خطبة الجمعة القادمة 26 يوليو 2024م
بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1)
صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق
أولًا: مفهومُ الرزقِ وأنواعُهُ.
ثانيًا: صلةُ الرحمِ مِن أهمِّ الأسبابِ الخفيِّةِ للرزقِ.
ثالثًا: دعوةٌ إلى صلةِ الرحمِ.
بعنوان : من أبواب الرزق الخفية (1)
صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق
أولًا: مفهومُ الرزقِ وأنواعُهُ.
ثانيًا: صلةُ الرحمِ مِن أهمِّ الأسبابِ الخفيِّةِ للرزقِ.
ثالثًا: دعوةٌ إلى صلةِ الرحمِ.
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: مفهومُ الرزقِ وأنواعُهُ.
لقد خلقَ اللهُ الخلقَ وتكفّلَ لهُم بالرزقِ، قالَ تعالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. (هود: 6). فاللهُ تعالَى يرزقُ جميعَ الخلائقِ مؤمنِهِم وكافرِهِم، فمحالٌ أنْ يخلقَ اللهُ خلقًا ثُم ينساهُ، ولو كانتْ الدنيا تُساوِي عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَى الكافرَ منهَا شربةَ ماءٍ، بل إنَّ الإنسانَ يُكتبُ لهُ رزقُهُ قبلَ خلقِهِ، وفي ذلكَ يقولُ ﷺ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ». (البخاري).
إنَّ مفهومَ الرزقِ لا يقتصرُ على المالِ فقط، بل الرزقُ يشملُ كلَّ ما أولاهُ اللهُ لعبادِهِ مِن نعمٍ، وأعلاهَا نعمةُ الإسلامِ وكفَى بهَا نعمة، والصحةُ رزقٌ، والسمعُ والبصرُ والكلامُ رزقٌ، والأولادُ رزقٌ، وهدايتُهُم رزقٌ، والزوجةُ الصالحةُ رزقٌ، والأمنُ والأمانُ رزقٌ، …….وهلمَّ جرا ، وكلُّ هذه الأرزاقِ لا يقدرُهَا الإنسانُ ولا يحسُّ بهَا إلَّا عندَ فقدِهَا.
وأسبابُ الرزقِ نوعانِ: أسبابٌ جليةٌ ظاهرةٌ، وهي ما يكونُ مِن مقابلِ عملٍ أو وظيفةٍ أو بيعٍ وشراءٍ أو أيِّ وسيلةٍ مِن وسائلِ الكسبِ. ولا يتحققُ هذا النوعُ إلّا بالسعيِ إليهِ. قالَ تعالَى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15). لذلك كان سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ يهتمُّ بالعملِ فيقولُ: ما مِن موضعٍ يأتينِي الموتُ فيهِ أحبّ إلىَّ مِن موطنٍ أتسوقُ فيهِ لأهلِي أبيعُ وأشترِي، وكان إذا رأَي فتًى أعجبَهُ حالهُ سألَ عنهُ: هل لهُ مِن حرفةٍ؟ فإنْ قِيلَ: لا. سقطَ مِن عينيهِ. وكان كلّمَا مرَّ برجلٍ جالسٍ في الشارعِ أمامَ بيتهِ لا عملَ لهُ أخذَهُ وضربَهُ بالدّرةِ وساقَهُ إلى العملِ وهو يقولُ: إنَّ اللهَ يكرَهُ الرجلَ الفارغَ لا في عملِ الدنيَا ولا في عملِ الآخرةِ. وقد رأى قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله تعالى يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}. (الجمعة: 10). (إحياء علوم الدين للإمام الغزالي).
والنوعُ الثانِي: أسبابٌ خفيةٌ، وهي ما ينالُهُ العبدُ مِن غيرِ وسائلِ الكسبِ الظاهرةِ ، فيكونُ ببركةِ الرزقِ، أو دفعِ شرٍّ، أو رفعِ سوءٍ كان ينزلُ على العبدِ، وضابطُهُ حسنُ علاقةِ المسلمِ بربِّهِ، وتحقيقُ مقاماتِ العبوديةِ مِن تقوَى وتوكلٍ واستغفارٍ وتوبةٍ، وصلةِ الرحمِ، وغيرِ ذلكَ مِن الأسبابِ الخفيّةِ الجالبةِ للرزقِ.
ثانيًا: صلةُ الرحمِ مِن أهمِّ الأسبابِ الخفيَّةِ للرزقِ.
