الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    كيف نستقبل رمضان 20 شعبان 1مارس 2024

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2679
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    كيف نستقبل رمضان 20 شعبان 1مارس 2024   Empty كيف نستقبل رمضان 20 شعبان 1مارس 2024

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد السبت فبراير 24, 2024 1:20 pm

    كيف نستقبل رمضان
    20 شعبان 1مارس 2024


    عناصر الخطبة:

    الجوهرة الأولى: أنواع الناس في استقبال شهر رمضان.

    الجوهرة الثانية: لماذا الفرح بقدوم شهر رمضان؟

    الجوهرة الثالثة: حدد أهدافك قبل الانطلاق.

    الجوهرة الرابعة: رمضان شهر الجد والاجتهاد لا شهر الكسل.

    الجوهرة الخامسة: علو همة السلف في رمضان.



    الخطبة الأولى
    الحمد لله جعل الصيام جُنة وسببًا موصلاً إلى الجنة، أحمده سبحانه وأشكره، هدى إلى خير طريق وأقوم سنة، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بعثه إلينا فضلاً منه ومِنة، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.



    أما بعد:

    فاتقوا الله أيها الناس، فالشهور والأعوام والليالي والأيام مواقيت الأعمال ومقادير الآجال، تمر سريعًا وتنقضي جميعًا، إنها أيام الله خلقها وأوجدها، وخص بعضها بمزيد من الفضل، ما من يوم إلا ولله فيه على عباده وظيفة من وظائف طاعاته، ولطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بفضله رحمته من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم.

    مرحبًا أهلاً وسهلاً بالصيامْ
    يا حبيبًا زارنا في كل عامْ
    قد لقيناك بحب مفعم
    كل حب في سوى المولى حرام
    فاغفر اللهم ربي ذنبنا
    ثم زدنا من عطاياك الجسام
    لا تعاقبنا فقد عاقبنا
    قلقٌ أسهرَنا جنحَ الظلام


    ثم أما بعد:

    الجوهرة الأولى: أنواع الناس في استقبال شهر رمضان:

    عباد الله، ينقسم الناس حيال أوامر الله تعالى إلى أصناف شتى؛ يقول الله سبحانه وتعالى مبينًا أقسام الناس: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ [الليل: 4].

    يقول السعدي - رحمه الله - هذا [هو] المقسم عليه؛ أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتًا كثيرًا، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها والنشاط فيها، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟

    فيبقى السعي له ببقائه، وينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها، ويضمحل باضمحلالها؟".

    فإذا نظرنا إلى أحوال الناس، وكيف يستقبلون رمضان، لتبين لنا حقيقة الاختلاف بينهم.

    القسم الأول: قسم يفرح بقدومه ويستبشر بهلاله، يُقبلون عليه إقبال الظمآن على الماء البارد، قد أعدوا له العدة، وهيَّؤوا أنفسهم لاستقباله؛ لأنهم يعلمون أنه أيام معدودات، وأنه سوق عما قريب سينفض: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183، 184].

    ولماذا لا يفرحون به وهو حبيب جاء على فاقة؟!

    ولماذا لا يفرحون به وهو شهر الإحسان وشهر التقوى والإيمان؟!

    ولماذا لا يفرحون به وهم يعلمون أنه شهر تفغر فيه السيئات، وتُمحى فيه الزلات، وتُرفع فيه الدرجات، هم يرددون دومًا: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]؟!



    القسم الثاني: قسم يغتم بقدومه ويستثقل صيامه، ولا يبالي بحرمته، فهم لا يفرحون ولا يستبشرون، وإنما يحزنون حالهم؛ كما قال شاعرهم:

    إذا العشرون من شعبان ولت
    فواصل شرب ليلك بالنهار
    ولا تشرب بأقداح صغار
    فإن الوقت ضاق على الصغار
    وقال آخر

    جاء شعبان منذرًا بالصيام ♦♦♦ فاسقياني راحًا بماء الغمام



    ومن كانت هذه حاله، فالبهائم أعقل منه، وله نصيب من قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف: 179] ﴾، وربما كره كثير منهم صيام رمضان، حتى إن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبه، وكان للرشيد ابن سفيه، فقال مرة:

    دعاني شهر الصوم لا كان من
    ولا صمت شهرًا بعده آخر شهر الدهر
    فلو كان يعديني الأنام بقدرة
    على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر


    القسم الثالث: من يستقبله بالطعام والشراب وما لذ وطاب: فهو لا يعرف من رمضان إلا الوجبات الرمضانية وياميش رمضان، فإذا بحثت عليه بين المصلين القائمين، فلا تجده.



