الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة: ١٢/ ٤/ ٢٠٢٤م - الاستقامة والمداومة على الطاعة

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2692
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة: ١٢/ ٤/ ٢٠٢٤م - الاستقامة والمداومة على الطاعة Empty خطبة الجمعة: ١٢/ ٤/ ٢٠٢٤م - الاستقامة والمداومة على الطاعة

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الجمعة أبريل 05, 2024 7:35 pm

    خطبة الجمعة: ١٢/ ٤/ ٢٠٢٤م - الاستقامة والمداومة على الطاعة.

      العناصر
    أولًا: أسباب فتور الطاعة بعد رمضان 
    ثانيًا: وسائل الثبات على الطاعات
    ثالثًا: ثمرات الثبات على الطاعة 
                                الموضوع 
     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا"، وبعد  
    فإن مرور الأيام وكر الليالي يدلنا على درسٍ عظيمٍ لا بد وأن نتعلمه وهو أن عمرنا في طريقه إلى الإنتهاء، فكما يأتي شهر رمضان وينتهي كذلك العمر، فما العمر إلا ساعات وأيام والوقت الذي يمر لا يعود أبدًا فهي خزائن يملؤها الإنسان لوقت الحاجة إليها، وعندما تمر أيام من رمضان نقول رمضان قارب على الرحيل وننسى أننا نحن من قارب على الرحيل فرمضان إن رحل سيعود ويعيشه من كتب له العيش إلى رمضان آخر ولكن نحن إن رحلنا فليس لنا عودة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها 
    وها هو شهر رمضان وقد حمل عصا الترحال ولملم أوراقه، فلماذا هذه السرعة يا رمضان؟ هل أسأنا إليك فهجرتنا؟ أم لم نحسن إليك فذهبت إلى الله تشكو حالنا، وسوء أعمالنا؟


     ذهب وتركنا ولا نعلم هل سيكون لنا معه لقاء قادم أم لا؟ هل سيكون شاهدًا عند المولى جلا وعلا  لنا أم لا؟هل سيشهد بحسن استقبالنا له وحُسن معاملتنا معه وحُسن وداعنا له؟ أم سيشكوا حالنا إلى الله وسوء أدبنا وجفائنا وعدم احترامنا له؟ ماذا قصرنا وماذا قدمنا؟ وما هو حالنا مع لا نعلم عن ذلك شيئًا ولكن هناك شئ واحد يجب أن نعرفه وهو أن نتساءل:
    -ماذا فعلنا مع رمضان؟ كيف كان استقبالنا لرمضان؟ هل كان استقبال المادة والياميش والأفلام والمسلسلات؟ أم كان استقبالا روحيًا يليق بجلال الشهر؟
     فعلى ماذا نويت أخى بعد رمضان؟ هل نويت أن تكون من عباد الله المحرومين بعد أن كنت من عباد الله المرحومين؟
    هل نويت أن تكون من الأشقياء بعد أن كنت من السعداء؟
    هل نويت أن تكون تكون شيطانًا رجيمًا بعد أن كنت ملكًا كريمًا؟
    هل حقاً انطفأت المصابيح وعاد المسئ إلى فعل القبيح؟
    إن الله يرضى على من أطاعه فى كل وقتٍ، ولا يحب من عصاه حتى ولو كان فى رمضان. 
    فعليك أخي الكريم أن تكون ربانيًّا ولا تكن رمضانيًا 
    فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ولّى وفات 
    ومن كان يعبد الله فإن الله حىٌّ باق لا يموت
     
    #إن_من_ينسلخ من العبادة -دفعةً واحدة- يقول بالمعنى الصامت - والعياذ بالله - يارب إنى جرّبتُ الأنس بك فلم أجدك أهلًا لهذا الأنس؛ والدليل على ذلك انسلاخه من الطاعة وعدم الاستمرار فيها؛ لذلك حذّر المولى عز وجل من مثل هذه الحالات فقال: "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا"
    قالوا: إنها امرأةٌ من العرب كانت تنسج الثوب وبعد أن تنتهي منه تقوم بنقضه وحل خيوطه مرةً أخرى، وهذا مثال الذي يتحلل من الطاعة 
    فمن علامات  الطاعة الطاعة بعدها، كما أن من علامات الحسنة الحسنة بعدها، فمن علامات القبول الاستقامة 


