الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    فريضة الزكاة، وأثرها في تحقيق التوازن المجتمعي الموافقة 2من جماد الثاني 1442هـ

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2679
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    فريضة الزكاة، وأثرها في تحقيق التوازن المجتمعي الموافقة 2من جماد الثاني 1442هـ  Empty فريضة الزكاة، وأثرها في تحقيق التوازن المجتمعي الموافقة 2من جماد الثاني 1442هـ

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الثلاثاء يناير 12, 2021 1:36 am

    فريضة الزكاة، وأثرها في تحقيق التوازن المجتمعي
    الموافقة 2من جماد الثاني 1442هـ الموافقة 15/1/2021م
    ===========================================
    أولا: العناصر:
    1. دعوة الإسلام للتكافل والترابط بين أفراد المجتمع.
    2. من أثر الزكاة والصدقات في تحقيق التوازن المجتمعي.
    (أربعة آثار من الكتاب والسنة)
    3. الزكاة نظام اجتماعي يقوم عليه ولاة الأمر، وفائدة ذلك.
    4. الخطبة الثانية: (جواز إخراج الزكوات عمومًا قبل موعدها وخاصة في تلك الظروف).
    ===========================================
    ثانيا: الموضوع:
    الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، سيد الأولين والأخرين، وحبيب ربّ العالمين لا رسول بعده ولا نبي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوراثيين، صلاة وسلاما عليك يا سيدي يا رسول الله دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وعلى آلك وأصحابك وأتباعك وأحبابك إلى يوم الدين، وبعد:
    =========================
    ((دعوةُ الإسلام للتكافل والترابط بين أفراد المجتمع))
    ========================
    أيها الأحبة الكرام: اعلموا أنه من أوجب الواجبات علينا ـ وخصوصا في أوقات الضيق والشدة والأزمات كالمجاعات والجوائح والأوبئة والأمراض الفتاكة كجائحة الكورونا اليوم ـ من أوجب الواجبات علينا في هذه الظروف أن نتكافل، ونتكاتف، ونتراحم ويقف بعضُنا بجوار بعضِنا، كما أمرنا نبينا (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ)(متفق عليه)، وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: لدغت رجلا منا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟ قال: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)(رواه مسلم)، فالإسلام هو دين الإنسانية، دين الرحمة، دين التكافل والتكاتف والترابط.
    ومن رحمة الله (عزّ وجلّ) أنه لم ينس المكروبين وأصحاب الأزمات، فقد عالج أزماتهم وكرباتهم بطرق متعددة مختلفة: بعضها يرجع للمكروب وصاحب الأزمة نفسه كالدعاء واللجوء إلى الله كما كان من يونس (عليه السلام)، وبعضها يرجع للمجتمع كالاستعداد الأمثل لتلك الجوائح والأزمات، وبعضها يرجع للمبادئ والتشريعات كتشريع الزكاة والصدقات والكفارات، فقد جاءت الشريعة الإسلامية بجملة من التشريعات، والقيم والأخلاق تقضي على الشدائد والأزمات، وتحرر الإنسان وتخلصه من أضرارها وأخطارها، وتضمن له حياة كريمة تليق بآدميته وكرامته، وهذا من عظمة الإسلام، ومن عالميته، ومن إصلاحه لكلّ زمان ومكان.
    ===========================
    ((من أثر الزكاة والصدقات في تحقيق التوازن المجتمعي))
    ===========================
    ومن هذه الحلول والتشريعات التي قدمها الإسلام لتفادي الأزمات والكربات وتحقيق التكافل والترابط والتوازن المجتمعي، الزكاة المفروضة، بالإضافة إلى الصدقات الاختيارية التطوعية، فالاثنان لهما أثر كبير في تحقيق التكافل والترابط والتوازن المجتمعي، كالتالي:
    ==================
    الزكاة المفروضة والصدقات الاختيارية التطوعية يغطيان أكبر شريحة كبيرة من الفئات الضعيفة والمحتاجة في المجتمع، فقد وزعت الشريعة الإسلامية الزكاة والصدقات على ثمانية مصارف ليغطيا أكبر شريحة من الفئات الضعيفة والمحتاجة في المجتمع، كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:60].
