الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    طلاقةُ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ بتاريخ: 22 جمادى الأولى 1444هـ – 16 ديسمبر 2022م

    t1966a
    t1966a
    Admin


    المساهمات : 2316
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 57
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    طلاقةُ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ بتاريخ: 22 جمادى الأولى 1444هـ – 16 ديسمبر 2022م Empty طلاقةُ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ بتاريخ: 22 جمادى الأولى 1444هـ – 16 ديسمبر 2022م

    مُساهمة  t1966a الأحد ديسمبر 11, 2022 11:12 pm

    طلاقةُ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ بتاريخ: 22 جمادى الأولى 1444هـ – 16 ديسمبر 2022م

    أولًا: الحكمةُ الإلهيةُ في العطاءِ والمنعِ
    ثانيًا: مواقفُ وصورٌ عن العطاءِ والمنعِ
    ثالثًا: واجبُ المسلمِ حالَ العطاءِ والمنعِ
     
    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    أولًا: الحكمةُ الإلهيةُ في العطاءِ والمنعِ

    لقد خلقَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى الخلقَ بقدرتِه، وهو عليمٌ بحالِ عبادِه، يُعطي ملكَهُ مَن يشاءُ، ويمنعُه عمَّن يشاءُ، قال تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. (آل عمران: 26). فهو أعلمُ بنَا مِن أنفسِنَا، قال تعالى: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ }. (النجم: 32).
    وحياةُ الإنسانِ تدورُ بينَ المنعِ والعطاءِ، واللهُ يُعطِي لحكمةٍ ويمنعُ لحكمةٍ، فقد يتمنَّى الإنسانُ الخيرَ والعطاءَ في أمرٍ مَا، وهو الشرُّ. وقد يكرَهُ المنعَ والشرَّ، وهو الخيرُ، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }.[ سورة البقرة: 216]. فالخيرُ فِيمَا يختارُهُ اللهُ لك.

    يقولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْتُ، عَلَى مَا أُحِبُّ أَوْ عَلَى مَا أَكْرَهُ، وَذَلِكَ لِأَنِّي لَا أَدْرِي الْخَيْرَ فِيمَا أُحِبُّ أَوْ فِيمَا أَكْرَهُ». (الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا). ويقولُ أيضًا رضي اللهُ عنه: “لو عُرِضَتْ الأقدارُ على الإنسانِ لاختارَ القدرَ الذي اختارَهُ اللهُ لهُ”.
    ويقولُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْتَخِيرُ اللَّهَ فَيَخْتَارُ لَهُ فَيَتَسَخَّطُ عَلَى رَبِّهِ، فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْعَاقِبَةِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خِيرَ لَهُ».( الرضا عن الله بقضائه لابن أبي الدنيا).
    ولهذا يقولُ تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27] : ” أي، ولكن يرزقُهُم مِن الرزقِ ما يختارُهُ مِمّا فيه صلاحهُم، وهو أعلمُ بذلك، فيُغنِي مَن يستحقُّ الغنى، ويُفقرُ مَن يستحقُّ الفقرَ”. (تفسير ابن كثير).

