الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة 1 ديسمبر 2023م ، الحذر واليقظة والإعداد في القرآن الكريم

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2683
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة 1 ديسمبر 2023م ،  الحذر واليقظة والإعداد في القرآن الكريم  Empty خطبة الجمعة القادمة 1 ديسمبر 2023م ، الحذر واليقظة والإعداد في القرآن الكريم

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الجمعة ديسمبر 01, 2023 10:33 pm

    خطبة الجمعة القادمة 1 ديسمبر 2023م ،
    الحذر واليقظة والإعداد في القرآن الكريم

     

    أولًا: الحذرُ بينَ الجاهليةِ والإسلامِ.

    ثانيًا: صورٌ وأشكالُ الحذرِ.

    ثالثًا: الحذرُ مِن عذابِ الآخرةِ.

    المـــوضــــــــــوع

    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    أولًا: الحذرُ بينَ الجاهليةِ والإسلامِ.

    إنَّ الحذرَ مِن أهمِّ الصفاتِ التي كانت مشهورةً عندَ العربِ في الجاهليةِ قبلَ الإسلامِ، ولا سيّمَا في الحروبِ والمناوراتِ، وفي لقاءِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطابِ مع عمروِ بنِ معدِي كربٍ رضي اللهُ عنهما عظةٌ وعبرةٌ في الحذرِ واليقظةِ، قال عمروُ: سأحدثُكَ يا أميرَ المؤمنين عن أحيلِ رجلٍ لقيتُهُ،” كنتُ –في الجاهليةِ– في الصحراءِ، أركضُ فرسِي، علنِي أجدُ رجلًا أقتلُهُ، إذا أنا بسوادٍ بعيدٍ فركضتُ فرسِي إليه، فرأيتُ فرسًا مربوطًا وصاحبهُ في الخلاءِ، فصحتُ فيهِ: خذْ حذركَ فإننِي قاتلُكَ، ثم نهضَ متقدمًا نحوِي، فقال: مَن أنت؟ قلتُ عمرُو بنَ معدِي كرب، قال: أبا ثورٍ، ما أنصفتنِي؛ أنتَ راكبٌ وأنا راجلٌ، قال: أنتَ آمنٌ حتى تركبَ، فلمَّا وصلَ إلى فرسِه جلسَ واحتبَى، قلتُ: خذْ حذركَ فإننِي قاتلُكَ، قال: ألم تقلْ لي: إنّك آمنٌ حتى تركبَ؟ قال: بلى، قال: فلستُ براكبٍ، فانصرفتُ عنه، فهذا أحيلُ رجلٍ يا أميرَ المؤمنين.”(أيام العرب في الجاهلية لأحمد جاد المولى ورفاقه).

    فهذ الرجلُ أخذَ الحذرَ مِن خلالِ قولِ عمرٍو (أنتَ آمنٌ حتى تركبَ). فلم يركبْ فرسَهُ، ولو ركبَهُ لقتلَهُ عمرُو.

    والدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ أمرنَا أنْ نأخذَ حذرَنَا في الأمورِ كلِّهَا، ولا سيّمَا في لقاءِ العدوِّ. قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71]. يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ: ” يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَخْذِ الحَذَرِ مِنَ الأَعْدَاءِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّعَرُّفَ عَلَى أَحْوَالِ هَؤُلاءِ الأَعْدَاءِ، وَمَعْرِفَةِ أَرْضِهِمْ وَعَدَدِهِمْ وَسِلاَحِهِمْ وَأَحْلاَفِهِمْ وَثَرْوَتِهِمْ”. (تفسير ابن كثير).

    ولشدةِ اهتمامِ الإسلامِ بالحذرِ واليقظةِ شُرِعَتْ صلاةُ الخوفِ، قالَ تعالى: { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.(النساء:102) وقد خصّصَ لها الإمامُ البخارِيُّ بابًا أسماهُ: (بابٌ يحرسُ بعضُهُم بعضًا في صلاةِ الخوفِ)، وأوردَ فيهِ حديثَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا».(البخاري).

    وكان الحذرُ واليقظةُ مِن هديِ وصفاتِ النبيِّ ﷺ؛ إذ جاءَ في وصفِ خلقِهِ: «أنَّهُ كان يحذرُ الناسَ -أي الذين لا يعرفهُم- ويحترسُ منهم مِن غيرِ أنْ يطوي عن أحدٍ بشرِّهِ، ولا خلقِهِ». (الشمائل للترمذي).

