الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    فريضة الحج في زمن الأوبئة الجمعة 8 من ذي القعدة 1442هـ 18/6/2021

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2638
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    فريضة الحج في زمن الأوبئة الجمعة 8 من ذي القعدة 1442هـ 18/6/2021 Empty فريضة الحج في زمن الأوبئة الجمعة 8 من ذي القعدة 1442هـ 18/6/2021

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الخميس يونيو 17, 2021 5:16 pm

    فريضة الحج في زمن الأوبئة
    الجمعة 8 من ذي القعدة 1442هـ
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. بيان مكانة فريضة الحج.
    2. فريضة الحج بابٌ عظيم من أبواب الرحمة والتيسير(ثلاثة من الصور تفك إلى تسعة).
    3. الخطبة الثانية: (سبعة أعمال ثوابها وأجرها يعادل ويساوي ثواب وأجر الحج والعمرة).
    ===========================================
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل كلمة التوحيد حصنًا لعباده من النار وحرزًا، وجعل البيت العتيق مثابةً للناس وأمنًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير من حج البيت الحرام، واستلم الركن، وصلى بالمقام، فاللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    =================
    (1) ((بيان مكانة فريضة الحج)):
    =================
    أيها الأحبة الكرام: فإن الحج هو شريعة أبي الأنبياء إبراهيم (عليه السلام)، مصداقا لقوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود*وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27،26], قال المفسرون: لما فرغ إِبراهيم من بناء البيت، أمره الله تعالى أن يؤذِّن في الناس بالحج، فقال إِبراهيم: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال: أذِّن، وعليَّ البلاغ، فصعد على جبل أبي قبيس، وفي رواية: قام على المقام فارتفع المقام حتى صار كأطول الجبال، ونادى قائلا: يا أيها الناس: إِن ربكم قد بنى بيتاً، فحجُّوه، فأسمع مَنْ في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله أن يحج، فأجابوه: لبيك اللهم لبيك.
    والحج شريعة جميع الأنبياء والمرسلين من بعد إبراهيم (عليه السلام)؛ فما من نبي أتى بعد إبراهيم (عليه السلام) إلا حجّ البيت الحرام وطاف به ولبى قائلا: لبيك اللهم لبيّك، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ مُوسَى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عَبَاءَتَانِ قِطْرَانِيَّتَانِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءَةَ، مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفِيرَتَانِ)(الطبراني في الكبير والأوسط).
    والحج هو الركن الخامس من الأركان التي يقوم ويبنى عليها الدين الإسلامي، كما نحفظ جميعًا من قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)(متفق عليه).
    والحج هو تمام الإسلام: بمعنى أنه آخر ما فرض من الأركان الخمسة في العام السادس الهجري وقيل: في العام التاسع الهجري، ولذا كانت حجة الإسلام لسيدنا رسول الله (صلى الله) في العام العاشر الهجري حتى استدار الزمان كهيئته التي خلقه الله عليها.
    والحج هو ختام الأمر، وكمال الدين: بمعنى أنه آخر ما وضحّه وبيّنه النبي (صلى الله عليه وسلم) لصحابته (رضوان الله عليهم) من تعاليم الإسلام، وكان ذلك في حجة الوداع في العام العاشر الهجري حينما قال (صلى الله عليه وسلم): (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا)(السنن الكبرى للبيهقي)، ونزل عليه قول الحقّ سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة:3].
    والحج هو أكبر مؤتمر للتوحيد على وجه الأرض، يجتمع فيه أكبرُ عددٍ من المسلمين في مكانٍ واحدٍ، بزيٍ ولباسٍ واحدٍ، متجهين إلى جهةٍ واحدةٍ، مناجين ربًا واحدً، شعارهم واحدٌ، يرجمون حجرًا واحدًا، ويقبلون حجرًا واحدًا، ويطوفون بحجرٍ واحد، ويقفون على حجرٍ واحد.
    ==============================
    (2) ((فريضة الحج بابٌ عظيم من أبواب الرحمة والتيسير))
    ==============================
    يدرك تلك الحقيقة كلُّ من تأمل في تلك الفريضة المباركة، فيجد الرحمةٌ عند فرضيتها، ويستشعر الرحمة في أداء مناسكها وشعائرها، كالتالي:
    ==========
    فالحج أولا فريضة العمر؛ بمعنى أنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، ويجب على التراخي لا على الفور، فهو من الواجب الموسع عند جهور أهل العلم، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا). فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ). ثم قال: (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ)(رواه مسلم).
