الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة بعنــــوان: الدفـــاع عــــن الأوطــــان بين الواجب العيني والكفائي وعظم الجزاء (14 رجب 1445هـ - 26 يناير 2024م)

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2679
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة بعنــــوان: الدفـــاع عــــن الأوطــــان بين الواجب العيني والكفائي وعظم الجزاء (14 رجب 1445هـ - 26 يناير 2024م) Empty خطبة بعنــــوان: الدفـــاع عــــن الأوطــــان بين الواجب العيني والكفائي وعظم الجزاء (14 رجب 1445هـ - 26 يناير 2024م)

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الإثنين يناير 22, 2024 8:24 pm

    خطبة بعنــــوان:
    الدفـــاع عــــن الأوطــــان
    بين الواجب العيني والكفائي وعظم الجزاء
    (14 رجب 1445هـ - 26 يناير 2024م)
    ================
    العناصــــــر: مقدمة :
    - مكانة الوطن في الإسلام.
    - حب الوطن في حياة النبي (صَلى الله عليه وسلم)
    - الدفاع عن الأوطان في حياة النبي (صَلى الله عليه وسلم) وأصحابه.
    - فضل الدفاع عن الأوطان وعظم جزائه.
    - الدفـاع عــن الأوطان بين الواجب العيني والكفائي.
    - دعوة إلى تحقيق معاني الوفاء للوطن والإخلاص له.
    ============
    الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (رواه الترمذي)، اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
    =================
    إن من أعظم النعم وأجلها أن يكون للإنسان وطن يعيش تحت ظلاله، ويتنفس هواءه، يجد فيه معنى السكينة، وحقيقة الطمأنينة، فيه تتصل أمجاد الأجداد بالأحفاد، وتتلاحم قلوب الأهل والأحباب.
    فالوطن نعمة جليلة ومنة عظيمة؛ من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فلينظر في كتاب الله (جل وعلا)، فقد قرن خروج الجسد من الوطن بخروج الروح من الجسد، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) (النساء66).
    من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فليتدبر قوله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش 3-4).
    من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فليتدبر قول النبي (صلى الله عليه وسلمَ):" مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِه ،مُعَافى فِي بَدَنِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا".
    من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فلينظر إلى حال من فقدها، وليتدبر قيمتها في ميزان من حرمها؛ فهي مهد الصبا ومدرج الخطى ومرتع الطفولة، وملجأ الكهولة، ومنبع الذكريات، وموطن الآباء والأجداد، ومأوى الأبناء والأحفاد، فكم زلزلت بحب الأوطان مكامن وجدان، وأطلق حبها قرائح شعراء، وسكبت في حبها محابر أدباء، وضحى من أجلها بالغالي والنفيس الأوفياء.
    فتدبر معي معاني هذا الحب للأوطان، فقد أثر أن العرب كانت إذا غزتْ وسافرتْ حملتْ معها من تُربة بلدها رملاً وعفرا تستنشقه عند نزْلةٍ أو زكام أو صُداع "(الرسائل للجاحظ). ولقد قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ حين ينتعل كل شيء ظله؟ قال "يمشي أحدنا ميلا، فيرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى". إنه حب خالص للأوطان، حب صادق، حب نابع من قلوب الرجال الأوفياء، كما قال الأصمعي: "إذا أرَدتَ أن تَعرِفَ وفاءَ الرَّجُلِ ووفاءَ عَهدِه، فانظُرْ إلى حَنينِه إلى أوطانِه".
    وإننا لنجد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) أسمى الأمثلة لحب الوطن، وترجمته في الواقع عملا وبناء، حماية ودفاعا وتضحية، فلقد وجه المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) إلى إجادة الانتماء للوطن، وحسن الولاء والانتماء له، وإخلاص الوفاء له، داعيا إلى ترجمة هذا الحب إلي عمل وجد، من أجل الوطن، وحفاظ عليه، ودفاع عنه؛ إذ يلقى درسا بليغا يقرع كل الآذان، ويتردد صداه في كل زمان ومكان، وذلك عندما خرج مهاجرا، ووصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال: "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ" وفي رِوَاية "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"، ولما وصل المدينة توجه إلى الله داعيا أن يحببها إليهم كما حبب إليهم مكة، كما في (صحيح البخاري) عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ".
