الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    (يومُ أحد دروسٌ وعبرٌ)) الجمعة الموافقة 16من شوال 1442هـ الموافقة 280/5/2021م

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2670
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    (يومُ أحد دروسٌ وعبرٌ)) الجمعة الموافقة 16من شوال 1442هـ الموافقة 280/5/2021م Empty (يومُ أحد دروسٌ وعبرٌ)) الجمعة الموافقة 16من شوال 1442هـ الموافقة 280/5/2021م

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأربعاء مايو 26, 2021 1:30 am

    ((يومُ أحد دروسٌ وعبرٌ))
    الجمعة الموافقة 16من شوال 1442هـ الموافقة 280/5/2021م
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. بيان سبب غزوة أحد، وتاريخها.
    2. أحداث غزوة أحد باختصار غير مخل، وبلا تطويل ممل.
    3. الخطبة الثانية: (سبعةُ دروسٍ وعبرٍ من غزوة أحد).
    ===========================================
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الْأَنْفَال:36]، وأشهد أن لا إله إلا الله ناصر المؤمنين، ومعزّ المستضعفين، ومذل المتكبرين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    ====================
    (1) ((بيان سبب غزوة أحد، وتاريخها))
    ====================
    أيها الأحبة الكرام: عشنا سابقًا مع مقدمة بسيطة لغزوات النبي (صلى الله عليه وسلم) وبعوثه وسراياه وعددها، وعلمنا الفرق بين الغزوة والسرية، ونحن نتحدث عن يوم بدر خلال خطب شهر رمضان السابق، وعلمنا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خرج في سبعٍ أو تسعٍ وعشرين غزوة، وقاتل بنفسه في تسع غزوات منها غزوة أحد التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم، فأقول وبالله التوفيق:
    وقعت غزوة أحد يومَ السبت السابع، وقيل: الحادي عشر، وقيل: المنتصف من شهر شوال في العام الثالث الهجري الموافق عام 625م بعد عام واحد تقريبًا من غزوة بدر الكبرى أعظم المعارك الحربية لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والتي قَتلَ فيها سبعين من أكابر وصناديد قريش، وأسرَّ سبعين أخرين.
    وسببُ تلك الغزوة: وصول الأخبار للنبي (صلى الله عليه وسلم) وهو في مسجد قباء من عمّه العباس (رضي الله عنه) بعزم قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب، وعبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، ورجال من قريش، ممَنْ أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر على غزو النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته في المدينة رغبة في الانتقام لهزيمتهم يوم بدر، وإدراكًا لثأر مَنْ أصيب منهم.
    ============================
    (2) ((غزوة أحد باختصار غير مخل، وبلا تطويل ممل))
    ============================
    خروج قريش وعدة جيشها، خرجت قريش بأحابيشها (من انضم إليها من قبائل العرب، وهم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمة تحالفوا عند (حبيش) جبل بمكة فسموا أحابيش لاجتماعهم، من التحبش وهو التجمع)، ومن أطاعها وحالفها من قبائل كنانة، وأهل تهامة في (3000) ثلاث آلاف مقاتل، معهم (3000) ثلاثة آلاف بعير، و (200) مائتا فرس، و (700) سبعمائة درع، وكانت القيادة العامة إلى أبي سفيان بن حرب، وقيادة الفرسان إلى خالد بن الوليد، يعاونه عكرمة بن أبي جهل، أما اللواء فكان إلى بني عبد الدار، ورأى قادة قريش أن يستصحبوا معهم النساء، حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال وإثارة حفيظتهم، وحتى لا يفروا خوفًا على حرماتهم وأعراضهم، فاستصحبوا معهم خمس عشرة امرأة، ونزلوا قرب جبل أحد، الذي سُمي بأحد لانقطاعه عن الجبال، فسميت الغزوة بغزوة أحد.
    النبي (صلى الله عليه وسلم) يستشير أصحابه في أمر قريش وكيفية ملاقاتهم، لما علم النبي (صلى الله عليه وسلم) بخروج المشركين لملاقاته وأصحابه، ووصولهم لحدود المدينة المنورة أشار على أصحابه أن لا يخرجوا إلى جيش قريش وأن يتحصنوا بالمدينة فإن قربوا منها قاتلهم الرجال على أفواه السكك والطرق والشوارع، والنساء من فوق البيوت، ووافق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول، ليتمكن من الابتعاد عن القتال دون أن يشعر أحد كما سيتضح.