    والاستقامة هي لزوم طاعة الله -تعالى- وقد أمر الله بها صفوة خلقه وعباده، فقال لنبيين ورسولين من رسله الكرام موسى وهارون -عليهما السلام-: (فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (يونس: ٨٩)،
    * وأمر بها نبيه محمدًا ﷺ كما في قوله -تعالى-: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) (الشورى: ١٥).
    * وكذلك أمر رسول الله -ﷺ- بها وحض عليها: فعن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: (أقِيمُوا الصَّلاةَ، وآتُوا الزَّكاةَ، وحُجُّوا واعْتَمِرُوا، واسْتَقِيمُوا يُستَقَم بِكُمْ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
    وعن سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُول الله قُلْ لِي في الإِسلامِ قَولاً لاَ أَسْأَلُ عنْه أَحدًا غيْركَ. قَالَ: (قُلْ: آمَنْت بالله: ثُمَّ اسْتَقِمْ) (رواه مسلم).
    وفي قول الله -تعالى-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ... ) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ الله -ﷺ- في جميع القرآن آية كانت أَشَدُّ وَلا أَشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ"؛ ولذلك قال النبي -ﷺ- حين قيل له: قَدْ أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ: (شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا) (رواه الترمذي والطبراني، وصححه الألباني).


    أولًا: أسباب فتور الطاعة بعد رمضان 
    #والبعض_يتساءل عن سبب فتور الطاعة بعد رمضان 
    اعلم أخي الحبيب علمني الله وإياك: أن هناك أسبابًا عديدة تحول بينك وبين الثبات نذكر منها ما ذكره علماؤنا:
    أولًا: ضعف العزيمة: 
    وذلك أن كثيرًا من هؤلاء عزيمته ونيته وإرادته ضعيفة وذلك لأنه ما عقد النية في أول رمضان على المثابرة والثبات على الطاعة بعد رمضان والخواتيم ميراث السوابق فكثير من هؤلاء رمضاني الطاعة والعبادة فاذا مضى رمضان انقطعت عزيمته وفلت إرادته.


    ثانيًا: طول الأمل: 
    اعلم أنه ما أساء أحد العمل إلا وتجده طويل الأمل، وما زلت قدم بعد ثبوتها إلا لطويل أملها والله تعالى أخبرنا عمن ساء عمله وخاب سعيه فقال محذرا من طول الأمل، "وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" الحديد: ١٦
    ويقول جل شأنه: "ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" الحجر: ٣
    أي دعهم يعيشوا كالأنعام ولا يهتموا بغير الطعام والشهوات، وقوله: ﴿وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾: أي يشغلهم طول الأمل والعمر عن استقامة الحال على الإيمان، والأخذ بطاعة الله تعالى.


    ثالثًا: التوسع في المباحات من مأكل ومشرب ومركب كلها مقعدات للعبد عن الطاعة لذا أرشدنا من بيده الرشد إلى الاعتدال في المباحات، فقال رب الأرض والسماوات: "كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى" طه: ٨١
    فأمر -سبحانه- بالأكل ونهى عن الطغيان فيه حتى لا تميل النفس إلى البطالة والكسل، وتتقاعس عن العمل وتطلب الراحة ويعجز المسلم عن حملها عليه، وهذا لا يعني تحريم ما أحل الله،
    فقد كان -ﷺ- (يحب العسل والحلواء)
    (ويأكل اللحم ويقبل ما يقدم إليه إلا أن يعافه)
    فاستعمال المباح في التقوي على الطاعة طاعة، ولكن الآفة التوسع والاستكثار، فليكن تناول المباح بقدر.
    سأل سائل الإمام ابن الجوزي رحمه الله قائلاً: "أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي"، فأجابه: «عند نفسك من الغفلة ما يكفيها»!!
    كان بعض الصحابة و السلف يترفعون عن الدنيا وملذاتها ومن ذلك ما جاء عنهم:
    تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم).
    قال رجل لابن عمر رضي الله عنهم: ألا أجيئك بجوارش، قال: وأي شيء هو؟ قال: شيء يهضم الطعام إذا أكلته، قال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وليس ذاك أني لا أقدر عليه، ولكن أدركت أقوامًا يجوعون أكثر مما يشبعون. رواه الإمام أحمد


    رابعا: إلف المعصية:
    وقد نبه السلف إلى هذه القضية فقد قال الضحاك: 
    "ما نعلم أحدًا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب" ثم قرأ: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
    وسأل رجلٌ الحسنَ البصري قائلا: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: "ذنوبك قيدتك".
    وقال الثوري: "حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته" قيل وما ذاك الذنب؟ قال: "رأيت رجلا يبكي فقلت هذا مرائي"
    وهذا كرز بن وبرة يدخل على بعض الناس وهو يبكي فيقول له أتاك نعي بعض أهلك فيقول أشد؟ فقال وجع يؤلمك قال أشد قال وما ذاك؟ قال: "بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا لذنب أحدثته".
    وقال سليمان الداراني: "لا تفوت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب
    وقال آخر: "كم من زلة مَنعت قيام الليل، وكم من نظرة منعت قراءة سورة، وإن العبد ليأكل أكلة فيحرم بها قيام سنة، وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات".
    قال ابن القيم في الجواب الكافي: 
    "ومنها - أي آثار المعصية -: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى فيقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرًا، فيقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.


