الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، بتاريخ 10 جمادي الأولي 1445 هـ ، الموافق 24 نوفمبر

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2692
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

     الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ،   بتاريخ 10 جمادي الأولي 1445 هـ ، الموافق 24 نوفمبر  Empty الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، بتاريخ 10 جمادي الأولي 1445 هـ ، الموافق 24 نوفمبر

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد السبت نوفمبر 25, 2023 4:34 pm

    الجمعة القادمة بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ،
    بتاريخ 10 جمادي الأولي 1445 هـ ، الموافق 24 نوفمبر
    ج


    أولًا: الإسلامُ دينُ القوةِ والثباتِ.

    ثانيًا: القوةُ والثباتُ نماذجُ وصورٌ مشرقةٌ.

    ثالثًا: عواملُ القوةِ والثباتِ في مواجهةِ التحدياتِ.


    المـــوضــــــــــوع
    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    العنصر الأول من خطبة الجمعة : القوة والثبات في مواجهة التحديات
    أولًا: الإسلامُ دينُ القوةِ والثباتِ.
    إنَّ دينَنَا الإسلاميَّ دينُ القوةِ والثباتِ، ولا غروَ في ذلك، فإنَّ القرآنَ نزلَ مِن عندِ ربٍّ ذيِ قوةٍ، عن طريقِ ملكٍ ذيِ قوةٍ، إلى نبيِّ ذيِ قوةٍ، لأمةٍ ذاتِ قوةٍ. قال تعالى عن نفسِه. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (الذاريات: 58). وقال عن سفيرِ الوحيِ جبريلَ عليهِ السلامُ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}.(التكوير: 19 ، 20). كمَا أنَّ القوةَ صفةُ جميعِ الأنبياءِ والصالحين، فهذا موسَى عليهِ السلامُ أُمِرَ بأخذِ الألواحِ بقوةٍ. قالَ تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}. (الأعراف: 145). وهذه القوةُ هي التي دفعتْ المرأتينِ إلى اختيارِ موسَى عليهِ السلامُ: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}. (القصص: 26).

    وقال تعالى عن يحيَ عليهِ السلامُ: { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}. (مريم: 12). وأمرَ اللهُ بنيِ إسرائيلَ أنْ يأخذُوا الكتابَ بقوةٍ. فقال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ }. (البقرة: 63). وهذا ذو القرنين يبنيِ السدَّ ويطلبُ العونَ بقوةٍ: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}. (الكهف: 95). وهكذا كانت القوةُ والثباتُ مبدأً أصيلًا في دعوةِ الأنبياءِ جميعًا عليهمُ الصلاةُ والسلامُ.


    ولهذا اختارَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ مِن قريشٍ لقوتِهِم، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لِلْقُرَشِيِّ قُوَّةُ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: «يَعْنِي نَيْلَ الرَّأْيِ»(أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

    لهذا أكَّدَ الرسولُ ﷺ على أهميةِ القوةِ في حياةِ المؤمنِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ».(مسلم)؛ قال النوويُّ:” والمرادُ بالقوةِ هنَا، عزيمةُ النفسِ والقريحةِ في أمورِ الآخرةِ، فيكونُ صاحبُ هذا الوصفِ أكثرَ إقدامًا على العدوِّ في الجهادِ، وأسرعَ خروجًا إليهِ، وذهابًا في طلبِهِ، وأشدَّ عزيمةً في الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، والصبرِ على الأذَى في كلِّ ذلك، واحتمالِ المشاقِ في ذاتِ اللهِ تعالى، وأرغبَ في الصلاةِ، والصومِ، والأذكارِ، وسائرِ العباداتِ، وأنشطَ طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك ” أ.ه

    كما أنّ هذه القوةَ يتحلَّى بها المؤمنُ في الجنةِ، فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:” بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ”. (ابن حبان بسند صحيح).