    وأبى أكثر الصحابة ـ كحمزة بن عبد المطلب ـ إلا الخروج إلى جيش قريش وألحوا في ذلك ليكرم الله من شاء منهم بالشهادة، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عزيمتهم تنازل عن رأيه، ودخل بيته، فلبس لأمته (لباس الحرب من الدرع والسلاح)، وخرج إليهم، فندم قومٌ من الذين ألحوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الخروج لملاقاة قريش خارج المدينة، وقالوا: يا رسول الله إن شئت فارجع، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ)(رواه أحمد والبخاري تعليقًا).
    خروج النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته لأرض المعركة، وبداية ظهور المنافقين، وتمرد عبد الله بن أبي ، خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد لبسه لأمته بعد استشارة أصحابه في (1000) ألف من أصحابه، بعد صلاة العصر يوم الجمعة السابق على يوم المعركة فلما سار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نحو (أُحد) رأى كتيبة حسنة التسليح منفردة عن سواد الجيش، فسأل عنها، فأخبر أنهم اليهود من حلفاء الخزرج، يرغبون المساهمة في القتال ضد المشركين، فسأل النبي (صلى الله عليه وسلم): (هَلْ أَسْلَمُوا؟). فقالوا: لا. فقال (صلى الله عليه وسلم): (قُولُوا لَهُمْ: فَلْيَرْجِعُوا، فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ)(مغازي الواقدي).
    فلما وصل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى مكان يقال له (الشيخان) بين جبل أحد والمدينة استعرض الجيش فرد من استصغره ولم يره مُطيقًا للقتال، كعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد (رضي الله عنهما)، وأجاز رافع بن خديج، وسمرة بن جندب على صغر سنهما، وفي هذا المكان أدرك جيش المسلمين المساء، فصلى النبي (صلى الله عليه وسلم) المغرب والعشاء، وبات فيه.
    وقبل طلوع الفجر بقليل تحرك الجيش، حتى إذا كان بمكان يسمى: (الشوط) صلى النبي (صلى الله عليه وسلم) الفجر بصحابته، وكان على مقربة جدًا من العدو فقد كان يراهم ويرونه، وهناك انسحب عنه رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش، متظاهرًا بالغضب من محالفة رأيه ورأي رسول الله كما تقدم، وكان ذلك بداية ظهور النفاق في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
    بعد هذا التمرد والانسحاب نهض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمن بقي معه من المسلمين وكانوا حوالى (700) سبعمائة فيهم (100) مائة دارع، و(50) خمسون راميًا، (50) وخمسون فارسًا، وقيل: بل (2) فرسان، وقيل: لم يكن معهم ولا فرس كما حقق الحافظ ابن حجر، وسلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والصحابة حرة (الحجارة السوداء) بني حارثة، وشق زروعهم وأموالهم ـ تاركًا جيش المشركين إلى الغرب ـ حتى نفذ ونزل الشعب (الفرجة في الجبل) من أحد في عدوة (جانب) الوادي إلى الجبل، فعسكر بالجيش مستقبلا المدينة جاعلًا ظهره إلى هضاب جبل أحد، وبذلك صار جيش العدو فاصلا بين المسلمين وبين المدينة، ونهى النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه عن القتال حتى يأمرهم.
    تنظيم الجيش والاستعداد للقتال، بعد وصول جيش المسلمين لجبل أحد تعبأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته للقتال، فدفع لواء المهاجرين يومئذ إلى مصعب بن عمير العبدري (رضي الله عنه)، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر، وجعل على ميمنة الجيش المنذر بن عمرو، وجعل على الميسرة الزبير بن العوام، يسانده المقداد بن الأسود، وجعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين ورجالاتهم المشهورين بالنجدة والبسالة، والذين يوزنون بالآلاف.
    وأمرّ (جعله أميرًا) على مجموعة الرماة الخمسين عبد الله بن جبير بثيابه البيضاء، وجعلهم خلف جيش المسلمين، على جبل الرماة، جنوب شرق معسكر المسلمين، على بعد حوالي مائة وخمسين مترا منه، وأمرهم بأن ينضحوا (يرموا) المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم، وألا يتركوا أماكنهم ولا يتحولوا عنها مهما كانت النتيجة، قائلًا لهم: (إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ، فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ)(رواه البخاري).
