دروس وخواطر الإمام لشهر ذو القعده
خاطرة الاربعاء
22/5/2024م. 14 ذو القعده 1445ه
تحت عنوان
موعظةعن الموت
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذى خلق الموت والحياه ليبلوكم أيكم أحسن عملا ،( الملك)
من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آتٍ قريب،
تمر الجنائز بالناس يجهزونها ويصلون عليها ويسيرون خلفها يشيعونها محمولة إلى مثواها، فتراهم يلقون عليها نظرات عابرة، وربما طاف بهم طائف من الحزن يسير، ثم يُبسط عليه غطاء الغفلة والنسيان.
أهل الغفلة لا يشبعون مهما جمعوا، ولا يدركون كل ما أملوا، ولا يحسنون الزاد لِما عليه قد أقدموا، يجمعون ولا ينتفعون، ويبنون ما لا يسكنون، ويأملون ما لا يدركون: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3].
طويل الأمل يبني ويهدم، ويسوِّف في المتاب، ثم ها هو قد تم أجله، وانقطع عمله، وأسلمه أهله، وانقطعت عنه المعاذير: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء: 205 - 207].
يا أهل الغفلة، ((أكثروا من ذكر هادم اللذات))؛ بهذا أوصى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد، كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة؛ فمن ذكر الموت حق ذكره، حاسب نفسه في عمله وأمانيه
والله، ليوشكن الحي منا أن يموت، قال الله: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68].
لقد وقف نبيكم محمد على شفير قبر فبكى حتى بلَّ الثرى؛ ثم قال: ((يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا))؛ [رواه أحمد]، وسأله عليه الصلاة والسلام رجلٌ فقال: من أكيس الناس يا رسول الله؟ فقال: ((أكثرهم ذكرًا للموت، وأشدهم استعدادًا له، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا، وكرامة الآخرة))؛ [رواه ابن ماجه بسند حسن]، فالكيس من دان نفسه وعمِل لِما بعد الموت؛
يقول مطرف: "إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيمًا لا موت فيه، لقد أمِن أهل الجنة الموت فطاب لهم عيشهم، وأمنوا الأسقام فهنيئًا لهم طول مقامهم".
كفى بالموت للقلوب مقطعًا، وللعيون مبكيًا، وللذات هادمًا، وللجماعات مفرقًا، وللأماني قاطعًا، استبدل الأموات بظهر الأرض بطنًا، وبالسعة ضيقًا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، جاؤوها حفاة عراة فرادى، اللحود مساكنهم، والتراب أكفانهم، والرفات جيرانهم،
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
تذكُّرُ الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويمنع الركون إلى الدنيا، ويهون المصائب.
أيها الإخوة: أين الخائف من قلة الزاد؟ وأين المتخفِّف من أثقال الدنيا؟ أين الوَجَلُ من بُعْدِ السفر ووحشة الطريق؟
إنكم على أعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
لا تكونوا - رحمكم الله - ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل، وقد علمتم أن الموت يأتي بغتة.
أكْثِروا من زيارة القبور فإنها تذكِّر الآخرة، اعتبروا بمن صار تحت التراب وانقطع عن أهله والأحباب، جاءه الموت في وقت لم يحتسبه وهولٍ لم يرتقبه.
: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94].
فاتقوا الله رحمكم الله، وارجوا الدار الآخرة، فتلك دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرَم شبابها، ولا يبلى نعيمها، ولا يتغير حسنها وإحسانها وحِسانها، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين؛ ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].
فضيلة الشيخ طاهر ابو المجد احمد
كبير أئمة شبرا الخيمة شرق القليوبية
جامعة الأزهر قسم العقيدة والفلسفة
خاطرة الاربعاء
22/5/2024م. 14 ذو القعده 1445ه
تحت عنوان
موعظةعن الموت
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذى خلق الموت والحياه ليبلوكم أيكم أحسن عملا ،( الملك)
من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آتٍ قريب،
تمر الجنائز بالناس يجهزونها ويصلون عليها ويسيرون خلفها يشيعونها محمولة إلى مثواها، فتراهم يلقون عليها نظرات عابرة، وربما طاف بهم طائف من الحزن يسير، ثم يُبسط عليه غطاء الغفلة والنسيان.
أهل الغفلة لا يشبعون مهما جمعوا، ولا يدركون كل ما أملوا، ولا يحسنون الزاد لِما عليه قد أقدموا، يجمعون ولا ينتفعون، ويبنون ما لا يسكنون، ويأملون ما لا يدركون: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3].
طويل الأمل يبني ويهدم، ويسوِّف في المتاب، ثم ها هو قد تم أجله، وانقطع عمله، وأسلمه أهله، وانقطعت عنه المعاذير: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء: 205 - 207].
يا أهل الغفلة، ((أكثروا من ذكر هادم اللذات))؛ بهذا أوصى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد، كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة؛ فمن ذكر الموت حق ذكره، حاسب نفسه في عمله وأمانيه
والله، ليوشكن الحي منا أن يموت، قال الله: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68].
لقد وقف نبيكم محمد على شفير قبر فبكى حتى بلَّ الثرى؛ ثم قال: ((يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا))؛ [رواه أحمد]، وسأله عليه الصلاة والسلام رجلٌ فقال: من أكيس الناس يا رسول الله؟ فقال: ((أكثرهم ذكرًا للموت، وأشدهم استعدادًا له، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا، وكرامة الآخرة))؛ [رواه ابن ماجه بسند حسن]، فالكيس من دان نفسه وعمِل لِما بعد الموت؛
يقول مطرف: "إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيمًا لا موت فيه، لقد أمِن أهل الجنة الموت فطاب لهم عيشهم، وأمنوا الأسقام فهنيئًا لهم طول مقامهم".
كفى بالموت للقلوب مقطعًا، وللعيون مبكيًا، وللذات هادمًا، وللجماعات مفرقًا، وللأماني قاطعًا، استبدل الأموات بظهر الأرض بطنًا، وبالسعة ضيقًا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، جاؤوها حفاة عراة فرادى، اللحود مساكنهم، والتراب أكفانهم، والرفات جيرانهم،
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
تذكُّرُ الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويمنع الركون إلى الدنيا، ويهون المصائب.
أيها الإخوة: أين الخائف من قلة الزاد؟ وأين المتخفِّف من أثقال الدنيا؟ أين الوَجَلُ من بُعْدِ السفر ووحشة الطريق؟
إنكم على أعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
لا تكونوا - رحمكم الله - ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل، وقد علمتم أن الموت يأتي بغتة.
أكْثِروا من زيارة القبور فإنها تذكِّر الآخرة، اعتبروا بمن صار تحت التراب وانقطع عن أهله والأحباب، جاءه الموت في وقت لم يحتسبه وهولٍ لم يرتقبه.
: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94].
فاتقوا الله رحمكم الله، وارجوا الدار الآخرة، فتلك دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرَم شبابها، ولا يبلى نعيمها، ولا يتغير حسنها وإحسانها وحِسانها، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين؛ ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].
فضيلة الشيخ طاهر ابو المجد احمد
كبير أئمة شبرا الخيمة شرق القليوبية
جامعة الأزهر قسم العقيدة والفلسفة