الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    انسانية الرسول صلى الله عليه وسلم

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2638
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    انسانية الرسول صلى الله عليه وسلم Empty انسانية الرسول صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الثلاثاء ديسمبر 06, 2016 11:39 pm

    انسانية الرسول صلي الله عليه وسلم

    الحمدلله وحده لا شريك له واشهد ان لا اله الا الله ان محمدا عبده ورسوله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
    اما بعد أيها الاخوة المسلمون

    كان للنبي صلي الله عليه وسلم جوانب مشرقة ونواحي مختلفة من العظمة وكان في كل جانب المثل الأعلى والنموذج الفريد، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سياسيا محنكا وفقط ولا قائدا عسكريا فذا، ولا مصلحا اجتماعيا، ولا رجلا بلغت فيه الإنسانية ذراها؛ بل كان كل هذا وتجسدت فيه معالم الإنسان الكامل. ومع أن أحدا لم يبلغ مرتقاه، ولم يصل إلى علا ذراه؛ إلا أنه نالته الأيدي الآثمة، وشهرت به الألسنة الحداد، وتبدلت نواحي عظمته إلى لائحة اتهام.
    ونحن سنبرز أنّ محمدا صلي الله عليه وسلم إنسان كان يفيض رقة وتتفجر منه العواطف النبيلة والمشاعر الغامرة، حتى شملت بفيضها وعمت بخيرها كل من حوله من أحبابه وأصحابه وأهله وأولاده وأعداءه وخصومه، ولم تقف عند هذا الحد بل كان للحيوان منه نصيبا موفورا.
    أولا : إنسانيته مع أصحابه:
    كان يحب أصحابه ويبدأهم بالسلام ويكنيهم ويدعوهم بأحب الأسماء إليهم، بل كان يقف لخدمتهم ويجهد نفسه لراحتهم، يقول أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقي أصحابه، فقالوا: يا رسول الله: لو شربت؟ قال: ساقي القومي أخرهم شربا".
    وكان أشد ما يكرهه منهم أن ينزلوه منزلة كسرى وقيصر فيبالغوا في تعظيمه ويشتطوا في تقديره، فقد ( دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأصابته رعدة من هيبته فقال: هوّن عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) .
    كان يسأل عن أخبارهم ويتفقد أحوالهم، ويدعو لغائبهم، ويزور مريضهم ويشيع جنائزهم، ويصلي عليهم، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة أقبل عليهم بوجهه فقال: هل فيكم مريضا فأعوده ؟ فإن قالوا: لا؛ قال: هل فيكم جنازة أتبعها ؟ فإن قالوا: لا؛ قال: من رأى منكم رؤيا فليقصها علينا ؟!).
    وقد بلغ حبه لهم وشفقته عليهم أنه يرق لحالهم فيحزن قلبه وتدمع عينه وتتفطر نفسه، ففي رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - (قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود؛ فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله قال: قد قُضي - أي مات - ؟ قالوا: لا يا رسول الله؛ فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا، فقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب؛ ولكن يعذب بهذا وأشار بيده إلى لسانه).
    إنسانية متوازنة :
    لم تكن شفقته بأصحابه ورقته بهم وحبه الغامر لهم يمنعه من تصحيح الخطأ وإقامة الحق وتنفيذ القصاص العادل معهم، نعم إنه رجل توازن يضبط مشاعره ويلجم عواطفه بلجام العقل والحق، عندما أخبر رسول الله بوفاة عثمان بن مظعون أسرع إلى بيته فقد كان عثمان – رضي الله عنه – من الصحابة المقربين إلى قلبه فبكى النبي صلى الله عليه وسلم عليه بكاء كثيرا، ولكن عندما قالت زوجة عثمان : رحمة الله عليك أبا السائب لقد أكرمك الله؛ فقال النبي: وما يدريك أن الله أكرمه؟ والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي!!) فالدموع التي سكبها على عثمان ما كانت لتحول بينه وبين تصحيح خطأ أو على الأقل مبالغ فيه، فالوفاء شيء والحق شيء آخر، وكان هذا المنهج المتوازن لازمة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى في سياسته لأهل بيته، نعم كان يفيض حبا لزوجاته، ويتفجر رقة وعذوبة لهن لكن ما كان يرضى أن يكون الحب لإحداهن مبيحا للاعتداء والتجاوز، تقول عائشة – رضي الله عنها – « ما رأيت صانعة طعام مثل صفية بنت حي أهدت إلى النبي إناء فيه طعام وهو عندي" تعني النبي" فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت: يا رسول الله ما كفارته؟ قال إناء بإناء وطعام بطعام».
    ثانيا : إنسانيته بزوجاته:
    كان زوجا يتودد إلى زوجاته ويتقرب إليهن، ويفعل كل ما يقوي الرابطة ويشد العلاقة، فكان إذا شربت عائشة - رضي الله عنها - من الإناء أخذه فوضع فمه على موضع فيها وشرب، وإذا تعرقت عرقا - وهو العظم عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها ...، وكان يتعامل معهن ببشريته التي فطره الله عليها فلم يكن متكلفا متعنتا؛ وهذا سر عظمته، ومبعث الإقتداء بسيرته، فقد كان يتكأ في حجر عائشة ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها، وربما كانت حائضا، وكان يأمرها فتتزر ثم يباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خلقه أنه مكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكأة على منكبيه تنظر.
