الكتاب والسنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الكتاب والسنة

كل شيء يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


    مكانتة مصر

    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    الشيخ طاهر ابو المجد احمد
    Admin


    المساهمات : 2639
    تاريخ التسجيل : 01/12/2012
    العمر : 58
    الموقع : https://www.facebook.com/groups/183512361669940/

    مكانتة مصر Empty مكانتة مصر

    مُساهمة  الشيخ طاهر ابو المجد احمد الخميس نوفمبر 10, 2016 6:53 pm


    من مكانة مصر في القرآن الكريم،
    والسنة النبوية الشريفة
    11 من صفر 1438هـ الموافق 11 من نوفمبر 2016م
    ===============================
    أولا: العناصـــــر:
    1. سنة الله في التفضيل بين الكائنات.
    2. من مكانة مصر في القرآن الكريم
    3. من مكانة مصر في السنة النبوية المطهرة.
    4. واجبنا نحو مصر.
    ==================================
    ثانيا: الموضـــوع:
    الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم:{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[يوسف:99]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، فضل بعض الأماكن على بعض، وأعلى شأنها، ورفع منزلتها، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أوصى بمصر و بين فضلها، وتزوج مارية، وناسب أهلها، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد:
    ==================
    سنة الله في التفضيل بين الكائنات:
    ==================
    أيها الأحبة الكرام، من سنن الله (عزّ وجلّ) أنه فضّل بعض الكائنات والموجودات على بعض، ففضّل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، وفضّل ليلة القدر على سائر الليالي، وفضّل أيام العشر على أيام الدنيا، وفضّل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضّل ساعة الإجابة على ساعات نهار الجمعة، وفضّل الأنبياء على سائر الناس، وفضّل أولي العزم من الأنبياء على سائرهم، وفضّل عليهم جميعا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كما أنه سبحانه فضّل بعض الأماكن على بعض، ففضل البلد الحرام على جميع البلاد، ومن الأماكن المفضلة التي ثبت مكانتها في القرآن والسنة وطننا الحبيب، وأمنا الغالية مصر؛ بلد الكنانة، قلب العروبة النابض، حصن الإسلام، وسيفه، ودرعه فتعالوا بنا أيها الأحباب لنقف على مكانتها في القرآن والسنة، وواجبنا نحوها فأعيروني القلوب واصغوا إليّ بالآذان والأسماع فأقول وبالله التوفيق:ـ
    ==================
    من مكانة مصر في القرآن الكريم:
    ===================
    لا يُعلم بلد من البلدان ذُكر في القرآن الكريم، وأشير إليه كما ذكرت مصر وأشير إليها،
    ===========================
    فمن مكانة مصر: أنها ذكرت في القرآن الكريم أربع مرات صراحة؛ مرة في قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[يونس:87]، ومرة في قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا...}[يوسف:21]، ومرة في قوله تعالى:{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[يوسف:99]، ومرة في قوله تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الزخرف:51]، كما ذُكر من أماكنها صراحة طور سيناء في أكثر من آية، و كذلك الوداي المقدس طوى، والجبل الذي تجلى الله له، والربوة التي أوى إليها عيسى (عليه السلام) وأمه، والبحر الذي انفلق لموسى (عليه السلام)، وأشير إليها، وإلى أماكن منها في كثير من آيات القرآن، وكثرة ذكر الشيئ والإشارة إليه تدل على مكانته، وأهميته، وعظمته.