    إنَّ الإنسانَ في دارِ ابتلاءٍ واختبارٍ، ابتلاءٍ بالخيرِ والشرِّ، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }(الأنبياء: 35). يقولُ ابنُ كثيرٍ رحمه اللهُ: ” أي: نختبركُم بالمصائبِ تارةً، وبالنعمِ أخرى؛ لننظرَ مَن يشكرُ ومَن يكفرُ، ومَن يصبرُ ومَن يقنطُ، وعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه: نبتليكُم بالشرِّ والخيرِ فتنةً، بالشدةِ والرخاءِ، والصحةِ والسقمِ، والغنىَ والفقرِ، والحلالِ والحرامِ، والطاعةِ والمعصيةِ، والهدىَ والضلالِ” أ. هـ

    فالمؤمنُ لابدَّ أنْ يكونَ قويًّا شديدًا ثابتًا صلبًا عندَ وجودِ البلاءِ والتحدياتِ، فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: “الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ”. (ابن ماجة والترمذي بسند صحيح).

    العنصر الثاني من خطبة الجمعة : القوة والثبات في مواجهة التحديات
    ثانيًا: القوةُ والثباتُ نماذجُ وصورٌ مشرقةٌ.
    هذه صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ لصحابةِ الرسولِ ﷺ، وكيف كانت قوّتُهم وثباتُهُم في مواجهةِ التحدياتِ:

    النموذجُ الأولُ: سيدُنَا بلالُ بنُ رباحٍ رضي اللهُ عنهُ: كَانَ هَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ “مَوْلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ، فَكَانَ أُمَيَّةُ يَضَعُ فِي عُنُقِهِ حَبْلًا، ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إِلَى الصِّبْيَانِ، يَطُوفُونَ بِهِ فِي جِبَالِ مَكَّةَ، وَيَجُرُّونَهُ حَتَّى كَانَ الْحَبْلُ يُؤَثِّرُ فِي عُنُقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، وَكَانَ أُمَيَّةُ يَشُدُّهُ شَدًّا ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِالْعَصَا، وَيُلْجِئُهُ إِلَى الْجُلُوسِ فِي حَرِّ الشَّمْسِ، كَمَا كَانَ يُكْرِهُهُ عَلَى الْجُوعِ. وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُهُ إِذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ، فَيَطْرَحُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فِي الرَّمْضَاءِ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا وَاللَّهِ لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتَّى تَمُوتَ، أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، وَتَعْبُدَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، فَيَقُولُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ: أَحَدٌ، أَحَدٌ”. وَمَعَ شِدَّةِ هَذَا الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ بَقِيَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَابِتًا عَلَى الدِّينِ، وَغُصَّةً فِي حُلُوقِ الْمُشْرِكِينَ، فَنَالَ مِنْ أَوْسِمَةِ الشَّرَفِ عِنْدَ اللَّهِ مَا نَالَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِ لَكَفَى يَوْمَ قَالَ: “يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)


    النموذجُ الثانِي: خبيبُ بنُ عديٍّ رضي اللهُ عنه: ” كَانَ خُبَيْبٌ هُوَ الذي قَتَلَ الحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، تقولُ إحدى بَنَاتِ الحَارِثِ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا … عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

    ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاَةَ”. (البخاري).

    وروي” أَنَّهُمْ لَمَّا رَفَعُوا خُبَيْبًا عَلَى الْخَشَبَةِ نَادَوْهُ يُنَاشِدُونَهُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِيَنِي بِشَوْكَةٍ يُشَاكَهَا فِي قَدَمِهِ فَضَحِكُوا مِنْهُ”. (البداية والنهاية لابن كثير ).

