الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة 19 أغسطس 2022م ، الآيات الكونية في القرآن الكريم :

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2679
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة 19 أغسطس 2022م ، الآيات الكونية في القرآن الكريم :  Empty خطبة الجمعة القادمة 19 أغسطس 2022م ، الآيات الكونية في القرآن الكريم :

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الأربعاء أغسطس 17, 2022 11:47 pm

    خطبة الجمعة القادمة 19 أغسطس 2022م ،
    الآيات الكونية في القرآن الكريم :

     

    أولًا: الأمرُ بالتفكرِ في الآياتِ الكونيةِ.
    ثانيًا: مناظراتٌ حولَ الآياتِ الكونيةِ.
    ثالثًا: أثرُ تدبرِ الآياتِ الكونيةِ في زيادةِ الإيمانِ

     

    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وسلم. أمَّا بعدُ:

    أولًا: الأمرُ بالتفكرِ في الآياتِ الكونيةِ.

    لقد خلقَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – هذا الكونَ كلَّهُ بما فيهِ بقدرٍ ونظامٍ وتدبيرٍ محكمٍ، وإنَّ نظرةً متفحصةً مدققةً في هذا الكونِ، يدركُ بها المرءُ مدى تنظيمِ اللهِ جلَّ وعلا لهذا الكونِ، وهذا كلُّهُ مِن بديعِ صنعِ اللهِ تعالى:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]. يقولُ الطاهرُ بنُ عاشورٍ في تفسيرهِ: ” إذا تأملتَ الأشياءَ رأيتَهَا مصنوعةً على ما ينبغِي، فصلابةُ الأرضِ مثلًا للسيرِ عليها، ورقةُ الهواءِ ليُسَهِّلَ انتشاقَهُ للتنفسِ، وتوجهُ لهيب النارِ إلى فوق لأنَّها لو كانتْ مثلَ الماءِ تلتهبُ يمينًا وشمالًا؛ لكَثُرتْ الحرائقُ، فأمَّا الهواءُ فلا يقبلُ الاحتراقَ.”(التحرير والتنوير ).
    ولقد أمرنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالي بالتفكرِ في الكونِ بما فيهِ في كثيرٍ مِن آيِ القرآنِ الكريمِ.

    ففي السماواتِ والأرضِ وما فيهِمَا يقولُ تعالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.  (البقرة:164).
    ويقولُ سبحانَهُ وتعالَى: { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}. (ق: 6- Cool.
    وفي الشمسِ والقمرِ والنجومِ وجميعِ الكواكبِ يقولُ تعالَى : { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ( يس : 37 – 40).
    يقولُ ابنُ كثيرٍ:” ومِن الدلالةِ لهم على قدرتِهِ تعالَى العظيمةِ خَلْقُ الليلِ والنهارِ، هذا بظلامِهِ وهذا بضيائِهِ، وجعلَهُمَا يتعاقبانِ، يجيءُ هذا فيذهبُ هذا، ويذهبُ هذا فيجيءُ هذا . وقولُهُ: { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } : قال مجاهدٌ: لكلٍّ منهما حدٌّ لا يعدُوهُ ولا يقصرُ دونَهُ، إذا جاءَ سلطانُ هذا ذهبَ هذا، وإذا ذهبَ سلطانُ هذا جاءَ سلطانُ هذا. والمعنى في هذا: أنَّهُ لا فترةَ بينَ الليلِ والنهارِ، بل كلٌّ منهما يعقبُ الآخرَ بلا مهلةٍ ولا تراخٍ؛ لأنَّهُما مسخرانِ دائبينِ يتطالبان طلبًا حثِيثًا. ” أ.هـ ( تفسير ابن كثير بتصرف ) .
    وفي الدوابِّ والأنعامِ قالَ تعالَى: { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. (النور: 45).

    وفي الإنسانِ نفسِهِ قالَ تعالَى: { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. (الذاريات: 21).
    وفي الزرعِ والنباتِ يقولُ تعالَى: {وَفِى الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيْلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى‏ بَعْضٍ فِى الْأُكُلِ إنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. (الرعد: 4).
    فهذا النظامُ الكونيُّ بما فيهِ مِن أرضٍ وسماءٍ ونجومٍ وكواكبَ ودوابٍّ ونباتٍ يدلُّنَا على وجودِ الخالقِ المدبرِ، وأنَّ هناكَ موجدًا، وأنَّ هذا الموجدَ عندَهُ هذه القدرة، بل منتهَى القدرةِ، والحكمةِ والعظمةِ والعلمِ، وإلَّا لمَا أمكنَ أنْ يكونَ هذا الكونُ بهذا الشكلِ. وقد سُئلَ الأعرابيُّ: بم عرفتَ ربَّكَ؟ فقالَ: الأثرُ يدلُ على المسيرِ، والبَعْرَةُ تدلُ على البعيرِ، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ ألا تدلُّ على السميعِ البصيرِ؟!!