    ومن مكانتها في القرآن: أن الله (عزّ وجل) وصفها بالأرض في أكثر من خمسة عشر موضع في القرآن الكريم، وكأنها هي البلد التي تستحق أن توصف بالأرض، أو كأنها العالم كله، فقد عبّر الله (عزّ وجلّ) في القرآن الكريم عن العالم بكلمة (الأرض)، كما عبّر عن الجنة بكلمة (الأرض)، وكأنها أيضا قطعة من الجنة، والآية الخامسة بعد الخمسين من سورة يوسف جاءت كلمة (الأرض) مضافة إلى كلمة (خزائن)، قال تعالى:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ*قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:55،54]، وما ذلك إلا لكثرة خيراتها، وعظم غلاتها، وهذا إشارة إلى ما اشتهرت به مصر من قديم الزمان أنها سلة غلال العالم، وكأن أهل الأرض جميعا يحتاجون إليها، فقد أطلق عليها أم البلاد، وغوث العباد، وصورت في كتب الأقدمين وقد مدت إليها سائر المدن يدها تستطعمها (حسن المحاضرة).
    ومن مكانتها في القرآن: أن الله (عزّ وجلّ) وصفها بالمقام الكريم، وبالجنات والعيون في موضعين من القرآن، وهذا يجعل ملكها أعظم ملوك الأرض، فقال تعالى:{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الشعراء:57ـ59]، وقال تعالى:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ*كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ}[الدخان:25ـ28]، وقد فقه الفرعون ذلك فقال كما يقص القرآن على لسانه:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الزخرف:51]، ويقول عمرو بن العاص (رضي الله عنه): (ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة)(فضائل مصر المحروسة)
    ومن مكانتها في القرآن: أن الله (عزّ وجلّ) أخبر على لسان يوسف (عليه السلام)بأمن من دخلها، بينما طلب إبراهيم (عليه السلام) الأمن للبلد الحرام، قال تعالي:{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[يوسف:99]، وقال على لسان إبراهيم (عليه السلام):{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[البقرة:126].
    ومن مكانتها في القرآن: أن القرآن الكريم أشار إلى حضارتها، وتقدمها على لسان يوسف (عليه السلام)، بينما كانت الشام تعجّ بالبداوة، وهذا صحيح فمصر من قديم وهي مهد الحضارات، تعاقب عليها الرومان، والاغريق، والبطالمة، بعد الفراعنة، وحتى ظهور الحضارة الإسلامية قال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[يوسف:100]. ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى على لسان آل فرعون: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء:36]، وكثرة المدن يدل على الحضارة.
    ومن مكانتها في القرآن: أن القرآن الكريم خلّد ذكر العديد من أبنائها؛ منهم: سحرة الفرعون الذين آمنوا لموسى (عليه السلام)، قال تعالى:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ*قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ*قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ*إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:46 ـ 51]، ومنهم: الرجل المؤمن من آل الفرعون الناصح لهم، قال تعالى:{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28]، ومنهم: الرجل الذي حذر موسى (عليه السلام) من بطش أهل مصر، قال تعالى:{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}[القصص:20]، ومنهم: إمرأة الفرعون نفسه التي ضربها الله مثلا لأهل الإيمان، قال تعالى:{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[التحريم:11]، ومنهم: إمرأة العزيز تلك المرأة ذات الشجاعة ألأدبية، قال تعالى:{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[يوسف:52،51]، كذلك خلّدت السنة النبوية ذكر: ماشطة بنت الفرعون وأولادها، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ليلة أسري به مر بريح طيبة، فقال: (يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟). قال: هذه ريح ماشطة بنت فرعون وأولادها، بينما هي تمشط بنت فرعون، إذ سقط المدرى من يدها، فقالت: بسم الله، فقالت بنت فرعون: أبي، قالت: بل، ربي وربك الله، قالت: وإن لك ربا غير أبي؟ قالت: نعم، الله، قالت: فأخبر بذلك أبي، قالت: نعم، فأخبرته، فأرسل إليها فقال: ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله، فأمر بنقرة من نحاس، فأحميت، فقالت له: إن لي إليك حاجة قال: نعم، قال: فجعل يلقي ولدها واحدا واحدا، حتى انتهوا إلى ولد لها رضيع، فقال: يا أمتاه اثبتي فإنك على الحق)(رواه ابن حبّان).
    ======================