    فالزكاة والصدقات هما مظلة التكافل الاجتماعي في الإسلام، وهما الضمان لحياة كريمة للفئات والأصناف الضعيفة في المجتمع، بدون ثورة منهم، وبدون مطالبة، ولن تجهد هذه الأصناف وتلك الفئات أبدًا، ولن يجدوا ضيقًا في العيش والحياة، إذا ما أدى الأغنياء ما عليهم من حق لهم، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ قَدْرَ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِلَّا إِذَا جَاعُوا وَعُرُّوا مِمَّا يَصْنَعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ مُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابًا شَدِيدًا، وَمُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا نُكْرًا)(المعجم الأوسط)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَيْلٌ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ: رَبَّنَا , ظَلَمُونَا حُقُوقَنَا الَّتِي فَرَضْتَ لَنَا عَلَيْهِمْ , فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُدْنِيَنَّكُمْ وَلَأُبَاعِدَنَّهُمْ (لَأُبْعِدَنَّهُمْ)، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 25] (المعجم الأوسط، والصغير).
    ومن جملة الحاجات التي تسدّها الزكاة والصدقات؛ مواجهة الجوائح والأزمات والأوبئة والأمراض،كما كان من نبينا (صلى الله عليه وسلم) قبل بعثته فحينما رجع (صلى الله عليه وسلم) ليلة غار حراء يرتجف فؤاده ويقول: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)، فزملوه (صلى الله عليه وسلم) حتى ذهب عنه الروع، فقصّ على السيدة خديجة (رضي الله عنها) وأخبرها خبر الوحي وقال لها: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي). فقالت له: (كَلَّا، أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ)(متفق عليه)، وفي مجاعة عام الرمادة (أواخر17هـ وأول18هـ) في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أصاب الناس قحطٌ وجدبٌ شديدين، لم يعهد مثلهما مع طاعون عمواس، فكتب عمر (رضي الله عنه) إلى الأمراء بالأمصار يستمدّهم لأهل المدينة، فجاء أبو عبيدة بأربعة آلاف راحلة من الطعام، وأصلح عمرو بن العاص بحر القلزم وأرسل فيه الطعام من مصر. (كتب التاريخ).
    =====================
    أيضًا من أثر الزكاة، والصدقات الاختيارية التطوعية في تحقيق التكافل والترابط والتوازن المجتمعي؛ أنهما يساعدان الفئات والأصناف الضعيفة على الاحتراف (إيجاد حرفة)، ويخلقان فرصًا للتجارة والمرابحة: فقد قرر الفقهاء أن الفقير والمسكين والمحتاج المحترف (صاحب المهنة والعمل) يُعطي ما يشتري به أدوات حرفته، قلت قيمتها أو كثُرت، ويعطى بقدر ما يقيم مهنته، وتجارته، ويحقق له ربحًا يكفيه ويكفي أسرته، وهذا ما أرشدنا إليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، فعن قبيصة بن مخارق الهلالي (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ـ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ـ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ـ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ـ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا)(رواه مسلم).
    ومن قوام العيش وسداده أن يعطى الفقير والمسكين والمحتاج ما تقوم به حرفته ومهنته، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: (إِذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَغْنُوا)(مصنف عبد الرزاق)، كما أن من مصارف الزكاة سهم الغارمين، والغارم هو الذي لا يستطيع الوفاء بدين عليه، ولم يكن دينه في معصية، ويدخل في معنى الغارم أيضا من خسر تجارته أو مصنعه أو بضاعته، ومن هنا فإن إعطاء الزكاة لهم يعني إعادة تأهيليهم، وإعادتهم للتجارة، والمهنية، والاحتراف مرة ثانية.
    ======================
    أيضًا من أثر الزكاة، والصدقات الاختيارية التطوعية في تحقيق التكافل والترابط والتوازن المجتمعي؛ أنهما ينعشان الاقتصاد الوطني، ويساعدا في تحقيق التنمية: وانتعاش اقتصاد الأوطان يعود بالإيجاب على الفئات والأصناف الضعيفة، ويساهم بأعلى نسبة في تخفيف حدة الفقر عن كاهلهم، وذلك بإنشاء المصانع التي يعملون بها، ويتحولون بها إلى أشخاص عاملين منتجين، وبإنشاء المستشفيات، والمدارس إلى غير ذلك من المؤسسات الحكومية التي تقوم بخدمة هذه الأصناف.
