الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة بعنوان (رمضان شهر الانتصارات) 22/3/2024م الموافق 12من شهر رمضان 1445ه

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2692
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة بعنوان (رمضان شهر الانتصارات)  22/3/2024م الموافق 12من شهر رمضان 1445ه Empty خطبة بعنوان (رمضان شهر الانتصارات) 22/3/2024م الموافق 12من شهر رمضان 1445ه

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأحد مارس 17, 2024 12:15 am

    خطبة بعنوان (رمضان شهر الانتصارات)
    22/3/2024م الموافق 12من شهر رمضان 1445ه


    عناصر الخطبة 
    ١) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
    ٢) فتح مكة
    ٣)انتصار المعتصم على ملك الروم
    ٤) انتصار المسلمين على التتار 
    ٥ ) حرب اكتوبر المجيدة 
    ٦) جهاد النفس مقدم على غيره من أنواع الجهاد
     
    وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
    _________________
    في شهر رمضان حقق المسلمون عدة انتصارات كانت بمثابة المحطة الفارقة والنقطة الفاصلة في حياة الأمة الإسلامية، وأُولى هذه الانتصارات كانت يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم بدر، في العام الثاني من الهجرة، عندما التقت الفئة المؤمنة جند الرحمن، مع جند الشيطان الفئة الكافرة، وقد تراءت الفئتان من أول صدام بين الحق والباطل والإيمان والكفران، ويتنزل نصر الله عز وجل على المؤمنين، ليكون أعظم انتصارات الإسلام.


    ومن روعة الانتصار أيها المسلمون وعظمة المشهد، أنزل الله عز وجل في الواقعة قرآنًا يتلى إلى يوم الدين في سورة الأنفال التي نزلت معظم آياتها في شأن غزوة بدر، وقد سماها المولى عز وجل يوم الفرقان؛ لأنها كانت فرقانًا بين عهد الاستضعاف والقلى وتسلُّط الأعداء، إلى عهد القوة والانتشار والنصر على الأعداء، واستحق أهل بدر صك المغفرة والعتق من النيران الذي أصدره رب البرية على لسان رسول البشرية: "لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم..."؛


    قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 123 - 126].


     قال السيوطي:
    {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)}.
    أخرج أحمد وابن حبان عن عياض الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض. وليس عياض هذا قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة... فكتبنا إليه أنه قد حاس إلينا الموت واستمددناه. فكتب ألينا أنه جاءني كتابكم تستمدونني، وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا وأحضر جندًا، الله عز وجل، فاستنصروه فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ.
    وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ولقد نصركم الله ببدر} إلى {ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} [آل عمران: 124] في قصة بدر.


    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: بدر ماء بين مكة والمدينة، التقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون، وكان أوّل قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذ: إنهم اليوم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، وألف المشركون يومئذ أو راهقوا ذلك.


    وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وأنتم أذلَّة} يقول: وأنتم قليل، وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة.
    وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه وابن أبي حاتم عن رافع بن خديج قال: قال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تعدون من شهد بدرًا فيكم؟» قال: خيارنا. قال: «وكذلك نعد من شهد بدرًا من الملائكة فينا».
    وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال: على كل مسلم أن يشكر الله في نصره ببدر. يقول الله: {لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}.


