الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    ((رمضان شهر الطاعات، شهر الجدّ والعمل)) (منقحة ومزيدة) الجمعة الموافقة 5 من رمضان 1445هـ الموافقة 15/3/2024م

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2689
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    ((رمضان شهر الطاعات، شهر الجدّ والعمل)) (منقحة ومزيدة)  الجمعة الموافقة 5 من رمضان 1445هـ الموافقة  15/3/2024م Empty ((رمضان شهر الطاعات، شهر الجدّ والعمل)) (منقحة ومزيدة) الجمعة الموافقة 5 من رمضان 1445هـ الموافقة 15/3/2024م

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد السبت مارس 16, 2024 3:16 pm

    ((رمضان شهر الطاعات، شهر الجدّ والعمل)) (منقحة ومزيدة)

    الجمعة الموافقة 5 من رمضان 1445هـ الموافقة  15/3/2024م
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. الجدّ من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) والسلف الصالح في رمضان.
    2. النهي عن تفريغ رمضان من مضمونه، وإخراجه عن الحكمة من فرضيته.
    3. الخطبة الثانية: (ميزات الطاعة والعبادة في شهر رمضان).
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للصائمين، ولا عدوان إلا على المفطرين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    ===========================================
    (1) ((الجدّ من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) والسلف الصالح في رمضان))
    ===========================================
    أيها الأحبة الكرام: شهر رمضان هو شهر الطاعات والعبادات، وشهورنا كلها طاعة وعبادة لله عزّ وجلّ قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:163،162].
    ==
    ولشرف هذا الشهر الكريم، ولشرف الطاعة والعبادة فيه، ولعظيم أجرها وثوابها؛ كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يجتهد فيها ويكثر منها في هذا الشهر الفضيل ما لا يجتهد في غيره من بقية الشهور، فعن أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَجْتَهِدُ في رَمَضَانَ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ، وَفِي العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْهُ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ)(جامع الأًصول).
    ==
    والاجتهاد في الطاعة والعبادة قد يكون بتنوعها، والإكثار من أشكالها، فتقبل على الصدقة، صلة رحم، قضاء حوائج، السنن والنوافل...الخ)، وذلك بعد أداء الفرائض، وقد يكون ببلوغ الحدّ الأعلى منها وخصوصا في السنن والنوافل، فعن أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟. فقال: (يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)(اللفظ لمسلم)، وهذا يستغرق بما لا يقل عن ثلاث أو أربع ساعات قيامًا على قدميه.
    ويقول حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه): (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ...)(رواه مسلم)  إذا كان ذلك هو حال النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في غير رمضان فكيف كان حاله في شهر الجدّ والاجتهاد شهر العبادة والطاعة؟.
    ==
    ...هذا وقد تعلم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم هذا الهدي النبوي، وفقهوه وعرفوه تمام المعرفة، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه): (كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِذَا اسْتَهَلَّ شَعْبَانُ أَكَبُّوا عَلَى الْمَصَاحِفِ (أي: قرأوها)، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ فِي زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ فَقَوُّوا بِهَا الضَّعِيفَ وَالْمِسْكِينَ عَلَى صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ...)(الترغيب والترهيب).
    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: جمعت القرآن، فقرأت به في كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ أَنْ تَمَلَّ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. قَالَ: (اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. قَالَ: (اقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. قَالَ: (اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، فَأَبَى)(اللفظ لأحمد ورواه مسلم)، وفي رواية: (اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ)، وفي رواية: (لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ)(رواهما الترمذي). وروى عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه): (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ يُوتِرُ بِهَا)(السنن والشعب للبيهقي)، وروي أن تميم الداري (رضي الله عنه): (كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ)(السنن والشعب)، وروي عن سعيد بن جبير: (أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ فِي الكَعْبَةِ)(السنن والشعب).