    ثانيًا: مناظراتٌ حولَ الآياتِ الكونيةِ.

    هذه بعضُ المواقفِ والمناظراتِ حولَ الآياتِ الكونيةِ، وبيانِ قدرةِ اللهِ فيها، وكيف كانتْ سببًا في إسلامِ المناظَرين.
    المناظرةُ الأولَى: ” يُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الزَّنَادِقَةِ أَنْكَرَ الصَّانِعَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: هَلْ رَكِبْتَ الْبَحْرَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ هَلْ رَأَيْتَ أَهْوَالَهُ؟ قَالَ بَلَى، هَاجَتْ يَوْمًا رِيَاحٌ هَائِلَةٌ فَكَسَّرَتِ السُّفُنَ وَغَرَّقَتِ الْمَلَّاحِينَ، فَتَعَلَّقْتُ أَنَا بِبَعْضِ أَلْوَاحِهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ذَلِكَ اللَّوْحُ فَإِذَا أَنَا مَدْفُوعٌ فِي تَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ حَتَّى دُفِعْتُ إِلَى السَّاحِلِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ قَدْ كَانَ اعْتِمَادُكَ مِنْ قَبْلُ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِ ثُمَّ عَلَى اللَّوْحِ حَتَّى تُنْجِيَكَ، فَلَمَّا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْكَ هَلْ أَسْلَمْتَ نَفْسَكَ لِلْهَلَاكِ أَمْ كُنْتَ تَرْجُو السَّلَامَةَ بَعْدُ؟ قَالَ بَلْ رَجَوْتُ السَّلَامَةَ، قَالَ مِمَّنْ كُنْتَ تَرْجُوهَا فَسَكَتَ الرَّجُلُ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ الصَّانِعَ هُوَ الَّذِي كُنْتَ تَرْجُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْجَاكَ مِنَ الْغَرَقِ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ.” ( انظر هذه المناظرات الثلاث في تفسير الرازي).

    المناظرةُ الثانيةُ: “كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَيْفًا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ، وَكَانُوا يَنْتَهِزُونَ الْفُرْصَةَ لِيَقْتُلُوهُ فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا فِي مَسْجِدِهِ قَاعِدٌ إِذْ هَجَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِسُيُوفٍ مَسْلُولَةٍ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمْ: أَجِيبُونِي عَنْ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ. فَقَالُوا لَهُ: هَاتِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لكم إني رأيت سفينةً تَجْرِي مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا مَلَّاحٌ يُجْرِيهَا وَلَا مُتَعَهِّدٌ يَدْفَعُهَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ؟ قَالُوا: لَا، هَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَجُزْ فِي الْعَقْلِ سَفِينَةٌ تَجْرِي فِي البحر مستويةً مِن غيرِ متعهدٍ ولا مجري فَكَيْفَ يَجُوزُ قِيَامُ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَتَغَيُّرِ أَعْمَالِهَا وَسِعَةِ أَطْرَافِهَا وَتَبَايُنِ أَكْنَافِهَا مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ 
    وَحَافِظٍ؟ فَبَكَوْا جَمِيعًا وَقَالُوا: صَدَقْتَ وَأَغْمَدُوا سُيُوفَهُمْ وَتَابُوا.”
    المناظرة الثالثة: ” سَأَلُوا الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ؟ فَقَالَ: وَرَقَةُ الْفِرْصَادِ (التُّوتِ) طَعْمُهَا وَلَوْنُهَا وَرِيحُهَا وَطَبْعُهَا وَاحِدٌ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَتَأْكُلُهَا دُودَةُ الْقَزِّ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْإِبْرَيسَمُ ( الحرير)، وَالنَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْعَسَلُ. وَالشَّاةُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْبَعْرُ، وَيَأْكُلُهَا الظِّبَاءُ فَيَنْعَقِدُ فِي نَوَافِجِهَا الْمِسْكُ، فَمَنِ الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الطَّبْعَ وَاحِدٌ؟ فَاسْتَحْسَنُوا مِنْهُ ذَلِكَ وَأَسْلَمُوا عَلَى يَدِهِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ”.
    حقاً إنَّهُ مدهشٌ، فالماءُ واحدٌ، والترابُ واحدٌ أيضًا، أمّا الاختلافُ بينَ الثمارِ فكثيرٌ بحيثُ إنَّ أحدَهَا حلوٌ والآخرُ حامضٌ تمامًا، فما هذا الجهازُ العجيبُ المكنونُ في أغصانِ الأشجارِ وجذورِهَا الذي لديهِ القدرةَ على‏ صنعِ الموادِ الكيميائيةِ مختلفةِ الخواصِّ مِن خلالِ استغلالِ نوعٍ واحدٍ مِن الماءِ والترابِ؟! فلو لم يكنْ هنالكَ دليلٌ على‏ علمِ وحكمةِ خالقِ الكونِ سوى‏ هذه المسألةِ، لكانتْ كافيةً لمعرفةِ هذا الخالقِ العظيمِ، وكما يقولُ أحدُ شعراءِ العربِ:

    ثالثًا: أثرُ تدبرِ الآياتِ الكونيةِ في زيادةِ الإيمانِ

    إنَّ دوامَ التفكرِ في الآياتِ الكونيةِ والإنسانيةِ لهُ أثرٌ كبيرٌ في زيادةِ إيمانِ العبدِ، قالَ تعالَى: { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}. (يونس: 101)
    ولقد ضربَ لنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم أروعَ الأمثلةِ في التفكرِ في الكونِ وأسرارِهِ، والبكاءِ مِن خشيةِ اللهِ تعالَى، فقالَ يومًا لأمِّنَا عائشةَ رضي اللهُ عنها: «يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي» قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟، قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ }».[آل عمران: 190].(ابن حبان بسند صحيح). وروي أنَّ” عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه خَرَجَ يَعِسُّ الْمَدِينَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَمَرَّ بِدَارِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَوَافَقَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَوَقَفَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ فَقَرَأَ: {وَالطُّورِ} حَتَّى بَلَغَ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} قَالَ: قَسَمٌ -وَرَبِّ الْكَعْبَةِ-حَقٌّ. فَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَائِطٍ، فَمَكَثَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنْزِلِهِ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَعُودُهُ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ مَا مَرَضُهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ”.(تفسير ابن كثير).
    ولهذا  لما سمعَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يقرأُ سورةَ الطورِ فبلغَ هذه الآياتِ: {أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ}. (الطور:35-37) وكان جبيرُ يومئذٍ مشركًا قال: ” كادَ قلبي أنْ يطيرَ، وذلك أولُ ما وقرَ الإيمانُ في قلبي.” (البخاري).
    وكان سماعُهُ لهذه الآيةِ مِن جملةِ ما حملَهُ على الدخولِ في الإسلامِ.

    وهذا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي:” يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ اليَوْمَ إِلَهًا؟ قَالَ أَبِي: سَبْعَةً سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِيَ الكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي.”( الترمذي وقال: حسن غريب).
    فالتفكرُ في الآياتِ الكونيةِ سبيلٌ إلى معرفةِ اللهِ تعالَى. يقولُ عثمانُ القرشيُّ «فجميعُ المخلوقاتِ مِن الذرةِ إلى العرشِ سبلٌ متصلةٌ إلى معرفتهِ تعالى، وحججٌ بالغةٌ على أزليتِهِ، والكونُ جميعُهُ ألسنٌ ناطقةٌ بوحدانيتِهِ، والعالمُ كلُّهُ كتابٌ يقرأُ حروفَ أشخاصِهِ المتبصرُون على قدرِ بصائرِهِم». «ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب».
    ويقولُ ابنُ سعدَي رحمَهُ اللهُ: « ومِن أسبابِ الإيمانِ ودواعيهِ: التفكرُ في الكونِ، في خلقِ السماواتِ والأرضِ وما فيهنَّ مِن المخلوقاتِ المتنوعةِ، والنظرُ في نفسِ الإنسانِ، وما هو عليهِ مِن الصفاتِ، فإنَّ ذلك داع ٍقويٌّ للإيمانِ، لمَا في هذه الموجوداتِ مِن عظمةِ الخلقِ الدالِّ على قدرةِ خالقِهَا وعظمتِهِ، وما فيهَا مِن الحسنِ والانتظامِ، والإحكامِ الذي يحيرُ الألبابَ، الدالِّ على سعةِ علمِ اللهِ، وشمولِ حكمتهِ وما فيهَا مِن أصنافِ المنافعِ والنعمِ الكثيرةِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، الدالةِ على سعةِ رحمةِ اللهِ، وجودهِ وبرّهِ. وذلك كلُّهُ يدعُو إلى تعظيمِ مُبدعِهَا وبارئِهَا وشكرِهِ، واللهجِ بذكرهِ، وإخلاصِ الدينِ لهُ. وهذا هو روحُ الإيمانِ ويسرُهُ».( التوضيح والبيان لشجرة الإيمان).
    وصدقَ اللهُ حيثُ يقولُ: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ }.(فصلت: 53).
    ويقولُ جلَّ شأنُهُ: { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }. (الأعراف: 185).
    وبهذا يتبينُ أنَّ النظرَ في الكونِ والتأملَ فيهِ مِن أعظمِ أسبابِ الإيمانِ وأنفعِ دواعيهِ.
    نسألُ اللهَ أنْ يزيدَنَا إيمانًا ويقينًا وتقًى،،،
    الدعاء……..                                                              وأقم الصلاة،،،،
                                                                       


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 2:36 am