الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    الجار، ومفهومه، وحقوقه)) 23 من ذي الحجة 1443هـ الموافق 22 يوليه 2022م

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2692
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    الجار، ومفهومه، وحقوقه)) 23 من ذي الحجة 1443هـ الموافق 22 يوليه 2022م Empty الجار، ومفهومه، وحقوقه)) 23 من ذي الحجة 1443هـ الموافق 22 يوليه 2022م

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الإثنين يوليو 18, 2022 11:26 am

    ((الجار، ومفهومه، وحقوقه))
    23 من ذي الحجة 1443هـ الموافق 22 يوليه 2022م
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. الجار، وبيان اشتقاقه، ومفهومه، وحدّه، وأنواعه.
    2. ثمانيةٌ من حقوق الجيران في الشريعة الإسلامية.
    3. الخطبة الثانية: (من فوائد وثمار مراعاة حقوق الجيران).
    ===========================================
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعلنا من أمة خاتم الأنبياء والمرسلين، الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام وتوفيق الإيمان وحفظ وتلاوة آيات القرآن، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فاللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:
    ===========================================
    (1) ((الجار، وبيان اشتقاقه، ومفهومه، وحدّه، وأنواعه))
    ===========================================
    أيها الأحبة الكرام: الدين الإسلامي هو دين الحقوق والواجبات المتنوعة والمتعددة، ما بين حقِّ الله (عزّ وجلّ)، وحقوق البشر على اختلاف أصنافها، بل وحقوق الجمادات والحيوانات، فالشريعة الإسلامية أعطت لكل ذي حق حقه كما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع، وكما أعطتنا الشريعة الإسلامية حقوقًا وواجباتٍ، كلفتنا بحقوق وواجبات من باب: (لكم مثل الذي عليكم).
    ومن تلك الحقوق والواجبات التي كلفتنا الشريعة الإسلامية وأمرتنا بها حقوق الجيران، فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك لنتعرف على الجار، ومفهومه، وحدّه، وأنواعه، وبيانُ شيء من حقوقه، فأعيروني يا عباد الله القلوب، واصغوا إليّ بالآذان والأسماع فأقول وبالله التوفيق:
    ======
    الجار في اللغة العربية يطلق على عدة من المعاني: فالجار هو: الّذي يلاصق بيته بيتك، و(الجار) هو: الشّريك في العقار الذي تسكن فيه، مقاسما لك فيه، أو غير مقاسم، و(الجار) هو: الخفير أو الحارس، و(الجار) هو: الشخص الّذي يجير غيره، أي يؤمّنه ويعيذه ممّا يخاف، و(الجار) هو: الشخص المستجير بغيره، أي: الّذي يطلب الأمان، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}[التوبة:6]، و(الجار) هو: الحليف، أو النّاصر، و(الجار) هو: الزّوج، و(الجار): يطلق أيضا على الزّوجة، ويقال لها: (جارة)، و(الجارة): الضّرّة، أي: التي تشارك غيرها من النساء في رجل واحد، قيل لها جارة: استكراها للفظ الضّرّة، و(الجار): فرج المرأة، و(الجارة): الطبيجة، وهي الإست (الدبر)، و(الجار): ما قرب من المنازل من ساحل الأنهار والبحار والمحيطات، و(الجار): الصنارة السيء الخلق الجوار، و(الجار): الدمث: الحسن الجوار، و(الجار): الشريك في التجارة.
    ======
    وباعتبار القرب قيل: جار عن الطّريق، أي: لم يلتزمه وإنّما انحرف قريبا منه، ثمّ جعل ذلك أصلا في العدول عن كلّ حقّ فبني منه الجور، بمعنى الظلم، ومنه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لبشير بن سعد بن ثعلبة: (...فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)(رواه مسلم).
    ======
    والمعنى المراد للجار هنا في خطبتنا: (القرب)، فقيل لمن يقرب من غيره دارًا وسكنًا أو عملًا...الخ: جاره وجاوره، وتجاور معه قال تعالى مخاطبًا النبي (صلى الله عليه وسلم) ومهددًا أهل النفاق: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}[الأحزاب:60]، أي: لا يساكنونك في المدينة ولا يكونون بجوارك إلا قليلا، ولا شك أن الجار سمّي جارًا؛ لأنه أول من يجير جاره، أول من يلحقه ويدركه، ويؤمّنه ويعيذه ممّا يخاف.