    ==========
    كما أن الحج لا يجب إلا على كل مستطيع استطاعة بدنية ومالية؛ أي: يستطيع تحمل مشاق السفر والعودة، ومشاق أداء الشعائر والمناسك، ويكون مالكا للمال الذي يكفيه في سفره هذا، ويكفي من يعولهم مَنْ الأهل والأولاد لحين عودته من أداء الشعائر والمناسك، وهو المعبر عنه في الفقه الإسلامي: بملك الزاد والراحلة، بالإضافة إلى أمان طريق الحج، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97]، فالحج في الآية من العام المخصوص.
    ==========
    فريضة الحج نفسها مبنية على التيسير ورفع الحرج في أداء مناسكها وشعائرها: فالله (عز وجل) يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، والنبي (صلى الله عليه وسلم) ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، والقاعدة الفقهية تقول: إذا ضاق الأمر اتسع، ومن تأمل في فريضة الحج؛ وجد مظاهر عديدة للتيسير، ورفع الحرج في أداء مناسكها وشعائرها كالتالي:
    ==========
    منها: جواز تقديم السعي على الطواف: عند الضرورة، والاحتياج لذلك، فالأصل في حال السعة والاختيار أن يكون السعي بعد طواف, لكن في حال الضيق والاضطرار بسبب الزحام، أو الوهن البدني محافظة على أرواح الحجيج، أو عند الجهل، أو النسيان، أفتى بعض أهل العلم بجواز ذلك، فعن أسامة بن شُريك (رضي الله عنه) قال: خرجت مع النبي (صلى الله عليه وسلم) حاجًا فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله، سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئا أو أخرت شيئا فكان يقول: (لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ، إِلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ ظَالِمٌ، فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ)(رواه أبو داود)، وظاهر الحديث يدل على أن السائل سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن تقديم السعي، ولم يصرح في سؤاله عن الطواف، وجاءت الإجابة بأنه (لَا حَرَجَ) فالطواف في سؤال السائل يعمّ طواف النفل والفرض، ومن ثم كان الحديث يجيز تقديم السعي على الطواف مطلقًا.
    ==========
    ومنها: ترك المبيت بالمزدلفة، والنفرة منها بعد منتصف الليل قبل الزحام: وخصوصا لذوي الأعذار والحاجة، ولا شيء عليهم، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (نَزَلْنَا المُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) سَوْدَةُ، أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً، فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ، ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلَأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ)(متفق عليه)، (حطمة الناس) زحمتهم، (مفروحٌ به) ما يفرح به من كل شيء.
    وعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَذِنَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ)(مسند أحمد)، وكان عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم (منى) لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر (رضي الله عنهما) يقول: (أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)(رواه البخاري)، فيكفي الحاج أن يقف بالمزدلفة وقتا يسع حطّ رحاله، و يسع صلاته المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، و يسع استراحته استراحة خفيفة.
    ===========
    ومنها: جواز رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر قبل طلوع الشمس بل وقبل صلاة الفجر: وخصوصا لذوي الأعذار والضعفة كالنساء والصبيان، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما): أنها نزلت ليلة جُمعٍ عند المزدلفة، فقامت تصلي، فصلت ساعة ثم قالت لمولاها عبد الله بن كيسان: (يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ القَمَرُ؟). قلت: لا. فصلت ساعة، ثم قالت: (يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ القَمَرُ؟). قلت: نعم، قالت: (فَارْتَحِلُوا). فارتحلنا ومضينا، حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلّسنا، قالت: (يَا بُنَيَّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَذِنَ لِلظُّعُنِ)(رواه البخاري)، (يا هنتاه) يا هذه. (غلّسنا) تقدمنا على الوقت المشروع من التغليس وهو السير في ظلمة آخر الليل. (للظعن) جمع ظعينة وهي المرأة وقيل المرأة في الهودج.