    {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ الله إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}.
    أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز جابر المحاربي يمد المشركين، فشق ذلك عليهم، فانزل الله {ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف} إلى قوله: {مسوّمين} قال: فبلغت كرزًا الهزيمة فلم يمد المشركين؛ ولم يمد المسلمون بالخمسة.
    وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: لما كان يوم بدر بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال: {ويأتوكم من فورهم هذا} يعني كرزًا وأصحابه {يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين} فبلغ كرزًا وأصحابه الهزيمة فلم يمدهم ولم تنزل الخمسة، وأمدوا بعد ذلك بألف فهم أربعة آلاف من الملائكة مع المسلمين.
    أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {إذ تقول للمؤمنين} الآية. قال: هذا يوم بدر.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: أمدوا بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف. وذلك يوم بدر.
    وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {بلى إن تصبروا وتتقوا} الآية. قال هذا يوم أحد فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد، ولو مدوا لم يهزموا يومئذ.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لم يمد النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ولا بملك واحد لقول الله: {إن تصبروا وتتقوا} الآية.
    وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {إن تصبروا وتتقوا} الآية. قال: كان هذا موعدًا من الله يوم أحد عرضه على نبيه صلى الله عليه وسلم، أن المؤمنين إن اتقوا وصبروا أيدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، ففر المسلمون يوم أحد وولوا مدبرين فلم يمدهم الله.
    وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ينتظرون المشركين: يا رسول الله أليس يمدنا الله كما أمدنا يوم بدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} فإنما أمدكم يوم بدر بألف قال: فجاءت الزيادة من الله على أن يصبروا ويتقوا».
    وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ويأتوكم من فورهم هذا} يقول: من سفرهم هذا.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: {من فورهم} من وجههم.
    وأخرج ابن جرير عن الحسن والربيع وقتادة والسدي. مثله.
    وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن عكرمة {من فورهم} قال: فورهم ذلك كان يوم أحد، غضبوا ليوم بدر مما لقوا.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {من فورهم} قال: من غضبهم.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح مولى أم هانئ. مثله.
    وأخرج ابن جرير عن الضحاك {ويأتوكم من فورهم} يقول: وجههم وغضبهم.
    وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {مسوّمين} قال: «معلمين، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائمَ سودًا، ويوم أحد عمائمَ حمرًا».
    وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير، أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتمرًا أو مُعْتَمًا بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.
    وأخرج ابن إسحق والطبراني عن ابن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضًا، قد أرسلوها في ظهورهم. ويوم حنين عمائم حمرًا، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عددًا ومددًا لا يضربون.
    وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {مسوّمين} قال: الملائكة عليهم عمائم بيض مسوّمة فتلك سيما الملائكة قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الشاعر يقول:
    ولقد حميت الخيل تحمل شكة ** جرداء صافية الأديم مسوّمة


    وأخرج ابن جريرعن أبي أسيد وكان بدريًا أنه كان يقول: لو أن بصري معي ثم ذهبتم معي إلى أحد لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة في عمائم صفر، قد طرحوها بين أكتافهم.
    وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن عروة قال: نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق، وكان على الزبير يومئذ عمامة صفراء.
    وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة عن عروة قال: نزل جبريل يوم بدر على سيما الزبير، وهو معتم بعمامة صفراء.


    وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن إسحق قال: إن أول ما كان الصوف ليوم بدر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تسوّموا فإن الملائكة قد تسوّمت. فهو أول يوم وضع الصوف».
    وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها.
    وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله: {مسوّمين} قال: بالعهن الأحمر.
    وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مسوّمين} قال: أتوا مسوّمين بالصوف، فسوّم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف.
    وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {مسوّمين} قال: معلمين مجزوزة أذناب خيولهم ونواصيها، فيها الصوف والعهن.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {مسوّمين} قال: ذكر لنا أن سيماهم يومئذ الصوف بنواصي خيلهم وأذنابهم، وأنهم على خيل بلق.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة {مسوّمين} قال عليهم سيما القتال.
    وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: كانوا يومئذ على خيل بلق. ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور)


    فتح مكة
    ________
    وفي رمضان من العام الثامن من الهجرة كانت محطة فارقة ونقطة فاصلة في حياة الأمة، عندما فتحت جيوش الصحابة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وأعلنوا سقوط عاصمة الشرك والاستكبار الجاهلي التي طالَما استغل المشركون منزلتها وفضلها في التحريض ضد الإسلام والمسلمين، وأعلنوا تحرير بلد الله الحرام من أدران الشرك والأوثان، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الأمة اتحدت فيها بلاد الحرمين، الأصل والمهجر، وأعلن عن قيام الدولة الإسلامية على حدود جديدة.


     انتصار المعتصم على ملك الروم
    _______________________
    أيها المسلمون، عندما قاد المعتصم العباسي جيشًا جرارًا أوله من منابت الزيتون وآخره على أبواب عمورية، وذلك في رمضان سنة 223هـ، بعد أن تجبر طاغية الروم توفيل بن ميخائيل، واستغل انشغال المسلمين بقتال بابك الخرمي في فارس، وهجم بمائة ألف صليبي على حدود الدولة الإسلامية، وأوقع بأهل زبطرة في الأناضول مذبحة مروعة، فقتل الكبير والصغير، فجدع الأنوف وسمل العيون، واستاق الحرائر، حتى إن امرأة هاشمية صاحت بعد أن لطمها كلب رومي فقالت: "وامعتصماه"، وطارت الأخبار للخليفة المعتصم وهو في إيوان قصره، فلما طرقت الصرخة الحزينة مسامع الأسد "المعتصم العباسي" أسرع مهرولًا في قصره وهو يقول مثل الإعصار: "النفير النفير"، وقد خرج بكل ما لديه من جيوش، وأقسم ليهدمنَّ أعزَّ مدينة عند الرومان، وقد كتب وصيته ولبس كفنه وتحنَّط، وقسَّم ماله: ثلثًا لأهله، وثلثًا للمجاهدين، وثلثًا لمنافع المسلمين، ولم يهدأ له بال ولم يستقر له حال حتى أناخ بساحة عمورية بأكثر من مائة ألف مجاهد من ثلاث جهات، ودخل عمورية في السادس من رمضان سنة 223هـ، فهدمها بالكلية، وتركها قاعًا صفصفًا، وأدَّب أعداء الأمة تأديبًا هائلًا، ارتدعوا به فترة طويلة، واستعادت الأمة كرامتها.


