الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    السماحه عقيده وسلوكا

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2671
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    السماحه عقيده وسلوكا  Empty السماحه عقيده وسلوكا

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الإثنين يناير 06, 2020 9:00 pm

    خطبة بعنـــــــوان :
    السماحة عقيدة وسلوكا

    ==============
    العناصـــــر:
    - الإسلام دين السماحة.
    - دعوة الإسلام إلى تحقيق السماحة في الدين والسلوك.
    - السماحة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
    - السماحة قيمة نبيلة ينبغى تحقيقها في جميع مناحي الحياة.
    - دعوة إلى تحقيق السماحة في أسمى معانيها.
    ===========================
    الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )الحج78) ويقول سبحانه ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة185) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف:" إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ " رواه البخاري) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
    ======================
    لقد جاء الإسلام لتحقيق أنبل القيم وأفضل السمات، وأحسن الخلق وأجمل الصفات، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، رحمة كله، تيسيرا كله، إنسانية كله، سماحة كله؛ قال تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )الحج78) ويقول جل وعلا ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )البقرة185) ويقول سبحانه ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )النساء28) ويقول عز وجل (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)البقرة286) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" رواه البخاري) ويقول صلي الله عليه وسلم " إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ " رواه احمد) ويقول أيضا " إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ " رواه احمد) ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان، قال "الصَّبر والسَّماحة " رواه أحمد والبيهقي بسند حسن) وَعنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:" مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ". آيات وأحاديث كثيرة يتبن لنا من خلالها أن السماحة ليست كلمات، بل هي عقيدة يحيا بها المسلم، كما أنها سلوك وأخلاق، إذ يقول سيدنا جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه، عندما وقف أمام النجاشي (ملك الحبشة) مبينا شيئا من قيم الإسلام النبيلة وأخلاقه الكريمة ورسالته السمحة " أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ..."
    فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثلا اعلي للسماحة في اسمي معانيها، سواء قبل البعثة أو بعدها، فهو صلى الله عليه وسلم القائل:"إنَّما أنا رَحْمةٌ مُهْداةٌ"، وقال أيضا:" بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ "، ويكفى في بيان ذلك قول السيدة خديجة -رضي الله عنها- له:" وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ، أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" رواه البخاري) فلقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في السماحة وأطيبها وأزكاها ولعل منها قوله صلى الله عليه وسلم:" لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ".
    ولما سمع صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل الذي دعا قائلا:" اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا،" فقال له " لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ".
    وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه مسلم)
    وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:" جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ، فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ هَذِهِ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَامَهُ أَصْحَابُهُ ، قَالُوا : مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ ، فَقَالَ : رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا ".
    إن تحقيق السماحة في أسمى المعاني وأرقاها، يتطلب تطبيقها عمليا في كل مناحي الحياة، ولعل من ذلك :
    - بر الوالدين: إذ قرن المولى سبحانه وتعالى برهما بعبادته، تكريما لهما وحثا على رعاية حقوقهما وإشارة إلى مكانة برهما وفضل السماحة معهما، فقال تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الاسراء23/24) بل وفي تأكيد على السماحة معهما دعا الإسلام إلى صحبتهما بالمعروف حتى وإن دعا ولدهما إلى معصية الله جل وعلا، وهذا بلا شك مع عدم الطاعة في معصية الله سبحانه، إذ يقول جل وعلا (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان 14، 15) وما أعظم ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر حينما قالت له:" يا رسولَ اللهِ إِنَّ أمِّي قدمَتْ عليَّ وهيَ رَاغِمَةٌ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُها قال:" نَعَمْ ؛ صِلِي أُمَّكِ " رواه أبو داود).
    - صلة الأرحام: إذ يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على السماحة بين الأرحام فيبين أن الواصل ليس من يعامل رحمه بالمثل، إن أحسنوا أحسن إليهم وان أساءوا أساء، فيقول صلى الله عليه وسلم" لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا" رواه البخاري) ليس ذلك فحسب، بل دعا إلى صلة ذي الرحم الكاشح، ليس صلة بالكلام أو السلام فحسب، بل وبالعناية والرعاية وإجابة السؤال، فيقول صلى الله عليه وسلم:" أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ" رواه الحاكم) ولمَّا جاء إليه رجل فقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ " رواه مسلم) .