    ==========
    ومنها: جواز ترك الترتيب بين أعمال يوم النحر: فالأعمال التي تؤدى يوم النحر أربعة هي: رمى جمرة العقبة الكبرى، والنحر لمن وجب عليه، والحلق أو التقصير، وطواف الركن أو الإفاضة، وقد رتبها النبي (صلى الله عليه وسلم)، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (رَمَى رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ ذَبَحَ، ثُمَّ حَلَقَ)(مسند أحمد).
    وترتيب هذه الأعمال كما رتبها النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ليس بلازم، وهذا مظهر من مظاهر التيسير، ورفع الحرج في فريضة الحج، فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة، فقال: يا رسول الله، إني حلقت قبل أن أرمي، فقال: (ارْمِ وَلَا حَرَجَ). وأتاه آخر فقال: إني ذبحت قبل أن أرمي، قال: (ارْمِ وَلَا حَرَجَ). وأتاه آخر، فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، قال: (ارْمِ وَلَا حَرَجَ). قال: فما رأيته سئل يومئذ عن شيء، إلا قال: (افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ)(متفق عليه واللفظ لمسلم). والحكمة من ترخيص النبيّ (صلى الله عليه وسلم) للحجيج يوم النحر، بأن يفعلوا من أعماله ما يقدرون عليه بحسب استطاعة كل واحد منهم دون الالتزام بترتيب واحد يجمع الكل في وقت محدد، هو أن يتوزع الحجيج على أكثر من مكان، حتى لا يجتمعوا كلهم على عمل واحد فيحدث التزاحم والتدافع المؤدي إلى التهلكة وإتلاف النفوس، قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:195].
    ==========
    ومنها: ترك المبيت بمنى أيام التشريق في حالة الأعذار: قياسًا على أحوال الرعاة والسقاة والمرضى والمسنين الذين رخص لهم النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في تركه أيام الرمي لانشغالهم بالرعي خارج حدود منى، وقيامهم على أمور السقاية بمكة، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: استأذن العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته، (فَأَذِنَ لَهُ)(رواه البخاري)، ومن الأعذار المبيحة لترك المبيت بمنى أيام التشريق ألا يكون للحاج مكان يبيت فيه بمنى، فيجوز أن يبيت خارجها قريبًا منها أو بعيدًا عنها بحسب قدرته واستطاعته, ولا فدية عليه لعجزه وعدم قدرته على المبيت فيها، ومنها القيام على حراسة الأموال في غير منى كما في سنن أبي داود من سؤال عبد الرحمن بن فروخ لابن عمر (رضي الله عنهما).
    ==========
    ومنها: جواز الجمع بين طواف الركن (الإفاضة) وطواف الوداع: فطواف الإفاضة يستحب تعجيله يوم النحر كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم)، لكن يجوز تأخيره إلى آخر أفعال الحج، وفى تلك الحالة يرى كثير من الفقهاء أنه يقوم مقام طواف الوداع إذا نواه معه، فعن عبد الرحمن بن أبي بكر (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له: (اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا هَا هُنَا). تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): قالت: فخرجنا فأهللت، ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو في منزله من جوف الليل، فقال: (هَلْ فَرَغْتِ؟). قلت: نعم، فآذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة. (متفق عليه)، وليس فيه أنه (صلى الله عليه وسلم) أمرها بطواف الوداع بعدما طافت وسعت للعمرة.
    ===========
    ومنها: جواز النيابة والوكالة في جميع أعمال ومناسك وشعائر فريضة الحج: بشروط مفصلة في كتب الفقه الإسلامي، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع، قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟. قال: (نَعَمْ)(متفق عليه)، وعن علي (رضي الله عنه)، قال: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا)(رواه مسلم).
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون........
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((أعمال ثوابها وأجرها يعادل ويساوي ثواب وأجر الحج والعمرة ))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أيها الأحبة الكرام: فريضة الحج تأتي هذا العام (1442هـ = 2021م) في ظل ظروف استثنائية حيث اجتاح وباء (كورونا) أغلب أنحاء العالم منذ مطلع عام (2020م)، وقد قرر الأطباء وأهل الذكر في هذا الشأن خطورة التجمعات، ومساعدتها في تفشي وانتشار هذا الوباء الفتاك.