    وقد فقه الصحابة (رضي الله عنهم) تلك الحقيقة فقاموا بدفع الزكوات والصدقات لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ إنعاشًا لاقتصاد الدولة المسلمة، وتخفيفًا عن كاهل الفئات والأصناف الضعيفة، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟). قلت: مثلَه، قال: وأتى أبوبكر (رضي الله عنه) بكل ما عنده، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟).قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا. (رواه أبو داود)، وهذا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) يشتري بئر رومة من اليهود، ويجعله للمسلمين، ويقوم بتوسعة مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) حينما ضاق بالمسلمين. (رواه الترمذي)، وفي عصرنا هذا رأينا كيف أن الزكاة والصدقات يساعدان الدولة كقيام بعض رجال الأعمال بتطوير المناطق العشوائية، والتكفل بمساعدة سكانيها، وإيجاد فرص عمل لهم.
    ======================
    أيضا من أثر الزكاة، والصدقات الاختيارية التطوعية في تحقيق التكافل والترابط والتوازن المجتمعي؛ أنهما يعيدان توزيع الثروة والدخل: ولذا تولى الحق تبارك وتعالى قسمتها بنفسه، ولم يوكلها لنبي من الأنبياء، فقد جاء رجلٌ إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ، حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ)(رواه أبو داود).
    هذا التوزيع على تلك الأصناف الثمانية الأكثر احتياجًا في المجتمع يساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية، ويخفف من حدة الفقر، ويدخل تحت قول المولى تبارك وتعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}[الحشر:7]، وذلك؛ لأن الزكوات تؤخذ من الأغنياء وتعطى للفقراء وبقية الأصناف الثمانية سنويا، ولا تسقط الزكاة أبدًا عن الأغنياء، وهذا مما يزيد من فاعليتها، كما أن الصدقات لا وقت محدد لإخراجها، فالزكاة والصدقات وعاء ادخاري كبير، ومورد مالي ضخم؛ لأنها تؤخذ من كل مالٍ نامٍ (قابل للنمو والزيادة)، والأصل فيها أنها لا تصرف إلا في بلد المزكي والمتصدق، ولا تنقل من بلدهما إلا لضرورة.
    ==========================
    ((الزكاة نظام اجتماعي يقوم عليه ولاة الأمر، وفائدته))
    =========================
    إن نظام الزكاة في الإسلام ليس نظامًا فرديًا، ولا من الواجبات الشخصية، ولا من باب الإحسان التطوعي، وليس موكولًا لضمائر الأشخاص، بل هو نظام اجتماعي مفروض، يجب أن يتولاه ويقوم على أمره الحكام والحكومات جمعًا وتوزيعًا، وهذا فيه العديد من الفوائد: منها:
    أن بعض الأغنياء قد تموت ضمائرهم فلا يخرجوا حق الفقير من أموالهم، وقيام ولاة الأمر بجمع الزكاة والصدقات، وتوزيعها يضمن وصول ذلك الحق لأصحابه.
    ومنها: أن أخذ الفقير حقه من ولاة الأمر خير له،وأحفظ لكرامته من أخذه من أحد الأغنياء.
    ومنها: أن ترك التوزيع للأغنياء يجعل توزيع الزكاة والصدقات فوضويًا، فقد ينتبه الأغنياء لفقراء معينين، ويغفلون عن آخرين.
    ومنها: أن هناك مصالح عامة للمسلمين تدخل في مصارف الزكاة، لا يستطيع تقديرها إلا ولاة الأمر، وأهل المشورة، كإعطاء المؤلفة قلوبهم، وإعداد العدة للجهاد في سبيل الله، وتجهيز الدعاة ليصلوا بالإسلام إلى خارج أرضه. ويرشدنا إلى ذلك قوله تعالى في مصارف الزكاة: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}[التوبة:60]، فهذا يعني أنه ينبغي أن يكون لها إدارة تتولى شئونها، وأن يكون لها ميزانية خاصة ينفق منها على العاملين على جمعها وتوزيعها، ضمانا لحسن قيامهم بعملهم، وهذا ما كان على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) تنفيذًا لقول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة: 103].
    فجمهور المفسرين على أن الخطاب في الآية للنبي (صلى الله عليه وسلم) ولولاة الأمر من بعده، وهذا ما وضحته السنة النبوية أيضا، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) بعث معاذا (رضي الله عنه) إلى اليمن، وقال له: (ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ...)(متفق عليه).
