الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023م ،  بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية :

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2689
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    عناصر خطبة الجمعة القادمة  3 نوفمبر 2023م ،  بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية : Empty عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 نوفمبر 2023م ،  بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية :

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الخميس نوفمبر 02, 2023 12:46 pm

    عناصر خطبة الجمعة القادمة
    3 نوفمبر 2023م ، 
    بعنوان : الحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية :

     

    أولًا: حقُّ الحياةِ في نصوصِ الشرائعِ السماويةِ والمواثيقِ الدوليةِ.

    ثانيًا: مظاهرُ وصورُ حمايةِ الحقِّ في الحياةِ.

    ثالثًا: مسؤوليةُ العبدِ عن الدماءِ يومَ القيامةِ.


    المـــوضــــــــــوع

    الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

    أولًا: حقُّ الحياةِ في نصوصِ الشرائعِ السماويةِ والمواثيقِ الدوليةِ.

    إنَّ حقَّ الحياةِ مِن أهمِّ الحقوقِ التي أوجبتْ الشرائعُ السماويةُ والمواثيقُ الدوليةُ حفظَهَا وحمايتهَا.

    ففي الإسلامِ جعلَ حفظَ النفسِ مِن الضروراتِ التي أوجبَ الشارعُ حفظَهَا، يقولُ الإمامُ الشاطبيُّ في الموافقاتِ: ” ومجموعُ الضروراتِ خمسٌ هي: حفظُ الدينِ، والنفسِ، والنسلِ، والمالِ، والعقلِ، هذه الضروراتُ إنْ فقدتْ، لم تجرِ مصالحُ الدنيا على استقامةٍ، بل على فسادٍ وتهارجٍ  وفوتِ حياةٍ، وفي الآخرةِ، فوتُ النجاةِ والنعمةِ، والرجوعُ بالخسرانِ المبينٍ.”أ.ه  لذلك أوجبَ الإسلامُ العقوبةَ المغلظةَ على القاتلِ حفاظًا على حقِّ الحياةِ، فقالَ تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. (النساء: 93).

    كما شرعَ الإسلامُ القصاصَ لبقاءِ حياةِ الإنسانِ، فقالَ تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } (البقرة: 179).

    يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” وَفِي شَرْع الْقِصَاصِ لَكُمْ -وَهُوَ قَتْلُ الْقَاتِلِ- حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ لَكُمْ، وَهِيَ بَقَاءُ المُهَج وصَوْنها؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ القاتلُ أَنَّهُ يُقْتَلُ انْكَفَّ عَنْ صَنِيعِهِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ حَيَاةُ النُّفُوسِ. وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: القتلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ. فَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي الْقُرْآنِ أَفْصَحُ، وَأَبْلَغُ، وَأَوْجَزُ. وقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: جَعَلَ اللَّهُ الْقِصَاصَ حَيَاةً، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يقتُل، فَتَمْنَعُهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقتل”أ.ه

    كما أكدتْ النصوصُ النبويةُ على حقِّ الحياةِ وحرمةِ قتلِ النفسِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا» (النسائي بسند صحيح).

    فالدمُ الإنسانيُّ مِن أعظمِ وأجلِّ ما ينبغِي أنْ يُصانَ ويحفظَ، قال القرطبيُّ رحمه اللهُ-: « إِنَّ الدِّمَاءَ أَحَقُّ مَا احْتِيطَ لَهَا، إِذِ الْأَصْلُ صِيَانَتُهَا في أهبها «جُلُودِهَا»، فلا تستباحُ إلّا بأمرٍ بيّنٍ لَا إِشْكَالَ فِيهِ». (تفسير القرطبي).

    وحين نطالعُ بعضَ نصوصِ الكتابِ المقدسِّ في عهديهِ القديمِ والحديثِ، فإنّنَا سنجدُ نصوصًا صريحةً وواضحةً بحقِّ الإنسانِ في الحياةِ، سواءٌ في العهدِ القديمِ الذي تلزمُ تشريعاتُهُ الديانةَ اليهوديةَ والمسيحيةَ، أو العهدِ الجديدِ الذي يخصُّ الديانةَ المسيحيةَ فقط. فقد جاءَ في العهدِ القديمِ: “لاَ تَقْتُلْ”. (سفر الخروج20: 13).