    فلقد كان النبي (صلى الله عليه وسلمَ) يعيش هذا الحب والانتماء الوطني بكل وجدانه وجوارحه؛ فقد جاء في الصحيحين، عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) كان يقول في الرقية: "باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا"، وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)، أنه قَالَ" كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ) إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ - أَيْ أَسْرَعَ بِهَا - وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا ".
    يا له من حب، ويا له من وفاء، ويا له من انتماء، فللمولى سبحانه الحمد على نعمة الوطن، هذه النعمة التي لا تقدر بالأموال، ولا تساوم بالأرواح، بل تبذل الأموال لأجلها وترخص الأرواح في سبيل الدفاع عنها.
    إن المخلصين والشرفاء والعظماء الأوفياء يؤمنون بعظم حق الوطن، وبضرورة تقديم كل ما بوسعهم، وبأقصى جهدهم، وبأعظم طاقتهم، في خدمة الوطن وبنائه، وحمايته، والدفاع عنه، والتضحية من أجله؛ ولك أن ترى ماذا كان من النبي (صلى الله عليه وسلمَ) فيما رواه أنس بن مالك إذ يقول: كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا" وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: " لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا. أَوْ: إِنَّهُ لَبَحْرٌ ".
    والمتدبر في سيرة النبي (صَلى الله عليه وسلم)، يجد أن جميع الغزوات التي شارك فيها كانت تحمل أسمى المعاني في حماية الوطن والدفاع عنه وعن استقراره وأمنه وأمانه، ورد عدوان أعدائه وإبطال حيلهم ومكرهم.
    ولا شك أن المدافعين عن الوطن حراسا مرابطين محافظين على أمنه وأمانه واستقراره يسيرون على هديه صلى الله عليه وسلمَ وهدي أصحابه (رضي الله عنهم) خير الخلق بعد الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، فلقد أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلمَ) أن العين التي ما نامت، والأقدام التي اغبرت في حراسة الوطن، محرمة على النار، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) يقول: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (رواه الترمذي)، ويقول: (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" (رواه البخاري).
    وأن رباط يوم في سبيل الله أجره عظيم، حيث قال: "مَوقِفُ ساعةٍ في سَبيلِ اللهِ خَيرٌ من قِيامِ لَيلَةِ القَدْرِ عند الحَجَرِ الأسْوَدِ"، وقال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" (رواه البخاري)، وفي صحيح مسلم: " رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ".
    إن الدفاع عن الوطن من صميم مقاصد الدين، ولا شك أن كل منا عليه واجب في الدفاع عنه، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة2)
    ويكون الدفاع عن الوطن فرض عين على من يكلف به أو ينتدب له، أو حال أن يتعرض الوطن للخطر، حيث يكون الدفاع عن الوطن حينئذ فرض عين على الجميع رجالا ونساء، بالنفس والمال وبكل ما أوتوا من قوة، ولقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ "، والشهداء كما أخبر الحق (سبحانه وتعالى) أحياء عند ربهم يرزقون: فقد قال تعالى ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ ) (البقرة154)، وقال سبحانه (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران 169-171).
    إن حب الوطن والدفاع عنه والسعي من أجل تقدمه مرتبط بعمل الفرد وسلوكه ارتباطا لا انفكاك منه، يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والشارع، وفي مقر عمله، فيظهر في احترام أنظمته وقوانينه، يظهر في التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته وأمواله، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، يظهر في إخلاص كل عامل في عمله، في المحافظة على أمنه واستقراره، يظهر بالتمسك بالقيم والأخلاق الفاضلة، يظهر في مناهضة الأفكار المتطرفة، وعدم ترويج الشائعات والأراجيف والأباطيل، يظهر بالعمل والإنتاج.
    وإن من أجل علامات صدق المحبة للوطن: أن يكون كل واحد منا قدوة صالحة في نفسه، وبين أهله وأبناء وطنه، ولا يكون معول هدم أو إفساد، كما أن تعزيز قيم الانتماء الوطني في قلوب الأجيال مطلب أساسي لا بد أن يوليه الآباء والدعاة عناية فائقة.
    نسأل الله أن يحفظ أوطاننا وأن يرفع رايتها في العالمين

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 3:45 am