الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة 16 سبتمبر 2022م ، لحقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة :

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2679
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة 16 سبتمبر 2022م ، لحقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة :  Empty خطبة الجمعة القادمة 16 سبتمبر 2022م ، لحقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة :

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأربعاء سبتمبر 28, 2022 3:58 am

    خطبة الجمعة القادمة 16 سبتمبر 2022م ، لحقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة :


    أولًا: منزلةُ صلةِ الرحمِ

    ثانيًا: ثمراتُ وفوائدُ صلةِ الرحمِ

    ثالثًا: صلةُ الرحمِ بينَ الواقعِ والمأمولِ



    ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 سبتمبر 2022م ، للدكتور خالد بدير: حقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة : كما يلي:
    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلم. أمَّا بعدُ:

    العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

    أولًا: منزلةُ صلةِ الرحمِ

    إنَّ صلةَ الرحمِ خلقٌ إسلاميٌّ رفيعٌ، دعَا إليهِ الإسلامُ وحضَّ عليهِ، فهو يُربِّي المسلمَ على الإحسانِ إلى الأقاربِ وصلتِهِم وإيصالِ الخيرِ إليهِم، ودفعِ الشرِّ عنهّم. قالَ النّوويُّ:” صِلَةُ الرَّحِمِ هِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَاصِلِ وَالْمَوْصُولِ، فَتَارَةً تَكُونُ بِالْمَالِ وَتَارَةً بِالْخِدْمَةِ وَتَارَةً بِالزِّيَارَةِ وَالسَّلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ”.(شرح النووي).

    ولأهميةِ صلةِ الرحمِ ومنزلتِهَا في الإسلامِ، تضافرتْ كثيرٌ مِن النصوصِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ بالحديثِ عنهَا، يقولُ اللهُ تعالَى في ذلك: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى } (النساء: 36). ويقولُ تعالَى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}.( الإسراء: 26). وقالَ جلَّ شأنُهُ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (الروم: 38).


    ويقولُ المصطفَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلمِ: “إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ فَهُوَ لَكِ “، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } (البخاري) . وَعَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ» (متفق عليه).

    وجُعلتْ صلةُ الرحمِ مِن كمالِ الإيمانِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ؛ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ؛ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ” . (متفق عليه).


    وقد أرشدَنَا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم إلى الصدقةِ على الأرحامِ بقولِهِ:” إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ “،(الترمذي) وأَوْلَى الأرحامِ بالصلةِ الوالدان، ثم مَن يَلِيَهُم مِن الأهلِ والقرابةِ.

    ولمنزلةِ صلةِ الرحمِ أمرَ بهَا الإسلامُ حتّى للرحمِ المُشرِكِ، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» . ( متفق عليه).

    أمّا قطيعةُ الرحمِ فهي كبيرةٌ مِن كبائرِ الذنوبِ، وقد رتَّبَ اللهُ العقوبةَ والطردَ مِن رحمتهِ لِمَن قطعَ رحمَهُ، قالَ اللهُ تعالَى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } (محمد:23). وقدْ قالَ عليٌّ بنُ الحسينِ لولدِهِ: يا بُني لا تصحبنَّ قاطعَ رحمٍ فإنِّي وجدتُهُ ملعونًا في كتابِ اللهِ في ثلاثةِ مواطن. الموطنُ السابقُ، وقولُهُ سبحانَهُ وتعالَى : { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (الرعد:25). وقولُهُ سبحانَهُ وتعالَى: { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة:27). وليس أعظمُ مِن أنَّ قاطعَ الرحمِ تُعجلُ لهُ العقوبةُ في الدنيا، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قالَ:” مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ” ، [ أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه ] . أمَّا في الآخرةِ فإنَّهُ يحرمُ مِن دخولِ الجنةِ، كمَا قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم:” لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ ” (متفق عليه).