    وكان رمضان منطلَقًا بالأمة إلى العالمية
    ______________________________
    وكان رمضان منطلَقًا بالأمة إلى العالمية؛ حيث خرجوا من حدود الجزيرة العربية إلى العالمية، حيث حملوا رايات التوحيد إلى قلب العالم، وذلك مبكرًا جدًّا عندما فتح المسلمون جزيرة رودوس سنة 53هـ، ثم فتحوا الأندلس في معركة وادي لكة الشهيرة سنة 92 هـ، وأصبح غرب القارة الأوروبية مسلمًا يتردد الأذان في جنباته، ثم فتح المسلمون جزيرة صقلية سنة 212هـ، عندما قاد القائد الفقيه المحدث أسد بن الفرات جيوش المسلمين لمعركة سهل بلاطة في التاسع من رمضان سنة 212هـ؛ ليفتح أكبر جزر البحر المتوسط، ويصبح المسلمون على بعد خمسة أميال فقط من إيطاليا، ثم واصل المسلمون انطلاقهم إلى العالمية لنشر التوحيد بين ربوع المعمورة، وفتح العثمانيون - بقيادة سليمان القانوني - بلجراد عاصمة الصرب في رمضان سنة 927هـ، وأصبحت بلجراد مدينة إسلامية، وانتشرت فيها المساجد، حتى بلغ تعدادها 250 مسجدًا قام الصرب بإحراقها جميعًا بعد سقوط الدولة العثمانية.


     وانتصر المسلمون بقيادة قطز في رمضان
    ________________________________
    أيها المسلمون، وانتصر المسلمون بقيادة سيف الدين قطز على جحافل التتار في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ، وقضوا على أسطورة التتار الجيش الذي لا يهزم، وكانت تلك الأسطورة قد روعت الناس في كل مكان؛ حيث بلغ من شدة خوفهم ورعبهم من التتار أن الجندي التتري الواحد يدخل السرداب وفيه مائة رجل، فيقتلهم جميعًا وحده بعد أن قتلهم الخوف والفزع من لقاء التتار.


    حرب ٦ اكتوبر 
    ___________
    وفي 10 رمضان 1363هـ (6 أكتوبر 1973م)، عبر الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف، وألحق الهزيمة بالقوات الصهيونية، في يوم من أيام العرب الخالدة التي سطرها التاريخ في أنصع صفحاته بأحرف من نور، ففي هذا اليوم وقف التاريخ يسجل مواقف أبطال حرب أكتوبر الذين تدفَّقوا كالسيل العرم يستردون أرضهم، ويستعيدون كرامتهم ومجدهم؛ فهم الذين دافعوا عن أرضهم وكافحوا في سبيل تطهيرها وإعزازها، فبعد أن احتل اليهود سيناء الحبيبة والجولان والضفة والقدس وغزة في 5 يونيو 1967م، أخذوا يتغنون بأسطورة جيشهم الذي لا يقهر، لكن مصر نجحت بفضل الله في إعادة بناء جيشها وجهزته بالعتاد وخيرة جنود الأرض، وبالتخطيط الجيد مع أشقائها العرب وبإرادة صلبة قوية وإيمان قوي عظيم وبخطة دقيقة محكمة فاجأت إسرائيل والعالم كله الساعة الثانية بعد الظهر، وانطلقت أكثر من 220 طائرة تدك خط بارليف الحصين ومطارات العدو ومراكز سيطرته، وفي نفس الوقت سقطت أكثر من عشرة آلاف وخمسمائة دانة مدفعية، وتعالت صيحات: الله أكبر، وتَم عبور القناة واقتحام حصون العدو وتحطيمها واندحر العدو، وهزم شرَّ هزيمة، ورجعت أرض سيناء كاملة بعد ذلك نتيجة لهذه الحرب المجيدة، في هذا الشهر العظيم، شهر عزة المسلمين والذلة لأعداء الحق أعداء الدين.


