الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة 5/7/2024 تحت عنوان حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2797
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة 5/7/2024  تحت عنوان   حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار  Empty خطبة الجمعة القادمة 5/7/2024 تحت عنوان حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الجمعة يونيو 28, 2024 7:51 pm

    خطبة الجمعة القادمة 5/7/2024
    تحت عنوان 
    حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار 
                          
      العناصر
    ١- حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار 
    ٢- فضل المهاجرين والأنصار 
    ٣- منزلة المهاجرين والأنصار 


                                الموضوع 
     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا"، وبعد  


    حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار 
    إن حديث المهاجرين والأنصار في كتاب الله حديث مستفيض لا تفي خطبة واحدة به، ولذلك سنتناول في عُجيّل بعض الآيات التي ورد فيها ذكر المهاجرين والأنصار.
    إن المهاجرين والأنصار هم أصحاب رسول الله ﷺ، وهم أفضل هذه الأمة، بل أفضل البشر عمومًا بعد الأنبياء والرسل.
    امتلأت قلوبهم بمحبة الله تعالى وتعظيمه والخوف منه، والإيمان به، وأحبوا الرسول ﷺ أكثر من أنفسهم، كانوا صادقين في ذلك أعلى درجات الصدق، فبذلوا أنفسهم وأموالهم وكل ما يملكون من أجل نصرة هذا الدين والدفاع عنه ونشره وهداية الخلق به
    لم يوجد ولن يوجد في البشر من هم أكمل منهم إيمانًا ولا أحسن عبادة وأخلاقا، فاستحقوا أن يثني الله عليهم في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، وأن يثني عليهم الرسول ﷺ في أحاديث كثيرة؛ حتى جعل الرسول ﷺ محبتهم من الإيمان، وجعل بغضهم من النفاق؛ لأن من نظر في سيرتهم وإيمانهم وأخلاقهم وتفانيهم في نصرة هذا الدين فلا بد أن يحبهم إن كان مؤمنًا محبًا لهذا الدين، فإن أبغضهم كان منافقًا كارهًا لهذا الدين ولنشره والتمسك به.
    والمهاجرين هم الذي أسلموا قبل فتح مكة وهاجروا إلى الرسول ﷺ في المدينة واستوطنوها، وتركوا بلادهم وأموالهم وأهليهم رغبةً فيما عند الله، وابتغاء مرضاته، ونصرةً لهذا الدين.


     ومن المعلوم أن المسلمين هاجروا من مكة إلى المدينة لحماية عقيدتهم وأنفسهم من صلف الجاهلية وطغيانها فقد تعرضوا في مكة لألوان العذاب حتى أمست بالنسبة لهم بلد الهوان والحرمان، فكان عليهم أن يدعوا ذلك البلد بعد أن ازور عنهم وترفع عليهم، وصير حياتهم فيه شقاء متواصلا، واضطهادًا قاسيًا.
    وترك المسلمون ديارهم وأموالهم وهاجروا من مكة إلى يثرب فداء لعقيدتهم وإيمانهم، وما كانت تلك الهجرة فرارًا وهربًا بقدر ما كانت أسلوبًا واقعيًّا في نشر الإسلام، وسبيلا عمليا لإعداد العدة والقوة حتى لا تستمر الجاهلية بجبروتها وطغيانها تضع الأشواك والعقبات في طريق دعوة التوحيد والوحدة والأخوة والمساواة والحرية.


    وأما الأنصار فهم أهل المدينة النبوية الذي استقبلوا الرسول ﷺ وأصحابه المهاجرين، هم الذين آووا ونصروا وضربوا أروع الأمثلة في السخاء والإعطاء والحب والإيثار؛ فقاسموهم أموالهم ولم يبخلوا عليهم بشيء، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم،
     
    ٢- فضل المهاجرين والأنصار 
    إن المهاجرين والأنصار هم حملة الإسلام الأول، خاضوا من أجله معـارك كثيرة، وتعرضوا لأخطار جسيمة، فما وهنوا وما استكانوا، لقد اضطهدوا وقاتلوا وقتلوا، وأنفقوا وبذلوا في سبيل الله، فحقق الله لهم عهده ووعده، ونصرهم على أعدائهم، ورضي عنهم، وغفر لهم، وأعد لهم جزاءً عظيمًا، ونعيمًا مقيمًا؛ لأنهم المؤمنون حقًّا وصدقًا ﴿وَٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌وَهَاجَرُواْ ‌وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ﴾ (الأنفال:٧٤).
     وقد أثنى الله في كتابه العظيم عليهما في قوله تعالى: ﴿لِلۡفُقَرَآءِ ‌ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ‌ٱلَّذِينَ ‌أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ الله وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ (٨) وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (٩)﴾.
          لقد أثنى الله على المهاجرين والأنصار في هاتين الآيتين، مدح المهاجرين بصدق الإيمان والجهاد، فقد خرجوا من ديارهم وأموالهم يرجـون فضل الله ورضوانه، وينصرون الله ورسوله، ومدح الأنصار الذين تبوؤوا الدار، أي استوطنوا المدينة قبل المهاجرين، بإخلاص الإيمان، وحب الذين هاجروا إليهم كما مدحهم بالإيثار في أسمى صوره، لأنه إيثار عن حاجة.
    وتحذر الآية في ختامها من الشح، لأنه المعوق عن كل خير وبر، ومن خلص نفسه من إسار الشح، وبذل في سخاء كريم من ماله وعواطفه وجهده، فقد سلك طريق الفلاح وكان من الفائزين ﴿وَمَن ‌يُوقَ ‌شُحَّ ‌نَفۡسِهِۦ ‌فَأُوْلَـٰٓئِكَ ‌هُمُ ‌ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾.