    وعن السائب بن يزيد (رضي الله عنه) ت(91هـ): (...وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ، حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ. وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلاَّ فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ)(موطأ مالك)، وكان ثابت البُناني يختم القرآن في كل يوم وليلة من شهر رمضان، وكان سليمان يختم القرآن في ليلة ثلاث مرات.(شرح صحيح البخاري لابن بطال)، وعن الأعرج: (...وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ)(موطأ مالك)، وكان الإمام الشافعي (رحمه الله) يختم القرآن في كل رمضان ستين ختمة، غير ما يقرأ في الصلاة، وفي كل شهر ثلاثين ختمة. (تاريخ دمشق وسير أغلام النبلاء).
    ===========================================
    (2) ((النهي عن تفريغ رمضان من مضمونه، وإخراجه عن الحكمة من فرضيته))
    ===========================================
    هكذا ينبغي أن يكون حالنا في رمضان، أن نقبل على الطاعات والعبادات بحب وشغف، وأن نؤديها بجدّ واجتهاد، وأن نحذر قطاع الطرق ولصوص رمضان، فشهر رمضان ما جعل للانشغال بتحضير أصناف المأكولات والمشروبات والإسراف في تناولها، شهر رمضان ما جعل للدورات الرمضانية، ولا الخيم الرمضانية، ما جعل للهو واللعب، ما جعل لمشاهدة المسلسلات، ولا الانشغال بالدراما، ولا بالبرامج الخالية من الهدف التافهة المضمون.....الخ، شهر رمضان ما جعل لقتل أوقاته ولحظاته الثمينة في مجالس الغيبة والنميمة الخالية عن الهدف والمضمون، وذكر الله...وهكذا.
    ==
    فالصيام عبادة وطاعة شرعت لحكمٍ عاليةٍ وأهدافٍ ساميةٍ لخصها وأوجزها الحق تبارك وتعالى في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183].
    ==
    الصيامُ شُرِع للتخفف من الأعباء الجسدية، والأمور الدنيوية بالإمساك عن الطعام والشراب ومباشرة الزوجة من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187]،
    ==
    ومن عجيب أمر الناس أنهم جعلوا شهر رمضان وفريضة الصيام موسمًا للزيادة في الاستهلاك، والإسراف في تناول المطعومات والمشروبات، بل وفي مصادر الطاقة والكهرباء أيضًا، مع أن الشريعة الإسلامية بقرآنها وسنتها قد نهيا عن ذلك، قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ)(رواه ابن ماجه).
    ==
    إن فريضة الصيام شرعت لتربية القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاق القويمة في نفوسنا، ففريضة الصيام بحق مدرسة تربوية أخلاقية، فيها الصبر، والإرادة، وقوة التحمل، وضبط النفس، وضبط اللسان، فيها الشعور بالآخرين، وفيها الجود والكرم، وتحثنا على الابتعاد عن كل ما يفسد الصيام، وينقص من أجره وثوابه، قال (صلى الله عليه وسلم): (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ)(رواه البخاري)، وقال سيدنا جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما): (إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ، عَنِ الْكَذِبِ، وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً)(شعب الإيمان)، ومن عجيب أمر الناس أيضًا في هذا العصر أنهم يقبلون على مشاهدة ما يئد القيم والأخلاق في نفوس البشر من المسلسلات وغيرها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    ==
    إن فريضة الصيام شرعت شحذًا للروح وصرفًا للهمم إلى المراتب الروحانية الملائكية العالية، كما كان من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهدي السلف الصالح كما تقدم.
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له.
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((ميزات الطاعة والعبادة في شهر رمضان))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    ==
    أيها الأحبة الكرام: فما زال الحديث بنا موصولا مع الترغيب في الإكثار من الطاعات والعبادات في شهر رمضان، والترغيب في الإقبال عليها، وبقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن نتعرف على ميزات الطاعة والعبادة في هذا الشهر الكريم، فأقول:
    ==
    من ميزات الطاعة والعبادة في شهر رمضان تعددها واجتماعها فيه اجتماعًا لا يتحقق في غيره من الشهور، ففي شهر رمضان تجتمع أمهات العبادة والطاعة، ففيه الصيام، والصلوات الخمس وصلة الأرحام، وصدقة الفطر وهذه من الفروض والواجبات، وفيه قراءة القرآن، والاستغفار، والدعاء، والذكر، وفيه التراويح والتهجد والقيام، وفيه الجود والكرم والسخاء، وفيه المحافظة على الجماعات، والاستماع لدروس العلم...إلخ، وكل ذلك من السنن والمندوبات.