    ========
    ((حدّ الجوار)):
    ========
    والجار الذي نتحدث عنه اليوم وعن حقوقه، مَنْ هو؟ وما هو حدّه؟ وأقول: اختلف العلماء في حدّه على عدة أقوال، كالتالي:
    1ـ بعضهم قال: الجار هو مَنْ سمع معك أذان المسجد للصلاة، وعلى هذا القول يكون كل قاطني حي سكني جيران، واستدل أصحاب هذا الرأي بقول الإمام علي (رضي الله عنه): (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَهُوَ جَارٌ)(فتح الباري).
    2ـ وقال بعضهم: الجار هو من يصلي معك الفجر في المسجد، ولم ينسب هذا القول لأحد، وذكره العلماء بصيغة التمريض، مما يدل على ضعفه، وعدم قبوله.
    3ـ وقال بعضهم: حدّ الجوار أربعين دارًا من الجهات الأربع، وقيل: من كل جانب، واستدل أصحاب هذا القول، بما جاء عن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت: يا رسول الله، ما حق، أو قالت: ما حد الجوار؟. قال: (أَرْبَعُونَ دَارًا)(السنن الكبرى للبيهقي)، وعن ابن شهاب الزهري، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (السَّاكِنُ مِنْ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ). فقيل لابن شهاب وكيف أربعون دارا؟. قال: (أَرْبَعُونَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَخَلْفَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ)(المراسيل لأبي داود)، وفيهما ضعفٌ كما قرر العلماء.
    ======
    والحق الذي أميل إليه وأرجحه: أن كل مدينة وبلدة يتجاور أهلها بالقبائل فكلُّ أهل قبيلة جيران, وكلّ أهل مدينة وبلدة يتجاورون بالدروب فكلّ أهل درب جيران, وكل أهل مدينة وبلدة يتجاورون بالمساجد فكل أهل مسجد جيران، وهذا القول منسوبٌ للإمامين أبي يوسف، ومحمد بن الحسن من فقهاء الأحناف.
    =========
    ((أنواع الجيران)):
    =========
    الجار الذي نتحدث عنه اليوم، وعن حقوقه على ثلاثة أنواع:
    1ـ جار له حق واحد، وهو الجار الغير مسلم، له حق الجوار فقط كما سنتحدث.
    2ـ وجار له حقان، وهو الجار المسلم غير القريب، له حق الجوار، وحق الإسلام أو الأخوة في الدين.
    3ـ وجار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب، له حق الجوار، وحق الإسلام أو الأخوة في الدين، وحق القرابة والرحم، قال (صلى الله عليه وسلم): (الْجِيرَانِ ثَلَاثَةٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقَّانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجَارِ, وَحَقُّ الْإِسْلَامِ، وَحَقُّ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقَّانِ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ فَالْجَارُ الْكَافِرُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ)(شعب الإيمان بسند ضعيف).
    ======
    ويقدم في الهدية، وإجابة الدعوة من هؤلاء أقربهما منّا بابًا، إذا اجتمعوا، أما إذا سبق أحدهم، فإجابة الدعوة لمن سبق؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ)(رواه أبو داود).
    ===========================================
    (2) ((ثمانيةٌ من حقوق الجيران في الشريعة الإسلامية))
    ===========================================
    1. الإحسانُ إليهم، وإكرامُهم بالهدية ونحوها حتى ولو كانوا على غير الملة الإسلامية: قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء:36]، وعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما)، أنه ذبح شاة فقال: أهديتم لجاري اليهودي، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)(رواه أبو داود)، وعن أبي ذر (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم ): (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ)(مسند أبي يعلى).
    ======
    2. عدم إيذائهم بأي نوعٍ من أنواع الإيذاء حسيًا كان أم معنويًا: قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه ): (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ). قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ)(متفق عليه)، (بوائقه) جمع بائقة وهي الظلم والشر والشيء المهلك، فحفظ حق الجار من كمال الإيمان، والإضرار به من الكبائر، إلا في الموضع الذي يحل له الإضرار بالقول والفعل.
