الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) جمال المظهر والجوهر في بيوت الله الجمعة الموافقة 30من جماد أخر 1445هـ الموافقة 12/1/2024م

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2799
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) جمال المظهر والجوهر في بيوت الله الجمعة الموافقة 30من جماد أخر 1445هـ الموافقة 12/1/2024م Empty (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) جمال المظهر والجوهر في بيوت الله الجمعة الموافقة 30من جماد أخر 1445هـ الموافقة 12/1/2024م

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأربعاء يناير 10, 2024 6:28 pm

    ((خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ))
    جمال المظهر والجوهر في بيوت الله
    الجمعة الموافقة 30من جماد أخر 1445هـ الموافقة 12/1/2024م
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. الشريعة الإسلامية تحض على الجمال والزينة ظاهريًا ومعنويًا.
    2. نماذج من الأمر بجمال الظاهر، عند ارتياد المساجد، والصلاة عمومًا.
    3. الخطبة الثانية: (نماذج من الأمر بجمال الباطن، عند ارتياد المساجد، والصلاة عومًا).
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله ربِّ العالمين، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك، وعزّ جاهك، ولا يخلف وعدك، ولا يهزم جندك، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه...الخ، إلى يوم الدين، وبعد:
    ===========================================
    (1) ((الشريعة الإسلامية تحض على الجمال والزينة ظاهريًا ومعنويًا))
    ===========================================
    أيها الأحبة الكرام: فيقول الحق تبارك وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، نزلت هذه الآية القرآنية المباركة تعالج عادة من عادات الجاهلية التي كانت متفشية في العرب خلال موسم الحج عند الطواف بالكعبة.
    فقد كان أهل الجاهلية غيرُ قريشٍ وأحلافِها (الحُمس)، يقولون: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها، فيطوفون بالبيت الحرام عراة، الرجال نهارًا، والنساء ليلًا، إن لم يجدوا أحدًا من (الحُمس) يعطيهم ثيابًا يطوفون بها، فإن طاف أحدهم بثيابه، كان واجبًا عليه أن ينزعها، ويخلعها ويرميها على الأرض بجوار البيت الحرام، فلا يمسها أحدٌ، ولا يحركها حتى تبلى من وطء الأقدام، ومن الشمس، والرياح، والمطر، فتسمى اللَّقَا، وكانت قريشٌ وأحلافُها (الحُمس) لا يأكلون وهم حُرمٌ الأقط (اللبن المجفف، ما يشبه الجبن القريش اليوم)، ولا يسيلوا الودك (السمن) ولا يأكلوه، ولا يدخلوا بيتا مصنوعًا من الشعر، ولا يستظلوا، وإن استظلوا يستظلوا في بيوتٍ من الأدم (الجلد)، ثم تشددوا، فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا كانوا حجاجًا أو عمارًا، ولا يأكلون في الحرم إلا من طعام أهل الحرم إما قراء (على سبيل الضيافة)، وإما شراء حتى جاء الإسلام فأمرهم الله تعالى بستر العورة في الطواف، وأباح لهم ما حرموه على أنفسهم، وعلى غيرهم من الطيبات) (أخبار مكة بتصرف).
    ======
    ويشهد لذلك ما رواه سيدنا ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: (كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهِيَ عُرْيَانَةٌ، وَعَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةٌ). أو تقول: (مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا؟ (خرقة او ساتر) تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا) (أي: من قريش وأحلافها إن لم تكن منهم). ثم تنشد قائلةً: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ .... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ*قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:32،31])(حاصل روايتي الإمام مسلم، ومستدرك الحاكم)، وأرسل نبينا (صلى الله عليه وسلم) في العام التاسع الهجري سيدنا علي بن أبي طالب إلى موسم الحج، وأمره أن يؤذن في الناس قائلًا: (لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ)(متفق عليه).
    ======
    وبالرغم من صحة ذلك فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والآية المباركة، تأمرنا بأخذ الزينة، والتجمل، والاهتمام بالمظهر، والشكل، ونظافة الثياب، والأبدان، والمكان، عند الذهاب للمساجد، وعند القيام للصلاة عمومًا.
    ======
    ولا يظنن أحدٌ أن الزينة والجمال يقتصر على الظاهر وحسب، فأهم من زينة وجمال الظاهر؛ زينة وجمال الباطن، ومما يدل على ذلك، أن الشريعة الإسلامية جمعت بين الطهارة المعنوية (طهارة وجمال الباطن) والحسية (طهارة وجمال الظاهر) في آية واحدة، وبينت أن ذلك مما يستجلب محبة الله (عزّ وجلّ)، فقال سبحانه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة:222]، كذلك جاءت السنة النبوية، وجمعت بينهما في حديث واحد، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ طِيبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ...)(رواه الترمذي).