    ومِنْ ثَمَّ قرر أولوا الأمر وأهل الذكر تخفيض عدد الحجيج وجعلوه مقصورًا على المقيمين بالأراضي السعودية فقط، بعد أن كان هناك مقترحٌ لإلغائه كلية ـ وهنا يأتي السؤال كيف يتحصل على ثواب الحج والعمرة مَنْ مُنعَ منهما هذا العام؟ هل هناك أعمالٌ يقوم ثوابها مقام ثواب الحج والعمرة؟ أقول: نعم، كالتالي:
    ==========
    المحافظة على صلاة الفجر في جماعة (أي جماعة)، ثم الجلوس لذكر الله (عزّ وجلّ) ـ بأي صيغة من صيغ الذكر ـ حتى تطلع الشمس وترتفع قدر رمح (عشرون دقيقة من بعد وقت الشروق)، ثم صلاة سنة الضحى ولو ركعتين؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ)(رواه الترمذي).
    ==========
    الخروج متطهرًا من أي مكان (متوضئ أو مغتسل) للمسجد لأداء صلاة مكتوبة أو لأداء صلاة الضحى؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ)(رواه أبو داود).
    ==========
    المحافظة والمداومة على الذكر بعد الصلاة (ختام الصلاة)، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: جاء الفقراء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا، والنعيم المقيم يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، قال: (أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ). فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر أربعا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: تقول: (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ)(اللفظ للبخاري).
    ==========
    بر الوالدين والإحسان إليهما، فعن أنس (رضي الله عنه) قال: أتى رجلٌ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: (هَلْ بَقِيَ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ؟). قال: أمي، قال: (فَأَبْلِ اللَّهَ فِي بِرِّهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا رَضِيَتْ عَنْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَبِرَّهَا)(رواه أبو يعلى).
    ==========
    السعي في قضاء حوائج الآخرين، والتصدق على الفقراء والمساكين والمحتاجين، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (لَأَنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَهْرًا أَوْ جُمُعَةً أَوْ مَا شَاءَ اللهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ...)(حلية الأولياء)، وبعث الحسن البصري محمد بن نوح، وحميدا الطويل في حاجة لأخيه، فقال: (مُرُوا ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ فَأَشْخِصُوا بِهِ مَعَكُمْ). فقال لهم ثابت: إني معتكف، فرجع حميد إلى الحسن فأخبره بالذي قال ثابت، فقال له: (ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: يَا عُمَيْشُ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ مَشْيَكَ فِي حَاجَةِ أَخِيكَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ؟)(قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا)، وعن جابر بن زيد قال: (لَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ عَلَى يَتِيمٍ أَوْ مِسْكِينٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ)(حلية الأولياء).
    ==========
    النية الصادقة الخالصة، فمن نوى بصدقٍ وإخلاصٍ لله إن رزقه الله مالّا أن يحج ويعتمر فحالت الظروف بينه وبينه ذلك فله ثواب الحج والعمرة كاملًا إن شاء الله؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (نِيَّةُ الْمَرْءِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ)(شعب الإيمان).
    ==========
    حضور صلاة الجمعة واستماع خطبتها، والمحافظة عليها بسننها وآداب يومها، على الأقل يعادل ثواب بعض شعائر ومناسك فريضة الحج، قال (صلى الله عليه وسلم): (الْمُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي شَاةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَطَّةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً)(سنن النسائي)، وعن الضحاك بن مزاحم أحد التابعين الأجلاء (تلميذ ابن عباس) قال: (الْجُمُعَةُ حَجُّ الْمَسَاكِينِ)(أخبار مكة للفاكهي)، ومرّ يونس بن ميسرة بن حلبس بالمقابر ذات يوم، فقال: (السلام عليكم أهل القبور، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، فرحمنا الله وإياكم، وغفر لنا ولكم. فكأن قد صرتم إلى ما صرتم إليه). فرد الله الروح في رجل منهم فأجابه، فقال: (طوبى لكم يا أهل الدينا، حين تحجون في الشهر أربع مرات). قال: (وإلى أين يرحمك الله؟). قال: إلى الجمعة، (أفما تعلمون أنها حجة مبرورة متقبلة؟)(تاريخ دمشق).
    ===========================================
    نسأل الله عز وجل أن يكتب لنا حجّ بيته الحرام، وزيارة الروضة والمقام، وأن يشفع فينا نبينا العدنان، اللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم.
    اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 11:27 am