الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة 30 سبتمبر 2022م ، حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) من الميلاد إلى البعثة :

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2671
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة 30 سبتمبر 2022م ،  حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) من الميلاد إلى البعثة :    Empty خطبة الجمعة القادمة 30 سبتمبر 2022م ، حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) من الميلاد إلى البعثة :

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأربعاء سبتمبر 28, 2022 4:03 am

    خطبة الجمعة القادمة 30 سبتمبر 2022م ،
    حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) من الميلاد إلى البعثة :


    أولًا: ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وبركةٍ

    ثانيًا: صورٌ مشرقةٌ مِن حياتهِ ﷺ قبلَ البعثةِ

    ثالثًا: الاقتداءُ بالنبيِّ ﷺ في حياتِنَا العمليةِ



    ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 30 سبتمبر 2022م ، للدكتور خالد بدير: حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) من الميلاد إلى البعثة : كما يلي:
    خطبة بعنوان: حياةُ النبيِّ ﷺ مِن الميلادِ إلى البعثةِ بتاريخ: 4 ربيع الأول 1444هـ – 30 سبتمبر 2022م




    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إِلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
    أولًا: ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وبركةٍ
    لقد كان ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وخيرٍ وبركةٍ، وهذا النورُ لم يكنْ معنويًّا فقط، بل كان نورًا حسيًّا رآهُ كلُّ الناسِ على السواءِ، ففي ليلةِ مولدهِ ﷺ رأتْ أُمُّه نورًا خرجَ منها أضاءَ لها قصورَ الشامِ، وقد سُئِلَ ﷺ عن نفسهِ فقالَ:” أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ”.(سيرة ابن هشام).

    يقولُ ابنُ رجبٍ:

    ” وخروجُ هذا النورِ عندَ وضعهِ إشارةٌ إلى ما يجيءُ بهِ مِن النورٍ الذي اهتدَى بهِ أهلُ الأرضِ وأزالَ بهِ ظلمةَ الشركِ، قالَ تعالَى:

    {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}(المائدة: 15)، وقالَ تعالًى:


    {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف:157) “. (لطائف المعارف).

    ولقد شاهدتْ اليهودُ هذا النورَ الذي عمَّ الكونَ كلَّهُ، فعَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ

    : إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كلّما رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ.

    قَالُوا: ويلك مالك؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ.” ( دلائل النبوة للبيهقي ).
    وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: قَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ:

    ” قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ، أَوْ هُوَ خَارِجٌ، قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ، فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ ” .( السيرة النبوية لابن كثير ).


    لقد كانتْ مكةَ في شهرِ ربيعٍ الأولِ مِن عامِ الفيلِ على موعدٍ مع أمرٍ عظيمٍ، إنَّه ميلادُ النبيِّ محمدٍ ﷺ خليلِ الرحمنِ، وصفوةِ الأنامِ، هو أعظمُ الناسِ أخلاقًا، وأصدقُهُم حديثًا، وأحسنُهُم وأكثرُهّم عفوًا، خيرُ مَن وطئَ الثرَى، سيِّدُ ولدِ آدمَ، ﷺ، يقولُ أميرُ الشعراءِ أحمدُ شوقِي :

    وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضياءُ …….. وفمُ الزمانِ تَبَسُّمٌ وثناءُ


    الروحُ، والملأُ، الملائِكُ حولَهُ …….. للدينِ والدنيا بهِ بُشَراءُ



    بكَ بشَّرَ اللهُ السماءَ فزينتْ ……. وتضوعتْ مسكًا بك الغبراءُ



    لقد امتنَّ اللهُ تعالَى على عبادهِ ببعثةِ الرّسولِ ﷺ وميلادِ أمتهِ فقالَ سبحانَهُ:

    {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران: 164). وهكذا كانَ ميلادُهُ ﷺ ميلادَ رحمةٍ وبركةٍ وخيرٍ ونورٍ للأمةِ كلِّهَا.

    العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
    ثانيًا: صورٌ مشرقةٌ مِن حياتهِ ﷺ قبلَ البعثةِ
    تعالوا بنَا في هذه العُجالةِ السريعةِ نعرضُ صورًا مشرقةً مِن حياةِ النبيِّ ﷺ قبلَ البعثةِ. منها:

    اصطفاءُ الآباءِ والأمهاتِ:

    فقد طيّبَ اللهُ تعالى نسبَ نبيِّهِ ﷺ في وقتٍ قد انتشرتْ فيهِ الرذيلةُ، وحفظَ اللهُ تعالَى نسمتَهُ الطاهرةَ فجاءتْ مِن نكاحٍ ولم تأتِ مِن سفاحٍ، وفي ذلك يقولُ ﷺ:” خَرجْتُ مِن نِكاحٍ ، ولَمْ أخْرجْ من سِفاحٍ، من لَدُنْ آدَمَ إلى أن ولَدَنِي أبِي وأمِّي، لم يُصبْنِي من سِفاحِ الجاهِليةِ شيءٌ”( الطبراني). فقد اصطفَاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِن خيرةِ البيوتاتِ والقبائلِ والآباءِ والأمهاتِ، فعن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :” إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ”. (مسلم).

    فكان النبيُّ ﷺ خيارًا مِن خيارٍ مِن خيارٍ، وأعلاهُم وأشرفَهُم نسبًا.




    نسبٌ أضاءَ عمودهُ في رفعهِ…..كالصبحِ فيهِ ترفُّعٌ وضياءُ



    وشمائلٌ شهدَ العدوُّ بفضلِهًا….والفضلُ ما شهدتْ بهِ الأعداءُ


    فالنبيُّ ﷺ كان يتقلبُ في أصلابِ الأطهارِ الأشرافِ، قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ تعالى عنهُمَا في قولهِ تعالَى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين }( الشعراء: 219)، مِن صُلبِ نبيٍّ إلى صُلبِ نبيٍّ حتى صرتُ نبيًّا.” ( تفسير ابن كثير )؛ وعن عطاءٍ قال: «ما زالَ نبيُّ اللهِ ﷺ يتقلبُ في أصلابِ الأنبياءِ حتى ولدتْهُ أُمُّه» (تفسير ابن أبي حاتم).

    ومنها: اختيارُ الاسمِ:

    وكما اختارَ اللهُ له نسبَهُ فقد كرَّمَهُ اللهُ باختيارِ اسمهِ ( محمد ) ليكونَ محمودًا في الأرضِ وفي السماءِ، وحسبكَ أنِّ الأسماءَ في ذلك الوقتِ كانت عبدَ الكعبةِ وعبدَ ياغوثٍ، وصخرَ، وحربَ، ومرةَ، وغيرَ ذلك، وتخيلْ لو نزلتْ عليهِ الرسالةُ وهو يحملُ اسمًا مِن تلك الأسماءِ.

    ومنها: اختيارُ مرضعتهِ:

    حيثُ كانت عادةُ قريشٍ وأشرافِ العربِ القُدامَى، أنْ يدفعُوا بأبنائِهِم إلى المراضعِ الأعرابياتِ في الباديةِ، حتى ينشأَ الأطفالُ شجعانًا فصحاءَ اللسانِ أصحاءَ الأجسامِ.

    إنَّ البركةَ قد حلَّتْ على كلِّ شبرٍ مِن الأرضِ وطأتهَا قدمُ المولودِ الجديدِ محمدٍ ﷺ.

    تُصورُ ذلك مرضعتُهُ حليمةُ السعديةُ في قولِهَا:

    ” لَمَّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي أَقَبْلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ نَامَا، وَمَا كُنَّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ. قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا: تَعَلَّمِي وَاَللَّهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْتُ نَسَمَةً مُبَارَكَةً”. (سيرة ابن هشام).

