الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    الجمعة الموافقة 2 من ذي الحجة 1443هـ الموافقة 1/7/2022م) فضل العشر الاوئلالاوئل من ذي الحجة والمباد ة في الأعمال الصالحة فيهن

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2639
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    الجمعة الموافقة 2 من ذي الحجة 1443هـ الموافقة 1/7/2022م) فضل العشر الاوئلالاوئل من ذي الحجة  والمباد ة في الأعمال الصالحة فيهن Empty الجمعة الموافقة 2 من ذي الحجة 1443هـ الموافقة 1/7/2022م) فضل العشر الاوئلالاوئل من ذي الحجة والمباد ة في الأعمال الصالحة فيهن

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد السبت يونيو 25, 2022 3:46 pm

    الجمعة الموافقة 2 من ذي الحجة 1443هـ الموافقة 1/7/2022م)
    فضل العشر الاوئلالاوئل من ذي الحجة
    والمباد ة في الأعمال الصالحة فيهن
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. مكانة العشر الأول من ذي الحجة.
    2. كيف نستقبل العشر الأول من ذي الحجة (نماذج من الأعمال الصالحة فيها)؟.
    3. الخطبة الثانية: (من فضل العمل الصالح).
    ===========================================
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله ربّ العالمين، منّ على عباده بمواسم الرحمات والبركات، ووفقهم فيها لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، قال وقوله الحق: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد عباده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، إمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين، صلاة وسلاما عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأحبابه، وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد أيها الأحبة الكرام:
    =====================
    (1) ((مكانة العشر الأول من ذي الحجة))
    =====================
    فمن رحمة الله (عزّ وجلّ) بخلقه أن جعل لهم مواسم للخيرات يصّبُ عليهم فيها الرحمات والبركات صبّا، ويضاعف لهم فيها الحسنات على الطاعات والعبادات ثوابًا وأجرًا، فعن محمد بن مسلمة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ الدَّهْرِ نَفَحَاتٌ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ نَفْحَةٌ فَلَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا)(المعجم الكبير والأوسط)، فالعاقل هو من يجدد فيها النشاط، ويسارع إلى الخيرات ليتقرب من رب الأرض والسموات، ومن تلك الأيام المباركات؛ العشر الأول من شهر ذي الحجة التي تتمتع بمكانة سامية، ومنزلة عالية بين الشهور والأيام في الإسلام:
    =======
    فمن مكانتها: أنها ختام الأشهر المعلومات: التي تؤدى فيها مناسك وشعائر فريضة الحج، قال تعالي: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:197]، فعن نافع، عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قَالَ: (شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةَ)(المستدرك للحاكم)، وهذا ما عليه صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجمهور العلماء أنها ختام الأشهر المعلومات.
    =======
    أيضا من مكانة تلك العشر: أنها تقع في أشد الأشهر حرمة: ألا وهو شهر ذي الحجة، ومعنى ذلك أن حرمتها شديدة عند الله عزّ وجلّ، وأن المعاصي والسيئات فيها عقابها مضاعف، قال تعالي: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[التوبة:36]، كما أن بها أحرم الأيام ألا وهو يوم النحر، فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع: (أَلَا إِنَّ أَحْرَمَ الْأَيَّامِ يَوْمُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ الشُّهُورِ شَهْرُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ الْبَلَدِ بَلَدُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟). قالوا: نعم. قال: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ)(رواه ابن ماجه).
    =======
    أيضا من مكانة تلك العشر: أن بها يوم عظيم مبارك: يومٌ أكمل الله فيه الدين، وأتمّ علينا فيه النعمة، يوم غفران الذنوب، وستر العيوب، يوم إجابة الدعاء، ألا وهو يوم عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة؟ يوم أقسم الله به فقال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ*وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ*وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج:1ـ3]،فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ...)(رواه الترمذي)، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أن رجلا، من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟. قال: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة:3]. قَالَ عُمَرُ: (قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ)(رواه البخاري).