    وأعطى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ بعد أن حرض أصحابه على القتال، وحضهم على المصابرة والجلاد عند اللقاء، وبعد أن نفث فيهم روح الحماسة والبسالة ـ سيفه إلى أبي دجانة الأنصاري سماك بن خرشة الساعدي وكان شجاعًا يختال في الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت.
    نشوب المعركة وانهزام المشركين أولا، ثم تبدل النصر إلى هزيمة، كان شعار الصحابة (رضي الله عنهم) يوم أحد: أمت أمت، وقد بدأت المعركة بطلب طلحة بن أبي طلحة العبدري حامل لواء المشركين المبارزة، فتقدم إليه الزبير بن العوام (رضي الله عنه)، ووثب (قفز) إليه وثبة حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الأرض، فألقاه عنه وذبحه بسيفه، واستمر الصحابة في إبادة حاملي لواء المشركين من بنى عبد الدار حتى قتلوا منهم عشرة رجال بالإضافة لخادمٍ لهم، حتى سقط لواء المشركين على الأرض، ولم يبق أحدٌ يحمله.
    وقاتل الصحابة (رضوان الله عليهم) قتالا شديدًا بقلوب ثابتة، وإرادة لا تلين فانهزمت قريش، واستمرت الهزيمة عليهم، فلما رأى الرماة ذلك قالوا: قد هُزم أعداءُ الله فما لقعودنا ها هنا معنى، وأرادوا مفارقة أماكنهم، فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير أمرَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إياهم بأن لا يتركوا ويبرحوا أماكنهم مهما حدث. فقالوا: قد انهزموا ولم يلتفتوا إلى قول أميرهم وتذكيره إياهم بقول النبي (صلى الله عليه وسلم)، فزاولوا أماكنهم.
    فالتف خالد بن الوليد بمن معه من الخيل خلف جيش المسلمين، وكرّ المشركون مرة أخرى على الصحابة بعد أن رفعت عمرة بنت علقمة الحارثية لواء المشركين المطروح على التراب، فالتف حوله المشركون ولاثوا به، وتنادى بعضهم بعضا، حتى اجتمعوا على المسلمين، وثبتوا للقتال فولى مَنْ ولى من المسلمين، وثبت من أكرمه الله منهم بالشهادة، وتحول النصر إلى هزيمة، والإقبال على المشركين إلى إدبار وفرار، فقد انهزم قومٌ من المسلمين يومها، منهم عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، فعفا الله عنهم ونزل فيهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[آل عمران:155]
    محاولة الفتك برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ووصل المشركون إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يريدون الفتك به، فشجّ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) في جبهته، وكسرت رباعيته (السن بين الثنية والناب) اليمنى السفلى بحجر، وكلمت (جرحت) شفته السفلى، وهشمت البيضة (الخوذة) على رأسه (صلى الله عليه وسلم)، وأكب المشركون يلقون الحجارة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى سقط في حفرة فخرّ (وقع) (صلى الله عليه وسلم) على جنبه وأصيبت ركبته، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى قام، وقام مالك بن سنان (والد أبي سعيد الخدري) بمصّ الدماء من جُرح رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ونشبت حلقتان من حلق المغفر (الحلق التي يتقنع بها المقاتل) في وجهه (صلى الله عليه وسلم)، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما بثنيتيه (مقدم الأسنان) فسقطتا، فكان الهتم (سقوط مقدم الأسنان) زينة له. وأعطى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الراية حين قتل مصعب بن عمير علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما).
    فداء الصحابة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) واحتدام القتال حوله، وقد قُتل دونه (صلى الله عليه وسلم) سبعةٌ، وقيل عشرة، حينما حمل المشركون عليه (صلى الله عليه وسلم) منهم مصعب بن عمير وعمار بن يزيد بن السكن(رضي الله عنهم أجمعين)، وقاتل يومئذ طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتالًا شديدًا، وقاتلت أم عمارة الأنصارية: وهي نسيبة بنت كعب قتالا شديدا، وضربت عمرو بن قمئة الليثي (المعتدي على رسول الله) بالسيف ضربات فوقاه درعان كانتا عليه وضربها عمرو بالسيف فجرحها جُرحًا عظيما على عاتقها، وترس أبو دجانة بظهره (جعل ظهره درعًا لرسول الله) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك، ونثل (استخرج) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ساعتها كنانته (جعبة السهام) لسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) وهو يقول له: (ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي)(اللفظ للبخاري).
