الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    أمة اقرأ .. أمة أتقن .. بين علماء الأمة وعلماء الفتنة

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2683
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    أمة اقرأ .. أمة أتقن .. بين علماء الأمة وعلماء الفتنة Empty أمة اقرأ .. أمة أتقن .. بين علماء الأمة وعلماء الفتنة

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الثلاثاء ديسمبر 10, 2019 11:05 pm


    أمة اقرأ .. أمة أتقن ..
    بين علماء الأمة وعلماء الفتنة

    ==================٦٦
    العناصــــــر:
    - أهمية العلم، ومكانته، وفضلة، ودعوة الإسلام إليه .
    - اثر العلم، وفضل العلماء .
    - العلماء المخلصين، وعلماء الفتنة .
    - اثر الفتوى بغير علم، وخطورتها .
    ======================
    الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، رفع شأن العلم فأقسم بالقلم، وامتن على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم؛ قال تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ )الزمر9) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف:" وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ" رواه أَبو داود والترمذي) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
    ===============
    لقد اهتم الإسلام بالعلم اهتماما بالغا، فهو من المصالح الضرورية والحاجات الملحة التي عليها تقوم حياة الأمة، وبه يستقيم حالها، ويصلح أمرها ويقوى شانها، وتبنى حضارتها، وإن شئت فقل إن حاجة الأمم إلى العلم لا تقل شأنا عن حاجتها إلى الطعام والشراب والملبس والمسكن؛ ومن ثم فليس عجبا أن تكون أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم تدعو إلى العلم والمعرفة، وتهتم بوسائله وأدواته، قال تعالى ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) العلق1-5) كما سمى المولى جل وعلا سورة كاملة باسم القلم، واستهلها بقوله تعالى (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) القلم1) كما ذكر لفظ " العلم " بمشتقاته في القران الكريم، أكثر من سبعمائة وستين مرة" وفى هذا كله إشارة عظيمة إلى مكانة العلم ودرجته.
    فلأهمية العلم ومكانته وفضله، كان من تكريم الله لأنبيائه ورسله، فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) مريم 43) وهذا يوسف الصديق عليه السلام يقول لصاحبيه ( ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) يوسف37) وهذان نبيا الله، داود وسليمان عليهما السلام، يقول عنهما ربنا جل وعلا (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)النمل 15) وفي معرض المن بالفضل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول جل وعلا ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ النساء من الآية 113)، وعن بعثته صلى الله عليه وسلم يقول المولى جل وعلا (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )الجمعة2) وما زال الإسلام يؤكد على العلم والتعلم حتى كان الأمر بالاستزادة من العلم؛ قال تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) طه114) .
    إن الناظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته ليجد مدى اهتمامه بالتعليم ودعوته إليه، فقد قالَ النبي صلى الله عليه وسلم، لِأَبِي ذَرٍّ فِيما رَواهُ ابْنُ ماجَه " يَا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ " ( أَيْ مِنَ النَّوافِل). وفي بدر جعل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون القراءة والكتابة، أن يعلم عشرة من أبناء الأنصار؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ " فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ" رواه احمد)
    إن للعلم منزلة عالية رفيعة، ويكفي على ذلك دليلا أن من لا يحسنه يفرح به إذا نسب إليه، يقول الإمام على ابن أبى طالب رضي الله عنه " كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهِ مَنْ لا يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْه، وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ " ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا" متفق عليه) فالعلم اغلي وأطيب ما يجمعه الإنسان؛ ولهذا قال الإمام على ابن أبى طالب رضي الله عنه " العلم خيرٌ من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق" وما زال القران الكريم، يؤكد على مكانة العلم حتى عبر عنه بالسلطان، فقال تعالى (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا )غافر35) وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ )غافر56) والعلم ميراث النبوة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا: هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَا هُنَا لا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" رواه الطبراني في الأوسط) .