    وجاء في سيرتِهِ ﷺ أنّه كانت له عيونٌ وجواسيسٌ في مكةَ يأتونَهُ بالأخبارِ، وآيةُ ذلك أنَّه لمّا نقضتْ قريشٌ العهدَ أخبروهُ الخبرَ، فتجهزَ واستعدَّ لفتحِ مكةَ، وكان قلّمَا يريدُ غزوةً إلّا ورَّى بغيرِهَا، وأمرَ بالأجراسِ أنْ تقطعَ مِن أعناقِ الإبلِ يومَ «بدرٍ»، وفي الهجرةِ أخذَ حذرَهُ بوضعِ خطةٍ محكمةٍ، وهكذا في غزواتِهِ كلِّهَا ﷺ.

    ثانيًا: صورٌ وأشكالُ الحذرِ.

    للحذرِ واليقظةِ صورٌ وأشكالٌ عديدةٌ مِن خلالِ القرآنِ الكريمِ، مِن أهمِّ هذه الصورِ:

    إعدادُ القوةِ حذرًا مِن غاراتِ الأعداءِ: قالَ تعالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ…} [الأنفال: 60). فقد ” أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِإِعْدَادِ آلَاتِ الْحَرْبِ لِمُقَاتَلَتِهِمْ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} أي: تُخيفونَ بتلك القوةِ الكفارَ أعداءَ اللهِ وأعداءَكُم {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} أي: وترهبونَ بهِ آخرينَ غيرَهُم”. (صفوة التفاسير).

    ومنها: الحذرُ مِن مولاةِ الكفارِ: قالَ تعالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }. (آل عمران: 28).

    يقول الإمام ابن كثير:” نَهَى اللَّهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَالُوا الْكَافِرِينَ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ يُسِرُّون إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، ومَنْ يَرْتَكِبُ نَهْيَ اللَّهِ فِي هَذَا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أَيْ: يُحَذِّرُكُمْ نِقْمَتَهُ، أَيْ مُخَالَفَتَهُ وَسَطْوَتَهُ فِي عَذَابِهِ لِمَنْ وَالَى أَعْدَاءَهُ وَعَادَى أَوْلِيَاءَهُ.{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أَيْ: إِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمُنْقَلَبُ، فَيُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ. “.(تفسير ابن كثير).

    ومنها: الحذرُ مِن ظلمِ النساءِ: قالَ تعالَى: {واعلَمُوا أنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في أَنفسِكُم فاحذَرُوه} (البقرة:٢٣٥)، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” تَوَعَّدَهُمْ عَلَى مَا يَقَعُ فِي ضَمَائِرِهِمْ مِنْ أُمُورِ النِّسَاءِ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِضْمَارِ الْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ، ثُمَّ لَمْ يُؤْيِسْهُم مَنْ رَحِمَتْهُ، وَلَمْ يُقْنطهم مِنْ عَائِدَتِهِ، فَقَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}”. (تفسير ابن كثير).

    ومنها: الحذرُ مِن مخالفةِ أوامرِ اللهِ ورسولِهِ: قالَ تعالَى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]. فعلَى العبدِ أنْ يحذرَ الحرامَ  ويتقيَهُ، فعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ ” (متفق عليه). فينبغِي على الإنسانِ أنْ يحذرَ الشبهاتِ براءةً لدينِهِ وعرضِهِ، وأخذًا بالأحوطِ؛ حتى يسعدَ بالحلالِ في دنياه، وينجُو مِن النيرانِ في أُخراه.

    لذلك يحذرُنَا اللهُ تعالى مِن عدمِ طاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ ﷺ فيقولُ: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }.(المائدة: 92).