    ومنها: حادثةُ شقِّ الصدرِ:
    فقد تضافرتْ الرواياتُ الصحيحةُ بذكرِ حادثةِ شقِّ صدرِ النبيِّ ﷺ .

    فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ؛ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ :

    وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ”. (مسلم). والعبرةُ والعظةُ مِن شقِّ الصدرِ، هي تطهيرُ قلبِ النبيِّ ﷺ مِن حظِّ الشيطانِ كما جاءً في الحديثِ، وقد ذكرتْ رواياتٌ أُخرى أنَّ شقَّ الصدرِ لم يكنْ مرةً واحدةً وإنّما كان مراتٍ ثلاثةً، يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ:

    ” وَثَبَتَ شَقُّ الصَّدْرِ أَيْضًا عِنْدَ الْبَعْثَةِ وَلكُل مِنْهَا حِكْمَةٌ. فَالْأَوَّلُ أَخْرَجَ عَلَقَةً فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، وَكَانَ هَذَا فِي زَمَنِ الطُّفُولِيَّةِ، فَنَشَأَ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْعِصْمَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ ثَانِيًا عِنْدَ الْبَعْثِ زِيَادَةً فِي إِكْرَامِهِ لِيَتَلَقَّى مَا يُوحَى إِلَيْهِ بِقَلْبٍ قَوِيٍّ فِي أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ مِنَ التَّطْهِيرِ، ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ ثَالِثًا عِنْدَ إِرَادَةِ الْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاءِ لِيَتَأَهَّبَ لِلْمُنَاجَاةِ “. ( فتح الباري).

    ومنها: حفظهُ وعصمتهُ ﷺ مِن أفعالِ الجاهليةِ:
    فقد حفظَ اللهُ تعالَى نبيَّهُ ﷺ مِن أفعالِ الجاهليةِ القبيحةِ فلم يصبْهُ منها شيءٌ، وفي ذلك يقولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

    ” مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا يَهُمُّ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ … حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِنُبُوَّتِهِ ” .( ابن حبان والحاكم وصححه ).

    فكان ﷺ لا يأكلُ ما ذُبِحَ على النُّصبِ، وحرّمَ شربَ الخمرِ على نفسهِ مع شيوعهِ في قومهِ شيوعًا عظيمًا، وذلك كلُّهُ مِن الصفاتِ التي يُحلّى اللهُ بها أنبياءَهُ ليكونُوا على تمامِ الاستعدادِ لتلقِّى وحيه، فهم معصومُون مِن الأدناسِ قبلَ النبوةِ وبعدَهَا، أمَّا قبلَ النبوةِ فليتأهلُوا للأمرِ العظيمِ الذي سيُسندُ إليهم، وأمَّا بعدَهَا فليكونُوا قدوةً لأممِهِم، عليهم مِن اللهِ أفضلُ الصلواتِ وأتمُّ التسليمات.

    ومنها: اشتغالُهُ بالتجارةِ:

    فنحن نعلمُ جميعًا أنَّ النبيَّ ﷺ كان في كفالةِ عمِّهِ أبي طالبٍ بعدَ وفاةِ أُمّهِ، وكان عمُّهُ لا يقصرُ في خدمتهِ ورعايتهِ، ومع ذلك كان ﷺ لا يحبُّ أنْ يكونَ عالةً على الآخرين مع صغرِ سنِّهِ، ففي ذات مرةٍ خرجَ عمُّهُ للسفرِ في تجارةٍ إلى بلادِ الشامِ، فتعلقَ النبيُّ ﷺ بعمِّهِ، فأخذَهُ إرضاءً لهُ.

    وكما جاء في كتبِ السيرِ أيضًا، أنَّه ﷺ كان يتاجرُ في مالِ السيدةِ خديجةَ مع غلامِهَا ميسرةَ، فأُعجبتْ بأمانتهِ وأخلاقهِ حتى كان ذلك سببَ زواجِهَا منهُ.