    وهناكَ شواهدُ كثيرةٌ في القرآنِ الكريمِ تثبتُ حالَ الذين بسطَ اللهُ لهم في الرزقِ ففسدَ حالُهُم وبغوا في الأرضِ فسادًا، كقصةِ الرجلِ الذي عاهدَ اللهَ لئِن آتاهُ اللهُ مِن فضلِه ليصدقنَّ وليكونَنَّ مِن الصالحين، والقصةُ في سورةِ التوبة، وقصةِ أصحابِ القريةِ كما في سورةِ النحلِ، وقصةِ صاحبِ الجنتينِ كما في سورةِ الكهفِ، وقصةِ قارونَ كما في سورةِ القصصِ، وقصةِ أهلِ سبأٍ، وقصةِ أصحابِ الجنةِ كما في سورةِ القلمِ، وغيرِ ذلك كثيرٌ.
    إنَّ الإنسانَ قد يقعُ لهُ شيءٌ مِن الأقدارِ المؤلمةِ، والمصائبِ الموجعةِ، التي تكرهُهَا نفسُهُ، فرُبَّما جزعَ، أو أصابَهُ الحزنُ، وظنَّ أنَّ ذلك المقدورَ هو الضربةُ القاضيةُ، والفاجعةُ المهلكةُ، لآمالهِ وحياتهِ، فإذا بذلك المقدورِ منحةٌ في ثوبِ محنةٍ، وعطيةٌ في رداءِ بليةٍ، وفوائدُ لأقوامٍ ظنُّوهَا مصائبَ، وكم أتَى نفعُ الإنسانِ مِن حيثُ لا يحتسب!.
    والعكسُ صحيحٌ: فكم مِن إنسانٍ سعَى في شيءٍ ظاهرُهُ خيرٌ، وأهطعَ إليه، واستماتَ في سبيلِ الحصولِ عليه، وبذلَ الغالِي والنفيسَ مِن أجلِ الوصولِ إليه، فإذا بالأمرِ يأتِي على خلافِ ما يريد.
    وفي هذا المعنى يقولُ ابنُ عطاءِ اللهِ السكندرِي في حِكَمِهِ: ” رُبَّما أعطاكَ فمنعَك، ورُبَّما منعَكَ فأعطَاك، متى فتحَ لك بابَ الفهمِ في المنعِ عادَ المنعُ هو عينُ العطاءِ، فهو في كلِّ ذلك متعرفٌ إليك ومقبلٌ بوجودِ لطفهِ عليك، إنَّما يؤلمُكَ المنعُ لعدمِ فهمِكَ عن اللهِ فيه “.
    فمَن فهمَ الحكمةَ مِن العطاءِ والمنعِ أصبحَ المنعُ مِن زخارفِ الدنيا هو عينُ العطاءِ؛ لأنَّه منعَ عنكَ ما يشغلُكَ عنه.
     وذلك مثلُ المريضِ الذي يمنعهُ أهلهُ مِن لذيذِ الطعامِ والشرابِ، لماذا ؟! حبًّا له ورغبةً في سرعةِ شفائهِ وتعافيهِ وليس كراهيةً له ، فالمريضُ يتألمُ مِن المنعِ، والمنعُ هو عينُ العطاءِ له، حيثُ يسرعُ منعُ لذيذِ الطعامِ والشرابِ في زوالِ المرضِ ومجيئِ الصحةِ والعافيةِ. وهذا المعنى أشارَ إليهِ حديثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ، كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ».( أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

    كما أشارَ إليه حديثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ “. ( أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
    لهذا قال” شَيْبَانُ الرَّاعِي لِسُفْيَانَ: يَا سُفْيَانُ عُدَّ مَنْعَ اللَّهِ إيَّاكَ عَطَاءً مِنْهُ لَك، فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْك بُخْلًا إنَّمَا مَنَعَك لُطْفًا”. (صيد الخاطر لان الجوزي).
    وهكذا ظهرتْ الحكمةُ في طلاقةِ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ في حياةِ الإنسانِ، وفي كلٍّ لهُ خيرٌ .

    ثانيًا: مواقفُ وصورٌ عن العطاءِ والمنعِ

            تعالوا بنا لنقفَ مع هذه الصورِ والمواقفِ التطبيقيةِ العمليةِ في العطاءِ والمنعِ، وبيانِ طلاقةِ القدرةِ الإلهيةِ في ذلك:
    . ” يقولُ مسروقٌ: كان رجلٌ بالباديةِ لهُ كلبٌ وحمارٌ وديكٌ، فالديكُ يوقظهُم للصلاةِ، والحمارُ ينقلونَ عليه الماءَ ويحملُ لهم خباءَهُم، والكلبُ يحرسُهُم، قال: فجاءَ الثعلبُ فأخذَ الديكَ، فحزنُوا له، وكان الرجلُ صالحًا فقال: عسى أنْ يكونَ خيرًا، ثم جاءَ ذئبٌ فخرقَ بطنَ الحمارِ فقتلَهُ، فحزنُوا عليه، فقالَ الرجلُ: عسى أنْ يكونَ خيرًا، ثم أصيبَ الكلبُ بعدَ ذلك فقال: عسَى أنْ يكونَ خيرًا، ثم أصبحُوا ذاتَ يومٍ فنظرُوا فإذا قد سُبِيَ مَن حولهُم وبَقوا هُم. قال: وإنَّما أخذُوا أولئك لما كان عندهم مِن أصواتِ الكلابِ والحميرِ والديكةِ، فكانت الخيرةُ لهؤلاءِ في هلاكِ هذه الحيواناتِ كما قدرَهُ اللهُ تعالى. فإذن مَن عرفَ خفي لطفِ اللهِ تعالى رضيَ بفعلهِ على كلِّ حالٍ.”(إحياء علوم الدين – الإمام أبو حامد الغزالي ). وهكذا كان المنعُ والسلبُ هو عَينُ العطاءِ!

