الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة  22 سبتمبر 2023م ، بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه 

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2682
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة  22 سبتمبر 2023م ،  بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه  Empty خطبة الجمعة القادمة  22 سبتمبر 2023م ، بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه 

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد السبت سبتمبر 16, 2023 2:40 pm

    خطبة الجمعة القادمة  22 سبتمبر 2023م ،
    بعنوان : حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه :
    العناصر
    أولًا: فضائلُ الصحابةِ ومنزلتُهُم.

    ثانيًا: حالُ النبيِّ ﷺ  مع أصحابهِ صورٌ ومواقف.

    ثالثًا: الصحبةُ والصداقةُ مبادئٌ ومواقف.

    المـــوضــــــــــوع

    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    أولًا: فضائلُ الصحابةِ ومنزلتُهُم.

    لقد مدحَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – الصحابةَ الكرامَ المهاجرين منهم والأنصارَ في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ الكريمِ، قالَ تعالَى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100) .
    ولقد عرَّفَ الإمامُ البخاريُّ الصحابيَّ في صحيحِهِ فقالَ: ” الصَّحَابِيُّ: مَن صَحِبَ النَّبيَّ ﷺ أو رآهُ مِن المُسْلِمِينَ فهو مِن أصْحَابِه”.  فالصحابيُّ: هو مَن لقيَ النبيَّ ﷺ مؤمنًا به، وماتَ على الإسلامِ.

    وهذا التعميمُ في تعريفِ الصحابِي، يدلُّ على فضْلِ الصُّحبةِ والرؤيةِ للنبيِّ ﷺ، لأنَّ لرؤيةِ نورِ النبوةِ قوةَ سريانٍ في قلْبِ المؤمِنِ، فتظهرُ آثارُهَا على جوارحِ الرَّائِي في الطاعةِ والاستقامةِ مدَى الحياةِ، ببركتِهِ ﷺ ويَشهدُ لهذا قولُهُ ﷺ : ” طُوبَى لِمَن رآنِي وآمَنَ بي، وطُوبَى لِمَن آمَنَ بي وَلَمْ يَرنِي سَبْعَ مِرارٍ .”( أحمد ) .
    فانظروا -يرحمُكُم الله-: الرسولُ ﷺ ذكرَ طوبَى مرةً واحدةً لِمَن رآهُ وآمنَ بهِ، وسبعَ مراتٍ لِمَن آمنَ بهِ ولم يرهْ!! لماذا؟! قال المناويُّ رحمه اللهُ:” وذلك لأنَّ اللهَ مدحَهُم بإيمانِهِم بالغيبِ، وكان إيمانُ الصدرِ الأولِ غيبًا وشهودًا، فإنَّهُم آمنوا باللهِ واليومِ الآخرِ غيبًا، وآمنوا بالنبيِّ ﷺ شهودًا لما أنَّهُم رأوا الآياتِ وشاهدُوا المعجزاتِ، وآخرُ هذه الأمةِ آمنوا غيبًا بما آمنَ بهِ أولُهَا شهودًا، فلذا أثنَى عليهم النبيُّ ﷺ!!” (فيض القدير).

    إنَّ اللهَ اصطفَى قلوبَ صحابةِ نبيِّهِ ﷺ وطهرَهَا مِن بينِ قلوبِ العبادِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:” إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ؛ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ؛ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ؛ فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ؛ وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ”. (أحمد والبزار بسند صحيح) .
    فهم خيرُ الناسِ على الإطلاقِ، وفي ذلك يقولُ ﷺ:” خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ؛ ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ.” ( متفق عليه ).
    ومِمّا جاءَ في فضلِ الصحابةِ -رضى اللهُ عنهم- ما رواهُ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ:” النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ؛ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ؛ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ؛ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ.” [مسلم].

    إنَّ فضائلَ الصحابةِ لا يحصيهَا عدٌّ، ولا يسطرُهَا قلمٌ، ولا يصفُهَا لسانٌ، ولا يحيطُ بهَا بيانٌ!!