    ولم يكتفِ العهدُ القديمُ بتحريمِ القتلِ، وإنّما فرضَ عقوبةً مكافئةً لهُ وهي القتلُ حدًّا، فمَن قتلَ يُقتل. ففي العهدِ القديمِ: “مَنْ ضَرَبَ إِنْسَانًا فَمَاتَ يُقْتَلُ قَتْلاً”. (سفر الخروج 12:21)، وهذا الحكم يعم اليهودية والمسيحية.

    وأمّا العهدُ الجديدُ، فقد نُقِلَ عن السيدِ المسيحِ تأكيدُهُ لحرمةِ القتلِ ففي العهدِ الجديدِ: “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ”. (إنجيل متى 21:5).

    وفي المواثيقِ الدوليةِ والعالميةِ، قد جاءَ في البيانِ العالمِي عن حقوقِ الإنسانِ في الإسلامِ ما نصُّهُ:

    (أ) حياةُ الإنسانِ مقدسةٌ لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يعتدِي عليهَا، ولا تُسْلَبُ هذه القدسيةُ إلّا بسلطانِ الشريعةِ وبالإجراءاتِ التي تقرهَا.

    (ب) كيانُ الإنسانِ المادِّي والمعنويِّ حمى، تحميهِ الشريعةُ في حياتِه، وبعدَ مماتِه، ومِن حقِّه الترفقُ والتكريمُ في التعاملِ مع جثمانِه: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» ( مسلم). ويجبُ سترُ سوءاتِه وعيوبِه الشخصيةِ: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». (البخاري).” أ.ه

    وفي قانونِ الأممِ المتحدةِ، ج 3: مادة 6: الحقُّ في الحياةِ حقٌّ ملازمٌ لكلِّ إنسانٍ، وعلى القانونِ أنْ يحمِى هذا الحق، ولا يجوزُ حرمانُ أحدٍ مِن حياتِه تعسفًا، وحين يكونُ الحرمانُ مِن الحياةِ جريمةً مِن جرائمِ الإبادةِ الجماعيةِ، يكونُ مِن المفهومِ بداهةً أنّه ليس في هذه المادةِ أيّ نصٍّ يجيزُ لأيةِ دولةٍ تكونُ طرفًا في هذا العهدِ أنْ تعفِى نفسَهَا على أيةٍ صورةٍ مِن أيِّ التزامٍ يكونُ مترتبًا عليهَا، بمقتضَى أحكامِ اتفاقيةِ منعِ جريمةِ الإبادةِ الجماعيةِ والمعاقبةِ عليهَا.

    وهكذا جاءتْ النصوصُ الصحيحةُ والصريحةُ في الكتبِ السماويةِ والمواثيقِ والقوانينِ الدوليةِ، التي تُعطِي للإنسانِ حقَّهُ في الحياةِ، وتُحرِّمُ قتلَهُ أو سلبَهُ لهذه الحياةِ بأيِّ صورةٍ مِن الصورِ أو شكلٍ مِن الأشكالِ، كما فرضتْ العقوباتِ الرادعةَ في الدنيا والآخرةِ لكلِّ مَن يخالفُ تلك النصوصَ والقوانينَ مِن الأفرادِ والجماعاتِ والدولِ.

    ثانيًا: مظاهرُ وصورُ حمايةِ الحقِّ في الحياةِ.

    هناك عدةُ صورٍ ومظاهرٍ لحمايةِ حقِّ الحياةِ وحفظِ النفسِ مِن الإشرافِ على الموتِ والهلاكِ منها:

    أنَّ جميعَ الشرائعِ والمواثيقِ الدوليةِ، حرمتْ القتلَ: كما ذُكِرَ في عنصرنَا السابقِ، بل إنَّ الإسلامَ عدَّهُ مِن الكبائرِ المهلكاتِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ …». (متفق عليه).