    وروي: ” أنَّ عابدًا عبدَ اللهَ دهرًا طويلًا فأري في المنام، أنَّ فلانةً الراعيةَ رفيقتُكَ في الجنةِ، فسألَ عنها إلى أنْ وجدَهَا فاستضافَهَا ثلاثًا لينظرَ إلى عملِهَا، فكان يبيتُ قائمًا وتبيتُ نائمةً، ويظلُّ صائمًا وتظلُّ مفطرةً. فقال: أمَا لكِ مِن عملٍ غيرَ ما رأيتُ؟ فقالتْ: ما هو واللهِ إلَّا ما رأيتَ لا أعرفُ غيرَهُ. فلم يزلْ يقولُ: تذكري، حتى قالت: خصيلةٌ واحدةٌ هي فيَّ، إنْ كنتُ في شدةٍ لم أتمنَّ أنْ أكونَ في رخاءٍ، وإنْ كنتُ في مرضٍ لم أتمنَّ أنْ أكونِ في صحةٍ، وإنْ كنتُ في الشمسِ لم أتمنَّ أنْ أكونَ في الظلِّ، فوضعَ العابدُ يده على رأسهِ وقال: أهذه خصيلةٌ؟ هذه واللهِ خصلةٌ عظيمةٌ يعجزُ عنها العبادُ.”. (إحياء علوم الدين – الإمام أبو حامد الغزالي ).
    وفي الواقعِ قصصٌ كثيرةٌ جدًا، منها: أنَّ رجلاً قدمَ إلى المطارِ، وكان حريصًا على رحلتِه، وهو مجهدٌ بعضَ الشيءِ، فأخذتْهُ نومةٌ ترتبَ عليهَا أنْ أقلعتْ الطائرةُ، وفيها ركابٌ كثيرونَ يزيدونَ على ثلاثمائةِ راكبٍ، فلمَّا أفاقَ إذا بالطائرةِ قد أقلعتْ قبلَ قليل، وفاتتْهُ الرحلةُ، فضاقَ صدرُه، وندمَ ندمًا شديدًا، ولم تمضِ دقائقٌ على هذه الحالِ التي هو عليها حتى أُعلِنَ عن سقوطِ الطائرةِ، واحتراقِ مَن فيها بالكاملِ.
    والسؤالُ أخِي الكريم: ألم يكنْ فواتُ الرحلةِ خيرًا لهذا الرجلِ؟! ولكنْ أين المعتبرون والمتعظون؟!
    وهكذا رُبَّمَا أعطاكَ فمنعَكَ، ورُبَّمَا منعَكَ فأعطاكَ !!

    ثالثًا: واجبُ المسلمِ حالَ العطاءِ والمنعِ

    هناك عدةُ أمورٍ يجبُ على المسلمِ العملُ بها تطبيقيًّا وعمليًّا على أرضِ الواقعِ في حالِ العطاءِ والمنعِ، منها:
    الرضا بالمقسومِ: فلن يبلغَ العبدُ مقامَ الرضَا حتّى يفرحَ بالنقمةِ فرحَهُ بالنعمةِ، “كما قِيلَ ليحيى بنِ مُعاذٍ رحمه اللهُ: متى يبلغُ العبدُ مقامَ الرضَا؟ قال: إِذا أَقامَ نفسَهُ على أَربعةِ أُصولٍ فيمَا يعاملُ بهِ ربَّهُ، فيقولُ: إنْ أعطيتنِي قَبِلْتُ، وإِنْ منعتنِي رضيتُ، وإِنْ تركتنِي عبدتُ، وإِنْ دعوتنِي أَجبتُ .” (مدارج السالكين). ” وسُئِلَ جعفرُ بنُ سليمانَ الضبعِي: متى يكونُ العبدُ راضيًا عن اللهِ تعالى؟ قال: إذا كان سرورُهُ بالمصيبةِ مثلَ سرورِهِ بالنعمةِ!! وكان الفضيلُ يقولُ: إذا استوىَ عندَهُ المنعُ والعطاءُ فقد رضيَ عن اللهِ تعالى”. (إحياء علوم الدين – الإمام الغزالي ).
    وفي الحديثِ النبويِ الشريفِ: « ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ». (أحمد والطبراني بسند جيد).