    ==
    أيضًا من ميزات الطاعة والعبادة في شهر رمضان؛ أن العبادات والطاعات فعلها ميسرٌ، وطريقها معبدٌ ومذللٌ، وذلك لما اختص الله به هذا الشهر الكريم من الفضائل فالناس أغلبهم على الطاعات مجتمعون، والأعوان على الخير كثيرون، ومردة الجان (كبارهم) مقيدة ومسلسلة، والنار غلقت أبوابها (كناية عن المغفرة)، والجنة فتحت أبوابها (كناية عن الرحمة)، وينادي مناد من قبل الرحمن يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشرّ أقصر، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ)(رواه الترمذي).
    ولعل سائلًا يسأل ويقول: إذا كانت الشياطين مقيدة ومسلسلة؛ فلم نر كثيرًا من الذنوب والمعاصي، ولم نر البعض يصر عليها
    والإجابة على ذلك سهلة ويسيرة، وترجع إلى أن أسباب الذنوب والمعاصي متعددة لا تقتصر على الشياطين فقط، فهناك شياطين الإنس، وهم اليوم أشد ضررًا وخطرًا من شياطين الجن، وصدق الله حينما قال: {كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[الأنعام:112].
    كما أن المقيد من شياطين الجن هم المردة والكبار منهم، كما ينبئ لفظ الحديث، أما صغارهم فهم مطلقون ابتلاءً وامتحانًا لبني  الإنسان.
    كما أن النفس الأمارة بالسوء غير مقيدة وغير مسلسلة، وصدق الله إذ يقول على لسان امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[يوسف:53].
    ولله درّ القائل: إني بُليت بأربعٍ ما سلّطت عليّ ... إلا لعظمِ بليّتي وشقائي ... إبليس، والدنيا، ونفسي، والهوى ... كيف التخلص من يدي أعدائي
    ==
    أيضًا من ميزات الطاعة والعبادة في شهر رمضان أن الأجر والثواب عليها مضاعفٌ، فقد قال (صلى الله عليه وسلم) لأم سنان الأنصارية: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً)(متفق عليه)، وعن إبراهيم النخعي ت (96هـ) قال: (صومُ يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة في رمضان، أفضل من ألف تسبيحة، وركعة في رمضان أفضل من ألف ركعة)(الترغيب والترهيب لقوام السنة)، وعن أبي بكر عبد الله بن أبي مريم من تابعي التابعين ت (156ه)، قال: سمعت مشيختنا، يقولون: (إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَدْ حَضَرَ مُطَهِّرٌ، وَيَقُولُونَ: انْبَسِطُوا بِالنَّفَقَةِ فِيهِ، فَإِنَّهَا تُضَاعَفُ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، وَيَقُولُونَ: التَّسْبِيحَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِي غَيْرِهِ) (فضائل رمضان لابن أبي الدنيا).
    ==
    أيضًا من ميزات الطاعة والعبادة في شهر رمضان أن ليلةً واحدة من العبادة والطاعة خيرٌ من ألف شهر، خيرٌ من أربعة أشهر وثلاثٍ وثمانين سنة من العبادة والطاعة، ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 1 ـ 3].
    ==
    أيضًا من ميزات الطاعة والعبادة في شهر رمضان أنها تتعدد كما تقدم؛ فيتعدد معها فرص غفران الذنوب، وستر العيوب، وتكفير السيئات، فالصيام والقيام، واغتنام ليلة القدر، وجميع طاعات وعبادات شهر رمضان كلها مكفرات للذنوب، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)(متفق عليه).
    ===========================================
    فاللهمّ إنّا نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 7:44 am