الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    من حقوق الأوطان علينا)

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2689
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    من حقوق الأوطان علينا) Empty من حقوق الأوطان علينا)

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الجمعة مارس 12, 2021 1:46 am

    (من حقوق الأوطان علينا))
    الجمعة الموافقة 28من رجب 1442هـ الموافقة 12/3/2021م
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. نعمة الأوطان من أجل نعم الله (عزّ وجلّ) علينا.
    2. من حقوق الأوطان علينا.
    (سبعةُ حقوقٍ نابعةٌ من الكتاب والسنة)
    3. الخطبة الثانية: (الولاء والانتماء للأوطان غريزة فطرية طبيعية).
    ===========================================
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ المبتدعة والمشركين و الخوارج المرتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إله الأولين و الآخرين، قيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن سيدنا محمدا ًعبده ورسوله، وخيرته من خلقه أجمعين، اللهم صل ِعليه، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
    ==============================
    (1) ((نعمة الأوطان من أجلّ نعم المولى تبارك وتعالى علينا))
    ==============================
    أيها الأحبة الكرام: فإن نِعَمُ الحقِّ تبارك وتعالى علينا في هذا الكون، وفي هذه الحياة لا تحصى ولا تعدّ، وصدق الله إذ يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم:34]
    ومن أجلّ وأعظم نعم الله علينا نعمة الأوطان التي نعيش فيها متعبدين لربنا، آمنين مطمئنين على أنفسنا وأولادنا وأهلنا وأموالنا، يدرك تلك النعمة من تأمل حال الكثير من البلدان العربية والإسلامية من حولنا التي فقد أهلها الأمن والأمان، وصدق النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها) (الآحاد والمثاني).
    والأوطان يتكون من ثلاثة أشياء: الحكومة، والشعب، والأرض وحب الوطن يستلزم حب هذه الأشياء الثلاثة، وقد علمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن حب الوطن من كمال الإيمان بالله (عزّ وجل)، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا)(متفق عليه)، فدعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) لنفسه ولأصحابه بحب المدينة، والدعاء بإصلاح هوائها، والمباركة في مدها وصاعها، مما يعلمنا حبَّ الوطن، وخصوصا أن المدينة قبل الهجرة إليها كانت تسمى (يثرب)، ولم يكن يعرف لها فضل.
    أحبتي في الله إن الأوطان التي حملتنا على أرضها، وأظلتنا تحت سمائها، وتربينا من خيراتها، وتعلمنا في مدارسها وجامعاتها حبها يتطلب منا القيام بحقوقها علينا، فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك لنتعرف على أهم حقوق الأوطان علينا، وكيف اهتمت واعتنت الشريعة الإسلامية بالأوطان، فأعيروني يا عباد الله القلوب، واصغوا إليّ بالآذان والأسماع فأقول وبالله التوفيق:
    =================
    (2) ((من حقوق الأوطان علينا))
    =================
    من حق الوطن وواجبه علينا: حمايته، والدفاع عن أرضه، وحرماته، ومقدساته، وعدم خيانته بالتآمر ضده، فما شرع الجهاد في سبيل الله إلا دفاعًا عن الدين، والوطن، والأرض، والعرض، وحمايةَ للحرمات أن تنتهك، والمقدسات أن تدنس، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].
    وقد جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) العين الساهرة على حراسة الدين والوطن، والأرض والعرض من العيون التي لا تمسها النار أبدًا، فقال (صلى الله عليه وسلم): (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(رواه الترمذي).
    وعدّ النبي (صلى الله عليه وسلم) مَنْ قُتلَ دفاعًا عن أرضه، وعرضه، ووطنه في جملة الشهداء، فقال (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)(رواه أبو داود).
    ومن أعظم أنواع الخيانة أن يخون انسانٌ وطنًه ويتآمر ضده من أجل منفعة مادية، أو مصلحة شخصية، ومَنْ فعل ذلك كان بعيدًا كل البعد عن الدين والإيمان، خائنًا لله (عزّ وجلّ)، لأن الله أمرنا بالدفاع والجهاد عن أوطاننا، فقال تعالي: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال:60]، كما أنه يعدّ خائنًا للنبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه أمرنا أيضا بحمايتها، فخيانة الوطن، والتآمر ضده خيانة لله(عزّ وجلّ)، ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقد نُهينا عن ذلك، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:27].