    ومنها تحريمُ قتلِ الإنسانِ لنفسِه: سواءٌ كان ذلك بطريقِ الانتحارِ المباشرِ، أو بطريقِ الانتحارِ التدريجِي بتعاطِي ما يؤدِّي إلى قتلِ النفسِ أو الإضرارِ بها كالمخدراتِ والتدخينِ وغيرِ ذلك، حيثُ إنّ حياةَ البشرِ ليستْ ملكًا لهم، إنّما هي هبةٌ وهبهَا اللهُ لهم، وأمانةٌ يجبُ عليهم الحفاظُ وعدمُ الاعتداءِ عليها، وفي ذلك يقولُ ﷺ: “مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ شَرِبَ سَمّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً”.(مسلم). لذلك حرَّمَ الإسلامُ الخمرَ حفاظًا على حياةِ الإنسانِ؛ لأنَّ الخمرَ مفتاحُ كلِّ شرٍّ، فعن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: ” اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ، وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ” النسائي والبيهقي بسند صحيح).

    ومنها: النهيُ عن ترويعِ المسلمِ: وذلك سدًّا لذريعةِ الوصولِ ولو بطريقِ الخطأِ إلى قتلِ النفسِ أو الغيرِ، بغيرِ وجهِ حقٍّ، وفي ذلك يقولُ ﷺ: ” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا”،(متفق عليه). وفي رواية: ” مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ”.(مسلم).

    ومنها: حرمةُ إسقاطِ الجنينِ: فقد اتفقَ الفقهاءُ على أنَّ إسقاطَ الجنينِ وإجهاضَ الحاملِ بعدَ نفخِ الروحِ فيهِ حرامٌ، ولو كان هذا الإسقاطُ أو الإجهاضُ باتفاقِ الزوجينِ؛ لأنَّ هذا الإجهاضَ والإسقاطَ قتلٌ للنفسِ التي حرّمَ اللهُ قتلَهَا إلّا بالحقِّ، يقولُ تعالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ }(الأنعام: 151).

    ومنها: منعُ إقامةِ الحدِّ على الحاملِ حتى تضع: فقد أرجأَ رسولُ اللهُ ﷺ إقامةَ الحدِّ على الغامديةِ حتى تلد. وما كان ذلك إلّا حفاظًا على حقِّ الحياةِ للجنينِ أثناءَ حملِهِ. ففي الحديثِ أنّ المرأةَ الغامديةَ:” جَاءَتِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: «إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي»، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ»، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ”. (مسلم).

    ومنها: جوازُ فطرِ الحاملِ في رمضانَ: ولا سيَّمَا إذا كان الحملُ يضعفُهَا ويؤثرُ على صحتِهَا ويلحقُ الضررُ بها؛ وذلك لحرصِ الإسلامِ على حياةِ الجنينِ وتغذيتِه تغذيةً جيدةً.

    ومنها: الأخذُ بأسبابِ التداوِي والشفاءِ: فيجبُ على كلِّ مَن أصابَهُ مرضٌ أنْ يأخذَ بأسبابِ التداوِي والشفاءِ حفاظًا على حياتِه مِن الموتِ والهلاكِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:” مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً” (البخاري)؛ وعَنْ جَابِرٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:” لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ؛ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.” ( مسلم)؛ يقولُ الإمامُ النوويُّ – رحمه اللهُ-:” هذا فيه بيانٌ واضحٌ؛ لأنَّه قد علمَ أنّ الأطباءَ يقولون: المرضُ هو خروجُ الجسمُ عن المجرَى الطبيعِي، والمداواةُ ردّهُ إليه، وحفظُ الصحةِ بقاؤهُ عليهِ، فحفظُهَا يكونُ بإصلاحِ الأغذيةِ وغيرِهَا، وردُّهُ يكونُ بالموافقِ مِن الأدويةِ المضادةِ للمرضِ ، ……قلتُ: لكلِّ داءٍ دواءٌ، ونحن نجدُ كثيرينَ مِن المرضَى يداوونَ فلا يبرءونَ ، فقالَ: إنّما ذلك لفقدِ العلمِ بحقيقةِ المداواةِ ، لا لفقدِ الدواءِ ، وهذا واضحٌ . واللهُ أعلمُ .”أ.ه

    كلُّ هذا وغيرُهُ جعلتهُ الشرائعُ السماويةُ والمواثيقُ الدوليةُ سياجًا وحفاظًا على حياةِ الإنسانِ مِن الموتِ أو الهلاكِ.

