الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    خطبة بعنـــــوان : الدخول في معية الله (عز وجل)

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2639
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    خطبة بعنـــــوان :   الدخول في معية الله (عز وجل)  Empty خطبة بعنـــــوان : الدخول في معية الله (عز وجل)

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الإثنين ديسمبر 30, 2019 9:43 pm

    خطبة بعنـــــوان :
    الدخول في معية الله (عز وجل)
    " أسبابــــــه ، وآثــــــاره "

    ===============66
    العناصـــــر :
    - معية الله (جل وعلا) وأنواعها .
    - مكانة استشعار واستحضار معية الله (عز وجل) العامة، ونماذج لها .
    - آثار استشعار معية الله (عز وجل ) العامة.
    - معية الله (جل وعلا) الخاصة، ومكانتها، ونماذج لها.
    - أسباب وأبواب الدخول في معية الله (عز وجل) الخاصة .
    - آثار معية الله (جل وعلا) الخاصة.
    =====================66
    الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )الملك12-14)، وقال سبحانه ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) النحل 128) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " اعبُدِ اللهَ كأنَّك تَراهُ، فإن لَم تكُن تراهُ فإنَّهُ يَراكَ " رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
    =================66
    فما أعظم أن يستشعر الإنسان معية الله عز وجل، وأنه سبحانه مطلع عليه يرى مكانه وأفعاله ويسمع كلامه، ولا يخفى عليه شيء من أمره؛ فهو سبحانه القائل ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الحديد4)،وقال سبحانه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر19) وقال جل وعلا ( قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران 29) فذلك دليل على صدق الإيمان، إذ أن المؤمن يفعل ويدع، ويصنع ويذر وهو على يقين بأن الله عز وجل عليه رقيب وعلى كل شيء حسيب، وأن الرقابة الإلهية لا تخفى عنها شاردة، ولا تغيب عنها واردة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا الْمَرِيضَةَ، وَلَكِنْ مِنْ أَوْسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهَا وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بَشَّرِهَا، وَزَكَّى نَفْسَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَمَا تَزْكِيَةُ النَّفْسِ؟، فَقَالَ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ " رواه أبو داود والبيهقي والطبراني)
    ومعية الله جل وعلا لعباده على نوعين: عامة، وخاصة.
    فأما المعية العامة: فهي اطلاع الله سبحانه وتعالى على أفعال العباد في كل وقت وعلى كل حال، قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )المجادلة7) فاستشعار العباد لهذه المعية واستحضارها يحيي القلوب الموات، ويوقظ الضمائر من السبات، ويحرك في الإنسان دواعي الخير، ويميت فيه نوازع الشر، فمتى عقل المرء واستيقن قلبه أن الله جل وعلا يراه ولا يخفى عليه شيء من أمره، أكْثَرَ من الطاعات وجَانَبَ المنكرات وشَغَل قلبه وجوارحه بعمارة الوقت بأنواع الصالحات، ففاز بالخيرات والرحمات إذ يقول رب البريات (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )النازعات40/41) ويقول جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )الملك12-14)، وفي الحديث القدسي:" وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "رواه ابن حبان والبيهقي وغيرهما) فترى أن هذا المقام (وهو: استشعار معية الله جل وعلا وانه سبحانه مطلع على عباده ) لما تملك من قلب ابن ادم، منعه أن يعتدي على أخيه ،بينما تعدى الأخر لما فقده، قال تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)المائدة27/28) هذا المقام هو الذي جعَل الفتاة التي إمرتها أمها أنْ تخلط اللبن بالماء قبل بَيعِه للناس أنْ تُراجِع أمها قائلةً: يا أمَّاه، ألاَ تَخافِين من عمر؟ تعني: أمير المؤمنين، فقالت لها أمُّها: إنَّ عمر لا يَرانا، فقالت الفتاة: " إنْ كان عمر لا يَرانا فرَبُّ عمر يَرانا". هذا المقام هو الذي جعل هذا الراعى لا يفرط في الأمانة التي بين يديه؛ إذ يقول نَافِعٌ : خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ فَوَضَعُوا سُفْرَةً لَهُمْ ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعٍ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : هَلُمَّ يَا رَاعِي فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ ، فَقَالَ : إِنِّي صَائِمٌ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الشَّدِيدِ حَرُّهُ وَأَنْتَ بَيْنَ هَذِهِ الشِّعَابِ فِي آثَارِ هَذِهِ الْغَنَمِ ، وَبَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذِهِ الْغَنَمَ وَأَنْتَ صَائِمٌ ؟ فَقَالَ الرَّاعِي : أُبَادِرُ أَيَّامِيَ الْخَالِيَةَ. فَعَجِبَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ : هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ ، نَجْتَرِزُهَا نُطْعِمُكَ مِنْ لَحْمِهَا مَا تُفْطِرُ عَلَيْهِ وَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا ؟ قَالَ : إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي إِنَّهَا لِمَوْلايَ. قَالَ : فَمَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ لَكَ مَوْلاكَ إِنْ قُلْتَ : أَكَلَهَا الذِّئْبُ ؟ فَمَضَى الرَّاعِي وَهُوَ رَافِعٌ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَهُوَ يَقُولُ : فَأَيْنَ اللَّهُ ؟ . قَالَ : فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ الرَّاعِي فَأَيْنَ اللَّهُ ! فَمَا عَدَا أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ إِلَى سَيِّدِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ الرَّاعِيَ وَالْغَنَمَ ، فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ .، لذلك كان من أجل وأعظم القيم التي غرسها النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أمته وربى عليها أصحابه، الصدق في استشعار معية الله تعالى، ومراقبته سبحانه، فلما مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ" مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟"قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي "رواه مسلم) وعلى هذا المنهج النبوي كان الصحابة رضي الله عنهم إذ يرى أبو هريرة رضي الله عنه رجلا يبيع لبنا وقد خلطه بالماء فيقول له:" كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة خلص اللبن من الماء".
    ولا شك أن من أعظم آثار استشعار هذه المعية واستحضارها: تحقيق الأمن النفسي والسلام الإنساني؛ فاستشعار معية الله شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب اطمأن، وامتدت فروعها إلى الجوارح، فنبذت الشرور والمفاسد والآثام، وأثْمَرَت عملا صالحا وقولاً حسنا وسلوكاً قويما وفعلاً كريما؛ فمن تحقق في قلبه معية الله جل وعلا واستحضر عظمته، استقام على الطاعة، وقد قال الله تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )النحل 97) وقال جل وعلا (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) طه123) من تحقق في قلبه معية الله جل وعلا واستحضر عظمته؛ رضي بما قسمه الله له، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَارْضَ بِما قَسَمَ الله لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النّاسِ".، ونظر لمن هو دونه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ " رواه مسلم ) فان أصابته سراء شكر، وان أصابته ضراء صبر؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" رواه مسلم) ( ولا شك أن في هذا أمن نفسي). من تحقق في قلبه معية الله جل وعلا واستحضر عظمته، نبذ الغل والحقد والحسد من قلبه، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم " أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ "، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ :" هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ ". من تحقق في قلبه معية الله جل وعلا واستحضر عظمته، تحلى بأحسن الأخلاق فَحَسُنَ قوله وسلم الناس من لسانه ويده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المُسْلِم مَنْ سَلمَ النَّاس مِنْ لَسَانِهِ و يَدِه " ( ولا شك أن في هذا سلام إنساني).
    ============66
    ولعل من أجل ثمار هذه المعية العامة، أنها طريق إلى المعية الخاصة ( النوع الثاني لمعية الله جل وعلا لعباده): وهى معية التأييد والحفظ والتوفيق والنصر، وهى خاصة بالأنبياء والأولياء والصالحين؛ هذه المعية، هي التي أشار الله جل وعلا إليها في غير موضع من القران، ومن ذلك: عندما أرسل موسى وهارون إلى فرعون، قال تعالى (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ) طه43/ 46) ومن ذلك أيضا، ما قاله موسى عليه السلام، حين ظن قومه الهلاك، فالبحر أمامهم وفرعون وجنوده خلفهم، قال تعالى (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ) الشعراء61-66) ومنه ما كان في أمر إبراهيم عليه السلام حينما أُلْقِيَ في النار، قال تعالى (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) الانبياء68-70) وها هي السيدة هاجر، فقد كانت بموقفها من أعظم من عاش معية الله سبحانه وتعالى، لما تركها