    وكان أبو طلحة الأنصاري (زيد بن خالد الجهني) يسور نفسه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وسلم)، ويرفع صدره ليقيه عن سهام العدو، و حينما يشرف النبي (صلّى الله عليه وسلم) لينظر إلى القوم، يقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. (رواه البخاري)، وتبع حاطب بن أبي بلتعة عتبة بن أبي وقاص (الذي كسر الرباعية الشريفة) فضربه بالسيف حتى طرح رأسه، ثم أخذ فرسه وسيفه، وقاتل عبد الرحمن بن عوف حتى أصيب فوه يومئذ فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، أصابه بعضها في رجله فعرج.
    وانتهى أنس بن النضر، وهو عم أنس بن مالك، يومئذ إلى جماعة من الصحابة قد ألقوا بأيديهم (انصرفوا عن الحرب) فقال لهم: ما يجلسكم؟. قالوا: قتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فقال لهم: ما تصنعون بالحياة بعده؟!، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم قال: (اللهمّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء)، يعني المشركين، (وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء)، يعني المسلمين، ثم مشى بسيفه لملاقاة المشركين، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: (أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة). قال سعد: (فما استطعت يا رسول الله ما صنع). قال أنس: (فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ)، قال أنس (رضي الله عنه): كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب:23](متفق عليه).
    الرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينقذ الموقف بعد إشاعة قتله، فبعد استماتة الصحابة (رضي الله عنهم) في الدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبعد تولى علي بن أبي طالب راية المهاجرين، شق النبي (صلى الله عليه وسلم) لصفوف أصحابه المطوقين بالمشركين، وأول من ميز رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد محاولة الفتك به كعب بن مالك (شاعر النبي)، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيًا، فأشار إليه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أن أنصت، فلما عرف المسلمون بحياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مالوا إليه وصاروا حوله ونهضوا معه متراجعين نحو الشعب في جبل أحد حتى يخرجوا من تطويق المشركين إياهم، فيهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير والحارث بن الصمة الأنصاري وجماعة من الأنصار.
    فلما أسند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الشعب أدركه أبي بن خلف الجُمحي، فتناول (صلى الله عليه وسلم) الحربة من الحارث بن الصمة، ثم طعنه بها في عنقه، فلم يخرج منه كبير دم، واحتقن الدم في جوفه، فجعل يخور كما يخور الثور، وفرّ منهزمًا، فأقبل أصحابه حتى احتملوه وهو يخور وقالوا: ما هذا فو الله ما بك إلا خدش. فقال: (والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني، أليس قد قال: (أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز (سوق من أسواق العرب) لقتلهم. قال: فما لبث إلا يومًا أو نحو ذلك حتى ومات بموضع يقال له: سرف (على ستة أميال من مكة) إلى النار، فأنزل الله فيه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:27ـ29] (مصنف عبد الرزاق).
    نهوض رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وانتهاء المعركة، ونهض رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بعد قتله لأبي بن خلف (عليه اللعنة) إلى صخرة من الجبل ليعلوها ـ بعد أن جاءه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بماء في درقته (الترس من الجلد) من المهراس (اسْم مَاء بأقصى شعب أحد) فغسل به الدماء عن وجهه ـ وكان (صلى الله عليه وسلم) عليه درعان كما تقدم وكان قد بدن (حمل جسده اللحم)، فلم يقدر أن يعلوها، فجلس له طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه)، وصعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ظهره، ثم قام به طلحة حتى استوى على الصخرة. وحانت الصلاة، فصلى جالسا والمسلمون وراءه قعودًا، بعد أن ردوا محاولة المشركين الهجوم على جيش المسلمين من فوق جبل أحد.
    وانصرف أبو سفيان ومن معه بعد حوارٍ مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مناديًا: (إن موعدكم بدر العام القابل). فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) أحد أصحابه: أن يردّ قائلًا: (نعم، هو بيننا وبينك موعد), ثم بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب وقيل: سعد بن أبي وقاص ليتثبت من انصراف المشركين إلى مكة.
