الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    من حديث القرآن الكريم والسنة النبوية عن الأبناء))

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2639
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    من حديث القرآن الكريم والسنة النبوية عن الأبناء)) Empty من حديث القرآن الكريم والسنة النبوية عن الأبناء))

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الثلاثاء فبراير 16, 2021 11:59 pm

    من حديث القرآن الكريم والسنة النبوية عن الأبناء))
    الجمعة الموافقة 7من رجب 1442هـ الموافقة 19/2/2021م
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. الأبناء ومكانتهم في الشريعة الإسلامية.
    2. من أسس تربية الأولاد في الكتاب والسنة.
    (ستةٌ من الأسس نابعة من الكتاب والسنة)
    3. الخطبة الثانية: (تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية).
    ===========================================
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    =======================
    (1) ((الأبناء ومكانتهم في الشريعة الإسلامية))
    =======================
    فإن نعم الله (عزّ وجل) لا تُحصى ولا تُعدّ، ومن أجل نعم المولى تبارك وتعالى علينا نعمة الذرية والأبناء، قال تعالى ممتنًا على عباده في سورة النِعم: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72].
    وأبناؤنا هم زينة الحياة الدنيا، ومن شهواتها التي جُبلت القلوب وفطرت على حبها، فبالحرمان منهم تنفطر القلوب، وتظلم الدنيا على كثرة أنوارها، وتضيق على اتساعها، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[آل عمران:14]، وقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:46].
    وأبناؤنا هم فلذات أكبادنا، وهمُ امتداد أعمارنا، ولسان صدق في الدنيا، وهمُ ذخرٌ ورصيدٌ لنا في ميزان حسناتنا يوم القيامة، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)(رواه مسلم)، وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه)، ذُكر زيادة العمر عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (لَا تُؤَخَّرُ نَفْسٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، وَإِنَّمَا زِيَادَةُ الْعُمُرِ: الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ يَرْزُقُهَا اللَّهُ الْعَبْدَ، فَتَدْعُو لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ الْعُمُرِ)(الطبراني في الأوسط).
    وأبناؤنا والإنفاق عليهم تجارة خفية مع الله لا يفطن لها الكثير منا، قال (صلى الله عليه وسلم): (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ)(رواه مسلم).
    وأبناؤنا هم طريقنا إلى الجنة إن أحسنا تربيتهم والعناية بهم، وأحسنا القيام على أمرهم، قال (صلى الله عليه وسلم): (من عالَ ثلاثَ بَنَاتٍ، فأدَّبهُن، وزَوَّجَهُنَّ، وأحْسَنَ اليهنَّ، فلهُ الجَنَّةُ)، وفي رواية: (ثلاثُ أخواتِ، أو ثلاثُ بناتٍ، أو ابنَتانِ، أو أُختانِ)(رواه أبو داود)، والتعبير بجنس النساء لتفشي وأد البنات فيهم، وإلا فإن هذا الأجر لمن أحسن تربية أولاده ذكورًا أو إناثًا.
    =========================
    (2) ((من أسس تربية الأولاد في الكتاب والسنة))
    =========================
    الأبناء والذرية مسئولون منّا مسئولية كاملة، ونحن مأمورون بتربيتهم وتوجيههم والعناية بهم، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا...)(متفق عليه)، فلا عجب أن كانت عناية الشريعة الإسلامية بتربيتهم تربية حسنة سليمة على مائدة الكتاب والسنة، كالتالي:
    ==========
    تعليهم العقيدة الصحيحة، وأن النافع والضار والحافظ والمعطي والمانع...الخ هو الله (عزّ وجل)، فهذا لقمان (عليه السلام) يعلم ابنه العقيدة الصحيحة فيقول كما يحكي القرآن على لسانه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13]، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: كنت خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوما، فقال: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)(رواه الترمذي).