    إن إيذاء الجيران يتسبب في ضياع ثواب الطاعات والعبادات، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قيل للنبي (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها؟. فقال: رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ). وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار ولا تؤذي أحدا؟. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)(شعب الإيمان)، (الأثوار) جمع ثور وهو القطعة من الأقط (اللبن المجفف).
    ======
    3. الصبر على إيذائهم، إن كان لهم إيذاء: فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رجلا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يشكو جاره، فقال: (اذْهَبْ فَاصْبِرْ). فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال: (اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ). فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه. (رواه أبو داود)، فهذا الرجل صبر على إيذاء جاره، وهذا هو الشاهد من الحديث، وهذا هو المطلوب، وقد نصحه النبي (صلى الله عليه وسلم) وأرشده إلى طرح متاعه، وإلقائه بالطريق العام للناس لما علم النبي (صلى الله عليه وسلم) أن هذا الطرح يأتي بثمرة ونتيجة، وقد كان، فحينما رأى الرجل أن الناس يلعنونه، ويدعون عليه؛ ذهب إلى جاره، وطلب منه أن يعود إلى بيته، وتعهد بعدم إيذائه ثانية.
    ======
    4. المحافظة على أموالهم، وأعراضهم وحرماتهم: فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أي الذنب أعظم عند الله؟. قال: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ). قال: قلت له: إن ذلك لعظيم، قال: قلت: ثم أي؟. قال: (ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ). قال: قلت: ثم أي؟. قال: (ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ)(متفق عليه)، (أن تزاني حليلة جارك) زوجته سميت بذلك لكونها تحل له، وقيل: لكونها تحل معه، ومعنى (تزاني) تزني بها برضاها وذلك يتضمن الزنا، وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني أيضًا، وذلك أفحش وهو مع امرأة الجار أشد قبحا وأعظم جُرما؛ لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ويطمئن إليه وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه فإذا قابل هذا كله بالزنا بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه كان في غاية من القبح.
    وعن المقداد بن الأسود (رضي الله عنه)، سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أصحابه عن الزنا؟ قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، فقال: (لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ). وسألهم عن السرقة؟ قالوا: حرام، حرمها الله عز وجل ورسوله، فقال: (لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشَرَةِ أَهْلِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ)(المعجم الكبير).
    ======
    5. قبول هديتهم أيا كانت، وعدم تحقيرها، أو السخرية منها: فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ)(متفق عليه)، (لا تحقرن) لا تستصغرن شيئا تقدمه هبة فتمتنع منها. (ولو فرسن شاة) بكسر الفاء والسين وهو الظلف، قالوا: وأصله في الإبل وهو فيها مثل القدم في الإنسان، ويطلق على الغنم استعارة، وهذا النهي عن الاحتقار نهي للمعطية المهدية ومعناه لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها بل تجود بما تيسر ولو كان قليلا كفرسن شاة وهو خير من العدم، وبالمفهوم هو للمهدى إليها أيضا وعليها أن تتقبل الهدية ولو كانت قليلة.
    ======
    6. التعاون معهم بدون ضرر ولا ضرار: فقد قال (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ)(متفق عليه)، (يغرز خشبه) يضع خشب سقف بيته أو غيرها.
    ======
    7. ثبوت حق الشفعة لهم: (وهي: حق تملُّك جبريّ يثبت للشّريك القديم على الشّريك الجديد فيما استملكه بعِوَض ماليّ مُسمّى بينهما): فعن عمرو بن الشريد، قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه)، فجاء المسور بن مخرمة (رضي الله عنه)، فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع (رضي الله عنه) مولى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك؟، فقال سعد: والله ما أبتاعهما، فقال المسور: والله لتبتاعنها، فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة، أو مقطعة، قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمس مائة دينار، ولولا أني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ). ما أعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمس مائة دينار، فأعطاها إياه. (رواه البخاري)، (ابتع مني) اشتر مني. (بيتي في دارك) بيتي الكائن في دارك والمراد بالبيت الغرفة. (منجمة) مؤجلة تعطى شيئا فشيئا. (بسقبه) ما قرب من داره ويقال الصقب أيضا.