    ثالثًا: مسؤوليةُ العبدِ عن الدماءِ يومَ القيامةِ.

    إنَّ كلَّ مَن يقومُ بقتلِ نفسٍ بغيرِ حقٍّ، تكونُ مسؤوليتُهُ جسيمةٌ وعظيمةٌ عندَ اللهِ في الآخرةِ، لذلك قُدمتْ الدماءُ في القضاءِ يومَ القيامةِ على غيرِهَا مِن الحقوقِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ». يقولُ الإمامُ النوويُّ رحمه اللهُ:” فيهِ تغليظٌ أمرِ الدماءِ، وأنَّها أولُ ما يُقضَى فيهِ بينَ الناسِ يومَ القيامةِ، وهذا لعظمِ أمرِهَا وكثيرِ خطرِهَا”.(شرح النووي على مسلم).

    وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” إِنَّ الْمَقْتُولَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ – أَوْ قَالَ: بِشِمَالِهِ – آخِذًا صَاحِبَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ ” (أحمد والترمذي وحسنه).

    أيُّها الإخوةُ المؤمنون: إنَّ أولُ جريمةٍ وقعتْ على ظهرِ الأرضِ هي قتلُ قابيل لأخيهِ هابيل حسدًا، وهو بذلك يتحملُ إثمَ دماءِ كلِّ مَن قُتِلَ ظلمَا حتى تقومَ الساعةُ. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ». (متفق عليه).

     “أي جعلَهُ طريقةً متبعةً وسيرةً سيئةً، ولم يقتلْ قبلَهُ أحدٌ أحدًا، كما أنَّ مَن سنَّ سنةً حسنةً فلهُ أجرُهُا وأجرُ مَن يعملُ بهَا إلى يومِ القيامةِ، ومَن سنَّ سنةً سيئةً فعليهِ وزرُهَا ووزرُ مَن عملَ بها إلى يومِ القيامةِ”.(فيض القدير).

     إنَّ ما تقومُ بهِ إسرائيلُ مِن قتلٍ وإبادةٍ جماعيةٍ وتدميرٍ للمستشفياتِ والمنشآتِ العامةِ، أمرٌ لا تقرّهُ جميعُ الشرائعِ السماويةِ والمواثيقِ الدوليةِ المختلفةِ، ولهذا أكدَّ القرآنُ على بنِي إسرائيلَ خاصةً في أمرِ الدماءِ لأنَّ سفكَ الدماءِ طبيعةٌ فيهم منذُ القدمِ. قالَ تعالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ}.(البقرة: 84 ، 85). وقال جل شأنه: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} ( المائدة: 32).

    ولكنْ لماذا خصَّ اللهُ بني إسرائيلَ بالذكرِ؟! قِيلَ في ذلك: خصَّ اللهُ بني إسرائيلَ بالذكرِ للتنبيهِ على أنَّهم فجرُوا في سفكِ الدماءِ بغيرِ حقٍّ، ولأنَّهُم تجرؤوا على قتلِ الأنبياءِ. {.. وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ …}. (آل عمران: 181).

    فإذا كانوا فعلوا بأنبياءِ اللهِ ذلك!! فما بالُكُم بغيرِ الأنبياءِ مِن بقيةِ البشرِ ومَن هُم على غيرِ ملتهِم!!

    وبعدُ، فهذه دعوةٌ إلى حقنِ دماءِ الأبرياءِ العزلِ، ونشرِ الأمنِ والسلامِ، محلّ الحربِ والقتلِ والدمارِ.

    نسألُ اللهَ أنْ ينصرَ الإسلامَ ويعزَّ المسلمين، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،

        الدعاء،،،،،،،              وأقم الصلاة،،،،،      

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 5:10 am