    ==========
    تدريبهم وتعويدهم على أمور وشعائر الدين، وتعليمهم إياها، وحثهم على التمسك بها، فمن شبّ على شيء شاب عليه، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مريم:55،54]، وقال تعالى مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم): {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132]، وعن الربيع بنت معوذ (رضي الله عنها) قالت: أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ). قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.(متفق عليه)، وعن السائب بن يزيد (رضي الله عنه) قال: (حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ)(رواه البخاري)، وعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ...)(رواه أحمد)، وعن عمر بن أبي سلمة (رضي الله عنهما) قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ). يقول عمر: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.(متفق عليه).
    ==========
    تبيين الحرام لهم، وأمرهم باجتنابه والابتعاد عنه، والحيلولة بينهم وبينه، فلا يكفي في تربيتهم أمرهم بالحلال وحسب، بل يجب أن نبين لهم الحرام ونعلمهم اجتنابه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أخذ الحسن بن علي (رضي الله عنهما)، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه (فمه)، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ)(متفق عليه)، (كخ كخ) (بفتح الكاف وتسكين الخاء) ويجوز (كسرها مع التنوين) كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات فيقال له: كخ أي: اتركه وارم به، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟. قَالَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ). ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)(الترمذي وابن ماجه)، فالزواج الميسر والمبكر أيضًا يسدُّ أبوابًا عظيمة من الفتن بين الجنسين، وفي حجة الوداع وقفت جَارِيَةٌ شَابَّةٌ من خَثْعَمٍ تستفتي النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان الفضل بن العباس رديفه وكان شابًا، فجعل ينظر إلى الفتاة وتنظر إليه، فلَوَى النبي (صلى الله عليه وسلم عُنُقَ الْفَضْلِ فقال له الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ الله، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابن عَمِّكَ؟. قال: (رأيت شَابًّا وَشَابَّةً فلم آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا)(الترمذي وأحمد).
    ==========
    تعويدهم الأخلاق الفاضلة، وتربيتهم عليها، وزرعها في نفوسهم، فهذا لقمان (عليه السلام) مرة ثانية يعلم ابنه أهم الأخلاق الفاضلة فيقول كما يقص القرآن الكريم: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ*وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ*وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان:17ـ19]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ)(رواه الترمذي وأحمد)، ودخل ابن عمر (رضي الله عنهما) على يحيى بن سعيد، وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها، فمشى إليها ابن عمر حتى حلّها، ثم أقبل بها وبالغلام معه فقال: ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم): (نَهَى أَنْ تُصْبَر (تحبس أو تربط)َ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ)(متفق عليه).
    ==========
    رعايتهم علميًا، وفكريًا، وثقافيًا، وذلك بدفعهم إلى تعلم العلوم والأشياء النافعة ومتابعتهم في ذلك، فعَن أبي رَافع (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله, أللولد علينا حق, كحقنا عليهم؟. قال: (نَعَمْ حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ، وَالسِّبَاحَةَ، وَالرَّمْيَ، وأنْ لَا يَرْزُقَهُ إلاَّ طَيبًا)(شعب الإيمان)، وقال على (زين العابدين) بن الإمام الحسين (رضي الله عنه) ت(93هـ): (كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِي النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كَمَا نُعَلَّمُ السّورَةَ مِنَ القُرْآنِ)(السيرة النبوية لابن كثير)، ويقول إِسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص ت(134هـ) كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وَيَعُدّها علينا، وسراياه، ويقول: (يَا بَنِيَّ هَذِهِ مَآثِرُ آبَائِكُمْ فَلَا تُضَيِّعُوا ذِكْرَهَا)(الجامع لأخلاق الراوي).
    ==========
    حُسن اختيار أصحابهم، والصحبة: تعني طول الملازمة والمصاحبة، وقد تكون معنوية كما أنها مادية، فوسائل الاتصال الاجتماعي، والفضائيات، والانترنت وما يبث عليه، وقراءة الكتب...إلخ كل ذلك من أنواع الصحبة، وكل ذلك يؤثر في عقلية الطفل وفي تربية فكره، إذًا فلنحرص على حسن اختيار أصحاب أبنائنا، فالصاحب كما يقولون: ساحب، قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم:22]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:27ـ29]، فهذه الآية: في كلَّ ظالم ظلم نفسه في الدنيا، وفي كلَّ من أُطيع في معصية الله وأُرضي بسخط الله، من شياطين الإنس والجنّ، وإِن كانت الآية نازلة في شخص بعينه، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ)(مسند أحمد).