    =======
    أيضا من مكانة تلك العشر: أن بها يوم النحر؛ اليوم العاشر من ذي الحجة، وما أدراك ما يوم النحر؟ يوم الحج الأكبر على أرجح الأقوال، أعظم أيام الدنيا، وأحرمها كما تقدم، أقسم الله به في القرآن هو ويوم عرفة، والليالي العشر عموما، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في تفسير قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}[الفجر:1ـ3]: (الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ)(شعب الإيمان).
    ==========================
    (2) ((كيف نستقبل العشر الأول من ذي الحجة؟))
    ==========================
    فإذا كانت تلك العشر بهذه المنزلة السامية، وتلك المكانة العالية؛ وأقسم الله بها وببعض أيامها ـ والله لا يقسم إلا بالأشياء العظيمة، جليلة الشأن والخطر، فكيف نستقبلها، وكيف نحياها؟، أنستقبلها باللهو واللعب؟ أنستقبلها بالغفلة والإعراض عن ذكر الله؟ أنستقبلها بالإفساد في الأرض، وارتكاب المعاصي والآثام؟ أنستقبلها بالأحقاد والضغائن وقطيعة الأرحام؟!.
    إن هذا ليس من منطق الحكماء و لا العقلاء؛ أن نضيع تلك الفرصة بل الفرص الثمينة العظيمة من بين أيدينا بدون أن نغتنمها في مرضات الله، وفيما ينفعنا في الدنيا والأخرة.
    إن الاستقبال الأمثل لتلك الأيام المباركات يكون بالتعرض لنفحات الله ورحماته كما حثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم), وذلك يكون بالتفاني في مرضات الله (عزّ وجلّ)، والإقبال على طاعته وعبادته، وعلى جميع الأعمال الصالحة، التي تخدم الفرد، والمجتمع والبيئة والوطن، بل والبشرية أجمع، فالعمل كلما زاد نفعه وكثر عدد المستفيدين به كان عند الله أفضل وأحسن، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟. قال: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)(رواه البخاري واللفظ لأبي داود).
    =======
    فأول ما ينبغي علينا من الأعمال الصالحة في تلك الأيام المباركة: المحافظة على الفروض والواجبات: سواء المتعلقة بحقّ الله عزّ وجلّ أم المتعلقة بحقوق العباد، وهذا هو أفضل ما نتقرب به إلى الله في تلك الأيام المباركات، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ...)(رواه البخاري)، فعلينا المحافظة على الصلوات الخمس، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، علي كل واحد منا أن يؤدي عمله المنوط به على أكمل وجه، الإمام في مسجده، المدرس في مدرسته، الموظف في مصلحته الحكومية، العامل في مصنعه، الفلاح في حقله، الزوج في أسرته، الزوجة في بيت زوجها، وعلينا بتقوى الله في السرّ والعلن، فعبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)(متفق عليه واللفظ للبخاري).
    ===========================================
    ومن تلك الأعمال الصالحة في تلك الأيام المباركة: المحافظة على هدي وسنن النبي (صلى الله عليه وسلم) في تلك العشر:
    ===========================================
    ومنها: صيام أيامها التسع: فعن بعض نساء النبي (صلى الله عليه وسلم)(رضي الله عنهن): (أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَتِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ)(سنن النسائي)، فمن استطاع أن يصوم التسعة كاملة فبها ونعمت، فإن لم يستطع؛ فعليه بصوم أغلبها، فإن لم يستطع فليحرص على صيام الاثنين والخميس منها، فإن لم يستطع فلا يعجز عن صيام يوم عرفة فإنه يكفر سنتين من الذنوب الصغائر المتعلقة بحق الله عزّ وجلّ، يكفر سنة قبله، وسنة بعده، فعن أبي قتادة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (...صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ...)(رواه مسلم).