    ومنها: أنْ ينظرَ المرءُ إلى مَن هو دونَهُ في أمورِ الدنيا: فقد علمَنَا ذلك النبيُّ ﷺ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ” إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ.” (متفق عليه)؛ وفي روايةِ مسلم”: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ.” قال المباركفوري: “إنَّ المرءَ إذا نظرَ إلى مَن فُضِّلَ عليه في الدنيا، استصغرَ ما عندَهُ مِن نعمِ اللهِ، فكانَ سببًا لمقتهِ، وإذا نظرَ للدونِ، شكرَ النعمةَ، وتواضعَ وحَمِدَ”.
    فكلّمَا نظرتَ إلى مَن هو أقلُّ منكَ ازددتَ رضًا وقناعةً، فإنْ كنتَ فقيرًا ففي الناسِ مَن هو أفقرُ منك! وإن، كنتَ مريضًا ففي الناسِ مَن هو أشدُّ منك مرضًا، وإنْ كنتَ ضعيفًا ففي الناسِ مَن هو أشدُّ منك ضعفًا.. فلماذا تَرفعُ رأسَك لتنظرَ إلى مَن هو فوقَكَ، ولا تخفِضُه لتُبصِرَ مَن هو تحتَكَ؟!.
    ومنها: العلمُ بأنَّ الفقرَ والغنَى ابتلاءٌ واختبارٌ: فالفقيرُ ممتحنٌ بفقرِهِ وحاجتِهِ، والغنَي ممتحنٌ بغناهُ وثروتهِ، وكلٌّ منهما مسؤولٌ وموقوفٌ بين يدي اللهِ عزَّ وجلَّ، وكما أنَّ الفقرَ ابتلاءٌ، فكذلك الغنَى ابتلاءٌ وامتحانٌ، قال تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.( الأنبياء: 35)؛ فاللهُ يعطيكَ ليختبرَكَ، ويسلبُ منك ليختبرَكَ، فإذا نجحتَ في الاختبارِ كنتَ مؤمنًا حقًّا، فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ؛ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.”(مسلم). فعليكَ بالشكرِ عندَ الرخاءِ، والصبرِ عندَ البلاءِ، تكنْ مؤمنًا حقًّا.
    ومنها: إياكَ ولَو: لأنَّ كثيرًا مِنَّا يتأسفُ ويحزنُ على ما فاتَهُ، فيكثرُ مِن كلمةِ ( لو ) ، وهذا منهيٌّ عنه شرعًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ». (مسلم) .
    يقولُ الإمامُ النوويُّ: (وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ هُنَا: عَزِيمَةُ النَّفْسِ وَالْقَرِيحَةُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ صَاحِبُ هَذَا الْوَصْفِ أَكْثَرَ إِقْدَامًا عَلَى الْعَدُوِّ، وَأَسْرَعَ خُرُوجًا إِلَيْهِ، وَذَهَابًا فِي طَلَبِهِ، وَأَشَدَّ عَزِيمَةً فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَاحْتِمَالِ الْمَشَاقِّ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَرْغَبَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْأَذْكَارِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَأَنْشَطَ طَلَبًا لَهَا وَمُحَافَظَةً عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ). (شرح النووي).

    ومنها: الدعاءُ: وذلك بأنْ يكثرَ مِن الدعاءِ والحمدِ والثناءِ على اللهِ تعالَى في جميعِ أحوالِهِ، فقد روي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». (البخاري).
    وهكذا ينبغِي على العبدِ أنْ يعيشَ في جميعِ أحوالِهِ راضيًا قانعًا صابرًا حامدًا شاكرًا، ليسعدَ في دنياهُ وأخراه .
    نسألُ اللهَ أنْ يجعلنَا مِن المؤمنين الشاكرين في السراءِ الصابرين في الضراءِ.
    الدعاء،،،،                     وأقم الصلاة،،،،                        

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 30, 2023 9:42 am