    وقد ذكرَ أصحابُ السننِ كُتُبًا وأبوابًا في مناقبِ وفضائلِ الصحابةِ كلٌّ على حده، ومَن أرادَ معرفةَ المزيدِ فليرجعْ إلى مظانِّهَا في كتبِ السنةِ، وحسبِي ما ذكرتُ في فضلِهِم إجمالًا، جعلنَا اللهُ وإياكُم أحسنَ حالًا ومآلًا !!

    ثانيًا: حالُ النبيِّ ﷺ  مع أصحابهِ صورٌ ومواقف.

    إليكُم هذه الصورَ والمواقفَ مِن حالِ النبيِّ ﷺ مع أصحابهِ؛ لنأخذَ منهَا العبرةَ والعظةَ، ونطبقهَا عمليًّا على أرضِ الواقعِ، ونقارنَ بينهَا وبينَ ما يحدثُ الآن بينِ الأصحابِ والأصدقاءِ:
    مِن أهمِّ هذه الصورِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ: «يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ». (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي). وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَزُورُ الْأَنْصَارَ فَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ بِرُءوسِهِمْ، وَيَدْعُو لَهُمْ». (النسائي وابن حبان بسند صحيح).
    ومِن أحوالِهِ ﷺ مع أصحابِهِ استشارتُهُ لهم، فكثيرًا ما كان يقولُ لهُم : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ ” . (مسلم). ونحن نعلمُ استشاراتِه لهم في كثيرِ مِن غزواتِهِ ﷺ.
    كما كان ﷺ حريصًا على تعليمِ أصحابِه، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» (مسلم). وحينمَا أساءَ رجلٌ في صلاتِهِ فعلمَهُ صفتهَا، وسُمِّي حديثُهُ بحديثِ المسيءِ صلاته، والرجلُ الذي بالَ في المسجدِ، وغيرُ ذلك مِن المواقفِ.

    كما كان ﷺ حريصًا على قضاءِ حوائجِ أصحابِهِ، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقْصِرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ». (النسائي وابن حبان بسند صحيح).
    وكان ﷺ يصلحُ بينَ أصحابِهِ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ”.( البخاري). وكان ﷺ يتبسمُ في وجوهِ أصحابِهِ، فعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي”. (متفق عليه). وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ فَكَلَّمَهُ، لَمْ يَصْرِفْ وَجْهَهُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ، وَإِذَا صَافَحَهُ لَمْ يَنْزِعْ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُهَا، وَلَمْ يُرَ مُتَقَدِّمًا بِرُكْبَتَيْهِ جَلِيسًا لَهُ قَطُّ”. (ابن ماجة بسند حسن).
    كما كان النبيُّ ﷺ يحرصُ على تفقّدِ أصحابِهِ والسؤالِ عنهُم، فعن أنسِ بنِ مالكٍ -رضي اللهُ عنه-: ” أنَّ النبيَّ ﷺ افْتَقَدَ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لكَ عِلْمَهُ، فأتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا في بَيْتِهِ، مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقالَ: ما شَأْنُكَ؟ فَقالَ: شَرٌّ، كانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النبيِّ ﷺ ، فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وهو مِن أَهْلِ النَّارِ، فأتَى الرَّجُلُ فأخْبَرَهُ أنَّهُ قالَ كَذَا وكَذَا، فَقالَ مُوسَى بنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ المَرَّةَ الآخِرَةَ ببِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقالَ: اذْهَبْ إلَيْهِ، فَقُلْ له: إنَّكَ لَسْتَ مِن أَهْلِ النَّارِ، ولَكِنْ مِن أَهْلِ الجَنَّةِ”. (البخاري).