    منزلة المهاجرين والأنصار 
      - وأما عن منزلة المهاجرين والأنصار فقد اتضح من كل ما سبق أن المهاجرين بهجرتهم قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فهم لم يهاجروا رهبة من الكفر ولا رغبة في الدنيا، ولكنهم هاجروا يرجون رحمة الله، ويبتغون فضلا منه ورضوانا وينصرون الله ورسوله. ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ ‌هَاجَرُواْ ‌وَجَٰهَدُواْ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌الله أُوْلَـٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ الله والله غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ (البقرة: ۲۱۸).
            
       - ولهذه المنزلة الجليلة للمهاجرين والأنصار استحقوا فضل الله في التجاوز من هفواتهم وتوفيقهم إلى اتباع طريق الرحمة والمغفرة، ففي غزوة تبوك -وهي آخر غزوة غزاها رسول الله ﷺ -يقول القرآن الكريم عن بعض المهاجرين والأنصار ﴿لَّقَد ‌تَّابَ ‌الله ‌عَلَى ‌ٱلنَّبِيِّ ‌وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ ‌وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ (التوبة:١١٧).


      - ومما يستنبه النظر في حـديث القرآن عن المهاجرين والأنصار أن المهاجرين أفردوا بالذكر في بعض الآيات (وتثني هذه الآيات في مجموعها على المهاجرين وتذكر فضلهم وما أعد لهم من خير جزيل في الدنيا والآخرة)، على حين ورد ذكر الأنصار مع المهاجرين دون أن يفردوا بالذكر في آية واحدة.
    ومع التسليم بأن المهاجرين أسبق إيمانًا وجهادًا فإن المفاضلة المسرفة بين المهاجرين والأنصار لا مسوغ لها ويكفي أن الله وصفهم جميعًا بأنهم المؤمنون حقًا.
    ﴿‌وَٱلسَّـٰبِقُونَ ‌ٱلۡأَوَّلُونَ ‌مِنَ ‌ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ‌وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ الله عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾ (التوبة:١٠٠).
    يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم.
    قال الشعبي: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية.
    فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولا سيما سيدُ الصحابة بعد الرسول ﷺ وخيرهم وأفضلهم، أعني الصديقَ الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر
     ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم على مراتب، فأعظمهم الخلفاء الأربعة، ثم بعد ذلك بقية الستة من العشرة، ثم سائر أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، فهؤلاء هم خيار الصحابة وأفضلهم الذين شهد الله تعالى لهم بالرضا، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ من أسلم بعدهم من الصحابة ومن جاء بعدهم ممن لم يدرك النبي ﷺ إلى يوم القيامة وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ كما قال الله  في سورة الحشر حينما ذكر الطوائف الثلاث: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ، ثم بعد ذلك قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ، ثم بعد ذلك قال: "وَالَّذِينَ جَاءُُوا مِن بَعْدِهِمْ" يدخل فيها من أسلم بعد ذلك إلى يوم القيامة من العرب وغيرهم.


    وهكذا قوله -تبارك وتعالى- في سورة الجمعة: "وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ" فإن الآخرين في سورة الجمعة منهم من فسره بمن أسلم بعد هذا، ومنهم


    لقد أُجبر المسلمون على الهجرة، أجبرهم الظلم والإثم والكفران والطغيان فهم يحبون مكة، مسقط رؤوسهم ومهد طفولتهم، ولكن الله ورسوله أحب إليهم مما عداهما ومن ثم جاهدوا وصبروا على ما أوذوا وهاجروا وقاتلوا، أولئك هم المؤمنون حقا.
    وقد جاء في الآية ١٩٥ من سورة آل عمران ﴿.. فَٱلَّذِينَ ‌هَاجَرُواْ ‌وَأُخۡرِجُواْ ‌مِن ‌دِيَٰرِهِمۡ…﴾ وبناء الفعل للمجهول في (أخرجوا) يدل على أن المسلمين أجبروا على الخروج من ديارهم بسبب ما أصابهم من أذى على أيدي المشركين.
    وورد هذا الفعل بصيغة المبني للمجهول في الآية في سورة الحشر للدلالة على نفس المعنى ﴿لِلۡفُقَرَآءِ ‌ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ‌ٱلَّذِينَ ‌أُخۡرِجُواْ ‌مِن ‌دِيَٰرِهِمۡ ..٨﴾.


    أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
    الخطبة الثانية
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان، فاللهم صل وسلم وزد بارك عليك سيدي يا رسول الله وآلك وصحبك قادة الحق، وسادة الخلق إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين. 
    وبعد 


    وفي سورة النحل ﴿وَٱلَّذِينَ ‌هَاجَرُواْ ‌فِي ‌الله ‌مِنۢ ‌بَعۡدِ ‌مَا ‌ظُلِمُواْ…٤١﴾ فالمهاجرون ظلموا قبل هجرتهم، ظلمهم المشركون ظلما متعدد الدرجات متنوع الأشكال، غير أن الآية لم تفصل أنواع الظلم وكيف وقع على هؤلاء المهاجرين الصابرين، وهي بهذا أشمل في الدلالة وأبلغ في المعنى، وأوقع في النفس، وأعمق في الحس.


      - هؤلاء المهاجرون المطاردون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ظلمًا وعدوانًا، استقبلهم الأنصار بالحفاوة والإكبار ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثًا جماعيًا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين، فقد تميز بالحب الرائع، والبذل السخي، ولكن المهاجرين مع هذا كانوا في حاجة إلى تشريع يحوطهم بمزيد من الرعاية والحماية والتكافل والتناصر، وكان المجتمع الإسلامي عقب الهجرة يمر بفترة حرجة في حياته، وأعداؤه في داخل المدينة وخارجها يتربصون به ويتحينون الفرصة للانقضاض عليه، فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار على المواساة والتوارث بعد الموت إرثًا مقدمًا على ذوي الأرحام ﴿إِنَّ ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌وَهَاجَرُواْ ‌وَجَٰهَدُواْ ‌بِأَمۡوَٰلِهِمۡ ‌وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ الله وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ والله بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ﴾ (الأنفال: ٧٢).


      إن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، كانت صلة فريدة في تاريخ التكافل بين أصحاب العقائد، لقد قام هذا الإخاء مقام أخوة الدم فكان يشمل التوارث والالتزامات الأخرى الناشئة عن وشيجة النسب كالديات وغيرها، وكان هذا النظام ضروريًا لحفظ هذه الجماعة الوليدة وتماسكها في مثل تلك الظروف التي قامت فيها.
            
     - ولما كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قد قامت مقام أخوة الدم بسبب الظروف الاستثنائية التي عاش في ظلها المجتمع الإسلامي بعد الهجرة مباشرة، فإن المسلمين بعد غزوة بدر الكبرى استقرت أحوالهم في المدينة شيئًا ما، استتب الأمن للدولة، ووجدت أسباب معقولة للارتزاق وتوفر قدر من الكفاية للجميع، ولهذا أصبحت الظروف التي حتّمت نظام المؤاخاة من ناحية الالتزامات الناشئة عن صلة الدم والنسب غير قائمة فأبطل القرآن الكريم نظام المؤاخاة من هذه الناحية -ولا سيما ناحية التوارث- فحسب مستبقيًا إياه من ناحية العواطف والمشاعر والتعاون والتناصر ﴿ٱلنَّبِيُّ ‌أَوۡلَىٰ ‌بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ‌مِنۡ ‌أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ الله مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا﴾ (الأحزاب: ٦).
    والآية في مستهلها تقرر الولاية العامة للنبي ﷺ، وهي ولاية تتقدم على قرابة الدم، بل قرابة النفس فهو أرحم بهم من أنفسهم فعليهم أن يحبوه ويطيعوه، وتقرر الآية كذلك الأمومة الشعورية لأزواج النبي ﷺ فيجب توقيرهن ويحرم التزوج بهن بعده.
    وبعد أن ألغت الآية نظام المؤاخاة من ناحية التوارث والتكافل في الديات، وردت هذا إلى قرابة الدم والنسب تشير إلى أن إلغاء المؤاخاة من تلك الناحيـة لا يعني بتر صلات المودة بين الأولياء من حيث التكافل المالي، فباب الهبة أو الوصية مفتوح لمن أراد أن يقدم خيرًا وبرًّا ومعروفًا، والآية في ختامها تقرر أن التوارث بالأرحام هو الأصـل المقرر في الأزل ﴿كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا﴾ وهنا تقر القلوب المؤمنة وتطمئن.


    رضي الله عن صحابة رسول الله ﷺ المهاجرين والأنصار، ورزقنا التأسي بهم في الإيمان والجهاد والصبر والفداء حتى نكون أهـلًا لنصر الله الذي كتبه لعبـاده المؤمنين المخلصين، وصدق الله العظيم «وكان حقًا علينا نصر للؤمنين».

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت سبتمبر 21, 2024 3:33 pm