    أثر غزوة أحد، انتهت غزوة أحد مخلفة سبعين شهيدًا من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، (65) خمسة وستون رجلا من الأنصار، (41) واحد وأربعون من الخزرج، و (24) أربع وعشرون من الأوس، و (1) رجلٌ من اليهود. و (4) أربعة من المهاجرين، وأما قتلى المشركين فقد ذكر ابن إسحاق أنهم اثنان وعشرون قتيلا، ولكن الإحصاء الدقيق بعد إمعان النظر في جميع تفاصيل المعركة التي ذكرها أهل المغازي والسير، والتي تتضمن ذكر قتلى المشركين في مختلف مراحل القتال يفيد أن عدد قتلى المشركين سبعة وثلاثون، لا اثنان وعشرون. (الرحيق المختوم بتصرف).
    وكان أناس من الصحابة قد نقلوا قتلاهم إلى المدينة، فأمر النبي (صلى الله عليه ويلم) أن يردوهم فيدفنوهم في مضاجعهم، وأن لا يغسلوا، وأن يدفنوا كما هم بثيابهم بعد نزع الحديد والجلود، وكان يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد، ويجمع بين الرجلين في ثوب واحد، ويقول: (أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟). فإذا أشاروا إلى رجل قدمه في اللحد، وقال: (أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ)(رواه البخاري)، ولما فرغ رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) من دفن الشهداء والثناء على الله والتضرع إليه انصرف راجعا إلى المدينة.
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له.
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((سبعةُ دروسٍ وعبرٍ من غزوة أحد))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أيها الأحبة الكرام: فقد عشنا بإيجاز غير مخل، وبلا تطويل ممل مع أحداث غزوة أُحد، ومنها نخرج بالدروس والعبر الآتية:
    ==============
    خطورة المخالفة ـ ولو بسيطة ـ لأوامر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان النصر حليفًا للنبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته طالما كانوا ملتزمين بأوامره (صلى الله عليه وسلم)، فلما حدث خالفت كتيبة الرماة أمره (صلى الله عليه وسلم)، وتركوا أماكنهم خلف جيش المسلمين، وترجلوا عن جبل الرماة تحول النصر إلى هزيمة بفضل دهاء خالد بن الوليد، وهذا يفسر انقطاع البركة من كل شيء اليوم (المال، الأولاد، الزوجة...الخ)، وهذا يفسر لنا أيضًا السرّ في الهزائم المتتالية التي مُنيت بها الأمة الإسلامية اليوم ومن قديم، فقد ضاعت الأندلس، وها هو المسجد الأقصى يدنسوه أحفاد القردة والخنازير، وأصبح الدم المسلم أرخص الدماء، وانتهكت الحرمات والأعراض...الخ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النور:56]، ومن الرحمة: البركة في كل شيء، ومن الرحمة: النجاة من الخزي والهزيمة.
    ================
    خطورة شق الصفّ، والتفرق والتشرذم، وهذا هو ما هدف إليه عبد الله بن أبي بن سلول حينما رجع بثلث الجيش يوم المعركة، فقد كان الهدف الرئيس من تمرد عبد الله بن أبي (عليه اللعنة) في ذلك الظرف الدقيق أن يحدث البلبلة والاضطراب في جيش المسلمين على مرأى ومسمع من عدوهم، حتى يتخلف عامة الجيش عن النبي (صلّى الله عليه وسلم)، وتنهار معنويات من يبقى معه، بينما يتشجع العدو، وتعلو همته لرؤية هذا المنظر، فيكون ذلك أسرع إلى القضاء على النبي (صلّى الله عليه وسلم) وأصحابه المخلصين، وتسنح الفرصة مرة ثانية لهذا المنافق ليعود إلى رياسة المدينة.
    وكاد هذا المنافق أن ينجح في تحقيق ما تمناه، فقد همت طائفتان من الأنصار (بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج) أن تفشلا، ولكن الله تولاهما، فثبتتا بعد ما سرى فيهما الاضطراب وهمتا بالرجوع والانسحاب، وفيهما يقول الحق تبارك وتعالى: {إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ][آل عمران:122]، فيا ليت الجماعات المتأسلمة، والفرق والأحزاب المتشرذمة تعي هذا الدرس، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) منهم ومن أفعالهم براء يوم القيامة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[الأنعام:159].
