الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م ، التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات ” 

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2662
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م ،  التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات ”  Empty خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م ، التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات ” 

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الإثنين مارس 14, 2022 9:15 pm

    خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م ،
    التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات ” 
    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وسلم. أمَّا بعدُ:

    أولًا: آثارُ الاحتكارِ  والاستغلالِ على الفردِ والمجتمعِ

    إنَّ حياةَ الإنسانِ تدورُ بينَ العسرِ واليسرِ، والشدةِ والرخاءِ، وهو في جميعِ أحوالِهِ مؤمنٌ وصابرٌ ومحتسبٌ، وصدقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم حيثُ يقولُ: ” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ!! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ!! إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!! وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!!” (مسلم).
     وإنَّهُ في حالِ الشدةِ والأزماتِ يُعْرَفُ معادنُ الرجالِ، ولا شكَّ أنَّ أسوأَهُم حالًا مَنْ يقومُ في ظلِّ ظروفِ الشدةِ والأزماتِ باستغلالِ حاجةِ الناسِ للطعامِ والشرابِ، واحتكارِ السلعِ الضروريةِ ليبيعَهَا بالغلاءِ الفاحشِ. والاحتكارُ كما قالَ ابنُ حجرٍ: إمساكُ الطّعامِ عن البيعِ، وانتظارُ الغلاءِ مع الاستغناءِ عنهُ وحاجةِ النّاسِ إليهِ «فتح الباري» .ويدخلُ في الاحتكارِ جميعُ السلعِ والخدماتِ التي يتضررُ المجتمعُ مِن حبسِهَا واحتكارِهَا.
    ولقد تضافرتْ الأدلةُ مِن السنةِ النبويةِ في ذمِّ الاحتكارِ والنهيِ عنهُ والتشنيعِ على المتعاملِ بهِ، يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلّم: « لَا يحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ »  ( مسلم ). ويقولُ أيضًا: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ».(ابن ماجة بسند صحيح). وقد اعتبرَهُ ابنُ حجرٍ الهيتميِ مِن الكبائرِ حيثُ يقولُ:” إنَّ كونَهُ كبيرةٌ هو ظاهرُ الأحاديثِ، مِن الوعيدِ الشديدِ ، كاللعنةِ وبراءةِ ذمةِ اللهِ ورسولِهِ منهُ والضربِ بالجذامِ والإفلاسِ، وبعضُ هذه دليلٌ على الكبيرةِ.” (الزواجر).
    لهذَا وصفَ الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم هؤلاءِ بالفجارِّ فقالَ: «إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ» قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ، وَيَحْلِفُونَ، وَيَأْثَمُونَ». (ابن ماجة).
     وقَالَ أيضًا: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ»(الترمذي وصححه).
    إنَّ الإسلامَ حرمَ الاحتكارَ لما يخلفُهُ مِن آثارٍ ومضارٍ سيئةٍ على الفردِ والمجتمعِ، فهو يورثُ الضّغينةَ، ويناقضُ الإيثارَ الّذي هو جوهرُ علاقةِ المسلمِ بأخيهِ المسلمِ، فضلًا عن أنَّهُ يُثرِي القطيعةَ الاجتماعيّةَ في الأمّةِ، كمَا أنَّهُ يحملُ في طياتِهِ بذورَ الهلاكِ والدمارِ لما يسببُهُ مِن ظلمٍ وغلاءٍ في الأسعارِ، وإهدارٍ لتجارةِ المسلمينَ وصناعتِهِم، وهو نوعٌ مِن محبةِ الذاتِ وتقديمِ النفسِ على الآخرين، ويؤدِّي إلى تضخُّمِ الأموالِ في طائفةٍ قليلةٍ مِن الناسِ، كمَا في قولِهِ -تعالى-: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:7].

    لقد تبيَّنَ أنَّ سببَ تلكَ الأمراضِ المعضلةِ التي بدأتْ تدبُّ في الناسِ مِن غلاءٍ واحتكارٍ للسلعِ، غالِبُهَا مِن ضعفِ الإيمانِ، وحبِّ الدنيا وإيثارِهَا على الآخرةِ، وأنَا أقولُ لِمَنْ يقعُ في ذلك: كمْ ستعيشُ في الدنيا؟ وكمْ ستملكُ؟ وإلى متى التمتعِ بملذاتِهَا؟ أليستْ لكَ نهايةٌ؟ أليسَ لكَ لقاءٌ بملَكِ الموتِ؟ أَلَا تعلمُ أنَّكَ ستقفُ بينَ يديِ ربِّ العالمينَ فيجازيكَ بما فعلتَ؟ فلْيتَّقِ اللهَ كُلُّ مَن تُسوِّلُ لهُ نفسُهُ احتكارَ السلعِ ورفعَ أسعارِهَا.
    ولا شكَّ أنْ مقصدَ الإسلامِ مِن تحريمِ الاحتكارِ، هو أنْ تحلَّ الرحمةُ مكانَ الغلظةِ والظلمِ، ويحلَّ التعاطفُ والتآزرُ والإيثارُ مكانَ الأنانيةِ والجشعِ والطمعِ، حتى يعيشَ المجتمعُ في ضوءِ القيمِ الأخلاقيةِ والتعاليمِ الإلهيةِ فينعمُ ويصفُو، ويعمُّ الخيرُ والرفاهُ جميعَ أفرادِهِ.