    ===
    ومما يدل على ذلك أيضًا أن الشريعة الإسلامية ربطت بعضَ الطاعات والعبادات التي تطهر الإنسان طهارةً معنويةً وباطنية بأمور النظافة والطهارة الحسية، وجُعلت تلك الطهارة والنظافة من شروط صحتها وقبولها عند الحق تبارك وتعالى.
    ==
    فالصلاة مثلا يقول الحق تبارك وتعالى في شأنها وطهارتها للإنسان طهارة معنوية باطنية: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}[العنكبوت:45]، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في شأنها: (تَحْتَرِقُونَ، تَحْتَرِقُونَ (أي: ترتكبون ما يسبب إحراقكم في نار جهنم من الذنوب والمعاصي)، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَنَامُونَ فَلَا يُكْتَبُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَسْتَيْقِظُونَ)(المعجم الأوسط والصغير).
    ==
    هذه الصلاة ذات الطهارة الباطنية المعنوية أُمرنا بالوضوء عندها، والوضوء فيه نظافةٌ للوجه والذراعين والعينين والفم والأنف والأذنين والشعر، والرجلين، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة:6]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)(متفق عليه).
    ==
    كذلك قراءة القرآن الكريم فيها طهارة باطنية معنوية وقد أُمرنا أيضًا بالوضوء لمس المصحف وحمله، ولقراءة القرآن الكريم، فقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:77ـ79]، وكتب (صلى الله عليه وسلم) لعمرو بن حزم وأهل اليمن: (أَنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرَآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ)(موطأ مالك)، فهذا يدل على أن الشريعة الإسلامية اهتمت بجمال ونظافة وطهارة الباطن، كما اهتمت بجمال، وطهارة، ونظافة الظاهر، فقد ربطت بين الأمرين، وكلا الأمرين مطلوبٌ معًا، فمن كان جميل ونظيف الظاهر فليشكر الله على ذلك بجمال ونظافة الباطن، ومن لم يكن جميل الظاهر، فلا يجمع بين قبح الظاهر، والباطن.
    ===========================================
    (2) ((نماذج من الأمر بجمال الظاهر، عند ارتياد المساجد، والصلاة عمومًا))
    ===========================================
    أيها الأحبة الكرام: إن (الجمال) في لغتنا العربية يعني: الحسن الكثير، والجميل في أصل اللغة العربية موضوعٌ للصورة الحسية المدركة بالعين، أيا كان موضوع هذه الصورة: إنسان أو حيوان أو نبات او جماد.
    ==
    ثم نقل اسم (الجميل) لتوصف به المعاني التي تدرك بالبصائر لا الأبصار، فيقال: سيرة حسنة جميلة، وخلق جميل. وقد ورد كلا الأمرين في القرآن الكريم: فكلمة (جمال) جاءت وصفًا للأنعام في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}[النحل:6]،كما وردت كلمة (الجميل) في القرآن الكريم أيضًا وصفًا للصبر، والصفح، وتسريح الزوجة، والهجر، وقد أمرنا بجمال الظاهر، الجمال الحسي، كما أمرنا بجمال الباطن، الجمال المعنوي عند ارتيادنا لبيوت الله، وعند الصلاة عمومًا، وتلك هي بعض الأمثلة لذلك:
    ======
    1ـ الأمر بنظافة المساجد، وتطهريها من القاذورات والخبائث، فقد قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}[النور:31]، فالبيوت هي المساجد، ومن معاني رفعها في الآية: أن تطهر من النجاسات، والقاذورات، والمعاصي، وقال (صلى الله عليه وسلم): (البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا)(متفق عليه)، وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم). إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم): مه، مه (كلمة زجر وردع)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لَا تُزْرِمُوهُ (أي: لا تقطعوا عليه بوله) دَعُوهُ). فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعاه فقال له: (إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)(رواه مسلم)، وفي رواية: أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: (دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ)(رواه البخاري).
    ======
    2ـ الأمر بالوضوء عند الصلوات الخمس، وقد تقدم بيانه، وأدلته عند الكلام عن حض الشريعة على التحلي بالطهارتين.