    =================
    التأكيد على إرساء مبدأ الشورى في تلك الغزوة المباركة، والشورى كما علمنا هي: التفكير بعقل الجماعة، فقد استشار النبي (صلى عليه وسلم) أصحابه في غزوة بدر الكبرى التي سبقت تلك الغزوة بعام، وفي تلك الغزوة استشار النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه في كفية ملاقاة المشركين بعد أن علم بوصولهم لحدود المدينة، فأشار بعدم الخروج من المدينة، وألح العديد من الصحابة على الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة، ونزل النبي (صلى الله عليه وسلم) على رأي مَنْ أشار بملاقاة المشركين خارج المدينة، فكان ذلك إرساء لمبدأ الشورى.
    ===============
    عظم مكانة الزوج عند زوجته، ففي أثناء رجوع سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة؛ لقيته في الطريق حمنة بنت جحش (رضي الله عنها)، فنعى إليها (أخبرها بموته) أخوها عبد الله بن جحش (رضي الله عنه)، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعى لها خالها حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه)، فاسترجعت واستغفرت، ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير (رضي الله عنه)، فصاحت (صرخت) وولولت، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلم): (إِنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانٍ)(دلائل النبوة للبيهقي).
    ===============
    كرامة من كرامات الأولياء، فالإيمان بكرامات الأولياء من عقائد أهل السنة والجماعة؛ لثبوت ذلك في الكتاب والسنة، وفي غزوة أحد شدّ حنظلة بن أبي عامر الراهب على أبي سفيان بن حرب، فلما تمكن منه وكاد أن يقتله حمل شداد بن الأسود الليثي على حنظلة، فقتله، فرأي النبي (صلى الله عليه وسلم) الملائكة تغسله، فأخبر الصحابة بذلك، وأمرهم أن يسألوا زوجته، فأخبرتهم أن حنظلة كان حديث عهد بالعرس، فلما سمع نداء الجهاد وهو يعاشرها انخلع من أحضانها، وقام من فوره للحاق برسول الله (صلى الله عليه وسلم) بدون أن يغتسل من جنابته، واستشهد على تلك الحالة، فقامت الملائكة بتغسيله كرامة له، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ صَاحِبَكُمْ تُغَسِّلُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَسَأَلُوا صَاحِبَتَهُ). فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ)(المستدرك للحاكم).
    ===================
    المكانة العالية والمنزلة السامية للنبي (صلى الله عليه وسلم) عند ربه، فقد أنزل الحق تبارك وتعالى جبريل وميكائيل (عليهما السلام) يقاتلان ويدافعان عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، فعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ القِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ)(متفق عليه)، وعن نافع بن جبير ت(99هـ) قال: سمعت رجلا من المهاجرين يقول: (شَهِدْتُ أُحُدًا، فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ يَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَسْطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّه بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ جَاوَزَهُ فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوَانُ، فَقَالَ واللَّه مَا رَأَيْتُهُ أَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ، خَرَجْنَا أَرْبَعَةً فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ فَلَمْ نَخْلُصْ إِلَى ذلك)(مغازي الواقدي).
    ======================
    عدم الاستسلام لليأس والاحباط، والتحبيط، والتسليم لأمر الله والتوكل عليه، فبعد انتهاء المعركة وقف أبو سفيان بن حرب مناديًا: أفي القوم محمد؟ (ثلاث مرات)، فنهاهم النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ (ثلاث مرات)، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ (ثلاث مرات)، ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء، فقد قتلوا، فما ملك عمر (رضي الله عنه) نفسه، فقال: (كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ). فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة (اعتداء على الجثث)، لم آمر بها ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز: أعل هبل، أعل هبل. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟). قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟. قال: (قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ). فقال أبو سفيان: إن لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟). قال: قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟. قال: (قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ)(رواه البخاري)، وفي رواية: أن أبا سفيان قال: يوم بيوم بدر، الأيام دول، وإن الحرب سجال. فردّ عليه سيدنا عمر (رضي الله عنه) قائلًا: (لَا سَوَاءً، قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلاكُمْ فِي النَّارِ)(رواه أحمد). ثم توعد النبي والصحابة بدرًا العام المقبل، فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) أحد أصحابه: أن يردّ قائلًا: (نعم، هو بيننا وبينك موعد)(الرحيق المختوم).
    ===========================================
    فاللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت. اللهم: ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 4:27 pm