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له.
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أيها الأحبة الكرام: ونحن نعايش موضوع أسس تربية الأولاد في الإسلام، لنا أن نتساءل: هل تنظيم النسل من أسس التربية السليمة للأولاد، وما حكمه في شريعتنا الإسلامية الغراء؟ وأقول: لابد أن نفرق أولًا بين تحديد النسل وتنظيمه:
    أما التحديد: وهو الإلزام بعددٍ معين من الأولاد أو المنع من الإنجاب مطلقًا فغير جائز مطلقًا؛ لأن الرازق هو الحق سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[هود:6]، وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام:151]، وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}[اإسراء:31]، فمجرد الخشية على رزق الأبناء لا يسول لنا قتلهم والاعتداء عليهم.
    كما أن المنع من الإنجاب ينافي الحكمة من الزواج ألا وهو التناسل والإنجاب، قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ}[البقرة:187]، (ما كتب الله لكم) أي: الولد عند جمهور المفسرين، وقال (صلى الله عليه وسلم): (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ)(رواه أبو داود).
    أمّا نظيمُ النسلِ: وهو أخذ فترة بين المولود والأخر، حتى تستجمع الوالدة قواها، وتسترد صحتها وعافيتها، ويستكمل المولود رضاعه، فهذا في الأصل من الأمور المباحة التي يستوي فيها الفعل والترك، وقد يتغير هذا الحكم ويصبح مندوبًا ومستحبًا أو مسنونًا، إذا خشي كثرة المسئولية وثقل حمل التربية، وقد يصبح واجبًا إن كانت صحة الأم وقواها لا تسترد إلا به، وإن كان يؤثر على التربية السليمة الصحية للأبناء الأخرين.
    ===========================================
    وهذا التنظيم للنسل من الممكن أن نستدل عليه بالكثير من نصوص الشرع الحنيف، كالآتي:
    ===========================================
    الإرشاد والندب إلى إرضاع المولود حولين هجريين، قال تعالى: {وَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف:15]، وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة:233].
    ==========
    ترخيص النبي (صلى الله عليه وسلم) لصحابته (رضي الله عنهم) في العزل، والعزل: هو جماع المرأة، وإنزال المني (ماء الرجل) خارج فرجها، حتى لا تحمل، فقد ذُكر العزل عند النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (وَمَا ذَاكُمْ؟). قالوا: الرجل تكون له المرأة ترضع، فيصيب منها (يجامعها)، ويكره أن تحمل منه، والرجل تكون له الأمة فيصيب منها، ويكره أن تحمل منه، فقال: (فَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ)(اللفظ لمسلم)، وفي رواية قال: (مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ (المني) يَكُونُ الْوَلَدُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَيْءٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ)(رواها مسلم)، وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي جارية, وأنا أعزل عنها, وأنا أكره أن تحمل, وأنا أريد ما يريد الرجال, وإن اليهود تحدث: أن العزل الموؤدة الصغرى. قال: (كَذَبَتْ يَهُودُ, لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ)(رواه أحمد)، أي: إنما يلزم الوأد لو كان مراداً لله أن يخلق من تلك النطفة شيئا، وحيث علم أنه ما أراد ذلك، فليس من الوأد في شيء، وما جاء أن العزل هو: (الْوَأْدُ الْخَفِيُّ)(رواه مسلم)، فكأن معناه أنه له مناسبة به، فهو مكروهٌ لا حرام، كما قالت اليهود، فلا منافاة.
    فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يقول: لا حرج إن تركتم العزل فليس كل مني جاء منه الولد، وكم من عزل ومع ذلك كان معه الولد، وكل ذلك بقدر الله ومشيئته، فالعزل جائز بشروط، مِنْ أهمها: أن لا يكون الباعث عليه الفرار من المسؤولية، وعناء التربية، وخوف النفقة لأن هذا يتعارض مع روح الدين الإسلامي، وإذا كان عن المرأة الحرة فيشترط إذنها، فعن عمر بن الخطاب(رضي الله عنه): (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يُعْزَلَ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا)(رواه ابن ماجه).