    ======
    3ـ الأمر بالغسل ندبًا مع السواك والطيب لحضور صلاة الجمعة: والغسل: هو صبّ الماء على جميع الجسد، ولو مرة واحدة أسبوعيًا لنظافة الجسد، وللجمعة والعيدين والاجتماعات، قال (صلى الله عليه وسلم): (حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ)(متفق عليه)، وعن عائشة (رضي الله عنها): كان الناس ينتابون (يحضرون) يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، (فتخرج منهم الريح)، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَسِوَاكٌ، وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ)(اللفظ لمسلم), أي: متأكدٌ في حقه.
    ==
    كما أمرت الشريعة بالغسل وجوبًا، عقب الجماع، وعقب إنزال المني، وبعد انقطاع دم الحيض والنفاس، لإباحة الصلاة وقراءة القرآن، كما في آية المائدة المتقدمة، وفي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}[النساء:43]، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) للمرأة التي سألته عن كيفية الغسل من الحيض: (خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بِهَا). قالت: كيف أتطهر؟. قال: (تَطَهَّرِي بِهَا). قالت: كيف؟، قال: (سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي). فاجتبذتها السيدة عائشة (رضي الله عنها)، فقالت لها: تتبعي بها أثر الدم. (متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)(رواه مسلم).
    ======
    4ـ الأمر باتخاذ الثياب الجميلة، النظيفة الطاهرة للجمع، ويقاس عليها بقية الصلوات والمحافل، فعن السيدة عائشة (رضي الله عنها)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خطب الناس يوم الجمعة، فرأى عليهم ثياب النمار (بردة مخططة يلبسها الأعراب كأنها لون النمر لما فيها من السواد والبياض)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ)(رواه ابن ماجه)، وعن عبد الله مولى أسماء ذات النطاقين (رضي الله عنها)، قال: أخرجت إلي أسماء جبة من طيالسة (من الكساء الغليظ) عليها لبنة (البطانة) شبر من ديباج (الحرير الرقيق)، وإن فرجيها مكفوفان به، فقالت: (هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، كَانَ يَلْبَسُهَا لِلْوُفُودِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ)(الأدب المفرد)، وفي دلالة على جواز ترقع الثوب بالحرير ما لم يزد على أربعة أصابع.
    ==
    وسئلت السيدة أم حبيبة (رضي الله عنها)، زوج النبي (صلى الله عليه وسلم)، هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي في الثوب الذي كان يجامع فيه؟. فقالت: (نَعَمْ. إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى)(رواه النسائي)، وعن جابر بن سمرة (رضي الله عنه)، قال: سمعت رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وسلم): أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟. فقال: (نَعَمْ، إِلَّا أَنْ تَرَى فِيهِ شَيْئًا فَتَغْسِلَهُ)(مسند أحمد)، وفيهما دلالة على أن من صلى بالثوب المتنجس، ولم يكن يعلم؛ فصلاته صحيحة.
    ======
    5ـ الأمر بنظافة الشعر وإكرامه، وذلك بدهنه بشيء من الزيت، وتدليكه، وتسريحه، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ)(رواه أبو داود)، وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها): (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ المَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ)(رواه البخاري).
    ======
    6ـ الأمر بنظافة الفم والأسنان، عند الوضوء والصلاة، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا لِي أَرَاكُمْ تَأْتُونِي قُلْحًا، اسْتَاكُوا، لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الْوُضُوءَ)(رواه أحمد).
    ======
    7ـ الأمر بنظافة النعال، عند الصلاة، فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: (لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟). قالوا رأيناك خلعت فخلعنا. فقال: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَيْهِ فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا خَبَثٌ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِمَا خَبَثًا فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا)(المستدرك للحاكم)، وفيه دلالة على أن المصلي إذا دخل في الصلاة وهو متلبس بنجاسة غيرُ عالمٍ بها، أو ناسيا لها، ثم علم بها أثناء الصلاة، فإنه يجب عليه إزالتها ثم يستمر في صلاته ويبني على ما صلى، ولا إعادة عليه.
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون............