    إن العلم من مقومات الحياة في المجتمع: فلا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها العلم ؛ فبالعلم تتطور الأمم والمجتمعات وتنهض وتتقدم؛ وإن الناظر في تاريخ الأمم، قديمها وحديثها، يلاحظ أن تحضرها ورقيها كان مرتبطا بالعلم ارتباطا وثيقا؛ فالعلم ابتكار، وتطوير للصناعة والزراعة والصحة والطب والهندسة وغير ذلك من المجالات والتخصصات التي يحتاجها المجتمع ، ومن ثم فليعلم كل منا أن طلب العلم لا يقف عند العلوم الشرعية فحسب بل إن المجتمعات تحتاج إلى كل علم نافع في جميع المجالات التي فيها مصلحة البشرية، وتيسير أمور حياتها؛ كالطب والهندسة والكيمياء، والرياضيات، والميكانيكا، وعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، والبناء، والملاحة ... الخ ؛ فها هو صلى الله عليه وسلم يأمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية لما فيه من مصلحة؛ فعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:" أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ، قَالَ : فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْر، حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ ، قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ " رواه الترمذي) وحينما مدح الله تعالي داود وسليمان في القران بالعلم فقال ( ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) النمل 10) لم يقتصر هذا على الدين فحسب؛ بل كان منه صناعة الحديد ومنه منطق الطير كما قال تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) النمل16) كما أن قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر28) جاء في معرض الحديث عن العلوم الكونية إذ يقول الله جل وعلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر 27/28) مما يدل على اهتمام الإسلام ودعوته إلى العلم النافع في جميع المجالات .
    إن للعلم أثرا طيبا على الفرد والمجتمع؛ فبه تتفاضل الناس، كما تتفاضل به الأمم؛ فقد قال تعالى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) سورة الزمر9) ولقد بين القرآن الكريم مكانة من سلكوا طريق العلم ، فقال الله سبحانه وتعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)المجادلة 11) كما ذكر الله تعالى العلماء بعد ذاته العلية وملائكته في أعظم شهادة وأقدسها، قال سبحانه ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )آل عمران 18) والعلماء هم من فازوا بالخيرية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ "رواه البخاري) فمن سلك طريقا يبتغى فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ " كما أن العلماء يستغفر لهم من في السماوات ومن في الأرض ؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ"، كما يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مقام العالم من العابد فيقول " وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ " ومع كون هذه المقارنة عظيمة ، إلا أن هناك مقارنة أعظم، ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا : عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ " ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ" رواه الترمذي وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) كما أن الناظر في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أن اجر العالم لم يقف عند حياته بل يمتد إلى ما بعد موته ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن دَعَا إلى هُدَى كانَ لـَهُ مِنَ الأجْرِ مِثلُ أُجُورِ مَنْ تبعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِم شَيئْاً" رواه مسلم) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ"رواه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
    إن المخصوصين بهذا الفضل والمكانة، هم العلماء المخلصون الذين يبنون ولا يهدمون، يعمرون ولا يخربون، يدافعون عن دينهم ووطنهم، ويكونون في خدمة وطنهم ويقدمونه على أنفسهم، الذين أدوا الأمانة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول" نَضَّرَ اللَّه عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَرَعَاهَا فَأدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا " ولو كان كل العلماء أهل مدح على الإطلاق حسنهم وسيئهم لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مما يُسأل عنه المرء يوم القيامة قبل أن تزول قدمه، العلم: ماذا عمل به؟ فقد قال صلى الله عليه وسلم " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ". وما قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه ، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ" رواه ابو داود واحمد) وما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن العلماء هم ورثة الأنبياء إلا عن من هو على نهج الأنبياء ففي الحديث " وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".