    وكان ﷺ حريصًا على مواساةِ أصحابِهِ. ومنها مواساتُهُ لأخِي أنسِ بنِ مالكٍ بسؤالِهِ عن الطائرِ الصغيرِ، فقد جاء عن أنسٍ أنَّه قال: ” كان لي أخٌ صغيرٌ، وكان له نُغَرٌ يَلعَبُ به، فمات، فدخَلَ النَّبيُّ ﷺ ذاتَ يَومٍ فرآه حزينًا، فقال: ما شأنُ أبي عُمَيرٍ حزينًا؟ فقالوا: مات نُغَرُه الذي كان يَلعَبُ به يا رسولَ اللهِ، فقال: يا أبا عُمَيْر، ما فَعَلَ النُّغَيْر؟ أبا عُمَيْر، ما فَعَلَ النُّغَيْر؟”. (أحمد بسند صحيح وعند مسلم مختصرا). والنُغَرُ: الطائرُ الصغيرُ.
    كما كان ﷺ يداعبُ أصحابَهُ ويمازحَهُم ويسرِّى عنهُم، فَعن صُهَيْبٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَقْبَلْتُ آكُلُ مِنَ التَّمْرِ وَبِعَيْنِي رَمَدٌ، فَقَالَ: «أَتَأْكُلُ التَّمْرَ وَبِكَ رَمَدٌ؟ فَقُلْتُ: إِنَّمَا آكُلُ عَلَى شِقِّي الصَّحِيحِ لَيْسَ بِهِ رَمَدٌ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ». (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

    وكذلك مزاحُهُ مع زاهرِ بنِ حرامٍ -رضي اللهُ عنه-، فقد جاء عن أنسِ بنِ مالكٍ يروي قصّةَ هذا الصحابيِّ فقال: “كان النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّه، وكان دَميمًا، فأَتاهُ النَّبِيُّ ﷺ يَومًا، وهو يَبيعُ مَتاعَه، فاحْتَضَنَه مِن خَلفِه، وهو لا يُبصِرُه، فقال: أرسِلْني، مَن هذا؟ فالتَفَتَ، فعَرَفَ النَّبِيَّ ﷺ ، فجعَلَ لا يَأْلو ما ألزَقَ ظَهرَه بصَدرِ النَّبِيِّ ﷺ حينَ عَرَفَه، وجعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقولُ: مَن يَشْتَري العَبدَ؟ فقال: يا رَسولَ اللهِ، إذَنْ واللهِ تَجِدُني كاسِدًا. فقال النَّبِيُّ ﷺ: لكِنْ عِندَ اللهِ لستَ بكاسِدٍ”. أَوْ قَالَ ﷺ: “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ الله غال”. (أحمد وابن حبان بسند صحيح).
    وعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ : أَتَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: ” يَا أُمَّ فُلانٍ ، إِنَّ الْجَنَّةَ لا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ ”، قَالَ: فَوَلَّتْ تَبْكِي , فَقَالَ: ” أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا}.(الواقعة: 35-37) .(الترمذي في الشمائل ).
     وهنا يتساءلُ الصحابةُ عن ذلك مخافةَ وقوعِهِم في الكذبِ؟! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا؟! قَالَ: إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ”. (أحمد والطبراني والترمذي وصححه).
    وكانَ ﷺ يطرحُ أسئلةً على صحابتِه مِن بابِ توفيرِ البيئةِ المناسبةِ لنموِّ القدراتِ العقليةِ نموًّا سليمًا، وتشجيعهُم على ممارسةِ التفكيرِ الحرِّ المتوازنِ، فعن ابْنِ عُمَرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَقَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا (متفق عليه) .
    وهكذا كان حالُ النبيِّ ﷺ مع أصحابِهِ، يبتسمُ في وجوههِم، ويعلمُهُم أمورَ دينِهِم، ويمازحُهُم ليسرِّى عنهم، وينشطُ الذاكرةَ عندَهُم ببعضِ الأسئلةِ، ويزورُ مرضَاهُم، ويقضِي حوائجَهُم، ويشيِّعُ جنائزَهُم، ويتفقدُ غائبَهُم، ويصلحُ بينَهُم، ويشاركُهُم في أفراحِهِم وأتراحِهِم، وبالجملةِ: كان معهم في جميعِ شئونِ حياتِهِم.

    ثالثًا: الصحبةُ والصداقةُ مبادئٌ ومواقف.

