الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م ،  : حق الوطن

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2679
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م ،   : حق الوطن Empty خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م ،  : حق الوطن

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الثلاثاء نوفمبر 01, 2022 9:37 pm

    خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م ، 
    : حق الوطن :

     
    أولًا: حبُّ الوطنِ غريزةٌ فطريةٌ
    ثانيًا: حقوقُ الوطنِ علي أبنائهِ
    ثالثًا: مظاهرُ الحفاظِ على الأوطانِ

     الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    أولًا: حبُّ الوطنِ غريزةٌ فطريةٌ

    إنَّ حبَّ الوطنِ غريزةٌ فطريةٌ في جميعِ الكائناتِ الحيةِ، من إنسانٍ وحيوانٍ وطيرٍ، بل إنَّ بعضَ المخلوقاتِ إذا تمَّ نقلُهَا عن موطنِهَا الأصليِّ فإنها تموتُ، ولذا يقولُ الأصمعيُّ – رحمَهُ اللهُ -:” ثلاثُ خصالٍ في ثلاثةٍ أصنافٍ مِن الحيواناتِ: الإبلُ تحنُّ إلى أوطانِها وإنْ كان عهدُهَا بهَا بعيدًا، والطيرُ إلى وكرِهِ وإنْ كان موضعُهُ مجدبًا، والإنسانُ إلى وطنِهِ وإنْ كان غيرُهُ أكثرَ نفعًا “.
    لذلك كان مِن حقِّ الوطنِ علينَا أنْ نُحبَّهُ، وهذا ما أعلنهُ النبيُّ ﷺ وهو يتركُ مكةَ تركًا مؤقتًا، فعن عبدِ اللهِ بنِ عديٍّ أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ ﷺ وهو واقفٌ على راحلتِهِ بالحَزْوَرَة مِنْ مَكَّةَ يَقُول: “وَالله إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلىَ اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ” ( الترمذي وحسنه).
     فما أروعَهَا مِن كلماتٍ! كلماتٌ قالَها الحبيبُ ﷺ وهو يودِّعُ وطنَهُ، إنَّهَا تكشفُ عن حبٍّ عميقٍ، وتعلُّقٍ كبيرٍ بالوطنِ، بمكةَ المكرمةِ، بحلِّها وحَرَمِهَا، بجبالِهَا ووديانِهًا، برملِهَا وصخورِهَا، بمائِهَا وهوائِهَا، هواؤُهَا عليلٌ ولو كان محمَّلًا بالغبارِ، وماؤُهَا زلالٌ ولو خالطَهُ الأكدارُ، وتربتُهَا دواءٌ ولو كانتْ قفارًا.
    قال الحافظُ الذهبيُّ – مُعَدِّدًا طائفةً مِن محبوباتِ رسولِ اللهِ ﷺ: ” وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحبُ سِبطَيْهِ، ويحبُ الحلواءَ والعسلَ، ويحبُ جبلَ أُحُدٍ، ويحبُ وطنَهُ”.
    ولتعلقِ النبيِّ ﷺ بوطنِهِ الذي نشأَ وترعرعَ فيهِ ووفائِهِ لهُ وانتمائِهِ إليهِ، دعا ربَّهُ لمَّا وصلَ المدينةَ أنْ يغرسَ فيه حبَّهَا فقالَ: ” اللهمَّ حبِّبْ إلينَا المدينةَ كحُبِّنَا مكةَ أو أشدَّ”. (البخاري ومسلم) .

    وقد استجابَ اللهُ دعاءَهُ، فكان يحبُّ المدينةَ حبًّا عظيمًا، وكان يُسَرُّ عندمًا يَرى معالِمَهَا التي تدلُّ على قربِ وصولِهِ إليهَا؛ فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ تعالَى عنهُ قال: “كان رسولُ اللهِ إذًا قدمَ مِن سفرٍ، فأبصرَ درجاتِ المدينةِ، أوضعَ ناقتَهُ – أي: أسرعَ بهَا – وإنْ كانتْ دابةً حرَّكَهَا”، أي “حركَهَا مِن حبِّهَا”. (البخاري) .