    فالشأن في أموال الزكاة أن يأمر بجمعها وردّها إلى أصحابها أولو الأمر، ولا تترك للاختيار، وهذا ما فقهه الصحابة (رضي الله عنهم) ، فعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه اجتمع نفقة عندي فيها صدقتي (يعني بلغت نصاب الزكاة)، فسألت سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري (رضي الله عنهم): أأقسمها أو أدفعها إلى السلطان؟. فقالوا: (ادْفَعْهَا إلَى السُّلْطَانِ). ما اختلف علي منهم أحد. وفي رواية: قلت لهم: هذا السلطان يفعل ما ترون (يقصد بني أمية) فأدفع إليه زكاتي؟. فقالوا: (نَعَمْ) (البدر المنير)، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: (ادْفَعُوا صَدَقَاتِ أَمْوَالِكُمْ إلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ فَمَنْ بَرَّ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَثِمَ فَعَلَيْهَا)(السنن الكبرى للبيهقي)، وعن هنيد مولى المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) وكان على أمواله بالطائف: أن المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) قال له: (كَيْفَ تَصْنَعُ فِي صَدَقَةِ أَمْوَالِي؟). قال: منها ما أدفعها إلى السلطان ومنها ما أتصدق بها فقال: (مَا لَكَ وَمَا لِذَلِكَ؟).قال: إنهم يشترون بها البزوز (الحرير غالي الثمن) ويتزوجون بها النساء ويشترون بها الأرضين. قال: (فَادْفَعْهَا إِلَيْهِمْ فَإِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَرَنَا أَنْ نَدْفَعَهَا إِلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ حِسَابُهُمْ)(السنن الكبرى للبيهقي).
    عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له
    ===========================================
    (الخطبة الثانية)
    ((جواز إخراج الزكوات عمومًا قبل موعدها وخاصة في تلك الظروف))
    ===========================================
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أيها الأحبة الكرام: رأينا كيف أن الزكاة المفروضة والصدقات التطوعية يحققان التوازن المجتمعي والترابط والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد بل بين جميع أبناء الوطن لو أحسن جمعها واستغلالها، ورأينا كيف يخففان من وطأة الحاجة وشدة الإعواز، وكيف يدفعان أثر الأزمات والكربات والأوبئة والأمراض الفتاكة...الخ.
    ولعل سائلًا يسأل ونحن في هذا الأيام وفي هذا الظرف الذي اجتاح العالم من شرقه لغربه، ومن شمال لجنوبه ويقول: هل يجوز إخراج الزكاة المفروضة قبل أوانها وحلول موعدها في مثل هذه الظرف الذي اجتاح العالم ـ وزاد فيه من شدة الفقر والحاجة والإعواز ـ للمكروبين والمرضى والمحتاجين...الخ؟ وما الدليل على ذلك؟
    والإجابة: نعم يجوز إخراج الزكاة المفروضة قبل أوانها وحلول موعدها في مثل هذه الظرف الذي اجتاح العالم وزاد فيه من شدة الفقر والحاجة والإعواز، للمكروبين والمرضى والمحتاجين...الخ، والدليل على ذلك ما يلي:
    احتباس سيدنا خالد بن الوليد (رضي الله عنه) دروعه (جمع درع) وأعتده (جمع عتاد كالسلاح)، وفي رواية: وعبيده (جمع عبد) في سبيل الله، وإجازة النبي (صلى الله عليه وسلم) له ذلك، واحتساب ما قد حبس من الأدرع والأعبد في سبيل الله، من الصدقة التي أمر بقبضها، بعد أن أرسل إليه سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ليأخذ زكاة أمواله فمنعها، فتحدث الناس بذلك، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (...فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...)(متفق عليه)، فهذا من باب تقديم الصدقة والزكاة قبل أوان حلولها ووجوبها.
    وسأل العباس بن عبد المطلب(رضي الله عنه) النبي (صلى الله عليه وسلم) في تعجيل صدقته قبل أن تحل، (فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِك)(رواه أحمد)، وفي رواية: (إِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ فِي عَامٍ)( المعجم الأوسط والكبير، وسنن البيهقي).
    وهذا هو رأي جمهور أهل العلم جواز أخذ الصدقة قبل أوان حلولها ووجوبها، لمدة عامين فقط، وخصوصًا عند الحاجة، والله تعالى أعلى وأعلم.
    ===========================
    فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين.
    اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّت ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 5:27 am