الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    الخطبة القادمة 28/5/2021 الدروس المستفادة من غزوة أحد

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2670
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    الخطبة القادمة 28/5/2021 الدروس المستفادة من غزوة أحد  Empty الخطبة القادمة 28/5/2021 الدروس المستفادة من غزوة أحد

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الإثنين مايو 24, 2021 4:32 am

    خطبة بعنوان "الدروس المستفادة من غزوة أحد "

    عناصر الخطبة
    1-موقف المنافقين.
    2-مخالفة الرماة لأمر الرسول.
    3-ايثار الدنيا علي الآخرة.
    4- تضحيات الصحابة
    الخطبة الأولى

    الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما) [الأحزاب: 70، 71].
    أما بعد.
    لقد كانت غزوة أحد بما فيها من أحداث مؤلمة، تربية للأمة في كل زمان ومكان، لما فيها من دروس وعبر، تتوارثها الأجيال تلو الأجيال، وهي كثيرة، منها :

    وكان أصحاب النبي ﷺ فرقتين؛ فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [رواه البخاري: 4050، ومسلم: 7208].
    ومعنى رجع ناس ممن خرج معه، يعني مع النبي ﷺ مَن هم هؤلاء الناس؟ عبد الله بن أبي، وأصحابه.
    وقد ورد ذلك صريحًا في رواية موسى بن عقبة في المغازي، وأن عبد الله بن أُبي كان وافق رأيُه رأيَ النبي ﷺ على الإقامة بالمدينة، والتحصّن بالمدينة، وعدم الخروج للقتال خارج المدينة.
    فلما أشار غير ابن أُبي بالخروج وشباب الصحابة، وكذلك مَن تحمّس وأراد أن يستدرك ما فاته يوم بدر، والنبي ﷺ نزل على رأي هؤلاء، وأجابهم، ولم يكن رأيًا خاطئًا، ولم يكن سبب هزيمة المسلمين أنهم خرجوا من المدينة، ولم يتحصّنوا بها، ولكن كان سبب الهزيمة إرادة الدنيا، وترك المواقع، وعصيان أمر النبي ﷺ، والسعي وراء المغانم، هذا هو سبب الهزيمة، فكان البقاء في المدينة، والتحصُّن فيها رأيًا وجيهًا، وكان الخروج للقتال خارج المدينة رأياً وجيهاً أيضاً.
    فلما رأى النبي ﷺ كثرة من أصحابه قد تحمّسوا للخروج خرج، لما خالف هذا الرأي الذي اعتمده ﷺ أخيرًا رأيَ عبد الله بن أُبي غضب وأصابته الحمية، ويأخذ برأي غيري، ويترك رأيي؟.
    فخرج مع النبي ﷺ، وفي جزء من الطريق انخنس بثلث الجيش ورجع بهم.

    وقال عبد الله بن أبي لأصحابه: أطاعهم وعصاني؟ علام نقتل أنفسنا؟ فرجع، ورجع من أطاعه.
    قال ابن إسحاق في روايته: "فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، الصحابي الجليل والد جابر، تبِع الثلث المنسحب، وكان خزرجيًا من قوم عبد الله بن أُبي، فناشدهم أن يرجعوا للقتال، فأبوا، فقال: أبعدكم الله" [سيرة ابن إسحاق: 3 / 304].
    وفي رواية أن عبد الله بن عمرو بن حرام قال لهم: "يا قوم أذكركم الله، لا تخذلوا قومكم ونبيكم عند مَن حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال" لو نعلم قتالاً لاتبعناكم فلما استعصوا عليه، وأبوا إلا الانصراف عنه قال: "أبعدكم الله أعداء، الله فسيغني الله عنكم نبيه"، وهذه الرواية إسنادها حسن.