    ومنها: الحذرُ مِن الأزواجِ والأولادِ: قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ . إنّما أموالُكُم وأولادُكُم فتنةٌ واللهُ عندَهُ أجرٌ عظيمٌ} [التغابن: ١٤-١٥]. ” أي يا معشرَ المؤمنين إِنَّ بعضَ الزوجاتِ والأولادِ أعداءٌ لكم، يصدونَكُم عن سبيلِ اللهِ، ويثبطونَكُم عن طاعةِ اللهِ، فاحذرُوا أنْ تستجيبُوا لهم وتطيعوهُم. قال المفسرون: إِنَّ قومًا أسلمُوا وأرادُوا الهجرةَ، فثبطَهُم أزواجُهُم وأولادُهُم عن الهجرةِ، فلم يهاجرُوا إلّا بعدَ مدةٍ، فلمَّا أتوا رسولَ اللهِ ﷺ رأوا الناسَ قد فقهَوا في الدينِ، فندمُوا وأسفُوا وهمُّوا بمعاقبةِ أزواجِهِم وأولادِهِم فنزلتْ الآيةُ الكريمةُ، والآيةُ تعمُّ كلَّ مَن انشغلَ عن طاعةِ اللهِ بالأزواجِ والأولادِ”. (صفوة التفاسير للصابوني).

    ومنها: الحذرُ مِن النفاقِ والمنافقين: وما أكثرُهُم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، قال تعالى في شأنِ المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المنافقون: 4).” أَيْ: كَانُوا أَشْكَالًا حَسَنَةً وَذَوِي فَصَاحَةٍ وَأَلْسِنَةٍ، إِذَا سَمِعَهُمُ السَّامِعُ يُصْغِي إِلَى قَوْلِهِمْ لِبَلَاغَتِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ والخَور وَالْهَلَعِ وَالْجَزَعِ وَالْجُبْنِ … فَهُمْ جَهَامات وَصُوَرٌ بِلَا مَعَانِي. وَلِهَذَا قَالَ: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أَيْ: كَيْفَ يُصرَفون عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ”. فهُم لحلاوةِ منطقِهِم وعذوبةِ ألسنتِهِم يلدغونَ غيرَهُم كالحياتِ. كما قالَ الشاعرُ:

    إذا كنتَ ذا فهمٍ فكنْ ذا نباهةٍ ……… وكُن حذِرًا لدغَ الضَّحُوكِ وحاسِمًا

    فلم تبتسِمْ أفعَى على حينِ لدغةٍ ……….. ولكنَّ بعضَ الناسِ يلدغُ باسِمًا

    ومنها: الحذرُ مِن الشيطانِ: فهو عدُوُّ المُسلِمِ الأكبَرُ الذي يسعَى لإفسادِ دُنياهُ وأُخراهُ، عداوتُه قديمةٌ قِدَمَ الحياةِ، مُنذُ بدءِ الخليقةِ. ولا يتوقَّفُ عن الوَسْوسةِ له بالشُّرورِ والآثامِ. قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. [فاطر: ٦] .

    ومنها: الحذرُ مِن الصديقِ: فاحذرْ مِن إفشاءِ جميعِ أسرارِكَ الشخصيةِ لصديقِكَ، أو تغمسهُ غمسًا في خصوصياتِكَ، واحذرْ مِن غدرِهِ، فكم مِن صديقٍ غدرَ بصديقِهِ في التجارةِ والمعاملاتِ، وكم مِن صديقٍ غدرَ بصديقِهِ في أهلِهِ وانتهتْ الحياةُ الزوجيةُ بالطلاقِ، ثم الزواجِ مِن طليقةِ صديقِه، وهكذا…

    وكما قال أحدُهُم: احذرْ عدوَّكَ مرةً واحذرْ صديقَكَ ألفَ مرةٍ، فلربَّمَا انقلبَ الصديقُ فكان أعلمَ بالمضرةِ.

     وكما جاءَ في الأثرِ:” «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَّا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَّا، وأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَّا، عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَّا» . (الطبراني والترمذي. قِيلَ مِن قولِ الرسولِ، وقِيلَ مِن قولِ عليٍّ رضي اللهُ عنه).

    هذه هي أهمُّ صورِ وأشكالِ الحذرِ؛ ليتقيهَا الإنسانُ في حياتِه العمليةِ.

    ثالثًا: الحذرُ مِن عذابِ الآخرةِ.