    النموذجُ الثالثُ: خبابُ بنُ الأرت رضي اللهُ عنه: كان مِن المستضعفينَ الذين عُذِّبُوا ليتركُوا الإسلامَ، سُبيَ صغيرًا مِن قبيلتِه تميمٍ، وبِيعَ في مكةَ فاشترتْهُ أمُّ أنمارٍ الخزاعية، فأسلمَ خبابُ وهو تحتَ يدِهَا، فكانت تأمرُ غلمانَهَا أنْ يشعلُوا لها الجمرَ ثم تأمرُهُم أنْ يحملُوا خبابًا ويجردُوهُ مِن الثيابِ ويضعُوا ظهرَهُ على الجمرِ حتى أغميَ عليهِ، فلمَّا أفاقَ ذهبَ إلى النبيِّ ﷺ وكان جالسًا في حِجرِ الكعبةِ، وإلى جانبهِ أبو بكرٍ الصديقُ. يقولُ خبابُ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».(البخاري).فانكمشَ خبابُ وعلمَ أنَّه لم يؤدِّ الواجبَ المطلوبَ بعد، لأنَّ الصبرَ والثباتَ أعلَى مِن ذلك، وانصرفَ خبابُ مِن المكانِ والحزنِ في عينيهِ. يقولُ أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه: وأنا أقولُ في نفسِي لو دعَا لهُ رسولُ اللهِ واستنصرَ لهُ – يعني لو رسولُ اللهِ يطيبُ خاطرَهُ بكلمتينِ قبلَ أنْ يمشيَ-. يقولُ أبو بكرٍ: فلمَّا مضَى خبابُ فمَا راعنِي إلَّا والنبيُّ ﷺ رفعَ يديهِ إلى السماءِ وهو في حِجرِ الكعبةِ حتى بانَ بياضُ إبطيهِ والدموعُ في عينيهِ حزنًا يبكِي على خبابٍ، وقال: اللهُمَّ انصرْ خبابًا، اللهُمَّ انصرْ خبابًا، اللهُمَّ انصرْ خبابًا”.


    مضَى ثلاثةُ أيامٍ ثم أصيبتْ أمُّ أنمارٍ سيدةُ خبابٍ بمرضِ الصرعِ، فصارتْ تعوِي مثلَ الكلابِ فأحضرُوا لها الكاهنَ فقال: في داخلِهَا جنيٌّ لا يخرجُ حتى تُحمَّى جفنةٌ منِ نحاسٍ وتوضعُ على رأسِهَا (سبحانَ الله، الجزاءُ مِن جنسِ العملِ) فاجتمعَ أولادُهَا وإخوتُهَا وقرّرُوا تطبيقَ ما قالهُ الكاهنُ، فأحضروا جفنةً مِن نحاسٍ ووضعوهَا على النارِ حتى وصلتْ إلى أعلَى درجاتِ الانصهارِ. هنا تردّدُوا، مَن يضعهَا على رأسِهَا؟! خافُوا، فقالُوا للخدمِ: ألَا يوجدُ منكم غلامٌ يفعلُ ذلك؟! فقال خبابٌ: إنْ شئتُم أنا. قالوا له: أجلْ يا خبابٌ افعلْ. فقالَ لهم: ولكنِّي لستُ مسؤولًا عن النتائجِ! قالوا: أجلْ. فأخذَ الجفنةَ بالملقطِ ووضعَهَا على رأسِهَا فانفجرتْ دماغُهَا وسقطتْ ميتةً، فكانتْ نهايتُهَا.

    وهكذا ربَّى رسولُ اللهِ ﷺ رجالًا على القوةِ والثباتِ، حملُوا هذا الدينَ ونقلُوه إلى ملياراتِ المسلمينَ بعدَهُم.

    إنَّ الإسلامَ إذا حاربُوهُ اشتدَّ، وإذا تركوهُ امتدَّ، واللهُ بالمرصادِ لِمَن يصد، و بأسُهُ عن المجرمين لا يُردّ، وإنَّ كان العدوُّ قد أعدَّ فإنَّ اللهَ لا يعجزهُ أحدٌ، فجدّدْ الإيمانَ جدّدْ، ووحّدْ اللهَ وحّدْ، وسدّدْ الصّفوفَ سدّدْ.

    العنصر الثالث من خطبة الجمعة : القوة والثبات في مواجهة التحديات
    ثالثًا: عواملُ القوةِ والثباتِ في مواجهةِ التحدياتِ
    هناكَ عدةُ عواملٍ يجبُ أنْ يتحلَّى بهَا المسلمُ لمواجهةِ البلاءِ والتحدياتِ التي تواجههُ في حياتِه، مِن أهمِّهَا:

    ملازمةُ الإيمانِ والتقوَى والعبادةِ: قالَ تعالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا }.(النور: 55). فالمؤمنُ يثبتُهُ اللهُ في الدنيا والآخرةِ، قال تعالي:{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }(إبراهيم: 27).