سيدنا إبراهيم عليه السلام هي وولدها إسماعيل بأمر من الله تعالى إلى جوار بيت الله، حيث لا زرع، ولا ماء، ولا نبات، ولا إنسان؛ وعندما هَمَّ بالعودة، نادته السيدة هاجر: يا إبراهيم! فلم يجب ولم يلتفت، فقالت له: آالله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لن يضيَّعنا) ثم دعا عليه السلام بهذه الدعوات وهو على ثقة بأن الله لن يضيع زوجته وابنه وأن الله معهما ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )إبراهيم 37) فاستجاب الله جل وعلا وكانت رحمته وفضل معيته. وهذه أمنا عائشة رضي الله عنها البريئة الطاهرة - لما قيل في أمرها ما قيل باطلا و ظلما – تقول " فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وقد بكيت ليلتين ويوماً حتى أظن أن البكاء فالق كبدي". لكن معية الله كانت أعظم إذ رفعها الله درجات ودرجات، بآيات تتلى إلى قيام الساعة شاهدة على براءتها مما قالوا، ومنه قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ... الآيات ) .
    إن لهذه المعية أبوابا دلنا عليها الكتاب وكذلك السنة النبوية، فمن كانت غايته معية الله الخاصة فلا يغفل هذه الأبواب، ولا يترك هذه الأسباب؛ ومنها:
    ===========÷٦٦
    - تحقيق الإيمان، ففي حقيقته يقول النبي صلى الله عليه وسلم "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ" رواه مسلم) ويقول:" وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ" رواه الترمذي وقال حسن صحيح) وفي فضله يقول الله جل وعلا (وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾الأنبياء 88)، ويقول سبحانه (وأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال19).
    - تحقيق تقوي الله جل وعلا، فهي وصية الله سبحانه لجميع عباده، فقد قال تعالى(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)النساء 131) وحقيقة التقوى أن يجعل العبد بينه وبين غضب الله وسخطه وقايةً، بفعل كل ما أمر الله به والبعد عن كل ما نهي عنه سبحانه. وفي فضلها يقول الله جل وعلا (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) البقرة194) .
    - تحقيق معاني الإحسان، ففي حقيقته يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " رواه مسلم) وفي فضله يقول الله جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) النحل 128) ويقول سبحانه ( وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت 69)
    - الصبر بجميع ألوانه، ففي فضله يقول الله جل وعلا ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )الأنفال46)
    - حسن التوكل على الله جل وعلا ، ففي فضله يقول سبحانه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق 2،3) ويقول عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران 159).
    - الدعاء ؛ ففي فضله يقول سبحانه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)البقرة 186)ويقول تعالى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) النمل 62)
    - ذِكْر الهَ جل وعلا، فقد قال سبحانه (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) البقرة152) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ اللهُ تعالى:" أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" رواه مسلم) .
    وكفي في فضلها أن يكون العبد في حفظ الله جل وعلا؛ وما أعظمها واجلها من نعمة ( نسأل الله أن نكون من أهلها) ولقد علمتم ما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، إذ هما في الغار، وسيوف في الخارج تطلبهما؛ فيقول أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم :" لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا". فيجيب النبي صلى الله عليه وسلم:" مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا" . فأنظر كيف كان أثر هذه المعية إذ يقول الله جل وعلا (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة40) ولقد علمتم أثر معية الله جل وعلا ليونس عليه السلام وهو في ظلمات ثلاث، إذ يقول الله جل وعلا (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ )الانبياء87/88) وما كان من أمر يوسف عليه السلام وأثر معية الله جل وعلا له في كل أحواله ومنها ما جاء في قوله تعالى ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالمُونَ﴾ يوسف 23) وما أعظم قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:" وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" رواه البخاري)
    اللهم اشملنا بواسع فضلك، وأسبغ علينا نعمك
    وأحفظ مصر من كل مكروه وسوء
    ===== ٦٦

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 11:48 pm