    وكان أصحاب رسول الله ﷺ فرقتين في الحكم كما جاء في الحديث الصحيح، يعني، فيمن انصرف مع عبد الله بن أُبي، قال الخازن رحمه الله: "معنى الآية: فما لكم يا معشر المؤمنين بأمر المنافقين فئتين صرتم في أمرهم فرقتين، فرقة تذُبُّ عنهم، وفرقة تباينهم، وتعاديهم". [تفسير الخازن: 1/407].
    كان يجب عليكم يا معشر المؤمنين أن تكونوا فريقًا واحدًا لا فريقين، فنهى الله الفرقة الذين يذبُّون عنهم، يعني عن المنافقين، ويدافعون عنهم، ويلتمسون لهم العذر، وأمر المؤمنين جميعًا أن يكونوا صفاً واحداً ضد هؤلاء المنافقين، وأن يتبرؤوا منهم، لماذا قالوا: والله أركسهم، يعني نكسهم في الكفر والردة، وجعلهم مغموسين في النفاق بسبب ما اكتسبوا من الأعمال الخبيثة.
    فهؤلاء المنافقون قد خذلوا المسلمين في أحلك الظروف، وفي أشد الأوقات، وكانوا في ذلك الوقت العصيب في وقت الحاجة قد انسحبوا، ولو أنهم ما خرجوا لكان أحسن، ولكنهم خرجوا متظاهرين بأنهم سيقاتلون، وأنهم ينصرون المؤمنين، ثم ينسحبون في الطريق ليخذلوا المسلمين، ويفتّوا في عضد المسلمين، ولذلك فإنه يجب التبرؤ منهم.
    إن الذين سحبوا ثلث الجيش، وأرادوا التأثير على الضعفاء، والذين أرادوا الهزيمة للمسلمين بزعم أن القتال لن يقع، وهم يعرفون أن المواجهة حاصلة لا محالة، ما الذي صدّهم عن الالتحاق بركائب أهل الإيمان؟ الكفر والنفاق.

    قال تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ[آل عمران: 167].

    حب الصحابة الشديد لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد ظهر ذلك بصورة عملية، حينما حاصر المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، وخلال هذا الموقف العصيب سارع المسلمون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- وأقاموا حوله سياجاً بأجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في الدفاع عنه، فقام أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو، ويقول:" نحري دون نحرك يا رسول الله " ..
    وأبو دجانة يحمي ظهر رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - والسهام تقع عليه ولا يتحرك .
    وامتص مالك بن سنان الدم من وجنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أنقاه .

    وعرضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -- صخرة من الجبل فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض عليه، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أوجب طلحة ) أي الجنة.
    وامرأة من بني دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحد, فلما نعوهم لها قالت: " ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ، قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل ـ أي صغيرة ـ " ..
    وهكذا سما حب المسلمين الأوائل للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوق كل حب، إنه حب يعلو فوق حب الآباء والأبناء والأزواج والأنفس، كما قال تعالى: { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }(التوبة:24) .
    فالإيمان لا يكمل حتى يمتلئ قلب المسلم بحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )(البخاري). ويوم تمتلئ قلوب المسلمين بنحو هذا الحب سينتصرون على أعدائهم مهما كانت العقبات ..
    أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.
    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
    أما بعد .

    ومن خلال غزوة أحد.
    ظهر لنا أن المعاصي من أهم أسباب الهزيمة وتخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية واحدة، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه، ولاحت بوادره، ظهر هذا الدرس في مخالفة الرماة لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والذي قلب الموازين وأدى إلى الهزيمة، فالمسلمون انتصروا في بداية المعركة حينما امتثلوا أوامر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بينما انهزموا حينما خالفوا أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
    ومن ثم ينبغي أن يُعْلَم أنه وإن كان إعداد العدة والعدد مطلبا شرعيا، إلا أن النصر والهزيمة لا يتوقفان عليهما، فبالمعاصي تدور الدوائر، فقد فاضت أرواح في تلك الغزوة بسبب معصية، ومحيت حضارات كثيرة بسبب الذنوب والمعاصي ..

    فالمعاصي سبب كل عناء، وطريق كل شقاء، ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا أشقتها، وهي من الأسباب الرئيسية للهزيمة في الحروب، ومن ثم ينبغي الحذر منها والبعد عنها، قال الله تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(آل عمران:165)، وقال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }(الشورى:30) ..

