتُدْئِبُهُ"(أبو داود)، (وَتُدْئِبهُ: أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى).
    وقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُّوهَا صَالِحَةً"(أبو داود، وابن خزيمة بسند صحيح)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ قَالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُّ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ"(متفق عليه)، وفي المقابل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - ﷺ: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"(متفق عليه)، و"المُوقُ: الخف". وَ "يُطِيفُ: يدور حول"، "رَكِيَّةٍ: البئر". بشربة ماء غفرت ذنوبها، وبشربة ماء سترت عيوبها، وبشربة ماء رضي عنها ربها، بل بشربة ماء غفر الله الخطايا للبغايا فكيف بمن يرحم عباد رب البرايا؟!!
    وتتجاوز انسانيته واخلاقه البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا يَنتفع بها الإنسانُ كنفعه بالبهائم، ولننظر إلى رحمته بعصفور! حيث يقول رسول الله ﷺ: "مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا‏ عَجَّ‏ ‏إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ"(النسائي وابن حبان).
    أيها المسلمون: هذا غيضٌ مِن فيض من صُوَر ونماذج اخلاق وشمائل سيد المرسلين ؛ وما أغفلناه أكثرُ ممَّا ذكرناه، ويكفي القلادةُ ما أحاط بالعنق!!! 
    عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم من جنه وأنسه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
    اللهم صل على عبدك ورسولك محمّد صاحب الحوض المورود، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء..

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:19 pm