    القسم الرابع: قسم قد أعد العدة لرمضان من قبله بشهور، يواصل الليل بالنهار من أجل رمضان، قد أعد له كل خبيث وقبيح يرفع راية الشيطان، أعد له الأفلام وقالوا رمضانية! أعد له المسلسلات وقالوا رمضانية! أعد له البرامج والسهرات، وقالوا: رمضانية!

    تُرى من هؤلاء؟ إنهم شياطين الإنس؛ لأن شياطين الجن قد صُفِّدت؛ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله؟: (إذا دَخَلَ شَهرُ رَمَضَانَ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ)؛ رَوَاهُ الشَّيخَان.



    ولكن الشيطان قد استطاع أن يجيش جيوشه من بني آدم؛ قال الله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112]

    فهم يصدون عن القيام وقراءة القرآن والمواعظ، استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.



    الجوهرة الثانية: لماذا الفرح بقدوم شهر رمضان؟

    فإن سألت: لماذا هذه الفرحة؟ ولماذا هذا السرور الذي عم الدنيا؟

    الجواب بحول الملك الوهاب:

    أولاً: لأنه تُغفر فيه الذنوب؛ عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل، فقال: يا محمد، من أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر له، فأدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين)).

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).

    يا ذا الذي ما كفاه الذنبُ في رجبٍ
    حتى عصى ربه في شهر شعبان
    لقد أظلَّك شهر الصوم بعدهما
    فلا تُصَيِّرْهُ أيضًا شهرَ عصيانِ
    واتل القُرَان وسبح فيه مجتهدًا
    فإنه شهر تسبيح وقرآنِ
    كم كنت تعرف ممن صام في سَلَفٍ
    من بين أهل وجيران وإخوانِ
    أفناهمُ الموت واستبقاك بعدهمو
    حَيًّا فما أقرب القاصي من الداني


    يا من كان يجول في المعاصي قبل رمضان، ها قد أعطاك الله الفرصة، لا تكن كمن كلما زاد عمره زاد إثمه.

    فيا أيها الغافل، اعرف نفسك، وانتبه لوقتك، يا متلوثًا بالزلل، اغسل بالتوبة أدرانك، يا مكتوبًا عليه كل قبيح، تصفَّح ديوانك.

    لو قيل لأهل القبور: تَمنوا، لتمنوا يومًا من رمضان.

    وأنت كلما خرجت من ذنب دخلت في آخر، أنت، نعم أنت الآن في رمضان كما كنت في سفر، أما تنفعك العبر؟ أصُمَّ السمع أم كُفَّ البصر؟ آن الرحيل وأنت على خطر، وعند الممات يأتيك الخبر!

    قال بعضهم: "السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، وأنفاس العباد ثمراتها، فشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قُطَّافها".

    يا من قد ذهبت عنه هذه الأشهر، وما تغير، أقولها لك صريحة: أحسن الله عزاءك!



    ثانيًا: تفتح فيه أبواب الجنان:

    يجد المسلم فيه عبير الجنان، ويستنشق من رحيقه المسك والعنبر الذي في أرض الجنان؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين))؛ رواه البخاري ومسلم.

    إن فتح أبواب الجنة في رمضان حقيقة، لا تحتاج إلى تأويل، وهذه نعمة عظيمة ومنة كريمة من الله، يتفضل بها على عباده في هذا الشهر.

    نعم إنها الجنة التي فتحت أبوابها هذه الأيام، ولكن يا عجبًا لها كيف نام طالبها؟ وكيف لم يدفع مهرها في رمضان خاطبُها؟ وكيف يطيب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟ إنها الجنة، دار الموقنين بوعد الله، المتهجدين في ليالي رمضان، الصائمين نهاره، المطعمين لعباد الله؛ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً، يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلاَنَ الْكَلاَمَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ)؛ أخرجه أحمد.