    خامسًا: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية: 
    النفس إن لم تشغلها بالحق والطاعة شغلتك بالمعصية، ومن أصول عقيدتنا -الإسلامية- أن الإيمان يزيد وينقص، فيضعف ويضمحل إذا تعرض العبد لأجواء الإباحية والفجور والتبرج والسفور أو انشغل قلبه بالدنيا وأهلها.
    لذا بين الرسول -ﷺ- أن (أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق)
    وما ذلك إلا لأن المساجد بيوت الطاعات، ومحل نزول الرحمات، وأساسها على التقوى، والأسواق محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وخلف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه.
    وحينما سأل قاتل المائة العالم: هل له من توبة؟ قال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟
    انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، مما يدل على أن البيئة تؤثر في ثبات المسلم على الطاعة.
    لذا حث الشرع على مرافقة الصالحين ليعتاد المسلم فعل الطاعات، وترك السيئات، قال -تعالى-: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " الكهف: ٢٨


    والله -عز وجل- لم يجعل نهاية وحدًّا لطاعة العبد وعبادته لربه إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله؛ قال الله -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: ٩٩)، وقال -سبحانه- على لسان عيسى -عليه السلام-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم: ٣١).


    وشأن المؤمن أنه مستقيم دومًا على طاعة ربه في كل حال وفي كل وقت؛ قيل لبِشر الحافي -رحمه الله-: "إن أناسًا يتعبدون في رمضان ويجتهدون فيه، فإذا انسلخ رمضان تركوا ذلك!"، فقال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!".
    وشأن المؤمن أنه لا يغتر بالمتكاسلين عن طاعة الله والمفرِّطين ولو كانوا كثرة، فإن الأسوة إنما تكون في الخير وليس في الشر، والعبرة بموافقة شرع الله -تعالى-؛ قال الله -عز وجل-: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام: ١١٦).
    وقال وهب بن مُنَبِّه -رحمه الله-: "مَرَّ رَجُلٌ عَابِدٌ عَلَى رَجُلٍ عَابِدٍ فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ فُلانٍ، أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَمَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا، فَقَالَ بِعَجَلٍ: "لا تَعْجَبْ مِمَّنْ تَمِيلُ بِهِ الدُّنْيَا، وَلَكِنِ اعْجَبْ مِمَّنِ اسْتَقَامَ" (حلية الأولياء).
    وقال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "إذَا رَأَيْتُمْ الْيَوْم شَيْئًا مُسْتَوِيًا فَتَعَجَّبُوا".
    وقال بعض السلف: "ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا".


    ثانيًا: وسائل الثبات على الطاعات
     ١- صدق النية وقوة العزيمة
    اعلم أخي الكريم أن من أعظم وسائل الثبات على الطاعة أن تكون صادق النية قوي العزيمة عال الهمة
    قال الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا . لِيَجْزِيَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الأحزاب: ٢٣  


     روى الخطيب بسنده عن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة كان يصلي بالليل ويقرأ القرآن في كل ليلة، ويبكي حتى يرحمه جيرانه ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء. وكانت وفاته في رجب سنة خمسين ومائة -


    ٢- الدعاء
     ومما يثبت المؤمن على الطاعة الدعاء فهو سلاح المؤمن وحصنه الذي يلجا إليه، قال -تعالى-: "وَمَنْ يَعْتَصِمْ بالله فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" آل عمران: ١٠١ 
    فمن صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم على الطاعة: "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" آل عمران: ٨
    وهذا من عصمه الله تعالى، فيكثر من الدعاء الله تعالى من فضله، عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يدع: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك."


    أخرج مسلم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز و جل كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله ﷺ اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك."


    وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدعو: (اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى)


    ٣- قصر الأمل عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كالغريب، أو كعابر سبيل». قال: وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، وخذ من حياتك لموتك."


    وعن شداد بن أويس عن رسول الله ﷺ قال: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله عز وجل».


    وقال علي بن أبي طالب: "إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصدكم عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل"
    رواه البخاري تعليقًا، ووصله ابن أبي شيبة في المصنف، ورواه ابن المبارك في الزهد.
        
    أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
    الخطبة الثانية
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان، فاللهم صل وسلم وزد بارك عليك سيدي يا رسول الله وآلك وصحبك قادة الحق، وسادة الخلق إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين. 
    وبعد


    ثالثًا: ثمرات الثبات على الطاعة 
    اعلموا بارك الله فيكم أن للطاعة والمثابرة عليها ثمرات يراها ويجنيها أهل الثبات في الدنيا والأخرة نذكر منها.


    ١- الثبات على الطاعة - ولا سِيَّما النوافل- سببٌ لمحبة الله
    يقول تعالى -كما في الحديث القدسي، الذي أخرجه البخاريُّ من حديث أبي هريرة: "وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه" فالمداومة على النَّوافل من العبادات سببٌ لمحبة الله للعبد  هو سُنَّة الحبيب محمد -ﷺ-: ففي "صحيح مسلم" من حديث عائشة -رضي الله عنها - أن النبيَّ ﷺ كان إذا عمل عملاً أثبته،، وفي "الصَّحيحين" من حديثها أيضًا أنَّها قالت ما كان رسول الله ﷺ يَزِيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة"                      
    ٢- سببٌ لِحُسن الخاتمة:
     فإذا داومَ العبد على الطَّاعات، كان من أعظم الأسباب لتحقيق حُسْن الخاتمة، وقد جرَتْ سُنَّة الله في خلقه أنَّ من داوم على شيءٍ مات عليه، ومن مات على شيءٍ بُعِث عليه، وكما في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ من حديث جابر -رضي الله عنه -: "يُبعث كلُّ عبد على مات عليه"


    ٣- سعة الرزق: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن:  ١٦).
    - الرفعة في الدنيا قبل الآخرة: قيل لابن المبارك -رحمه الله-: "ابن عون بمَ ارتفع؟!" قال: "بالاستقامة!".
       
     مِن أسباب تحصيل الاستقامة:
    - الدعاء والتضرع إلى الله كما علمنا -سبحانه- أن ندعوه في ركعة مِن ركعات الصلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)؛ فعلى العبد أن يعلم أنه لا غنى له عن توفيق الله طرفة عين أبدًا، وأن قلبه ليس بيده وإنما القلوب بين أصابع الرحمن يقلبها -سبحانه- كيف يشاء، قال مُطَرِّفٌ بن عبد الله -رحمه الله-: "لَوْ أُخْرِجَ قَلْبِي فَجُعِلَ فِي يَسَارِي وَجِيْءَ بِالخَيْرِ فَجُعِلَ فِي يَمِيْنِي مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أُوْلِجَ قَلْبِي مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَكُوْنَ اللهُ يَضَعُهُ" (سير أعلام النبلاء).


    - صحبة الأخيار والصالحين، والابتعاد عن الأشرار والفاسدين: فقد أمر الله صفوة الخلق -ﷺ- بأن يحبس نفسه مع الرفقة الصالحة رغم أنه أفضل منهم، وأعظم منهم قدرًا وشأنًا؛ فأنزل الله عليه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف: ٢٨).


    - الاستمرار في العمل "فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك"
    والاستقامة هي أن يثبت الإنسان على شريعة الله ، وكما قال أحد الصالحين: مرجع الاستقامة إلى أمرين 
    صحة الإيمان بالله واتباع ما جاء به رسول الله ﷺ ظاهرًا وباطنًا 
    * والاستمرار على الطاعة من هدي النبي ﷺ
    فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان أحب الأعمال إلى رسول الله ﷺ ديمومته " وكان يقول: "خير الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"
     
    * الاستمرار على الطاعة يُورث حب الله تعالى
    " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" فيقول التوابين ولم يقل التائبين؛ لأن التوابين صيغة مبالغة تشمل كثرة التوبة 
    * الاستمرار على الطاعة يورث الفوز بظل عرش الله يوم القيامة 
    * الاستمرار على الطاعة يورث الهداية والنور والسير على الطريق المستقيم 
    "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"
    نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا الاستقامة على طاعته وعبادته، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيمًا.
    وأن يثبّتنا بالقول الثابت في الحياة وفي الآخرة، وأن يستعملنا لطاعته إنه وليّ ذلك والقادر عليه.  
    اللهم تقبل منا ما مضى، وبارك لنا فيما بقي واغفر لنا تقصيرنا ووفقنا للصيام والقيام فيما بقي على الوجه الذي يرضيك عنا يا أرحم الراحمين. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:18 pm