    فمَا أفضل مِن أنْ يتقربَ المسلمُ لربِّهِ بصلةِ رحمهِ، ابتغاءً لمرضاتِهِ وعظيمِ ثوابهِ، وإزالةً لما قد يقعُ في النفوسِ مِن شحناء ، فالمبادرةُ بالزيارةِ والصلةِ وإنْ كانتْ شاقةً على النفسِ ولكنَّهَا عظيمةُ القدرِ عندَ اللهِ.

    العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

    ثانيًا: ثمراتُ وفوائدُ صلةِ الرحمِ

    لصلةِ الرحمِ آثارٌ وفوائدٌ وثمراتٌ عظيمةٌ تعودُ على الفردِ والمجتمعِ في الدنيا والآخرةِ منها:

    إنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لصلةِ اللهِ للواصلِ: فعن أبي هريرةَ قالَ: قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم :”إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ فَهُوَ لَكِ ” (متفق عليه).

    ومنها: إنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لدخولِ الجنةِ: قالَ تعالَى:{ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ *وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. ( الرعد21-24) .

    وفي الحديثِ المتفقِ عليهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ :” تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ”. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”. ( أحمد وابن ماجة والترمذي والحاكم وصححه).

    ومنها: إنَّ الرحمَ تشهدُ للواصلِ بالوصلِ يومَ القيامةِ: فعن ابنِ عباسٍ قالَ: قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم : ” كلُّ رحِمٍ آتيةٌ يومَ القيامةِ أمامَ صاحبِها تشهدُ له بصِلةٍ إنْ كان وصَلَها، وعليهِ بقطيعةٍ إنْ كانَ قطعَهَا”. (البيهقي في الشعب والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه).

    ومنها: إنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لزيادةِ العمرِ وبسطِ الرزقِ: وفي ذلك يقولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. (متفق عليه). ” وهذه الزيادةُ بالبركةِ في عمرهِ، والتوفيقِ للطاعاتِ، وعمارةِ أوقاتهِ بما ينفعُهُ في الآخرةِ، وصيانتِهَا عن الضياعِ وغيرِ ذلك”.( شرح النووي).

    ومنها: إنَّ صلةِ الرحمِ تدفعٌ ميتةَ السوءِ: فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ؛ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. (أحمد والطبراني وصححه العلامة أحمد شاكر).

    ومنها: إنَّ صلةَ الرحمِ سببٌ لمحبةِ الأهلِ للواصلِ: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ “. ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه). فصلةُ الرحمِ تعملُ على تقويةِ أواصرِ العلاقاتِ الاجتماعيّةِ بينَ أفرادِ الأسرةِ الواحدةِ والأسرِ المرتبطةِ بالمصاهرةِ والنّسبِ، حتّى يعمَّ المجتمعَ كلَّهُ.

    هذه هي ثمراتُ وفوائدُ صلةِ الرحمٍ، وهناكَ ثمراتٌ وفوائدٌ كثيرةٌ في الدنيا والآخرةِ لصلةِ الرحمِ لا يتسعُ المقامُ لذكرِهَا ويكفِي القلادةُ ما أحاطَ بالعنقِ.

    العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة

    ثالثًا: صلةُ الرحمِ بينَ الواقعِ والمأمولِ

    إنَّ مَن ينظرْ إلى واقعِنَا المعاصرِ يجدْ أنَّ كثيرًا مِن الأقاربِ وذوي الأرحامِ يخاصمُ بعضُهُم بعضًا، ولا يكلمُ بعضُهُم بعضًا، وبينهم قطيعةٌ على أيِّ سببٍ مِن الأسبابِ الدنيئةِ، وهذا هو واقعُ الأمةِ المرير.