    إنها الجنة ما حُليت لأمة من الأمم، مثلما حُليت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    إن نبي الله موسى عليه السلام خدم العبد الصالح عشر سنوات، مهرًا لزواجه من ابنته، فكم تخدم أنت مولاك لأجل بنات الجنان الحور الحسان.

    إن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل، وهم حُراسها، فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة؛ قال الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22 - 25].



    ثالثًا: رمضان شهر غلق أبواب النيران:

    قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا ﴾ [النبأ: 21، 22].

    عن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: أيها الناس، إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام، فإني أراكم من أمامي ومن خلفي، ثم قال: والذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار)؛ أخرجه أحمد.

    النار التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم يحطم بعضها بعضًا، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَSadأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ)؛ أخرجه البخاري.

    هذه النار هي مخلوقة الآن، موجودة الآن، إنها معدة، فإياك ثم إياك أن تكون من وقودها.

    لقد أُخبرت بأن النار مورد الجميع، ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72].

    رابعًا:أنه شهر الحرية والانطلاق؛ حيث صفدت الشياطين: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة. وغلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين)؛ رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: (فتحت أبواب الرحمة).



    خامسًا: أنه شهر القرآن، بل هو شهر الكتب السماوية كلها:

    عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان))؛ حديث حسن رواه الطبراني وأحمد.

    أما القرآن خاصة، فيقول الله جل وتعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

    إن للصيام علاقة خاصة بالقرآن، فإذا علم هذا فلعله يتضح سرَّ إقبال الناس على القرآن في رمضان قراءةً وحفظًا واستماعًا دون بقية الطاعات والقربات.

    قال ابن رجب: كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها.

    وقال أيضًا: وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام.

    وقال ابن الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم.

    وقال عبدالرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.



    الجوهرة الثالثة: حدد أهدافك قبل الانطلاق:

    أخي المسلم، حدد أهدافك في شهر رمضان الفضيل، والحكمة من تحديد الأهداف أن شهر رمضان مثل السوق القائمة، فإذا لم تحدد ما ستشتري فإن السوق ربما ينفض وأنت ما زلت تتجول على الباعة ولم تشتر شئيًا؛ لذا فأنا أضع بين يديك عدة أهداف:

    الهدف الأول: تحقيق الغاية التي من أجلها فرض الله تعالى علينا الصيام، ألا وهي التقوى؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

    ولكن كيف تحقق التقوى؟

    الجواب في كلمات بسيطة: طلق بن حبيب - رحمه الله - بقوله: (التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك ما حرم الله على نور من الله تخاف عقاب الله)، قال ابن القيم - رحمه الله - في الرسالة التبوكية: وهذا أحسن حدٍّ قيل في التقوى.



    الهدف الثاني: مغفرة الذنوب: إن تخرج من رمضان وقد فغرت لك الخطايا ومحيت عنك الرزايا.

    ولكن كيف تغفر لك الخطايا؟

    الجواب على لسان النبي الأواب صلى الله عليه وسلم.

    احرص على الاحتساب، وعن أبي هريرة رضي اللهُ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه.

    فشرط فيه أن يكون صومه إيمانًا واحتسابًا، ولا شك أن معنى الإيمان هو: التصديق بأنه عبادة لله، فرضه على العباد، وأما الاحتساب فهو: احتساب ثوابه عند الله، وذلك يستدعي مراقبة ربه في كل الأحوال.

    • احرص على أن تكون من أهل ليلة القدر.

    حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه).

    احرص على صلاة التراويح: عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر ما تقد من ذنبه))؛ متفق عليه.



    الهدف الثالث: أن يكون الصيام والقرآن شفيعًا لك يوم القيامة:

    ويكون ذلك بإتمام الصوم وإكماله والبعد عن الرفث وفحش القول؛ روى أحمد عن عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)).