    إنَّ الصحبةَ والصداقةَ تقتضِي أنْ يكونَ الصاحبُ مخلصًا متعاونًا معلمًا ناصحًا أمينًا لصاحبِه؛ لأنَّ الصحبةَ والصداقةَ مبادئٌ ومواقف، فلا يُعْرَفُ الصاحبُ إلَّا وقتَ العسرِ والشدةِ والضيقِ والحاجةِ، وإنَّك لو نظرتَ إلى واقعِنَا المعاصرِ تجد أنَّ الصداقةَ مِن أجلِ المصلحةِ والمنفعةِ، فإذا انتهتْ المصلحةُ انقطعَ حبلُ الصداقةِ، وتجد الشخصَ يتوددُ إليكَ بالكلامِ المعسولِ، ويقابلُكَ بالقبلاتِ والمعانقةِ، فإذا احتجتَ إليه وقتَ العسرِ والشدةِ كأنَّه لا يعرفُكَ، وكان أبعدَ الناسِ منك، ولا تجدهُ عندَ الحاجةِ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ؛ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً ” (متفق عليه). يقولُ ابنُ حجرٍ رحمه اللهُ : ” المعنى: لا تجدُ في مائةِ إبلٍ راحلةً تصلحُ للركوبِ؛ لأنَّ الذي يصلحُ للركوبِ ينبغِي أنْ يكونَ وطيئًا سهلَ الانقيادِ، وكذا لا تجدُ في مائةٍ مِن الناسِ مَن يُصلحُ للصحبةِ، بأنْ يعاونَ رفيقَهُ ويلينَ جانبَهُ” (فتح الباري).
    وفي ذلك يقولُ لقمانُ الحكيمُ: ثلاثةٌ لا يُعرفونَ إلَّا عندَ ثلاثةٍ: لا يُعرفُ الحليمُ إلَّا عندَ الغضبِ، ولا يُعرفُ الشجاعُ إلَّا عندَ الحربِ، ولا يُعرفُ الأخُ إلَّا عندَ الحاجةِ إليهِ (المجالسة وجواهر العلم للدينوري).وصدقَ مَن قال:

    لا خيرَ فـي ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ ……… حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ

    يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ …….. وإذا تـوارَى عنـكَ فهـوَ العقـرَبُ
    يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً…. ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
    لذلك كان النبيُّ ﷺ يستعيذُ مِن صحبةِ السوءِ والجارِ السوءِ، فعَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السُّوءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السُّوءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السُّوءِ، وَمِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ ” [الطبراني وابن حبان في صحيحه وحسنه].
    انظرْ إلى موقفِ الصديقِ أبي بكرٍ رضي اللهُ عنه مع صاحبِهِ ﷺ، ففي طريقِ الهجرةِ روي: ” أنَّ أبا بكرٍ ليلةَ انطلقَ مع رسولِ اللهِ ﷺ إلى الغارِ، كان يمشِي بينَ يديهِ ساعةً، ومِن خلفهِ ساعةً، فسألَهُ؟ فقال: أذكرُ الطلبَ (ما يأتي مِن الخلفِ) فأمشِي خلفكَ، وأذكرُ الرصدَ (المترصدَ في الطريقِ) فأمشِي أمامَك، فقالَ ﷺ: ” لو كان شيءٌ أحْبَبْتَ أنْ تُقتلَ دونِي؟ “، قال: أي والذي بعثكَ بالحقِّ، فلمَّا انتهيَا إلى الغارِ قال: مكانَكَ يا رسولَ اللهِ حتى أستبرئَ لك الغارَ، فاستبرَأَهُ ” (زاد المعاد – ابن القيم). فقد ضربَ الصديقُ رضي اللهُ عنه لنَا مثلًا رائعًا في أنَّ الصداقةَ والصحبة مبادئٌ ومواقف، وليستْ شعاراتٍ وأقوالًا، وهكذا الصداقةُ الحقيقيةُ، وللهِ دَرُّ مَن قال:
    جزَى اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ   * * * * *   عرفتُ بها عدويِّ مِن صديقِي
    ألَا فلنرجعْ إلى ما كانَ عليهِ نبيُّنَا ﷺ وصحابتُه الكرامُ، مِن حُبٍّ وصحبةٍ وتناصحٍ وإيثارٍ وتعاونٍ وتكافلٍ، لنكونَ خيارَ الناسِ عندَ اللهِ تعالى، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ».( أحمد والطبراني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

    نسألُ اللهَ أنْ يرزقنا وأولادنا الصحبة الصالحة، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

        الدعاء،،،،،،،                 وأقم الصلاة،،،،،             

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 9:40 am