    ==========
    إرشاد النبي وندبه إلى ترك الغيلة، والغيلة: هي أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضعٌ، أو ترضع المرأة وهي حاملٌ، والسبب في ذلك فساد اللبن كما يقولون، وتسببه في ضعف الطفل، فعن أسماء بنت يزيد بن السكن (رضي الله عنها) قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ سِرًّا، فَإِنَّ الْغَيْلَ يُدْرِكُ الْفَارِسَ فَيُدَعْثِرُهُ (يصرعه ويسقطه) عَنْ فَرَسِهِ)(رواه أبو داود).
    ==========
    ما أثر عن سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) أنه قال: (يَا مَعْشَرَ النَّاسِ، إيَّاكم وَخِلَالًا أَرْبَعًا، فَإِنَّهُنَّ يَدْعُونَ إلَى النَّصَبِ بَعْدَ الرَّاحَةِ, وَإِلَى الضِّيقِ بَعْدَ السَّعَةِ, وَإِلَى الْمَذَلَّةِ بَعْدَ الْعِزَّةِ، إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْعِيَالِ، وَإِخْفَاضَ الْحَالِ، وَالتَّضْيِيعَ لِلْمَالِ، وَالْقِيلَ بَعْدَ الْقَالِ، فِي غَيْرِ دَرَكٍ وَلَا نَوَالٍ)(شرح مشكل الآثار)، فهذا مما يستأنس به في تنظيم النسل.
    ==========
    أن مناط القوة والمباهاة والمكاثرة في الإسلام بالكيف وليس بالكم، بقوة الإيمان، وليس بكثرة العدد، فالحق تبارك وتعالى يقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:249]، وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضي الله عنهم) ينتصرون على المشركين في غزوة بدر بالرغم من قلة عددهم، فتنظيمُ النسل من أجل الإعداد الجيد، والتربية السليمة للأبناء حتى يكونوا نافعين لأنفسهم، وبيئتهم، ومجتمعاتهم، وأوطانهم، وأمتهم لا مانع منه، بل هو واجبٌ ومطلوبٌ؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ...)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا). فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟. قال: (بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ). فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟. قال: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)(رواه أبو داود).
    كما أن الأنبياء والمرسلين حينما دعوا الله بنعمة الولد لم يدعوا بكثرته، بل دعوا بطيبه ونفعه وصلاحه، قال تعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام): {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات:100]، وقال تعالى على لسان زكريا (عليه السلام): {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}[آل عمران:38]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:74]. (قرة أعين) أي: فرحًا وسرورًا وابتهاجًا، وهذا من طيبهم وصلاحهم ونفعهم، وليس لكثرتهم، قال محمد بن كعب القرظي ت(120هـ): ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله (عز وجل).
    ============
    هذا ما يتعلق بتنظيم النسل في الشريعة الإسلامية: مع العلم أنه يوجد من الأمم والدول ما يناهز عدد سكانها خمس سكان العلم أجمع، ألا وهو دولة الصين الشعبية التي يصل تعداد سكانها قرابة المليار وخمسمائة مليون نسمة تقريبًا، وقد استغلت هذا العدد الهائل من السكان في الإنتاج والعمل والبناء حتى أضحت تناطح الولايات المتحدة اليوم رأسًا برأس على ريادة العالم، ويقاربها في نفس عدد السكان دولة الهند، وهي أيضًا من الدول المتقدمة القوية بفضل سواعد أبنائها، فالقضية ليست قضية تحديد نسل وحسب، وإنما القضية أيضًا قضية وعيٍ وعزم، وأخذٍ بثقافة الإنتاج والعمل والبناء، وأخذ بثقافة ترشيد الاستخدام مع الحد من الإسراف والاستهلاك.
    فياليت كلّ من يتعرض لتلك القضية ينبه إلى هذه الثقافات الغائبة، ويدعو إلى أن نحذوا حذوا تلك الدول المتقدمة، وكيف تغلبت على توفير حاجات هذا الكم الهائل من السكان، وكيف استخدمته لصالح تقدمها.
    ===========================================
    فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
    اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 11:18 am