    ===============
    ومن حق الوطن وواجبه علينا أيضًا: المحافظة عليه، وعلى منشآته وممتلكاته، وأمواله العامة...الخ، فإذا كان المجاهدون مطالبون بحماية الوطن، وأرضه، ومقدساته، وحرماته، فإن غيرهم مطالبون بالمحافظة على الوطن، وعلى منشآته، وممتلكاته، وأمواله العامة، فحماية الممتلكات والمنشآت العامة للوطن لازمٌ شرعي، وواجبٌ ديني؛ فبها تدار شئون البلاد والعباد، ويعدّ الاعتداء عليها اعتداءً على مجموع الأفراد والمجتمع، لأن الذي يعتدي على الممتلكات والمنشآت العامة فإنه يعتدي على الأمة كلها، وعليه إثم كل من له حق في هذا الأموال والممتلكات العامة، فالاعتداء عليها أعظم جرمًا من الاعتداء على الممتلكات الخاصة.
    فإياك والإفساد فيها كما يفعل المفسدون، وإياك ودعواتهم وتحريضهم على الإفساد في دور العبادة، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والمستشفيات، وجميع المنشآت المدنية والعسكرية، ووسائل النقل والمواصلات، والمزارات، والأشجار، والأنهار، والجبال، والشواطئ، والمحميات الطبيعية، وثرواته الطبيعية...الخ، وإن كان في تلك المحافظة مشقة علينا.
    والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفي كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}[آل عمران: 161]، فقد نزلت هذه الآية في قطيفة فقدت من المغانم يوم بدر، فقال ناسٌ: لعل النبي (صلى الله عليه وسلم) أخذها، فنزلت هذه الآية ردًا عليهم وأن الأنبياء لا يأكلون ولا يسرقون الأموال العامة، وفي غزوة خيبر سرق عبد يقال له: مِدْعَم من الغنائم، فبينما هو يحط رحل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ جاءه سهم عائر (لا يدرى من أين أتى)، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا). فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي (صلى الله عليه وسلم) بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ)(متفق عليه).
    أسأل الله (عزّ وجلّ) أن ينتقم ممن يعتدي على منشآت الوطن، وممتلكاته، وأمواله العامة، أو يحرض الآخرين للاعتداء عليها، وأسأله أن ينتقم من كل من ينهبها ويسرقها ولا يتقي الله فيها، اللهم آمين.
    ===============
    ومن حق الوطن وواجبه علينا أيضًا: الوقوف أمامَ أزماتِه سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم مجتمعية...الخ)، والعملُ على حلّها، وخدمة مجتمعاته وبيئاته، كما كان من يوسف (عليه السلام) الذي استدعي من السجن ليؤول ويعبر لهم رؤيا الملك، التي كانت تحمل مشكلة اقتصادية لمصر، وفي نفس الوقت وهو يؤولها ويفسرها قدم الحلول لها، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ*يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ*قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ*ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ*ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}[يوسف:45ـ49]، فيوسف (عليه السلام) قدم الحلول لتلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ستضرب مصر، وطلب أن يقوم بالإشراف على حلها، مع أنه لم يكن مصريًا، ولكنه كان يعيش على تلك الأرض، قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ*قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:55،54].
    ومن النماذج القرآنية لذلك أيضًا، نموذج ذي القرنين هذا الرجل الصالح، في رحلته إلى شمال الكرة الأرضية (منطقة البلقان اليوم في قارة أوربا) وجد قومًا بين سدين لا يفقهون كلام أحدٍ ولا يفقه أحدٌ كلامهم، فعرضوا عليه أجرًا مقابل أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدًا وحاجزًا فلا يصلون إليهم ويتجنبوا به شرهم وإفسادهم، فقالوا بواسطة مترجم: {يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}[الكهف:94]، فردّ عليهم ذو القرنين مستعينًا بالله، وداعيًا لهم إلى الإيجابية والعمل معه والتفاعل مع مشكلات وطنهم، فقال كما يقصُّ القرآن الكريم: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا*فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}[الكهف:95ـ97].
    ومن ذلك أيضًا ما قام به عثمان بن عفان (رضي الله عنه) بشراء بئر رومة من اليهود، وجعله صدقة لله (عزّ وجل) حتى لا يتحكم اليهود في مصدر شرب المسلمين. (رواه البخاري)، وقيامه بتجهيز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأحلاسها (كساء رقيق يجعل تحت البردعة) وأقتابها (جمع قتب بفتحتين وهو رحل صغير على قدر سنام البعير وهو للجمل كالإكاف لغيره)، وقيامه بتوسعة مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) (رواهما الترمذي).
