الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    قصة فداء إسماعيل عليه السلام قيم تربوية ودروس عملية

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2671
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    قصة فداء إسماعيل عليه السلام قيم تربوية ودروس عملية    Empty قصة فداء إسماعيل عليه السلام قيم تربوية ودروس عملية

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الإثنين نوفمبر 18, 2019 10:17 pm

    درس الثلاثاء ( سيره ) ١٩ ١١ ٢٠١٩
    تحت عنوان 👇
    ===========٦٦
    قصة فداء إسماعيل عليه السلام
    قيم تربوية ودروس عملية

    سجلَ القرآن الكريم مواقفَ بعض أبناء الأنبياء وزوجاتهم، وخلَّد ذكرهم؛ سواء أكان ذلك على صعيد المدح والثناء، أو على سبيل الذم والإنكار لأخذ العظات والعبر، فالمؤمن كما يفيد من النماذج الإيجابية المضيئة المشرقة اقتداءً، فإنه يفيد أيضًا من النماذج السلبية المظلمة المعاندة ابتعادًا واتقاءً.
    ===========٦٦
    وإذا كان القرآن قد سجل موقف ابن نبي الله نوح نموذجًا للعقوق والجحود؛ فقال: ﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ [هود: 46]، لبيان أن الاستقامة والتزام منهج الله هي الأَولى بالانتساب والأجدر بالانتماء، فإنه قد سجل موقف إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام نموذجًا يُقتدى به في الطاعة والامتثال لأمر الله عز وجل.
    ===================٦٦
    والمتأمل في قصة إبراهيم وإسماعيل "عليهما السلام" في القرآن الكريم، يجد أنها تحمل كثيرًا من القيم التربوية النبيلة والعظات البليغة، فإبراهيم قد كبرت سِنُّه وبلغ مبلغ الشيخوخة، ثم يتزوج ويستجيب الله دعاءً لطالما لهج به لسانُه، وتأتيه البشرى بالغلام، ولكنه غلام ليس كأي غلام، إنه غلام حليم: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]، فعطاء الله على قدره سبحانه، ويشاء الله أن يكون "إسماعيل" مِن "هاجر"، ثم يهاجر إلى الحجاز، وبعد ذلك يُوْدع سبدناإبراهيم زوجته ووحيدَه بوادٍ غير ذي زرع مع ولدها من بلاد الحجاز، ولكنه أبدًا لم ينسَ سلاحه الدعاء، ذلك السلاح الذي إن أحسنه المؤمن كان له حرزًا وفرحًا ونصرًا: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].

    وتمر الأيام والسنون ويشب الابن عن الطوق، ويرى الأب في المنام أنه يذبحه - ورؤيا الأنبياء صدق - فيخبره مناديًا إياه نداءَ الرفق والمودة: (يا بُني..)، ثم يشركه معه في أخذ قرار حاسم، فهو طرفٌ فيه رئيس: ﴿ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات: 102]، وهنا تتجلى عظمة الأب والابن معًا؛ فالأب يستشير ابنه من باب الإشراك وتحمل المسؤولية لا من باب الأخذ والرد، إنه واثق من برِّ ابنه واستسلامه وانقياده لأمر الله عز وجل، فإبراهيم قد ربى وأحسن التربية، ويعلم علم اليقين مردودَ هذه التربية الصالحة والنشأة المستقيمة السوية، ولكنه أراد أن يشركه معه لذةَ الامتثال لأمر الله، وحلاوة الرضا بقضائه وقدره وجزاء احتساب العمل (الذبح) لله عز وجل؛ جاء في تفسير الطبري: (فانظر ماذا ترى): اختلفت القراء في قراءة قوله: (ماذا ترى؟)، فقرأته عامة قُراء أهل المدينة والبصرة، وبعض قُراء أهل الكوفة: "فانظر ماذا تَرى" بفتح التاء، بمعنى: أي شيء تأمر، أو فانظر ما الذي تأمر، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة (ماذا تُرى) بضم التاء، بمعنى: ماذا تشير، وماذا ترى من صبرك أو جزعك من الذبح؟"، فإن قلت: لِمَ شاوره في أمر هو حتم من الله؟ قلت: لم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته، ولكن ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله، فيُثبت قدمه ويُصبره إن جزع، ويأمن عليه الزلل إن صبر وسلَّم، وليعلمه حتى يراجع نفسه فيوطِّنها ويهوِّن عليها، ويَلْقى البلاء وهو كالمستأنس به، ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله قبل نزوله".
    ============٦٦
    وعلى كل حال، فإن الابن لم يخيِّب ظن أبيه في أصعب قرار وأشد ابتلاء، بل كان في الموعد المحدد، وعلى قدر هذه الأمانة وذاك الحمل الثقيل، فأجاب أباه بملء فيه جواب الواثق الثابت: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، إنه على صغر سِنه وتقلُّبه في حد الطفولة، كان فيه من رجاحة العقل و الحلم وفسحة الصدر ما حمله على احتمال ذالك البقاء العظيم
    =============٦٦
    إن في الآية دروسًا بليغة في البر وطاعة الوالدين ولو كان الثمن غاليًا، لقد أجاب الابن أباه برفق وتودُّد: (يا أبتِ) ردًّا على خطاب الأب الرفيق له من قبل (يا بُني)، لتتوقف أنفاس الكون، لتصغي آذانه وتشخص أبصاره أمام روعة هذا المشهد التربوي الفريد، وكيف لا والأب نبي والابن نبي؟! ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، إنها رسالة لكل ابن يريد أن يعرف كيف يكون البر بالأب، ودرس لكل أب في أسلوب التربية وكيفية توجيه الأمر.