    من مكانة مصر في السنة النبوية:
    ======================
    ومن مكانة مصر في السنة النبوية المطهرة: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) صلى على أرضها ليلة الإسراء والمعراج، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِيَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ...)(رواه النسائي).
    ومن مكانتها أيضا كما بيّن هذا الحديث: أن الله (عزّ وجلّ) كلّم موسى (عليه السلام) على أرضها، في الوادي المقدس طوى بطور سيناء، تلك القطعة الغالية من أرض مصر، والتي وصفها الله (عزّ وجلّ) بالبقعة المباركة، قال تعالى:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ*فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[القصص:30،29].
    ومن مكانتها أيضا: أن نيلها من أنهار الجنة، كما أخبر المعصوم (صلى الله عليه وسلم)، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ) (رواه مسلم)، والمراد بقوله (صلى الله عليه وسلم): )كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ)، أي: مادتها ومياهها، وأصلها من الجنة، أو أن الإسلام سيعمّ وينتشر في تلك البلاد التي تجري فيها هذه الأنهار، أو أن من تغذى وشرب من تلك الأنهار صائر إلى الجنة، والأول أرجح. (شرح النووي بتصرف)، وقال الشيخ المحدث أحمد بن صديق الغماري المغربي ت (1380هـ): (ليت المغرب وصلّه جدول صغير من النيل حتى تكون أخلاق أهله كأخلاق المصريين ذكاء، ووداعة، وسماحة، وليونة وغير ذلك من جميل الأخلاق التي مصدرها طبيعة ذلك الماء الذي بحق يقال: إنه من الجنة)، كما أنه لم يشار إلى نهر في القرآن الكريم كما أشير إلى نهر النيل، فقال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:7] اتفق المفسرون على أن المراد باليمّ: نهر النيل.
    ومن مكانتها أيضا: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصي بأهلها، وأوصى بحسن معاملتهم، وذلك لقرابتهم للعرب وللمسلمين، فهم أجداد العرب؛ لأن أم إسماعيل(عليه السلام) هي السيدة هاجر المصرية، والتي كانت هي وابنها سببا من أسباب سيلان ماء زمزم، والتي خلّدت شعائرُ ومناسكُ الحج سعيها، وكفاحها، و هم أخوال المسلمين؛ لأن أم إبراهيم (رضي الله عنه) هي السيدة مارية القبطية التي أهداها المقوقس عظيم مصر للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا) أو قال (ذِمَّةً وَصِهْرًا، فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا)(رواه مسلم)، (القيراط) جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما. (ذمة) هي الحرمة والحق وهي هنا بمعنى الذمام. (ورحما) لكون هاجر أم إسماعيل (عليه السلام) منهم. (وصهرا) الصهر لكون مارية أم إبراهيم (رضي الله عنه) منهم.
    ومن مكانتها أيضا: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وصف جندها بالجند الغربي، وأنهم أسلم الناس في الفتن،وبين أنهم عدة أهل الإسلام، وأعوان لهم في سبيل الله، فعن عمرو بن الحمق (رضي الله عنه)، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (سَتَكُونُ فِتْنَةٌ أَسْلَمُ النَّاسِ فِيهَا ـ أَوْ قَالَ: لَخَيْرُ النَّاسِ فِيهَا ـ الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ) فلذلك قدمت مصر. (مستدرك الحاكم)، وعن أم سلمة(رضي الله عنها)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أوصى عند وفاته فقال: (اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ)(المعجم الكبير)، وخطب عمرو بن العاص (رضي الله عنه) فقال في خطبته: (واعلموا أنكم فى رباط إلى يوم القيامة، لكثرة الأعداء حوالكم، وتشوّق قلوبهم إليكم وإلى داركم، معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية) (فتوح مصر والمغرب)، فمصر هي حصن العروبة، وصخرة الدفاع عن الإسلام، فقد كانت بداية النهاية للصليبين على يد المصريين وذلك في عام (583هـ) فى موقعة حطين بقيادة الناصر صلاح الدين، وقضي المصريون على همجية التتار الذين اجتاحوا بغداد وقتلوا الخليفة العباسي عام (656هـ) في موقعة عين جالوت عام (658هـ) بقيادة المظفر قطز، ومن الذي هزم اليهود حديثا إنها مصر وذلك في عام 1393هـ الموافق عام 1973م في الحرب المعروفة بحرب أكتوبر المجيدة بقيادة الرئيس المؤمن محمد أنور السادات، ومازالت مصر تنافح وتكافح عن إخوانها من العرب والمسلمين.