    ثانيًا: صورٌ مشرقةٌ للتكاتفِ والتعاونِ وقتَ الأزماتِ

    هناكَ صورٌ مشرقةٌ كثيرةٌ للتكاتفِ والتعاونِ وقتَ الشدائدِ والأزماتِ، ومِن أجملِ هذه الصورِ تكاتفُ الأنصارِ وقتَ الأزماتِ والشدائدِ ومواساتِهِم المهاجرين، فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ”.(الترمذيُّ وصححه).  

    وهذه صورةٌ مشرقةٌ لرجلٍ مِن الأنصارِ يؤثرُ ضيفَهُ وقتَ الأزماتِ على أولادِهِ، مع أنَّهُم يتضورُون جوعًا!! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ، فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ، قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» فنزلَ قولُهُ تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. (مسلم). وهذا عليٌّ بنُ الحسينِ رضي اللهُ عنه كان كثيرَ الصدقةِ بالليلِ وقتَ الشدائدِ والأزماتِ، وكانَ يقولُ: صدقةُ الليلِ تطفئُ غضبَ الربِّ، وتنورُ القلبَ والقبرَ، وتكشفُ عن العبدِ ظلمةً يومَ القيامةِ، وقاسمَ اللهُ تعالى مالَه مرتين. قال محمدٌ بنُ إسحاق: كان ناسٌ بالمدينةِ يعيشونَ لا يدرونَ مِن أينَ يعيشونَ ومَن يُعطِيهم؟!! فلما ماتَ عليٌّ بنُ الحسينِ فقدُوا ذلك فعرفُوا أنَّهُ هو الذي كانَ يأتِيهم في الليلِ بما يأتِيهم بهِ، ولمَّا ماتَ وجدُوا في ظهرِهِ وأكتافِهِ أثرَ حِملَ الجرابِ إلى بيوتِ الأراملِ والمساكينِ في الليلِ مواساةً لهُم وقتَ الشدائدِ والأزماتِ.

    ثالثًا: دعوةٌ إلى التكاتفِ والتعاونِ عندَ الشدائدِ والأزماتِ

    لقد حثَّنَا القرآنُ والسنةُ على التكاتفِ والتعاونِ لا سيَّمَا وقتَ الجوائحِ والأزماتِ، فقالَ تعالى: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}(البلد 11-18). فاللهُ يحثُّ على إطعامِ الطعامِ في يومِ المسغبةِ: أي المجاعةِ الشديدةِ، وكذلكَ اليتامَى الأقارب، والمساكينِ الذين التصقتْ بطونُهُم بالترابِ مِن شدةِ الجوعِ. يقولُ الدكتورُ مُحمد سيد طنطاوي رحمهُ اللهُ: {خصَّ- سبحانَهُ- الإطعامَ بكونِهِ في يومٍ ذيِ مجاعةٍ؛ لأنَّ إخراجَ المالِ في وقتِ القحطِ أثقلُعلى النفسِ، وأوجبُ لجزيلِ الأجرِ، كمَا قالَ- تعالى-: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.} (التفسير الوسيط).

    ولقد امتدحَ الرسولُ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- الأشعريينَ وأضافَهُم لنفسِهِ تشريفًا لهُم لأنَّهُم يتحلونَ بأفضلِ الصفاتِ وفي مقدمتِهَا التكاتفُ وقتَ الأزماتِ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ”. (متفق عليه) . ( ومعنى أرْمَلُوا : نفذَ زادُهم ) يقولُ العينيُّ: ” فيه منقبةٌ عظيمةٌ للأشعريينَ مِن إيثارِهِم ومواساتِهِم بشهادةِ سيدِنَا رسولِ اللهِ، وأعظمُ ما شرفُوا به كونُه أضافَهُم إليهِ ….وفيهِ فضيلةُ الإيثَارِ والمواساةِ”. (عمدة القاري).
    فأنتَ ترىَ مِن خلالِ هذه النصوصِ أنّ المسلمينَ كلَّهُم كالفردِ والجسدِ الواحدِ، تسعدُ الأعضاءُ كلُّهَا بسعادتِهِ وتحزنُ لحزنِهِ، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” . (مسلم).

    فعلينَا أنُ نتكافلَ ونتكاتفَ ونتعاونَ، ولا سيَّمَا في ظلِّ ظروفِ هذا الوباءِ والغلاءِ، وهذه الشدائدِ والأزماتِ.
    فما أجملَ أنْ نكونَ جميعًا متعاونينَ متكافلينَ، فتسودُ بيننَا علاقاتُ الودِّ والمحبةِ والتراحمِ والتكافلِ والمواساةِ!
    نسألُ اللهَ أنْ يجعلَ هذا البلدَ آمنا مطمئنًا متعاونًا متكافلًا وسائرَ بلادِ العالمين!!!
    الدعاء،،،،،،،                                        وأقم الصلاة،،،،،                 


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 4:02 pm