    ===============
    ومن حق الوطن وواجبه علينا أيضًا: العمل على النهوض بها، وبنائه في كافة المجالات والقطاعات، وفي جميع مناحي الحياة، فنعمل على بنائه اقتصاديًا، بالعمل والإنتاج والبناء، وبترشيد الاستهلاك، وبحسن إدارة موارده واستثمارها الاستثمار الأمثل، ونعمل على بنائه اجتماعيًا، بالمساواة بين أفراده، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والحكم بالعدل بينهم، والعمل المشترك والتعايش السلمي مع بعضهم، ونعمل على بنائه سلوكيًا، بالدعوة إلى التمسك بالقيم والأخلاق، والعمل على نشرها في جنبات المجتمع، ونعمل على بنائه علميًا وفكريًا، بمناهضة كل فكر مغشوش, واحتضان كل فكر، وكل علم في أي مجال من المجالات يهدف إلى رفعة الوطن وتقدمه.
    إن بناء الوطن، والنهوض به منظومة كبيرة تحتاج من الجميع أن يتكاتف ويتشارك مع الآخرين في تدويرها فإذا دارت هذه المنظومة سهل بعد ذلك تحريكها، أما إذا ركن كل إنسان للآخر وقال: هذا لا يعنيني، وهذا ليس من مسئوليتي، فإن الدمار سيلحق بنا جميعا، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:25]، نحن في سفينة واحدة إذا نجت نجونا جميعًا، وإذا أصابها عطب أو غرقت نغرق جميعًا ـ نعوذ بالله تعالى ـ من ذلك فيجب أن نتعاون جميعًا من أجل النهوض بهذا الوطن المبارك.
    ===============
    ومن حق الوطن وواجبه علينا أيضًا: تقديم مصلحته العامة على مصالحنا الخاصة، فقد منع النبي (صلى الله عليه وسلم) الصحابة ذات عامٍ أن يدخروا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فقال (صلى الله عليه وسلم): (ادَّخِرُوا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ). فلما كان بعد ذلك، قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم (آنية لاستقاء الماء وشربه من جلود الضحايا)، ويجملون (يذيبون) منها الودك (الشحم والدهن)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (وَمَا ذَاكَ؟). قالوا: نهيتَ أن تؤكلَ لحومُ الضحايا بعد ثلاث، فقال: (إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)(رواه مسلم)، أي: نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل (الدافة) قومٌ من الأعراب يسيرون معًا سيرًا خفيفًا التي وفدت على مدينة النبي (صلى الله عليه وسلم) قرب عيد الأضحى من أجل اللحم والمواساة، فهذا من تقديم المصلحة العامة للوطن على المصالح الخاصة.
    ومن ذلك أيضً النهي عن احتكار الغذاء، واستغلال حاجة الناس: أي: حبس السلع الضرورية ومنعها ليزيد ثمنها، قال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه أحمد)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ)(رواه ابن ماجه).
    ومن ذلك كما تقدم التضحية بالنفس دفاعًا عن الوطن، دفاعًا عن أرضه وحرماته، ومقدساته، وما قام به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)، فقد تصدق سيدنا أبو بكر بماله كله في سبيل الله، وتصدق سيدنا عمر بنصف ماله، ومن ذلك ما قام به أبو طلحة الأنصاري (رضي الله عنه) من الدفاع عن النبي (صلى الله عليه وسلم) باستماته يومَ أحد، ولا يخاف على نفسه الطعن والضرب، ويقول: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ)(متفق عليه)، فالحفاظ على حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتلك مصلحة عامة، أهم من الحفاظ على حياته، وهي مصلحة خاصة؛ لأن مقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) فيه مفسدة للدين وللمسلمين. فأين نحن من هؤلاء؟.
    ================
    ومن حق الوطن وواجبه علينا أيضًا: الالتزام بنُظُمه، وقوانينه، التي سكت عنها الشرع، ولا مخالفة له فيها، حتى وإن سنحت لنا الفرصة للإفلات منها، والتحايل عليها، وهو ما يعرف اليوم بالمصالح المرسلة، فلاشك أن الأنظمة والقوانين الوضعية الإدارية في أي بلدٍ تنظم شؤون الناس وحياتهم، كقوانين المرور، والسكن، والزراعة، والتجارة، والصناعة، وأمور البيع والشراء، وتنظيم شؤون العاملين، وتنظيم إدارة الأعمال. وغيرها من المصالح المرسلة.