إنّ صلةَ الرحمِ خلقٌ إسلاميٌّ رفيعٌ، دعَا إليهِ الإسلامُ وحضَّ عليهِ، فهو يُربِّي المسلمَ على الإحسانِ إلى الأقاربِ وصلتِهِم. يقولُ الإمامُ النّوويُّ رحمَهُ اللهُ: صلةُ الرّحمِ هي الإحسانُ إلى الأقاربِ على حسبِ حالِ الواصلِ والموصولِ، فتارةً تكونُ بالمالِ وتارةً بالخدمةِ، وتارةً بالزّيارةِ والسّلامِ وغيرِ ذلك. (شرح النووي).
ولأهميةِ صلةِ الرحمِ ومنزلتِهَا في الإسلامِ، تضافرتْ كثيرٌ مِن النصوصِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ بالحديثِ عنهَا، يقولُ اللهُ تعالى في ذلك: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى }. (النساء: 36).
ويقولُ المصطفَى ﷺ:”إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ فَهُوَ لَكِ “، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } (البخاري) . وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ». (متفق عليه). وجُعِلَتْ صلةُ الرحمِ مِن كمالِ الإيمانِ، فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ” َمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. (متفق عليه).
وقد أرشدَنَا النبيُّ ﷺ إلى الصدقةِ على الأرحامِ بقولهِ: ” إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ : صَدَقَةٌ ، وَصِلَةٌ “،(الترمذي). وأولَى الأرحامِ بالصلةِ الوالدانِ، ثُم مَن يليَهُم مِن الأهلِ والقرابةِ.
أمّا قاطعُ الرحمِ فليس أعظمَ مِن أنْ تُعجَّلَ له العقوبةُ في الدنيا، قال ﷺ:”مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ”. [الترمذي وصححه].
أمَّا في الآخرةِ فإنّه يُحرَمُ مِن دخولِ الجنةِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ:” لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ”. (متفق عليه) .
ولصلةِ الرحمِ أسبابٌ خفيةٌ وفوائدُ وثمراتٌ عظيمةٌ تعودُ على الفردِ والمجتمعِ في الدنيا والآخرةِ:
منها: أنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لزيادةِ العمرِ وبسطِ الرزقِ: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. (متفق عليه). ” وهذه الزيادةُ بالبركةِ في عمرهِ، والتوفيقِ للطاعاتِ، وعمارةِ أوقاتهِ بمَا ينفعهُ في الآخرةِ، وصيانتِهَا عن الضياعِ وغيرِ ذلك”.( شرح النووي). وقال ابنُ بطالٍ:” معنَى البسطِ في رزقِهِ هو البركةُ؛ لأنَّ صلتَهُ أقاربِهِ صدقةٌ، والصدقةُ تُربَى المالَ وتزيدُ فيهِ، فينمُو بهَا ويزكُو”. (شرح ابن بطال). وقال الشيخُ أحمدُ حطيبة:” الإنسانُ الذي يصلُ رحمَهُ يفتحُ اللهُ لهُ أبوابَ الرزقِ وإنْ لم يشعرْ بذلك، كأنْ يكونَ موظفًا ولهُ راتبٌ معلومٌ، فمِن البسطِ في الرزقِ أنَّ اللهَ يمنعُ عنهُ مرضًا أو فسادًا يضيعُ عليهِ مالَهُ، فاللهُ عزَّ وجلَّ أعلمُ ما يكونُ بالعبدِ منهُ.” (شرح رياض الصالحين).
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ” صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقُ يُعَمِّرْنَ الدِّيَارَ وَيَزِدْنَ فِي الْأَعْمَارِ ” (أحمد والبيهقي بسند صحيح). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ». (الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
ومنها: أنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لصلةِ اللهِ للواصلِ: فعن أبي هريرةَ قال: قالَ ﷺ:”إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ فَهُوَ لَكِ” (متفق عليه). وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت : قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “الرحمُ معلقةٌ بالعرشِ تقولُ: مَن وصلنِي وصلَهُ اللهُ، ومَن قطعنِي قطعَهُ اللهُ”.(متفق عليه).
ومنها: أنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لدخولِ الجنةِ: ففي الحديثِ المتفقِ عليهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ :” تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ”. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أن رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”. (ابن ماجة والترمذي والحاكم وصححه).
ومنها: أنَّ الرحمَ تشهدُ للواصلِ بالوصلِ يومَ القيامةِ: فعن ابنِ عباسٍ قال: قالَ ﷺ : ” كلُّ رحِمٍ آتيةٌ يومَ القيامةِ أمامَ صاحبِها تشهدُ له بصِلةٍ إن كان وصَلَها ؛ وعليه بقطيعةٍ إن كان قطعَها”. (البيهقي في الشعب والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه).
ومنها: أنَّ صلةَ الرحمِ تدفعُ ميتةَ السوءِ: وفي ذلك يقولُ ﷺ: ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ؛ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. (أحمد والطبراني وصححه أحمد شاكر).