    وكان ينزل إلى مستوى زوجاته، ويشبع رغباتهن؛ فـ ( كان صلى الله عليه وسلم يسرب بنات الأنصار إلى عائشة يلعبن معها)، وأكثر من هذا ما روته هي بنفسها تقول: سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فسبقته على رجلي، قالت: فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال هذه بتلك السبقة).
    ثالثا : إنسانيته مع أبناءه :
    كان صلى الله عليه وسلم يخفض لهم جناحه، ويفهم طبيعتهم السنية؛ فيداعبهم ويلاطفهم ويقبلهم، ويحتضنهم ويصبر عليهم، ويكره أن يقطع عليهم مرحهم وسعادتهم حتى ولو كان بين يدي الله تعالى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: « أن الحسن بن علي – رضي الله عنهما – دخل عليه وهو يصلي وقد سجد؛ فركب ظهره؛ فأبطأ في سجوده حتى نزل الحسن فلما فرغ قال له بعض أصحابه: يا رسول الله: قد أطلت سجودك، فقال: إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله».
    وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: « قبل النبي الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا!! فنظر النبي إليه فقال: « من لا يَرحم لا يُرحم»، وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة».
    رابعا: إنسانيته مع أعداءه:
    من معالم إنسانيته الرائعة أنه رغم خلافه مع قومه وظلمهم له، وتعديهم عليه، وتآمرهم بالقتل والإبعاد والتحريض إلا أنه لم يضق صدره بهم ذرعا، ودعا عليهم؛ بل كان يفتح يديه، ويبتهل إلى ربه قائلا: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وكاد أن يهلك نفسه من الحسرة والألم وكثرة الفكر، وطول الهم، وبذل الجهد عله أن ينقذ حياتهم من الكفر وآخرتهم من النار، والقرآن يشير إلى ذلك بقوله: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً)، وعن عائشة – رضي الله عنها - قالت: لما كذب الرسول صلى الله عليه وسلم قومه أتاه جبريل - عليه السلام - فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك، وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداه ملك الجبال وسلم عليه وقال: مرني بما شئت: أن أطبق عليهم الأخشبين فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا»، ما رأت الدنيا إنسانا يملك أدوات القوة، وأسباب العقوبة، وموجبات الأخذ والتنكيل ثم يترفع عن الثأر ويعلو فوق حظوظ النفس مثل محمد صلى الله عليه وسلم كان يحلم بأعدائه، ويصبر على من أساء إليه؛ بل كان تزيده الإساءة إحسانا وعفوا وكرما، جاء زيد بن سعنة اليهودي يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم دينا كان عليه فحبذ ثوبه عن منكبه، وأخذ بمجامع ثيابه وأغلظ له، ثم قال: إنكم يا بُني المطلب مطل؛ فانتهره عمر، وشدد له في القول، والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم!! ثم قال: إنا وهو كنا إلى غير ذلك أحوج منك يا عمر!! تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن القضاء ثم قال له: لقد بقي من أجله ثلاث، ثم أمر عمر أن يقضيه ماله، ويزيده عشرين لما روعه؛ فكان ذلك سبب إسلام زيد "رضي الله عنه".
    خامسا: إنسانيته بالحيوان:
    كان صلى الله عليه وسلم يعتبر الحيوان كيانا معتبرا ذا روح يحس بالجوع ويشعر بالعطش، ويتألم بالمرض والتعب، ويدركه ما يدرك الإنسان من أعراض الجسد؛ لذا رأيناه صلى الله عليه وسلم تتألم نفسه ويرق قلبه لحيوان ألم به الجوع ونال منه الجهد، فعن سهل بن الحنظلية - رضي الله عنه - قال : «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير قد لصق ظهره ببطنه؛ فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة»، ما أعظمك يا رسول الله رغم مسؤولياتك الجسام ومهامك العظام إلا أنك لم تشغل عن مراقبة ما يحدث لحيوان من إساءة بالغة، وإهمال من ذويه؛ فنصحت بالإحسان والرعاية، لقد وسعت شفقته فراخ طائر وأبت أن يفرق بينهم، يقول عبد الله بن عمر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها؛ فجاءت الحمرة فجعلت تفرش؛ فجاء النبي فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها»، وليس في هذا عجبا ألا نتذكر أن الله تعالى عاتب أحد أنبياءه السابقين لأنه أحرق بيت نمل، ونبينا هو الذي نقل هذه الحادثة لا يمكن إلا أن يتصرف هكذا ؟ يا إلهي ما هذه الشفقة العميقة الشاملة، وما هذا الأنموذج الرائع للرحمة؛ أجل حتى النمل لم تخرج عن دائرة رحمته صلى الله عليه وسلم ، وهل يكون في مقدور إنسان يتحرج عن سحق نملة القيام بظلم الناس وقهرهم؟

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 5:34 pm