    الهدف الرابع: العتق من النار: فلا تحرم نفسك من تلك العطية التي يمن الله تعالى بها على عباده في كل ليلة من ليالي رمضان؛ عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفِّدتِ الشياطينُ ومَرَدة الجن، وغُلِّقتْ أبوابُ النَّارِ، فلم يفتح منها بابٌ، وفُتِّحتْ أبواب الجنة فلم يغلق منها بابٌ، ومناد ينادي: يا باغيَ الخيرِ أقبل، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاء من النَّار، وذلك كل ليلة))؛ رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وغيرهم، وهو حديث صحيح.

    ومعنى العتق من النار: أنه لا يمكن أن يدخل العبد النار أبدًا، مهما كان حاله، ولا شك أن هذه بشارة له أنه سيموت على التوحيد، ويموت على الإيمان، ويموت على خصال الخير والبر، ويختم له بخاتمة السعداء جعلنا الله وإياكم منهم.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.

    أما بعد:

    الجوهرة الرابعة: رمضان شهر الجد والاجتهاد لا شهر الكسل.

    أمة الإسلام، هناك فهم غير صواب، وهو أن رمضان شهر تعطل فيه الأعمال وتوقف فيه عجلة الحياة؛ لذا نرى كثيرًا من الصائمين يفرضون في أعمالهم ووظائفهم، فهذا لا يذهب إلى عمله، وهذا يتأخر في النوم حتى تمضي الساعات الأولى من العمل، وآخر يتهرب قبل وقت الانصراف، فإذا حدثتهم قالوا: نحن في رمضان!

    لم يكن شهر رمضان شهر عطالة وبطالة في حياة سلف الأمة، بل كان شهر الجد والاجتهاد والنهوض بالدعوة والعمل، وليس أدل على ذلك من أن أعظم الفتوحات كانت في شهر رمضان، فقد كان السلف رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار.

    فرمضان شهر العمل، نعم، وقد يظن بعض الناس أن تَعَبَ النهار بالصيام يتطلَّب راحة وتخفيفًا من العبادة في الليل، ولكن الأمر عكسُ ذلك تمامًا، فإن النصوص التي حثَّتْ على العبادات في رمضان ليلاً كثيرة: (التراويح - قيام الليل - السحور)، ذلك أن رمضان شهر العمل لا الكسل، وشهر العبادة لا الغفلة، وشهر التعبئة الروحية للعام كله.

    وكم نحن بحاجة إلى هذا المعنى من معاني رمضان!

    فلم يكن عائقًا عن أداء مهمة، ولا داعيًا للتقاعس عن إتقان عمل، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).

    حديث جليل لا يتخلف مراده بتغير الأزمان، وقاعدة عظيمة لا تختل بظرف طارئ، كيف والصوم عبادة تؤدى لله، هدفها الأول تربية التقوى في النفس المؤمنة؟ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

    والتقوى وازع إيماني عميق الجذور، إذا تغلغل في النفس كان حاجزًا مانعًا لها عن كل ما يسخط الله، ودافعًا قويًّا لها إلى كل ما يحب الله، والإتقان مما يحب الله، وهو من صفات الكمال التي اتصف بها عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88].



    الجوهرة الخامسة: علو همة السلف في رمضان.

    كان سلفنا الصالح ينتظرون رمضان بشوق وحنين وقلوب صادقة؛ ليكون شهر مضمار وسباق إلى الله جل وعلا في قربات شتى.

    قال معلى بن الفضل عن السلف رحمهم الله: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وقال يحي بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلاً.

    وباع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم: فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟! والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كلها رمضان لا حاجة لي فيكم، ردوني إليهم، ثم رجعت إلى سيدها الأول.



    كيف كان حال السلف رحمهم الله تعالى في رمضان؟!

    هل كانوا يسهرون أمام القنوات لمتابعة المسبقات والفوازير والمسلسلات الرمضانية؟ لا لقد عرفوا فضل ليالي رمضان فاستغلوها حق الاستغلال.



    عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر ما تقد من ذنبه))، متفق عليه.



    إن السلف الصالح رحمهم الله كان عامهم كله قيام، ليس رمضان فحسب، بل السنة كلها؛ روى الأمام أحمد رحمه في مسنده أنه لما نزلت هذه الآية ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 2]، قام الصحابة عامًا كاملاً حتى تفطرت أقدامهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

    إذا ما الليل أقبل كابدوه
    فيسفر عنهم وهم ركوع
    أطار الخوف نومهم فقاموا
    وأهل الأمن في الدنيا هجوع
    لهم تحت الظلام وهم ركوع
    أنين منه تنفرج الضلوع


    يصفهم الله تعالى بقوله: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17، 18].



    ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16، 17]

    هذا هو دأبهم السنة كلها، فأين نحن من هؤلاء الأفذاذ؟ كانوا رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار!

    يقول علي رضي الله عنه: "والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما أرى اليوم شيئًا يشبههم، كانوا يصبحون شعثًا غبرًا صفرًا، قد باتوا لله سجدًا وقيامًا، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، وكأن القوم باتوا غافلين".



    كان سعيد بن المسيب رحمه الله إذا دخل الليل خاطب نفسه قائلاً: قومي، يا مأوى كل شر، والله لأدعنك تزحفين زحف البعير، فكان إذا أصبح وقدماه منتفختان يقول لنفسه: بذا أُمرت ولذا خُلقت.



    وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبل، كبلتك خطيئتك.



    قال أبو يزيد المعنى: كان سفيان الثوري رحمه الله إذا أصبح مدَّ رجليه إلى الحائط ورأسه إلى الأرض؛ كي يرجع الدم إلى مكانه من قيام الليل.



    كان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه، فيضربها ويقول: يا أمارة بالسوء، ما خُلِقتِ إلا للعبادة!



    قال معمر: صلى إلى جنبي سليمان التميمي رحمه الله بعد العشاء الآخرة، فسمعته يقرأ في صلاته: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1] حتى أتى على هذه الآية ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الملك: 27]، فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا، ثم خرجت إلى بيتي، فلما رجعت إلى المسجد لأؤذن الفجر، فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة! وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الملك: 27].

    كان العبد الصالح عبدالعزيز بن أبي روَّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه، ثم يقول: ما ألينك! ولكن فراش الجنة ألين منك! ثم يقوم إلى صلاته.

    يا رجال الليل جدوا رب داع لا يـرد

    ما يقوم الليل إلا من له عزم وجد

    ليس شيء كصلاة الليل للقبر يعد



    وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الزاهد العابد إمام أهل السنة - إذا دخل شهر رمضان دخل المسجد، ومكث فيه يستغفر ويسبح، وكلما انتُقِض وضوءه، عاد فجدد وضوءه، فلا يعود لبيته إلا لأمر ضروري من أكل أو شرب أو نوم، هكذا حتى ينسلخ شهر رمضان، ثم يقول للناس: هذا هو الشهر المكفر، فلا نريد أن نلحق به الأشهر الأخرى في المعاصي والخطايا والذنوب.

    صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب - رحمه الله - الفجر خمسين سنة بوضوء العشاء، وكان يسرد الصوم.

    قال ثابت البناني رحمه الله: لا يسمى عابد أبدًا عابدًا، وإن كان فيه كل خصلة خير، حتى تكون فيه هاتان الخصلتان: الصوم والصلاة؛ لأنهما من لحمه ودمه!

    كان الامام أبو حنيفة رحمه الله يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، وفي رمضان كل يوم مرتين؛ مرة في الليل، ومرة في النهار.

    وكان قتادة بن دعامة يختم القرآن في كل سبع مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة.

    وكان الشافعي رحمه الله يختم في رمضان ستين ختمه، ما منها شيء إلا في الصلاة.

    أخي رعاك الله، هذه نماذج يسيرة من حال السلف الصالح في رمضان، فما هو حالنا في رمضان؟ فبادر يا أخي فأنت في زمن مهلة.



    هؤلاء هو القدوة الحسنة التي تأخذ بنا إلى باب ربنا سبحانه وتعالى، لا ما نراه اليوم من تهافت الشباب والفتيات على تقليد الفاسقين والفاسقات.

    فيا شباب الأمة، عليكم بسلوك طريقهم والسير على دربهم، تصلوا إلى رحمة ربكم.

    فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم، إن التشبه بالكرام فلاح.

    (لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم على السفاسف، فلا تراهم إلا صوَّامين قوَّامين، باكين ولِهين).

    الدعاء

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 6:03 pm