    ومع كلِّ هذا الحبِ للمدينةِ لم يستطعْ أنْ ينسىَ حبَّ مكةَ لحظةً واحدةً؛ لأنَّ نفسَهُ وعقلَهُ وخاطرَهُ في شغلٍ دائمٍ وتفكيرٍ مستمرٍ في حبِّهَا؛ فقد أخرجَ الأزرقيُّ في “أخبارِ مكةَ” عن ابنِ شهابٍ قال: قدمَ أصيلٌ الغفاريُّ قبلَ أنْ يُضرَبَ الحجابُ على أزواجِ النبيِّ ﷺ، فدخلَ على عائشةَ -رضي اللهُ عنها- فقالتْ له: يا أصيلُ: كيف عهدتَ مكةَ؟! قال: عهدتُهَا قد أخصبَ جنابُهَا، وابيضتْ بطحاؤُهَا، قالتْ: أقمْ حتّى يأتيكَ النبيُّ، فلم يلبثْ أنْ دخلَ النبيُّ، فقالَ له: “يا أصيلُ: كيفَ عهدتَ مكةَ؟!”، قالَ: واللهِ عهدتُهَا قد أخصبَ جنابُهَا، وابيضتْ بطحاؤُهَا، وأغدقَ إذخرُهَا، وأسلتْ ثمامُهَا، فقالَ: “حسبُكَ -يا أصيلُ- لا تُحزِنَّا”. وفي روايةٍ أُخرى قال: “وَيْهًا يا أصيلُ! دعْ القلوبَ تقرُّ قرارَها”.

    وهكذا يظهرُ لنا بجلاءٍ فضيلةُ وأهميةُ حبِّ الوطنِ والانتماءِ والحنينِ إليه في الإسلامِ.

    ثانيًا: حقوقُ الوطنِ علي أبنائهِ

    للوطنِ على أبنائهِ عدةُ حقوقٍ مِن أهمِّهَا:
    التضحيةُ بالنفسِ والمالِ: وذلكَ بأنْ يُضحِّي الإنسانُ بنفسِهِ ومالهِ مِن أجلِ وطنِهِ، ولا سيَّمَا في هذه الظروفِ التي تمرُّ بها البلادُ، عملًا بسنةِ النبيِّ ﷺ وتضحيةِ صحابتِهِ الكرامِ بالمالِ ومواساةِ بعضهِمُ البعض. فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ:” صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.”(متفقٌ عليه).
    وهذا هو التراحمُ والتكافلُ والتعاطفُ الذي ذكرَهُ الرسولُ ﷺ في قولهِ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.(مسلم).

    ومنها: إتقانُ العملِ: وذلك بأنْ يُقومَ كُلُّ فردٍ مِن أفرادِ الأمةِ بإتقانِ العملِ المنوطِ بهِ مِن أجلِ بناءِ وطنِهِ ومجتمعِهِ، ويكفِي في ذلكَ أنَّ قيمةَ إتقانِ العملِ توصلُ العبدَ إلى محبةِ اللهِ تعالَي، حيثُ يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلمَ:” إنَّ اللهَ يحبُّ إذَا عملَ أحدكُم عملاً أنْ يُتقنَهُ.”( الطبرانيُّ )، ولقدْ أحسنَ مَن قالَ:

    إذَا عَمِلَ المرءُ المكلفُ مرةً  …. عملًا فإنَّ العيبَ ألّا يُحسنَهُ

    فقـــــدْ ذكرَ المختارُ أنَّ إلهَنَا ….. يحــــــبُّ لعبدٍ خافَهُ أنْ يتقنَهُ
    ومنها: الحفاظُ على الممتلكاتِ العامةِ: وذلك بالحفاظِ على معالمِ الوطنِ وآثارهِ ومنشآتهِ العامةِ والخاصةِ، والحفاظِ على مياهِ نيلِهِ التي تربينَا عليهِ وروينَا منها أكبادَنَا، وعدمِ الإفسادِ في أرضهِ، أو تخريبهِ وتدميرهِ، وعدمِ قتلِ جنودهِ وحراسهِ الذين يسهرونَ ليلَهُم في حراستِنَا وحراسةِ أراضينَا!! والذين تمتدُّ إليهم يدُ الغدرِ والخيانةِ بينَ الحينِ والحينِ!! فعن الأصمعِي قال: ” إذا أردتَ أنْ تعرفَ وفاءَ الرجلِ ووفاءَ عهدهِ، فانظرْ إلى حنينهِ إلى أوطانهِ، وتشوُّقِهِ إلى إخوانهِ، وبكائِهِ على ما مضَى مِن زمانِهِ.” ( الآداب الشرعية لابن مفلح)

    ومنها: عدمُ التلاعبِ بالأقواتِ والأرزاقِ: فإنَّ ما يقومُ بهِ البعضُ مِن احتكارِ الموادِ الغذائيةِ، أو التلاعبِ بالأسعارِ، أو استغلالِ حاجةِ الناسِ مِن أجلِ الربحِ الوفيرِ مع الإضرارِ بالمجتمعِ، هؤلاءِ قد انسلخُوا مِن إنسانيتِهِم، وفقدُوا الولاءَ والانتماءَ لوطنِهِم، مع محقِ بركةِ أرزاقِهِم ، وخبثِ كسبِهِم، فضلًا عن لحوقِ اللعنةِ بهِم كمَا جاءَ في الشريعةِ الإسلاميةِ الغراءِ، وفي ذلك يقولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ».( مسلم).
    ومنها: مواجهةُ الدعواتِ الهدامةِ: فمن أهمِّ حقوقِ الوطنِ علينَا مواجهةُ الإرهابِ وتطهيرُ عُقولِ الشبابِ مِن الأفكارِ المتطرفةِ؛ لأنَّ الناسَ لو استقامتْ عقولُهُم، صاروا يُفكِّرونَ فيمَا ينفَعُهُم ويبتَعِدونَ عمَّا يضرُّهُم، إذًا هناكَ علاقةٌ كبيرةٌ بينَ المحافظةِ على عقولِ الناسِ وبينَ استقرارِ الأمنِ عندَهُم؛ لأنَّ مِمَّا يُذهِبُ بأمنِ الناسِ انتشارَ المفاهيمِ الخاطئةِ حيالَ نصوصِ القرآنِ والسنةِ، وعدمَ فهمِهِمَا بفهمِ السلفِ الصالحِ، وهل كُفِّرَ الناسُ وأريقتْ الدماءُ وقُتِلَ الأبرياءُ وخُفرتْ الذممُ بقتلِ المستأمنين وفُجِّرتْ البقاعُ إلّا بهذهِ الأفكارِ المتطرفةِ المعكوسةِ، والمفاهيمِ المنكوسةِ؟!!

    ومنها: الدعاءُ بصلاحِ الحالِ: تأسيًّا بالنبيِّ ﷺ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، يَقُولُ: «اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ». (مسلم).
    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».( مسلم).