     جهاد النفس مقدم على غيره من أنواع الجهاد
    ____________________________________
     إذا كنا قد ذكرنا جهاد المسلمين في رمضان نذكر أيضاً أنهم ما انتصروا على أعدائهم إلا لأنهم جاهدوا أنفسهم وانتصورواىعليها فجهاد النفس مقدم على غيره من أنواع الجهاد لأن الإنسان إذا لم يجاهد نفسه فلن يستطيع أن يجاهد غيره قال الله سبحانه وتعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وجهاد النفس يكون بإلزامها بطاعة الله سبحانه وتعالى ونهيها عن هواها وعما حرم الله سبحانه وتعالى وهذا يحتاج إلى جهدٍ وصبر وعناية لأن النفوس لها ثلاثة صفات:


    الصفة الأولى:أن تكون أمرةً بالسوء، وهذا هو الأصل في النفس أنها أمرةً بالسوء تريد الشر وتطيع الشيطان، وتتبع هواها يسهل عليها فعل المحرمات والشهوات ويصعب عليها فعل الطاعات والواجبات، فتحتاج من صاحبها إلى مجاهدة ومرابطةٍ ومصابره حتى تطمأن.


    النوع الثاني:لوامة، فالنفس اللوامة التي يحصل منها الشر والسوء ثم تندم وتلوم صاحبها حتى تحمله على التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وهذه أحسن من الذي قبلها، ولهذا أقسم الله بها فقال سبحانهSad لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ* وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).


    والنوع الثالث:من صفات النفوس النفس المطمئنة التي ارتاحت إلى طاعة الله وطمأنة بذكر الله وتلذذت بالطاعات ونفرت من المعاصي فهذه التي تنادى يوم القيامة(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي)،( ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) الذي خلقك وكذلك ارجعي إلى الجسد الذي خرجت منه ارجعي إليه  مطمئنة راضيةً مرضية تبشر بذلك عند القيامة وعند قيام الناس من قبورهم تبشر بهذه البشارة العظيمة، وهذه النفس هي التي أعان الله صاحبها عليها في الدنيا فألزمها طاعة الله سبحانه ونهاها عن معصيته وجاهدها في الله عز وجل ولهذا قال سبحانه وتعالىSad وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، فالمسلم المؤمن يزكي نفسه بطاعة الله بمعنى يطهرها ويعودها ويروضها على طاعة الله فهذه هي التزكية المأمور بها التي أمر الله بها وأفناء على أهلها فهي التي يعتني بها صاحبها ويأخذ بزمامها، وأما التزكية المنهي عنها في قوله تعالىSad فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ)  .


    أيها المؤمنون، إنكم مع أنفسكم في جهاد عظيم ، ولهذا يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على الله (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) قال الله سبحانه وتعالىSad فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) ينشر كتابه للناس فرحاً مسروراً لأن فيه ما يسره يود أن يطلع الناس عليه لما فيه من الخير(هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) السبب (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) يعني في الدنيا تيقن أنه سيلاقي المحاسبة على أعماله فحاسب نفسه في الدنيا حاسب نفسه في الدنيا ونقاها وزكاها بطاعة الله سبحانه وتعالى فهو يلقى هذا المصير المفرح، نسأل الله من فضله (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) بيده اليسرى والعياذ بالله (فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ) يُخُجلِ ويَخَجلَ ويود على أنه لم يطلع على كتابه هو فكيف يطلع عليه الناس لأنه فضيحه والعياذ بالله (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ) لأنه عرف عند أعطاه الكتاب مصيره والعياذ بالله (يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ) يتمنى أنه لم يبعث وأن موته هو النهاية وأنه لم يبعث للدار الآخرة ثم يتحسر ويقول (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) هذا مصير من ضيع نفسه واتبع هواها وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: الكيس يعني العاقل من زان نفسه أي حاسبها ولم يزكها بالمدح من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .


    فتقوا الله ،عباد الله، مع أنفسكم حاسبوها ما دام ذلك ممكن لكم قال تعالىSad يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) نسوا الله جلَّ وعلا نسوا طاعته ونسوا وعده ووعيده ونسوا الوقف بين يديه يوم القيامة فأنساهم أنفسهم جزاءاً لهو وعقوبةً لهم فلم يقدموا لأنفسهم خيرا (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً).


    فتقوا الله، عباد الله، حاسبوا أنفسكم لا تنظروا إلى عيوب غيركم وتغفلوا عن عيوبكم بل أبدوا بأنفسكم حاسبوها ثم انظروا إلى غيركم بالنصيحة والإصلاح والموعظة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تكونوا من المفلحين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى* يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى* وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى* فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.


     


    أسأل الله أن ينفعَنا بما نقول وبما نسمع، وأن ينصُرنا على أعدائنا، إنه نعم المولي ونعم النصير.


    وأقم الصلاة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:39 pm