    ======
    8. عدم مقاطعتهم لأمرٍ من أمور الدنيا: فعن أبي عامر الحمصي قال: كان ثوبان (رضي الله عنه) يقول: (مَا مِنْ رَجُلَيْنِ يَتَصَارَمَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَيَهْلِكُ أَحَدُهُمَا، فَمَاتَا وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُصَارَمَةِ، إِلَّا هَلَكَا جَمِيعًا، وَمَا مِنْ جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، إِلَّا هَلَكَ)(الأدب المفرد).
    عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((من فوائد وثمارمراعاة حقوق الجيران))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أيها الأحبة الكرام: عشنا مع الجار، ومفهومه، والمراد به في شريعتنا الإسلامية، وتبين لنا حدّه ومَنْ يكون، ورأينا أنواعه الثلاثة كما هي في الواقع أمامنا، وعلمنا بعضًا من حقوقه علينا، بقي لنا إتمامًا للفائدة أن نعيش مع بعض الفوائد والثمار التي تعود علينا من مراعاة حقوق الجيران، وبيانها كالتالي:
    ======
    1ـ مراعاة حقوق الجيران وتطبيقها، والأخذ بها، فيه مرضاة لله (عزّ وجلّ)، ومرضاة لرسوله (صلى الله عليه وسلم)؛ للامتثال للأوامر القرآنية، والأحاديث النبوية التي حثتنا على مراعاة حقوق الجيران، وأوصتنا بهم، فعلى سبيل المثال يقول: سيدنا أبو ذرّ: إن خليلي (صلى الله عليه وسلم) أوصاني، فقال: (إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ)(رواه مسلم).
    ======
    2ـ مراعاة حقوق الجيران وتطبيقها، والأخذ بها، يمنع كثيرًا من المشكلات المجتمعية، فكثيرًا ما تطلعنا الصحف اليومية ونشرات الأخبار عن جرائم كثيرة بين الجيران وبعضهم البعض بعضها يتعلق بالشرف والعرض، وبعضها يتعلق بالأطفال ولعبهم، وبعضها بالعلاقة بين النساء...الخ، وفي الحقيقة فإن السبب في ذلك كله هو عدم المعرفة لحقوق الجيران، وعدم التطبيق لها ـ بعد معرفتها ـ وعدم الأخذ بها.
    ======
    3ـ مراعاة حقوق الجيران وتطبيقها، والأخذ بها، فيه إشاعةٌ لروح المحبة، والتعاون والتكافل بين أفراد المجتمع ككل، وتقوية لأواصر الود والترابط بين الكل مسلمين وغيرهم، ولذا كان الصحابة يهدون إلى جيرانهم غير المسلمين، وهذا ما أراده النبي (صلى الله عليه وسلم) حينما نهى عن التباغض، والتحاسد، والتقاطع، والتدابر، فقال: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ...)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ (شبعان) وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ)(المستدرك).
    ======
    4ـ مراعاة حقوق الجيران وتطبيقها، والأخذ بها، فيه شهادةٌ بالخيرية والإحسان والإيمان لمن قام بذلك، فعن أبي شريح الخزاعي (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ...)(رواه مسلم)، وعن عمرو بن الحمق (رضي الله عنه)، قال: قال رسول (الله صلى الله عليه وسلم): (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، عَسَلَهُ). قيل: وما عسله؟ قال: (يُحَبِّبُهُ إِلَى جِيرَانِهِ)(مكارم الأخلاق للخرائطي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ)(رواه الترمذي).
    ======
    5ـ مراعاة حقوق الجيران وتطبيقها، والأخذ بها، فيه نجاةٌ من لعنة الله (عزّ وجلّ)، ولعنة الناس ودعائهم عليه، فعن أبي جحيفة (رضي الله عنه) قال: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشكو جاره، فقال: (اطْرَحْ مَتَاعَكَ عَلَى الطَّرِيقِ). فطرحه فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس. قال: (وَمَا لَقِيتَ مِنْهُمْ؟). قال: يلعنوني. قال: (قَدْ لَعَنَكَ اللهُ قَبْلَ النَّاسِ). قال: فإني لا أعود. فجاء الذي شكاه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال له: (ارْفَعْ مَتَاعَكَ فَقَدْ كُفِيتَ)(المعجم الكبير للطبراني).
    ===========================================
    فاللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم اجعل قلوبنا متعلقة بك واشغلنا بإصلاح أنفسنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:06 pm