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((نماذج من الأمر بجمال الباطن، عند ارتياد المساجد، والصلاة عمومًا))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أيها الأحبة الكرام: عشنا مع حض الشريعة الإسلامية على جمال وطهارة الباطن مع جمال وطهارة الظاهر، ورأينا نماذج للأمر بجمال الظاهر عند ارتياد المساجد، والصلاة عمومًا، بقي لنا في تلك الجمعة المباركة، أن نعيش مع نماذج للأمر بجمال وطهارة الباطن عند ارتياد المساجد، والصلاة عمومًا، فأقول، وبالله التوفيق:
    ======
    كما أمرتنا الشريعة الإسلامية بجمال وطهارة الظاهر عند ارتياد المساجد، والصلاة عمومًا، أمرتنا بطهارة وجمال الباطن أيضًا، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
    ======
    1ـ النهي عن الكبر، والاستطالة على الخلق، والتلبس بالمعاصي عن الصلاة عمومًا، والأمر بالتواضع، والتقوى، والرحمة، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا أَتَقَبَّلُ الصَّلَاةَ مِمَّنْ تَوَاضَعَ بِهَا لِعَظَمَتِي وَلَمْ يَسْتَطِلْ عَلَى خَلْقِي وَلَمْ يَبِتْ مُصِرًّا عَلَى مَعْصِيَتِي، وَقَطَعَ نَهَارَهُ فِي ذِكْرِي، وَرَحِمَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْأَرْمَلَةَ وَرَحِمَ الْمُصَابَ، ذَلِكَ نُورُهُ كَنُورِ الشَّمْسِ أَكَلَؤُهُ بِعِزَّتِي، وَأَسْتَحْفِظُهُ مَلَائِكَتِي أَجْعَلُ لَهُ فِي الظُّلْمَةِ نُورًا وَفِي الْجَهَالَةِ حِلْمًا وَمَثَلُهُ فِي خَلْقِي كَمَثَلِ الْفِرْدَوْسِ فِي الْجَنَّةِ)(مسند البزار).
    ======
    2ـ النهي عن الغيرة في المساجد، ودرس لأزواج النبي (صلى الله عليه وسلم)، ونساء الأمة من بعدهن، فعن السيدة عائشة (رضي الله عنها)، قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه (موضع اعتكافه) وإنه أمر بخبائه فضرب (الخباء: ما يصنع من وبر، أو صوف، وقد يكون من شعر، والجمع: أخبية، مثل بناء وأبنية، ويكون على عمودين أو ثلاثة، وضربه بناؤه وإقامته بضرب أوتاده في الأرض)، أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب (بنت جحش (رضي الله عنها)) بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الفجر، نظر، فإذا الأخبية (أي: متعددة وكثيرة). فقال: (آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟). تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): فأمر بخبائه فقوض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال. (رواه مسلم). (آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟) كذا بالمد على الاستفهام الإنكاري، وقوله: (البر) أي: الطاعة، وفسر الإمام الراغب البر: بالتوسع في فعل الخير. قال القاضي عياض: قال (صلى الله عليه وسلم) هذا الكلام إنكارًا لفعلهن، وقد كان (صلى الله عليه وسلم) أذن لبعضهن في ذلك (أي الاعتكاف).
    ==
    قال: وسبب إنكاره (صلى الله عليه وسلم): 1ـ أنه خاف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف، بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه. 2ـ أو لغيرته (صلى الله عليه وسلم) عليهن فكره ملازمتهن له في المسجد مع أنه يجمع الناس ويحضره الأعراب والمنافقون وهن محتاجات إلى الخروج والدخول لما يعرض لهن فيبتذلن بذلك. 3ـ أو لأنه (صلى الله عليه وسلم) رآهن عنده في المسجد، وهو في المسجد فصار كأنه في منزله بحضوره مع أزواجه، وذهب المهم من مقصود الاعتكاف، وهو التخلي عن الأزواج، ومتعلقات الدنيا وشبه ذلك. 4ـ أو لأنهن ضيقن المسجد بأبنيتهن).
    قلت(ابن الشايب): ولا مانع من إرادة كل ذلك، وصحته.
    ======
    3ـ الأمر العام بالطهارة، والنظافة، والجمال الباطني مع طهارة ونظافة وجمال الظاهر في بيوت الله، فقد قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور:37،36]، فالبيوت هي المساجد، في أحد أقوال ثلاثة في تفسيرها، ومن معاني رفعها في الآية، وهو أحد قولين في تفسيرها: أن تطهر من النجاسات، والقاذورات، والمعاصي، ولاشك أن الأمراض الباطنية، أمراض القلوب، والصدور من تلك النجاسات، والقاذورات، والمعاصي، ومما يؤكد ذلك أن عمار هذه البيوت، هذه المساجد موصفون في الآية التي بعدها بذكر الله (عزّ وجلّ) وعدم الغفلة عنه، والغفلة مرض باطني، وقاذورة معنوية.
    ===========================================
    فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
    اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد سبتمبر 22, 2024 10:33 am