    فلقد جاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بالعلم والهدى غير قاصدين به مغنم من مغانم الدنيا بل كان القصد أعظم من ذلك إذ يقول الله جل وعلا على لسان نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب عليهم الصلاة والسلام (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الشعراء109) وعلى لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) سبأ47) ويقول أيضا (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) الفرقان 57) ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محبا لوطنه مدافعا عنه يشتاق إليه إذا غاب عنه وإذا حضر كان في خدمته، كما أن من نهجه صلى الله عليه وسلم: الوسطية والاعتدال وذم التشدد والغلو بكل صوره وألوانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الدِّينَ يُسْر، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ " رواه البخاري) وقال صلى الله عليه وسلم ( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) رواه النسائي وابن ماجه )
    أما علماء الفتنة فقد اتخذوا الدين مطية لتحقيق أهدافهم وبلوغ أغراضهم فهم يضلون الناس بفتاوى تضر ولا تنفع، وتهدم ولا تعمر، يضيقون عليهم حياتهم ويدفعونهم إلى التشدد والانغلاق والغلو والتطرف، مع أن خالقنا يقول في كتابه العزيز (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة185) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "‏ بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ‏"‏، يلقون الناس بالكفر مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا" رواه البخاري) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ "متفق عليه) لهذا ولغيره كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته علماء الفتنة فعنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ " .
    كما يلحق الإثم والذنب من يتكلم في دين الله بغير علم ففي جرأتهم على الفتوى من الخطر ما لا حصر له، ولقد علمتم ما ثبت عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَاسْتَفْتَى فَأُمِرَ بِالْغُسْلِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ " مستدرك الحاكم)
    أن قضية الإفتاء وبيان حكم الله عز وجل إحدى أهم القضايا في المجتمع، فشأنها عظيم وقدرها كبير وأثرها واقع على الفرد والمجتمع، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم وهم خاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سمعوا قوله وأعلم الناس بالحلال والحرام، وخير العصور والقرون بشهادة النبي، يتحرجون من الفتوى ويهابونها، ويود أحدهم أن تبتعد عنه بأجرها ووزرها لخطورتها ومسئوليتها، وفى ذلك يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ رحمه الله " أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ، وَلا يُحَدِّثُ حَدِيثًا إِلا وَدَّ أَنَّ أَخَاهَ كَفَاهُ ". وعلى هذا كان السلف الصالح فقد قَالَ أَصْحَابُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:" كَانَ مَالِكٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ كَأَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ". وان كان هذا هو حال الصحابة الكرام والعلماء الأجلاء فعموم الناس أولى بالتحرج من الإفتاء وإصدار الأحكام الشرعية بغير علم ولا هدى، فان هذا خطر جسيم وفساد عريض فلا يجوز أن يتصدر للفتوى من هو ليس بأهل لها، فأخطر المعاصي وأشد الذنوب القول على الله جل وعلا بغير علم وبيان، والخوض في الشريعة بغير حجة ولا برهان، فقد قال تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)(النحل 116) وفى ذلك زجرا لكل من سولت له نفسه أن يقدم على الفتوى بغير علم ولا هدى وحجة ولا دليل فقد قال جل وعلا ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون) الأعراف33) فجعل الفتوى بغير علم قرينة للشرك؛ وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوأْ بَيْتاً فِي جَهَنَم ومَنْ أَفْتَى بِغَيَّرِ عِلْمِ كَانَ إِثْمُه عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ ومَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرِ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ" رواه البيهقي)
    إن الفتوى بغير علم من المهالك التي يُردي فيها الشيطان الناس، قال تعالى ( وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" و قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: " أيُّ سماء تُظِلُّني وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إن أنا قُلتُ في كتاب الله ما لا أعلم؟!"، فما بال بعضا ممن ليسوا أهلا للفتوى يتكلمون فيها ويتصدرون لها وما أحسنوا العلم ولا الفقه ولا الدليل، والأمر كما قال أبُو حُصَيْنٍ الْأَسَدِيُّ: "إنَّ أَحَدَهُمْ لِيُفْتِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ".

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا،
    وأحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 7:47 am