    ومنها: شهودُهُ حلف الفضولِ:
    ” حَيْثُ تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ ، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إلَّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ.

    وَعَن هَذَا الحِلْفِ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

    لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ”.( سيرة ابن هشام).

    وهكذا كانت حياتُهُ ﷺ مِن الميلادِ إلى البعثةِ مملوءةً بالدروسِ والعبرِ، حيثُ كان الاصطفاءُ والإعدادُ والعصمةُ مِن أفعالِ الجاهليةِ، والمشاركاتُ الاجتماعيةُ، والعملُ والتجارةُ، وكلُّ هذه دروسٌ يجبُ علينَا أنْ نغرسَهَا في أولادِنَا، اقتداءً بصاحبِ الذكرَى ﷺ ، كما سيأتِي في عنصرِنَا التالي إنْ شاءَ اللهُ تعالى .

    العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
    ثالثًا: الاقتداءُ بالنبيِّ ﷺ في حياتِنَا العمليةِ
    لقد اشتهرَ الرسولُ ﷺ بحسنِ الخُلقِ في حياتهِ كلِّهَا قبلَ البعثةِ وبعدَهَا، وقد شهدَ لهُ العدوُّ قبلَ الصديقِ، فكان يلقبُ قبلَ البعثةِ بالصادقِ الأمينِ، ونحن نعلمُ قولَ السيدةِ خديجةَ فيهِ لما نزلَ عليهِ الوحيُ وجاءَ يرجفُ فؤادُهُ:

    ” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. ( متفق عليه ).

    إنَّ لنَا في رسولِ اللهِ ﷺ أسوةٌ حسنةٌ، فإذا كان العالمُ كلُّهُ يحتفِي ويحتفلُ بمولدهِ، فإنَّ احتفالَنَا واحتفاءَنَا بهِ أنْ نتخذَهُ قدوةً وأسوةً في حياتِنَا كلِّهَا.

    ألَا ما أحوجنَا أنْ نرجعَ مِن جديدٍ إلى رسولِ اللهِ ﷺ؛ لنسيرَ على دربهِ، تصديقًا لقولهِ ﷺ:
    ” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” ( أبو داود والترمذي وصححه). يقولُ الإمامُ ابنُ حزمٍ – رحمَهُ اللهُ: “مَن أرادَ خيرَ الآخرةِ وحكمةَ الدنيا وعدلَ السيرةِ، والاحتواءَ على محاسنِ الأخلاقِ كلِّهَا، واستحقاقَ الفضائلِ بأسرِهَا، فليقتدْ بمحمدٍ ﷺ، وليستعملْ أخلاقَهُ وسيرَهُ ما أمكنَهُ “. (الأخلاق والسير).

    نحتاجُ إلى ولادةٍ مِن جديدٍ، وتغييرِ ما بأنفسِنَا مِن عقائدَ فاسدةٍ، وقلوبٍ حاسدةٍ، وأطماعٍ حاقدةٍ، وأمراضٍ اجتماعيةٍ موجعةٍ، وحوادثَ مفجعةٍ، ووجوهٍ عابسةٍ، وأجسامٍ متفرقةٍ. وصدقَ اللهُ حيثُ يقولُ: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} ( الرعد: 11).

    فعليكُم بالاقتداءِ بالرسولِ ﷺ في جميعِ أقوالهِ وأفعالهِ لتفوزُوا بسعادةِ العاجلِ والآجلِ.

    نسألُ اللهَ أنْ يجعلنَا رفقاءَ النبيِّ ﷺ في الجنةِ،

    وأنْ يسقينَا مِن حوضِ نبيِّهِ شربةً هنيئةً لا نظمأُ بعدَهَا أبدًا.



    الدعاء……..

    وأقم الصلاة،،،،


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 12:02 am