    ثالثًا: مظاهرُ الحفاظِ على الأوطانِ

    إنَّ الإسلامَ أوجبَ علي الإنسانِ الحفاظَ على وطنِهِ، وشرعَ الجهادَ مِن أجلِ الدفاعِ عن العقيدةِ والوطنِ، ودعَا إلي حمايةِ الوطنِ مِن أعدائهِ، ومِمَّن يريدونَهُ بسوءٍ، كما أنَّ الذي يُحدِثُ القلاقلَ أو يشجعُ عليهَا أو يدعُو لهَا ليسَ بكاملِ الإسلامِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ” ( الترمذي وحسنه ) .
    ومِن الخيانةِ العُظمَي أنْ يخونَ مواطنٌ وطنَهُ ويتآمرَ ضدَّهُ مِن أجلِ منفعةٍ ماديةٍ أو شخصيةٍ!! ومَن فعلَ مثلَ ذلك كان بعيدًا عن الدينِ بعيدًا عن اللهِ؛ لأنَّ المؤمنَ الحقيقيَّ مَن أمَّنَهُ الناسُ علي دمائهِم وأموالهِم وأعراضهِم.
    إنَّ الإنسانَ الذي لم يحافظْ على وطنهِ ويخونُهُ ويتآمرُ مع أعدائِهِ ضدَّ وطنهِ إنسانٌ بعيدٌ عن حظيرةِ الإيمانِ، إنَّهُ يرتكبُ أبشعَ أنواعِ الخيانةِ، إنَّهُ يخونُ اللهَ الذي أمرَ بالدفاعِ والجهادِ مِن أجلِ الوطنِ، ويخونُ رسولَ اللهِ ﷺ الذي أمرَ بحمايةِ أمانةِ الوطنِ، ويخونُ أماناتِهِ وأماناتِ الناسِ وقد قالَ ربُّ العزةِ سبحانَهُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }( الأنفال 27 ). قال ابنُ كثيرٍ” : أُنزلتْ في أبي لُبابةَ بنِ عبدِ المنذرِ، حين بعثَهُ رسولُ اللهِ ﷺ إلى بني قُرَيْظةَ لينزلُوا على حكمِ رسولِ اللهِ ﷺ، فاستشارُوه في ذلك، فأشارَ عليهِم بذلك -وأشارَ بيدهِ إلى حلقهِ -أي: إنَّهُ الذبحُ، ثم فطنَ أبو لبابةَ، ورأَى أنَّهُ قد خانَ اللهَ ورسولَهٌ، فحلفَ لا يذوقَ ذواقًا حتى يموتَ أو يتوبَ اللهُ عليهِ، وانطلقَ إلى مسجدِ المدينةِ، فربطَ نفسَهُ في ساريةٍ منهُ، فمكثَ كذلك تسعةَ أيامٍ، حتى كان يخرُّ مغشيًّا عليهِ مِن الجهدِ، حتى أنزلَ اللهُ توبتَهُ على رسولهِ، فجاءَ الناسُ يبشرونَهُ بتوبةِ اللهِ عليهِ، وأرادُوا أنْ يحلوهُ مِن الساريةِ، فحلفَ لا يحلهُ منها إلّا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم بيده، فحلَّهُ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ نذرتُ أنْ أنخلعَ مِن مالي صدقةً، فقال يجزيكَ الثلثُ أنْ تصدقَ بهِ”.( تفسير ابن كثير ).

    لقد غرسَ الرسولُ ﷺ في نفوسِ الصحابةِ الحفاظَ على الوطنِ وحمايتَهُ والانتماءَ إليهِ، وهو القدوةُ والمثلُ الأعلى في حنينهِ لوطنهِ واشتياقهِ إليهِ، ولقد عاتبَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – أحدَ الصحابةِ الأطهارِ لمَّا أرادَ – بحسنِ نيتهِ – أنْ يتخذَ حليفًا وظهيرًا مِن قريش، لما علمَ أنَّ الرسولَ يقصدُهُم، فعن علىٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا. فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ؛ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا؛ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ. قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي؛ وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ }. (متفق عليه)؛ وهذا درسٌ عظيمٌ لكلِّ أفرادِ الأمةِ أنْ يحفظُوا أسرارَ وخططَ بلادِهِم، وأنْ لا يتخذُوا مِن أعدائِهِم نصيرًا أو وليًّا أو معينًا على هدمِ البلادِ والأوطانِ وخرابِهَا وفسادِهَا، مِن أجلِ مصالحَ ماديةٍ، أو أهواءٍ شخصيةٍ، أو أفكارٍ متطرفةٍ، أو غيرِ ذلك مِن المآربِ الأُخرى !!
    نسألُ اللهَ أنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،،
    الدعاء……..                       وأقم الصلاة،،،،                 
             

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 7:11 pm