ومنها: أنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لمحبةِ الأهلِ للواصلِ: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:” تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ “. ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه). فصلةُ الرحمِ تعملُ على تقويةِ أواصرِ العلاقاتِ الاجتماعيّةِ بينَ أفرادِ الأسرةِ الواحدةِ والأسرِ المرتبطةِ بالمصاهرةِ والنّسبِ حتّى يعمَّ المجتمعَ كلَّهُ.
هذه هي ثمراتٌ وفوائدُ وأسباب خفية لصلةِ الرحمِ، فاحرصُوا على تحقيقِهَا؛ لتفوزُوا بسعادةِ العاجلِ والآجلِ.
ثالثًا: دعوةٌ إلى صلةِ الرحمِ.
عليكَ أخِي المسلم أنْ تصلَ أرحامَكَ حتى لو كان أقاربُكَ لا يصلُوكَ، فلتكنْ أنتَ الأخيرَ والأفضلَ؛ حتى تُكتَبَ عندَ اللهِ مِن الواصلينَ، وفي ذلك يقولُ نبيُّ الرحمةِ ﷺ:” لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا”. (البخاري).
وأخرجَ عبدُ الرزاقِ عن عمرَ موقوفًا ” ليس الوصلُ أنْ تصلَ مَن وصلَكَ ، ذلك القصاصُ ، ولكنَّ الوصلَ أنْ تصلَ مَن قطعَكَ ” ، وهذا ما أمرَ اللهُ بهِ نبيَّهُ ﷺ، لمَّا أنزلَ اللهُ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “ما هذا يا جبريلُ؟” قال: إنَّ اللهَ أمرَكَ أنْ تعفُو عمَّن ظلمَك، وتُعطِي مَن حرمَك، وتصلَ مَن قطعَك.”( تفسير ابن كثير).
وقد يقولُ آخرٌ: إنَّ قرابتِي يؤذوننِي ويقاطعوننِي – وهذا شائعٌ وكثيرٌ في واقعِنَا المعاصر– فهل أصلهُم؟!
والجوابُ عندَ نبيِّكَ ﷺ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ:” لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ “(مسلم).
قال الإمامُ النوويُّ: (معناه كأنّمَا تطعمهُم الرمادَ الحار، وهو تشبيهٌ لِمَا يلحقهُم مِن الألمِ بمَا يلحقُ آكلُ الرمادِ الحارِّ مِن الألمِ ، ولا شيءَ على هذا المحسنِ، بل ينالهُم الإثمَ العظيمَ في قطيعتهِ، وإدخالِهم الأذَى عليه).
وكثيرٌ مِن الناسِ – أيضًا – بينهم خصامٌ وشقاقٌ، ويأتِي أحدُهُم ليفوزَ برضا اللهِ فيبدأَ بالسلامِ ليكونَ خيرَهُمَا عندَ اللهِ، وهذا أمرٌ يُحمدُ عليه، ولكن الآخر لا يردُّ عليه السلامَ، ويتكررُ هذا الأمرُ والآخرُ لا يردُّ، فيملَّ الأولُ ويتركَ السلامَ بحجةِ أنَّ الآخرَ لا يردّ !! أقولُ: يجبُ عليكَ أنْ تلقيَ السلامَ على الجميعِ حتى المتخاصمِ معكَ؛ لأنَّ هذه تحيةُ الإسلامِ، وإنْ لم يرد عليك فقد وكَّلَ اللهُ ملكًا يردُّ عنك، ويردُّ على الآخرِ الشيطانُ.
فعن هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا؛ وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَتُهُ ؛ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا ” . (أحمد والبيهقي وابن حبان وصححه ).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ ﷺ: ” إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي الأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ فِيكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ، لأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ. ” (البخاري في الأدب المفرد والطبراني والبيهقي والهيثمي وصحح إسناده )
فحريٌّ بنَا أنْ نتفقدَ أرحامنَا بالزيارةِ والصلةِ والسؤالِ والصدقةِ وإصلاحِ ذاتِ البينِ، ولا يتعذرُ أحدٌ بانشغالهِ، فلا أقلَّ مِن أنْ يصلَ أحدُنَا رحمَهُ بمكالمةٍ تزيلُ ما علقَ في النفسِ، وتدحرُ الشيطانَ، وتفتحُ أبوابَ الخيرِ، فهذه فرصةٌ عظيمةٌ لنفتحَ صفحةً جديدةً مع أرحامِنَا.
نسألُ اللهَ أنْ يكتبَنَا عندَهّ مِن الواصلينَ لرحمِهِم، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،