    - السماحة بين الزوجين: فلقد أكد الإسلام على ضرورة السماحة بين الزوجين بحسن العشرة، فقال تعالى (ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أزواجاً لِتَسْكُنوا إليْها وجَعَلَ بينَكُمْ مَوَدَّةً ورحمةً، إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكَرُون)الروم 21) وما أعظم هذا الوصف للحياة بين الزوجين الذي وإن دل فإنما يدل على القيمة الحقيقية للسماحة التي ينبغي أن تكون بين الزوجين إذ يقول سبحانه ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّـهُنَّ)البقرة187) فاللباس من صفته أنه يقي صاحبه المكروه من برد وحر، ويستره عن أعين الناس، كما أنه لا يصلح لغير صاحبه، ومن ثم فينبغي أن يسود العفو والتسامح والمودة والمحبة وحسن العشرة والتغافل عن الزلات بين الزوجين ، فقد قال تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )النساء19) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يفرِك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلُقاً رضيَ منها آخر " ويقول أيضا:" اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" رواه البخاري) ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا ، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ : أَلَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا ، فَقَالَ لَهُمَا : أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا ، كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا "رواه أبو داود)
    - حسن الجوار: فلقد أكد الإسلام على السماحة مع الجيران حتى جعلها علامة على صدق الإيمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ" رواه مسلم)، ويقول صلى الله عليه وسلم " مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ"المعجم الكبير للطبراني) وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ" قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ" رواه البخاري) وما زال الإسلام يؤكد على حسن الجوار حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" رواه البخاري)
    - السماحة بحسن الكلام وطيب الأفعال وجميل الأخلاق، مع الناس جميعا؛ فقد قال الله جل وعلا (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة83) وقال تعالى (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) الإسراء 53) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ" رواه الترمذي) وفي فضل مثل هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا "، فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه احمد) وفي المقابل: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ".
    فمن تأكيد الإسلام على تحقيق هذه القيمة النبيلة، كان أفضل الإسلام، بل وتمامه، أن يسلم الناس من يد العبد ولسانه، فلما سئُل النبي صلى الله عليه وسلم، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". كذلك كان من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن من كمال الإيمان وتمامه أن تحب للناس ما تحبه لنفسك إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ " رواه احمد) كما اخبرنا صلى الله عليه وسلم أن من أفضل الناس سليم الصدر صدوق اللسان؛ فلما سئل صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: أيُّ الناسِ أفضلُ قال:" كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ قالوا صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ قال هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ" رواه ابن ماجه) كما أن أحب الناس إلى الله انفعهم للناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ".
    ومن ذلك السماحة بقضاء حوائج المحتاجين وكشف الكرب عن المكروبين والسعي في مصالح الناس، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ". وعن أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ أنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ في سَفَرٍ إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلةٍ لهُ، فَجعَلَ يَصْرِفُ بَصَرهُ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَقَالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ، فَلْيعُدْ بِهِ عَلَى منْ لا ظَهر لَهُ، ومَنْ كانَ لَهُ فَضلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا زَادَ لَهُ" فَذَكَرَ مِنْ أَصْنافِ المَالِ مَا ذَكَرَهُ، حَتى رَأَينَا أَنَّهُ لاَ حقَّ لأحَدٍ مِنَّا في فضْلٍ" رواه مسلم)
    ومنها السماحة في المعاملة؛ من بيع وشراء، فقد قال صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى" رواه البخاري) ومن صدق في التجارة، بعدم الغش والتدليس أو الاحتكار، فقد قال صلى الله عليه وسلم " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ" وعن معمر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" لا يحتكِرُ إِلاَّ خاطِئٌ " رواه مسلم) ومن تيسير على المعسرين، فقد قال تعالى﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾البقرة 280)وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نحن أحقُّ بذلك، قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ".
    فما أحوجنا إلى أن نتمسك بقيم ديننا وهدى نبينا فنحقق السماحة في ديننا وسلوكنا ومعاملاتنا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ". وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" رواه مسلم )

    اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق ، واصرف عنا سيئها
    وأحفظ مصر وجيشها وشعبها من كل مكروه وسوء .


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 1:38 am