    قال قتادةُ وغيرُهُ: أمَّا في الحياةِ الدنيا فيثبتَهُم بالخيرِ والعملِ الصالحِ، وفي الآخرةِ في القبرِ.

    ومنها: إعدادُ القوةِ: قالَ تعالًى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ…} [الأنفال: 60). فقد ” أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِإِعْدَادِ آلَاتِ الْحَرْبِ لِمُقَاتَلَتِهِمْ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} أي: تُخيفونَ بتلك القوةِ الكفارَ أعداءَ اللهِ وأعداءَكُم {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} أي: وترهبون به آخرين غيرَهُم”. (صفوة التفاسير). فإعدادُ العدةِ والقوةِ أخذٌ بالأسبابِ في تخويفِ وترهيبِ العدوِّ، أمَّا النتائجُ والنصرُ فهو مِن عندِ اللهِ تعالى: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}. (آل عمران:126) ، {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى }. (الأنفال: 17).

    ومنها: الاصطفافُ والاجتماعُ: تحقيقًا لقولِهِ تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. (أل عمران: 103). لأنَّ الاتحادَ قوةٌ، والتفرقَ ضعفٌ والتنازعَ شرٌّ، وربُّنَا عزَّ وجلَّ حذرَنَا مِن ذلك فقالَ سبحانَه: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ( الأنفال: 46).


    فنجتمعُ جميعًا على قلبِ رجلٍ واحدٍ لحمايةِ أراضِينَا ومقدساتِنَا، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :” الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ , وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ … “. (ابن ماجة والحاكم وصححه). يقولُ ابنُ عبدِ البرِّ: ” ومعنى قولِهِ ( وهُم يدٌ على مَن سواهُم): أنَّ أهلَ الحربِ إذا نزلُوا بمدينةٍ أو قريةٍ مِن قرَى المسلمين فواجبٌ على جماعةِ المسلمينَ أنْ يكونُوا يدًا واحدةً على الكفارِ حتى ينصرفُوا عنهم “. ( الاستذكار ) .

    ومنها: الدعاءُ عندَ مواجهةِ التحدياتِ: فقد كان الرسولُ ﷺ يكثرُ مِن الدعاءِ بثباتِ القلبِ، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ». (الترمذي بسند صحيح). فالدعاء أقوَى سلاح للمؤمنِ، فهو طريقُ النجاةِ، وسلمُ الوصولِ، ومطلبُ العارفين، ومطيةُ الصالحين، ومفزعُ المظلومين، وملجأُ المستضعفين، ولو طوفنَا حولَ جميعِ المعاركِ لوجدنَا أنَّ السلاحَ الحقيقيَّ والعاملَ الأساس في الانتصاراتِ هو الدعاءُ، فهذه غزوةُ بدرٍ الكبرى أعظمُ المعاركِ والمواجهاتِ يتركُ حبيبُنَا ﷺ الصفوفَ ويتوجهُ إلى ربِّه متضرعًا مبتهلًا داعيًا سائلًا واقفًا على أعتابِه لائذًا ببابِه، حتى سقطَ رداؤهُ عن منكبيهِ، فأخذَهُ أبوبكرٍ رضي اللهُ عنه ووضعَهُ على كتفيهِ وقال: يا رسولَ اللهِ كفاكَ مناشدتُكَ ربِّكَ فهو منجزٌ لكَ ما وعدَكَ، وحين رأى رسولُ اللهِ جندَ قريشٍ قال: “اللهُمّ هذه قريشٌ قد أقبلتْ بخيلائِهَا وفخرِهَا، تحادكَ وتكذبَ رسولَكَ، اللهُمَّ أحنهمُ الغداة” ( السيرة النبوية لابن هشام )؛ فكان النصرُ حليفَ المسلمين.

    ويجمَعُ هذه الوسائلَ كلَّهَا: مِن التقوى والصبرِ والثباتِ والمرابطةِ وغيرِهَا، قولُهُ تعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (آل عمران: 200).

    نسألُ اللهَ أنْ يثبتَ قلوبَنَا على الإيمانِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ. الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 1:06 pm