    أحبتى في الله يكفي مصر والمصريين شرفا أن العديد من الانبياء والمرسلين عاشوا بينهم وتربوا على أرضهم، كيوسف، وموسى، وهارون، ويوشع بن نون، وعيسى (عليهم السلام)، وبعضهم زارها ومرّ بها كإبراهيم الخليل وزوجه سارة، ويعقوب وأولاده الأسباط (عليهم السلام)، وهذا ثابت بالقرآن والسنة، كما نزلها جماعة من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلغت عدتهم رجالا ونساء كما ذكر السيوطي في (حسن المحاضرة) ثلاثًا وخمسين وثلاثمائة (353) منهم من عاش بها ودفن في أرضها، كما سكنها ونزل بها جماعة من التابعين وتابعي التابعين بلغت عدتهم كما ذكر السيوطي أيضا اثنين وسبعين ومائتين (272) منهم أيضا من عاش بها ودفن في أرضها، يكفي مصر والمصريين شرفا أنهم استقبلوا واحتضنوا وأكرموا آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى رأسهم السيدة زينب بنت على بنت فاطمة الزهراء حفيدة النبي (صلى الله عليه وسلم)، كما شرفت أرض مصر باحتضانها للأئمة المجتهدين في كل عصر، ومن كل مصر حاى يومنا هذا ومن شاء أن يقف على ذلك فعليه بكتاب (حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة) للحافظ السيوطي.
    عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
    ================
    الخطبـــــة الثانيــــة
    ===============
    الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمن أطاعه جنات النعيم، وسعّر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لاإله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    أحبتى في الله رأينا بعضًا من مكانة مصر في القرآن والسنة، فماذا ينبغي علينا تجاه هذا الوطن، إن وطنًا كهذا له تلك المنزلة العالية، والمكانة السامية لحريٌ وجديرٌ أن نعمل على رفعته، وتقدمه، ونهوضه، وصدارته كما كان، وهذا لا يتأتي إلّا بالعمل والإنتاج والبناء، والحد من الاستهلاك، والقضاء على التبذير والاسراف، وطنٌ كمصر حريٌ وجديرٌ أن نحافظ على استقراره وأمنه فلا نستجيب للدعوات المشبوهة الهدامة التي تعيق البناء، وتعطل التنمية والإنتاج، وتؤدي إلى سفك الدماء، وطنٌ كمصر واجبٌ علينا حمايته، والدفاع عنه ضد أعدائه داخليا وخارجيا، وهذا ما يقوم به إخواننا وأبناؤنا في قواتنا المسلحة المصرية، فلا يليق بمصري عاقلٍ فاهمٍ واعٍ أن يلقبهم بالعسكر، و الدفاع عن الوطن وحمايته يتمثل أيضا في العمل على النهوض به، وبنائه في كافة المجالات والقطاعات، وفي جميع مناحي الحياة، اقتصاديا، واجتماعيا، وسلوكيا وأخلاقيا، وفكريا وعلميا كما تحدثت إليكم في لقاء سابق.
    فعلينا أن نقدم مصلحة هذا الوطن المبارك مصر على مصالحنا الشخصية، علينا أن نتق الله فيه وفي موارده بل وفي ترابه وأرضه، وعلينا أن نتق الله في أعمالنا فيؤدى كل واحد منا عمله المنوط به على الوجه الأكمل، علينا الصبر والسير مع قيادتها فلا أحد يحكم في خلق الله إلّا بمراد الله، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26]، فاجعلوا ولاءكم لوطنكم، فالوطن والدين والأرض جزء لا يتجزأ، وإياكم والعصبية الحزبية، والراية العُمية، وإياكم ومفارقة الجماعة، والخروج من الطاعة، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)(رواه مسلم).
    أسأل الله تعالى لي ولكم السداد والتوفيق، والرشاد، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها، وما بطن، وأن يحفظ مصر وأهلها، وأن ينصرها وجيشها، وأن يجعل من أراد بها سوءا من المدحورين، وأن يجعل كيده في نحره، وتدميره في تدبيره، وأن يوفق ولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يرزقهم البطانة الصالحة الطيبة، ويجتبهم البطانة الخبيثة الطالحة، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين......

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 11:10 am