    ينبغِي على العبدِ أنْ يحذرَ عذابَ الآخرةِ، وذلك بعملِ الطاعاتِ والقرباتِ والبعدِ عن المعاصِي والسيئاتِ، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. (الزمر: 9). والمعنى: ” أمَّن هو قانتٌ في جوفِ الليلِ ساجدًا وقائمًا يدعُو ربَّهُ، ويحذرُ حسابَهُ ويخشَى عقابَهُ، ويرجُو رحمتَهُ كمَن تقدمَ ذكرهُ مِن العصاةِ؟! هل يستوي المؤمنُ والكافرُ والطائعُ والعاصِي؟ لا يستويانِ أبدًا ، فإنَّهُ لا يستوي الذين يعلمونَ الحقَّ فيتبعُوه، ويعملُوا به، والذين لا يعلمُون الحقَّ ولذلك فإنّهُم يتخبطون تخبطَ العشواءِ، ويسيرونَ في ضلالةٍ عمياء”.( التفسير الواضح، محمد محمود حجازي).

    وقال تعالى أيضا: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}. [الإسراء: ٥٧]. قال السَّعديُّ: ” إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا أي: هو الذي ينبغي شِدَّةُ الحَذَرِ منه والتَّوقِّي من أسبابِه”.(تفسير السعدي).

    فانظرْ كم مضَى مِن عمرِكَ؟ ماذا قدمتَ لدينِكَ ووطنِكَ وآخرتِكَ؟! هل أخذتَ حذرَكَ واستعددتَ لهذا اليومِ؟! فعَنْ وَهْبٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ: «يَا أَبْنَاءَ الْأَرْبَعِينَ، أَنْتُمْ زَرْعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهُ. يَا أَبْنَاءَ الْخَمْسِينَ، مَاذَا قَدَّمْتُمْ وَمَاذَا أَخَّرْتُمْ. يَا أَبْنَاءَ السِّتِّينَ، لَا عُذْرَ لَكُمْ، لَيْتَ الْخَلْقَ لَمْ يُخْلَقُوا، وَإِذَا خُلِقُوا عَلِمُوا لِمَاذَا خُلِقُوا، فَقَدْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ». (حلية الأولياء، أبو نعيم).

    إنَّ اللهَ تعالى حذرنَا نفسَهُ في كتابِه الكريمِ فقالَ: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. [آل عمران: 30].

    وانظرُوا إلى حالِ سلفِنَا الصالحِ وكيفَ كان خوفهُم وحذرهُم مِن الآخرةِ !! فهذا معاذُ بنُ جبلٍ رضي اللهُ عنه، أعلمُ الناسِ بالحلالِ والحرامِ، لمَّا حضرتْهُ الوفاةُ جعلَ يبكِي، فقِيلَ لهُ: أتبكِي وأنتَ صاحبُ رسولِ اللهِ ﷺ وأنتَ وأنتَ؟ فقالَ: ما أبكِي جزعًا مِن الموتِ أَنْ حلَّ بِي، ولا دنيا تركتُهَا بعدِي، ولكنْ هُمَا القبضتانِ، قبضةٌ في النارِ وقبضةٌ في الجنةِ فلا أدرِي في أيِّ القبضتينِ أنا؟!! ورُوي أنَّ أبَا هريرةَ رضي اللهُ عنه بكَى في مرضِه، فقِيلَ لهُ: ما يبكيكَ؟ فقال: “أمَّا إنِّي لا أبكِي على دنياكُم هذه، ولكنْ أبكِي على بُعدِ سفرِي، وقِلَّةِ زادِي، وإنِّي أمسيتُ في صعودٍ على جنةٍ أو نارٍ، لا أدرِي إلى أيتهمَا يُؤخذُ بِي”!!

    فأينَ نحنُ مِن الصحابةِ الذينَ كانُوا أحرصَ الناسِ على العملِ الصالحِ، ومع ذلك كانوا أخوفَ الناسِ مِن عدمِ قبولِهِ عندَ اللهِ؟!! فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: { وَالَّذِينَ يُؤْتونَ مَا آتوا وقُلوبُهم وَجِلَةٌ }أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟! قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ». (الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

    فهم يعملونَ الطاعاتِ ويخافونَ ويحذرونَ! ونحن نبارزُ اللهَ بالمعاصِي والفسقِ والفجورِ، ولا نحذرُ عقابَ اللهِ تعالَى!

    فعلينَا أنْ نأخذَ حذرنَا في أمورِنَا كلِّهَا، لنحظَى بالفوزِ والنصرِ والغنيمةِ في الدنيا، والسعادةِ والنعيمِ في الآخرةِ.

    نسألُ اللهَ أنْ ينصرَ الإسلامَ ويعزَّ المسلمين، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

           الدعاء،،،،،،،               وأقم الصلاة،،،،،

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 1:48 am