    =======
    ومنها: الإكثار من الدعاء: فالدعاء هو العبادة، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)(رواه الترمذي)، وصدق الشاعر حينما قال:
    لَا تسألنَّ بُنيَّ آدم حَاجَة ... وسل الَّذِي أبوابَه لَا تُحجب
    الله يغضب إن تركت سؤاله... وبُني آدم حين يسئل يغضب
    وقد حثنا الله على الدعاء ووعدنا الإجابة عليه فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:186]، وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يكثر من الدعاء في تلك الأيام المباركات، وخصوصا في يوم عرفة يوم إجابة الدعاء، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(رواه الترمذي).
    =======
    ومنها: الإكثار من ذكر الله عزّ وجلّ: فتلك الأيام المباركة هي أيام لذكر الله، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ)(مسند أحمد).
    وما يؤدي في تلك الأيام من عبادات وطاعات المقصود الأول منه: إقامة ذكر الله كالحج ومناسكه وشعائره، وذبح الهدي والأضاحي، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج:28،27]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة، وقال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ*ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ*فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة:198ـ200]، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البقرة:203]، وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}[الحج:34]، وقال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الحج:36]، وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ)(رواه أبو داود).
    فعلي المسلم أن يكثر من صنوف ذكر الله عزّ وجلّ في تلك الأيام المباركات امتثالا لأوامر القرآن والسنة، فعليه بالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والاستغفار، وقراءة القرآن إلى آخر ألوان ذكر الله، فالذكر هو غراس وزروع الجنة، فعن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرَ به وهو يغرس غرسا، فقال: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟). قلت: غراسا لي، قال: (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟). قال: بلى يا رسول الله، قال: (قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ)(رواه ابن ماجه).
    =======
    ومنها: الإكثار من الأعمالٌ يقوم ثوابها وأجرها مقام أجر وثواب الحج والعمرة، كالمحافظة على صلاة الفجر في جماعة (أي جماعة)، وكبرّ الوالدين والإحسان إليهما، وكالسعي في قضاء حوائج الآخرين، والتصدق على الفقراء والمساكين والمحتاجين...الخ.
    =======
    ومنها: ذبح الأضحية: لمن قدر على ذلك ووجد سعة، بداية من اليوم العاشر يوم النحر، فعن أنس (رضي(الله عنه) قال: (ضَحَّى النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)(متفق عليه)، وعن البراء بن عازب (رضي الله عنهما) قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ)(متفق عليه).
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((من فضل العمل الصالح))
    ===========================================
    الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فإنه من الواجب على المسلم أن يكون دائما على عمل صالح، مبتغيًا به وجه الحق (تبارك وتعالى)، متأسيا بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، وممتثلًا لقول الله (عزّ وجلّ): {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:99] أي: حتى يأتيك الموت، ولقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:110]، ولقوله تعالي: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ*وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشرح:8،7] أي: إذا فرغت من طاعة وعبادة، فتلبس بطاعة وعبادة أخري، واقصد بعبادتك وجه الله.
    =======
    والعبادة والعمل الصالح لهما فضل عظيم، وثواب كبير: فهما في الدنيا طريقا القرب والمحبة من الله عزّ وجلّ، وفيهما توفيق في الأقوال والأفعال والسلوك، وإجابة للدعاء، والحفظ من الآفات، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...)(رواه البخاري).
    ========
    ومن فضل العمل الصالح أيضا في الدنيا، أنه سبب في نزول البركات، والرحمات، والخيرات، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96]، وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل:112]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق:3،2]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ)(رواه الترمذي).
    ==========
    أما في الآخرة: فالعمل الصالح سبب في دخول الجنة وكفى بذلك فضلا، قال تعالى مخاطبا أهل الجنة: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الأعراف:43]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30]، وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: كنت ردف النبي (صلى الله عليه وسلم) على حمار يقال له عفير، فقال: (يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟). قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا). فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر به الناس؟. قال: (لاَ تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا)(متفق عليه).
    ===========================================
    فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم، اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 9:12 am