    وينقاد الأب ويستسلم الابن لإرادة الله ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ [الصافات: 103] طواعيةً ورضًا واختيارًا، ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103]؛ أي: صرع الأب ابنه، فلذة كبده وألقاه على الأرض، أو أسقطه على التل "تَلَّه"؛ كما نقول: تربه؛ أي: (أسقطه على التراب)؛ انظر المفردات للراغب ص167.

    ===================٦٦
    وعندما يقترب المشهد من إسدال الستار على هذه القصة التي يُتوقع بنهايتها أن تنتهي حياة ابن طال انتظار أبيه له، يأتي الفرج حاملًا البشرى بالنجاة من الذبح والنجاح في الاختبار: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾ [الصافات: 104 - 106].

    وعلى جنبات الصورة ظلال ذُكرت في كتب التفسير نورد بعضها؛ منها ما جاء في تفسير "الجامع لأحكام القرآن"؛ يقول القرطبي: وفي الخبر: أن الذبيح قال لإبراهيم عليه السلام حين أراد ذبحه: يا أبت، اشدُد رباطي حتى لا أضطرب، واكفُف ثيابك؛ لئلا ينتضح عليها شيء من دمي، فتراه أمي فتحزن، وأسرع مَرَّ السكين على حلقي؛ ليكون الموت أهونَ عليَّ، واقذفني للوجه، لئلا تنظر إلى وجهي فترحمني، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزَع، وإذا أتيتَ إلى أمي فأقرئها مني السلام..."، على أن ما تجب الإشارة إليه أن يكون اهتمامنا وتركيزنا على الثابت يقينًا في السنة الصحيحة من ثبوت قصة الذبح، ومن استعداد إبراهيم وعزمه عليه، ومن صبر إسماعيل وطاعته لله عز وجل ثم لأبيه خليل الرحمن.

    ==============٦٦
    وفي ختام مشهد الذبح يأتي الفداء؛ ليؤكد نجاح إبراهيم وابنه إسماعيل في أشد اختبار وأقصي ابتلاء؛ ذلك الذي عبر الله سبحانه عنه بالتوكيد بـ"إن" و"اللام"، وبوصف هذا البلاء بأنه مبين، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾ [الصافات: 106]، ثم يأتي التعليل، لتعليل ما خوَّلهما من الفرج بعد الشدة، والظفر بالفرج بعد اليأس: ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 105].
    ======================٦٦

    لماذا يختبر الله العباد
    إن الله عز وجل غنيٌّ عن عباداتنا وطاعاتنا، لكنه يختبر ليمحص، ويبتلي ليغفر ويمتحن ليرفع الدرجات، فإذا رأى سبحانه الصدق من عبده رحمه واستجاب له، ثم قربه واصطفاه، لقد استجاب الله دعوة إبراهيم فرزقه بدلًا من الابن ابنين "إسماعيل وإسحاق"، ورحم ضَعفه، فعفا عن الذبيح ونجَّا إسماعيل لأبيه، ثم اصطفى هذا الذبيح؛ ليكون نبيًّا فتقر به عينُ أُمه الصابرة المضحية، ويخلد ذكرُها مع ذِكر نبيين كريمين، ولتُصبح تلك الأماكن منسكًا يتعبَّد الحجاج والمعتمرون به إلى يوم القيامة.
    ==============٦٦
    إننا بحاجة للوقوف مع آي القرآن الكريم بحثًا ودراسة، وفهمًا ومعايشة، ومع قصصه تدبرًا واستخلاصًا للعبر والعظات لنحياها واقعًا، فنفيد منها في حياتنا، ونعلمها النشء؛ ليشبوا وقد تشبَّعت قلوبهم بمعاني الإيمان، ويكبروا وقد روتْ مياه اليقين نفوسَهم، فلا نخشى عليهم تقلبات الزمان، ولا ظهور الفتن؛ لأنهم قد تحصَّنوا بأشد الحصون، ولاذوا بركنٍ من الإيمان ركين، نسأل الله فهمًا من غير عِوَج، وعملًا من غير نفاق، ووَحدة للمسلمين من غير فرقة،
    ================
    فضيلة الشيخ طاهر ابو المجد
    مدير عام أوقاف شبرا الخيمة شرق

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 4:56 am