    ولكنْ عليكَ أخي المسلم أنْ تصلَ رحمَكَ حتى لو كانُوا لا يصلُوك، فلتكنْ أنتَ الأخيرَ والأفضل، لتكتبْ عندَ اللهِ مِن الواصلين؛ وفي ذلك يقولُ نبيُّ الرحمةِ صلَّى اللهُ عليه وسلم:” لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا”. (البخاري). وأخرج عبدُ الرزاقِ عن عمرَ موقوفًا: ” ليس الوصلُ أنْ تصلَ مَن وصلَكَ ، ذلك القصاصُ ، ولكنَّ الوصلَ أنْ تصلَ مَن قطعَكَ ” ، وهذا ما أمرَ اللهُ بهِ نبيَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلم، لما أنزلَ اللهُ: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } قالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم: “ما هذا يا جبريلُ؟” قال: إنَّ اللهَ أمرَكَ أنْ تعفوَ عَمَّن ظلمَكَ، وتعطي مَن حرمَكَ، وتصلَ مَن قطعَكَ.”( تفسير ابن كثير).

    وقد يقولُ آخرٌ: إنَّ قرابتِي يؤذوننِي ويقاطعوننِي – وهذا شائعٌ وكثيرٌ في واقعِنَا المعاصرِ – فهل أصلُهُم؟!!

    والجوابُ عندَ نبيِّكَ صلَّى اللهُ عليه وسلم. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ:” لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ “(مسلم).

    يقولُ الإمامُ النوويُّ: ” مَعْنَاهُ كَأَنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الْحَارَّ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْأَلَمِ بِمَا يَلْحَقُ آكِلِ الرَّمَادَ الْحَارَّ مِنَ الْأَلَمِ، وَلَا شئ عَلَى هَذَا الْمُحْسِنِ بَلْ يَنَالُهُمُ الْإِثْمُ الْعَظِيمُ فِي قَطِيعَتِهِ وَإِدْخَالِهِمُ الْأَذَى عَلَيْهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ تُخْزِيهِمْ وَتُحَقِّرُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ لِكَثْرَةِ إِحْسَانِكَ وَقَبِيحِ فِعْلِهِمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالْحَقَارَةِ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ،كَمَنْ يُسَفُّ الْمَلُّ. وَقِيلَ ذَلِكَ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ مِنْ إِحْسَانِكَ كَالْمَلِّ يُحَرِّقُ أَحْشَاءَهُمْ “.(شرح النووي).

    وكثيرٌ مِن الناسِ أيضًا بينهُم خصامٌ، ويأتي أحدُهُم ليفوزَ برضَا اللهِ فيبدأَ بالسلامِ ليكونَ خيرهَمَا عندَ اللهِ، ولكنَّ الآخرَ لا يردُّ عليه السلام، ويتكررُ هذا الأمرُ والآخرُ لا يردُّ، فيملُ الأولُ ويتركُ السلامَ بحجةِ أنَّ الآخرَ لا يردُّ!!

    أقولُ: يجبُ عليك أنْ تُلقي السلامَ على الجميعِ حتى المتخاصمِ معك؛ لأنَّ هذه تحيةُ الإسلامِ، وإنْ لم يردْ عليك فقد وكَّلَ اللهُ ملكًا يردُّ عنك، ويردُّ على الآخرِ الشيطانُ.

    فعن هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا؛ وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَتُهُ ؛ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا ” . (البخاري في الأدب المفرد وأحمد والبيهقي وابن حبان وصححه ).

    وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي الأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ فِيكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ، لأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ. ” (البخاري في الأدب المفرد والطبراني والبيهقي والهيثمي وصحح إسناده )

    فحريٌّ بنَا أنْ نتفقدَ أرحامَنَا بالصلةِ والصدقةِ وإصلاحِ ذاتِ البينِ، فلا أقلَّ مِن أنْ يصلَ أحدُنَا رحمَهُ بمكالمةٍ تزيلُ ما علقَ في النفسِ، وتدحرُ الشيطانَ، وتفتحُ أبوابَ الخيرِ، فهي فرصةٌ عظيمةٌ لفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع أرحامِنَا.

    نسألُ اللهَ أنْ يجعلَنَا مِن الواصلينَ لرحمِهِم، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

    الدعاء…….. وأقم الصلاة،،،،


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 9:27 am