    ومن الدروس الهامة من معركة أحدخطورة إيثار الدنيا على الآخرة، وأن ذلك مما يُفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده، قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : " ما كنت أرى أحداً من أصحاب رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ }(آل عمران: من الآية152)" .
    وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: لما هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرماة : " أدركوا الناس ونبي الله، لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم "، وقال بعضهم : " لا نبرح حتى يأذن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم – " ، فنزلت: { مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ }.
    وفي ذلك درس عظيم يبين خطورة حب الدنيا، وأن التعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح، وربما خفي عليهم ذلك، فآثروها على ما عند الله، مما يوجب على المرء أن يتفقد نفسه ويحاسبها، وأن يزيل كل ما من شأنه أن يحول بينه وبين الاستجابة لأوامر الله ونواهيه .. ومن ثم فقد حذر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أمته من الاغترار بالدنيا، والحرص الشديد عليها في مواطن كثيرة، وذلك لما لهذا الحرص من أثره السيئ على الأمة أفرادا ومجتمعات، كما ظهر ذلك في معركة أحد. ومن ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم: ( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ..)(مسلم).

    ومن الحِكم الباهرة من هذه الغزوة إشاعة قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها، كي يتنبه المسلمون إلى الحقيقة التي ينبغي أن يوطنوا أنفسهم عليها، وهي قول الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }(الزمر:30)، فلا يرتدوا على أعقابهم أو يضعفوا ويتراجعوا، إذا وجدوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد اختفى من بينهم، أو تُوفي أو قتِل، ومن أجل ذلك قال الله تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }(آل عمران:144) .
    ولقد بان أثر هذه الحكمة يوم وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالفعل، فكانت هذه الشائعة في يوم أحد وما نزل بسببها من القرآن، هي التي أيقظت المسلمين ونبهتهم، فودعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقلوبهم الحزينة، ثم رجعوا إلى الأمانة التي تركها لهم فقاموا بها أقوياء أشداء..

    ومن العِبر الهامة من غزوة أحد : رحمة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيما بأصحابه، فلو كان فظا غليظا ما التفت حوله القلوب والمشاعر، فالناس في حاجة إلى رفق ورحمة، وقلب يشعر بهمومهم وآلامهم، ويشفق عليهم، وهكذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم يعنف الرماة الذين خالفوا أمره، ولم يخرجهم من الصف، بل قابل ضعفهم وخطأهم برفق وحكمة وعفو، قال الله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }(آل عمران:159) ..

    بل إن رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ شملت في هذه المعركة الكافرين والذين آذوه وأرادوا قتله، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يمسح الدم عن وجهه بعد إصابته يوم أحد: ( كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله ، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )(أحمد) .. فكان من نتيجة ذلك أن أبا سفيان في أُحُد يقود المشركين، وشعاره: " اعلُ هُبل" ، وفي فتح مكة يقول:"لا إله إلا الله" ، ووحشي يقتل حمزة في أحد، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب بعد ذلك ..

    وفي هذه اللحظات العصيبة ثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه نفر من أصحابه، يدافعون عنه بأجسادهم وأرواحهم، في صور رائعة من الحب والتضحية، فقام أبو طلحة ـ رضي الله عنه ـ يُسوِّر نفسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو، ويقول: " نحري دون نحرك يا رسول الله "، حتى شُلّت يمينه وأثخنته الجراح .
    وأبو دجانة ـ رضي الله عنه ـ يحمي ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسهام تقع عليه ولا يتحرك .
    ومالك بن سنان ـ رضي الله عنه ـ يمتص الدم من وجنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أنقاه .
    وطلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنه ـ يجعل من نفسه سَلَّمَاً للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصعد عليه ليرتقي إلى صخرة بالجبل ليحميه من المشركين، حتى قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينئذ: ( أوجب طلحة ) أي الجنة .

    شهداء في أحد، يوم التقى الجمعان :

    مِن حكمة الله تعالى وفضله إكرام بعض عباده بنيل الشهادة في سبيله، التي هي من أعلى المراتب والدرجات، ومن ذلك ما حدث لبعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يوم أحد، قال الله تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ }(آل عمران الآية: 166)، فقد أراد ـ عز وجل ـ أن يتخذ من عباده شهداء، تُراق دماؤهم في سبيله، ويؤثرون محبته ورضاه على نفوسهم، قال تعالى: { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ }(آل عمران من الآية: 140 ) .
    قال ابن كثير في قوله تعالى: " { وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } يعني: يُقْتَلون في سبيله، ويبذلون مهجهم في مرضاته " .
    وفي غزوة أحد استُشْهِدَ سبعون صحابيّاً، سطروا بدمائهم وأرواحهم صفحات مضيئة في بذل النفس والروح في سبيل الله ـ عز وجل ـ، ومنهم :

    عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه ـ :

    عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه ـ هو والد جابر بن عبد الله - رضي الله عنه ـ، وقصة استشهاده في أُحُد يرويها ابنه ـ جابر فيقول: ( دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني (أظنني) إلا مقتولاً في أول من يُقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن عليَّ ديناً فاقضه واستوص بأخواتك خيراً، فأصبحنا فكان أول قتيل، ودفنت معه آخر في قبره ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير هُنَيَّةً (شيئا يسيراً) في أُذُنِه، فجعلته في قبر على حِدَةٍ ) رواه البخاري .
    وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ( لما قُتِل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه، أبكي وينهوني، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينهاني فجعلت عمتي فاطمة تبكي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تبكين أو لا تبكين، ما زالت الملائكة تظله باجنحتها حتى رفعتموه ) رواه البخاري .
    وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يا جابر ما لي أراكَ منكسِرًا؟، قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ استُشْهِدَ أبي قُتِلَ يومَ أُحُدٍ، وترَكَ عيالًا ودَيْنَاً، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أفلَا أبشِّرُكَ بما لقيَ اللَّهُ بِهِ أباك؟، قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ما كلَّمَ اللَّهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراءِ حجابِ، وإنَّ اللَّهَ أحيا أباكَ فَكَلَّمَهُ كِفاحًا (مواجهة) فقالَ : يا عَبدي تَمنَّ عليَّ أُعْطِكَ، قال: يا ربِّ تُحييني فأُقتلَ فيك (في سبيلك) ثانية، قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالَى : إنَّهُ قد سبقَ منِّي أنَّهم إليها لا يُرجَعون، قال : فأنزل اللَّه تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(آل عمران الآية 169 : 170) ) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني .
    وعن مسروق بن الأجدع قال: سألنا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن هذه الآية :{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }، فقال: أما إنا قد سألنا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( أرواحهم في جوف طير خضرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطَّلع إليهم ربُّهم اطَّلاعةً فقال: هل تشتهون شيئاً؟، قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا مِن أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجةٌ تُرِكوا ) رواه مسلم .

    عَمْرُو بن الْجَمُوحِ - رضي الله عنه -:

    كان أعرج شديد العرج، وكان له أربعة أبناء يغزون مع النبي - صلى الله عليه وسلم ـ ويقاتلون معه، فلما توجه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أُحُد أراد عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن يخرج معه، فقال له بنوه: إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، وقد وضع الله عنك الجهاد، فأتى عمرو رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( إن بنِيَّ هؤلاء يمنعوني أن أجاهد معك، ووالله إني لأرجو أنْ أُستشهَدَ فأَطأَ بعرْجَتِي هذه في الجنةِ!!، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه لعل الله - عز وجل - أن يرزقه الشهادة؟، فخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقُتِلَ يومَ أُحُدٍ شهِيدًا )، وفي رواية أخرى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عليه بعد ما قُتِلَ فقال -: ( كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة ) حسنه الألباني .

    عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( غاب عِمِّي أنسُ بنُ النضرِ عن قتالِ بدر، فقال: يا رسول الله، غِبْتُ عن أولِ قتالٍ قاتلتَ المشركينَ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع، فلما كان يوم أُحُد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني أصحابه ـ، وأبرأ مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين ـ، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع )، قال أنس: " فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتِلَ وقد مَثَّلَ به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه (أصبعه)، وقال: كنا نرى ـ أو نظن ـ أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }(الأحزاب الآية : 23) ) رواه البخاري .

    لقد ضرب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في غزوة أحد أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد، واستفادوا منها العبر والعظات، فما هُزِموا بعدها، لأنهم تجنبوا أسباب الهزيمة والخذلان، وقد أنزل الله - تعالى ـ فيما حدث في غزوة أحد قرآناُ يُتلى إلى يوم القيامة، يمسح به جراحات الصحابة، ويزيل عنهم ما أصابهم، ويستفيد منه المسلمون على مرِّ العصور، فقال تعالى: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }(آل عمران: 138 :142) ..
    اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
    اللهم احفظ مصر وأهلها وسائر بلاد المسلمين.
    واقم الصلاة

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 6:25 pm