    والحاكم مسؤول مسئولية كاملة عن المصالح العامة فإذا وضع نظامًا أو قانونًا يجلب مصلحةً عامةً، أو يدرأ مفسدةً، غير مخالف للشريعة الإسلامية فتجب طاعته، قال (صلى الله عليه وسلم): (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ, إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا)(السنن الكبرى للبيهقي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (...كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ...)(رواه ابن ماجه)، والقاعدة الفقهية تقول: (المعروفُ عرفًا كالمشروط شرطا)، فطالما ارتضيت أرضًا وطنًا فعليك أن تلتزم بنظامه وقوانينه طالما أنها لا تخالف شرع الله (عزّ وجلّ).
    ================
    ومن حق الوطن وواجبه علينا أيضًا: درء ومحاربة الفتن، والإشاعات التي تهدد أمنه وسلامته خارجيًا وداخليًا، وخصوصًا الفتنة الطائفية بين أبنائه.
    فقد أمرتنا الشريعة الإسلامية بمحاربة الفتن والإشاعات ودرأها، وعدم ترديد الشائعات التي تهدف إلى زعزعة الأمن، وضرب الاستقرار، وتؤجج الصراعات بين الأفراد، فأمرتنا بالتثبت عند رواية الأخبار، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ)(متفق عليه).
    وجعل النبي (صلى الله عليه وسلم) قول الخير، والصمت عن الشر من علامات الإيمان بالله (عزّ وجلّ) ومن كماله، فقال (صلى الله عليه وسلم): (...وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)(رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ...)(المسند لأحمد).
    وجعل (صلى الله عليه وسلم) ترديد الإشاعات إثم عظيم، ومن علامات النفاق، فقال (صلى الله عليه وسلم): (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)(رواه أبو داود)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)(متفق عليه)، وعن علي (رضي الله عنه) قال: (لَا تَكُونُوا عُجُلاً مَذاييعَ بُذُرَاً، فَإن مِن وَرائِكُم بَلاءً مُبْرَحَاً)(الأدب المفرد)، فمحاربة الشائعات واجب ديني ووطني، وهذا من حقوق الوطن علينا.
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((الولاء والانتماء للأوطان غريزة فطرية طبيعية))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أيها الأحبة الكرام: إن الانتماء للوطن والولاء له: طبيعةٌ فطريةٌ، وشعورٌ غريزي، يستوي فيه الإنسان وبقية الكائنات، فكما أن الكائنات تألف أماكن عيشها، ومهما ابتعدت عنها خلال بعض فصول العام فإنها ما تلبث أن تعود إليها، فكذلك الانسان يحب وطنه، ويألف العيش فيه، ويحنُّ إليه متى غاب عنه.
    وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم، حيث جعل ترك الأوطان قرين قتل النفس، و بيّن أنَّ قليل من الناس من يقدر عليه، فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}[النساء:66]، فالإنسان الطبيعي كما يحب الحياة ويكره القتل يحب وطنه، ويحب البقاء فيه، كما قرن القرآن الكريم بين المحاربة في الدين، والإخراج من الديار، وجعلهما من أسباب المقاطعة والقتال للغير، فقال تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:8]، فالإنسان الذي لا يحب وطنه ولا ينتمي له إنسان خالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها. والانتماء للوطن والولاء له: شعورٌ داخلي يجعل المرء يعمل بحماسٍ وإخلاصٍ للارتقاء بوطنه، وللدفاع عنه.
    ولأن الانتماء للوطن طبيعية فطرية، وشعور غريزي فليس ضروريًا أن يكون الوطن مفروشًا بالورد، حتى يحيا المرء فيه حياةً مثالية، فالانتماء للوطن مركوزٌ في الفطر والغرائز، وإن كان الوطن ذا ظروف صعبة، وإن كان صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، حتى وإن أساء أهله إلينا، وهذا يفسر لنا ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ليلة الهجرة، فقد وقف بالحزورة وهو على ناقته، ونظر لمكة نظرة المحبّ المفارق لحبيبه وخاطبها قائلًا: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ، مَا خَرَجْتُ) (رواه ابن ماجه).
    وصدق الشاعر حينما قال: (بلادي وإن جارَتْ عليّ عزيزةٌ ... وأهلي وإن ضنّوا عليّ كِرامُ)
    ===========================================
    فاللهم نسألك شهادة في سبيلك، مدافعين عن دينك، وعن أوطاننا، وحرماتنا، ومقدساتنا...الخ، اللهم آمين، اللهم آمين
    اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 7:54 am